السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته صحبة الخير والإيمان
معكم نستكمل السيرة الذاتية لسور القرآن الكريم ومع سورة ..
🌿
سورة عبس ..
سورة عبس هي سورة من السور المكية،
أي من السور التي أنزلها الله -سبحانه وتعالى- على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قبل الهجرة،
وهي من سور المفصل،
يبلغ عدد آياتها اثنان وأربعون آية،
وسورة عبس هي السورة الثمانون في ترتيب سور المصحف الشريف؛
فهي تقع في الجزء الثلاثين والحزب التاسع والخمسين في القرآن الكريم،
🌿
وقد نزل بها جبريل -عليه السَّلام- بأمر من الله تعالى بعد سورة النجم،
وتبدأ سورة عبس بفعل ماض،
حيث يقول الله تعالى في مطلعها:
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ}،
وهي من السور القرآنية التي لم يرد في آياتها لفظ الجلالة أبدًا،
🌿
تسمية سورة عبس ..
لهذه السور أسماءً أخرى اشتهرت بها في كتب التفسير،
مثل سورة الصَّاخَّة، وسورة السَّفرة، والله تعالى أعلم.
🌿
وقد سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّها افتُتحت به، قال تعالى في مطلع هذه السورة:
{عبس وتولَّى}،
وجدير بالذكر إنَّ الخفاجي قال إنَّ هذه السور تُسمَّى سورة الصاخَّة،
لورود هذا الاسم في قوله تعالى في إحدى آياتها: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ}،
وسُمَِّيت سورة السَفرة، قال تعالى في آياتها: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}،
🌿
وسُمِّيت أيضًا سورة الأعمى،
والله أعلم.
🌿
سبب نزولها ..
أنَّها نزلتْ في الصحابي الجليل الأعمى عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- الذي جاء إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذات مرَّة يسترشده ويسأله في أمور الدين،
فعبس رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- في وجه عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه-
فقد كان عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- رجل من عظماء سادة المشركين،
فكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُعرض عن عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- ويميل إلى الرجل المشرك يحاول إرشاده إلى الدين، واستمالته إلى الإيمان.
🌿
وبسبب هذه الحادثة نزلَ عتاب الله -سبحانه وتعالى- في سورة عبس لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بسبب إعراضه عن الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه-، قال تعالى في سورة عبس:
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ}،
🌿
وقد جاءت قصة سبب نزول سورة عبس في صحيح ابن حبان، فيما روته السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-:
"أُنزِلتْ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى، قالت: أتى النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فجعَل يقولُ: يا نبيَّ اللهِ أرشِدْني؟ قالت: وعندَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- رجُلٌ مِن عُظماءِ المشركينَ، فجعَل النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُعرِضُ عنه ويُقبِلُ على الآخَرِ، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: يا فلانُ أترى بما أقولُ بأسًا، فيقولُ: لا، فنزَلت:
{عَبَسَ وَتَوَلَّى}"،
والله تعالى أعلم.
🌿
َّ في سورة عبس لمسةً بيانيةً مشتركة مع سورة المعارج، يسلِّط عليها الضوء الدكتور فاضل صالح السامرائي، ففي سورة عبس يقول الله -سبحانه وتعالى-:
{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}،
في هذه الآيات المباركات، يتحدث الله -سبحانه وتعالى- عن حال الإنسان عند قيام الساعة،
الإنسان الذي يفرُّ من أخيه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده، فعند قيام الساعة يكون لكلِّ إنسان شأنه وهمُّه الذي يكفيه،
بينما يقول الله تعالى في سورة المعارج:
{يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ}،
🌿
في هذه الآيات الكريمة، يتحدَّث الله تعالى عن مصير المجرم الذي يتمنى لو أنَّه يستطيع أن يفتدي منه بأولاده وزوجته وأخواته وإخوانه وعشيرته وكلُّ من في الأرض من الناس.
🌿
إنَّ اللمسة البيانية العظيمة التي تحدَّث عنها الدكتور السامرائي هي أنَّ الإنسان يوم القيامة سيفرُّ من كلِّ الناس حتَّى من أمِّه وأبيه كما ورد في سورة عبس، بينما المجرم لا يجرؤ أن يفتدي نفسه بأمِهِ وأبيه، لعلمه أن هذا الفعل سيغضب الله ،الذي أمره في دنياه ببرهّما والإحسان إليهما فكيف يأتي بمثل هذا الفعل في موقف عظيم فيغضب الله -عزّ وجل -؟
وهذه لمسة بيانية لغوية عظيمة، تدل على بلاغة القرآن تصبُّ في صالح القرآن الكريم المعجز في وجه كلِّ مشكك حاقد، يصيد في الماء العكر، يظن بكتاب الله الظنون، والله تعالى أعلم.
🌿
غداً بحول الله وقوته نستكمل معاً سيرة ذاتية جديدة من سور القران الكريم من إعداد ..
ليالي الرسول عتمان 🌷