- تربية النبي {صلى الله عليه وسلم} للأطفال بمخاطبتهم مخاطبة الكبار :
إن الكثير من المشكلات لدى الأطفال تتولد من خلال احتقارهم لذاتهم بسبب عدم توَفُر البيئة الأسرية التي تُعزز جانب تقدير الذات لدى الأطفال وتنمي لديهم شعور التقدير والاحترام , لذلك كان من كمال الأسلوب التربوي الراقي والرائع لدى النبي {صلى الله عليه وسلم} أن عزز هذا الجانب لدى الأطفال , فعاملهم معاملة الكبار في السلام عليهم وتقديرهم واحترامهم واستئذانهم , وكذلك في تعزيتهم والثقة بهم ومبايعتهم وتكليفهم بالمهام والمسئوليات وحفظ الأسرار , فلا شك أن هذا يولد لدى الطفل شعوراً كبيراً بالمسؤولية وتقدير الذات والثقة بها .
فالطفل الذي يفقد الثقة في ذاته منذ صغره يتولد لديه الكثير من المشاكل السلوكية السلبية , كما لا يكون متفائلاً حول نتائج جهوده , وهو دائماً ما يشعر بالعجز والنقص والتشاؤم ويفقد حماسه بسرعة ويستسلم بسهولة , وغالباً ما يشعر بالخوف والغضب , ويصف نفسه بالسيئ .
فما أحوجنا في بيئتنا الأسرية والتعليمية إلى أن نزرع معاني الرجولة في نفوس الأطفال من خلال مخاطبتهم ومعاملتهم كالكبار وذلك من خلال تكليفهم بالمهمات التي تُولد لديهم الشعور بالمسئولية وتقدير الذات , كأن نختار لهم مثلاً الأنشطة التي يمارسونها والألعاب التي تخلق لديهم هذا التصور .
ــــــــــ
2- تعامل النبي {صلى الله عليه وسلم} بالعدل وأثره على تربية الأطفال :
إن مبدأ العدل في تربية الأبناء دائماً ما يُكرره {صلى الله عليه وسلم} ويُوجه الآباء والأمهات إلى التقيد به , فالعدل مبدأ وركيزة أساسية من ركائز التربية بين الأبناء , وقد أكد الرسول {صلى الله عليه وسلم} على أهمية العدل في صور شتى وقد قال {صلى الله عليه وسلم} : (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) .
فعدم العدل بين الأولاد له آثار سلبية كبيرة في التوافق الاجتماعي فيما بينهم , فدائرة عدم العدل قد يكون للشيطان فيها مدخل كبير بين الأبناء فيوسع الدائرة أكبر مما تحتمل , وذلك كما حدث لإخوة يوسف {عليه السلام} اللذين دخل الشيطان عليهم من باب عدم عدل أبيهم وميل قلبه إلى يوسف .
ولعل من أهم نتائج عدم العدل بين الأطفال هو شراسة الطفل وفقدان رغبته في السماع إلى التوجيهات , فهو يشعر بالظلم في التعامل معه وتفضيل وتدليل غيره من الأطفال .
فإن الصفات الذاتية التي يملكها الطفل من ذكاء وخُلُق وتفوق دراسي وقبول اجتماعي قد تجعل له حظوة عند والديه أو مُعلمُه عن بقية الأطفال, لكن هذا الشعور ينبغي على المُربيين المُجاهدة في إخفاءه لأن مفاسده أكبر من مكاسبه, كما لابد أن يحتسب كل مُربي فضل العدل وأجره عند الله تعالى.
ــــــــــ
3- تعامل النبي {صلى الله عليه وسلم} مع أخطاء الأطفال :
الخطأ طبيعة بشرية لاسيما بالنسبة للطفل فهو يفتقد لجانب كبير من الخبرة في الحياة الإضافة إلى فقدانه لوسائل التعلم والتعليم , ويُعد الخطأ بحد ذاته عند الأطفال مصدر من مصادر التعلم وموقف تعليمي يستفيد منه الطفل في تصحيح كثير من سلوكياته وهذا إذا تم استغلاله على الوجه الأمثل .
فينبغي على المُربي استشعار (القابلية للخطأ) عند الأطفال لفقدانهم للكثير من المعارف والخبرات التي يملكها الكبار . وهذا التصور لدى المُربي يجعل الخطأ عند الأطفال فرصة كبيرة للتعلم والتربية, ويكون موقف يستطيع المُربي أن يستثمره استثمار إيجابي يتعلم من خلاله الأطفال .
ومن يتأمل سيرة النبي {صلى الله عليه وسلم} في تعامله مع الأطفال يجد هذا الجانب حاضراً , فكان {صلى الله عليه وسلم} يوظف خطأ الأطفال في استثماره تعليمياً وتربوياً مع عدم اللوم والتوبيخ والعقاب , حيث يقوم بضبط نفسه والرفق واللين عند وقوع الخطأ , واستغلاله كموقف تربوي للحوار الواضح والتوجيه المُباشر , وذلك أتضح في المواقف والأحاديث النبوية التي وضحّت فيها تعامل {صلى الله عليه وسلم} الراقي مع أخطاء الأطفال .
وقد روى البخاري عن انس بن مالك قال : كنت أخدم النبي {صلى الله عليه وسلم} , قال فكنت أدخل بغير استئذان , فجئت يوماً فقال "كما أنت يا بني, فإنه قد حدث بعدك أمر : لا تدخلنّ إلا بإذن" .
فإننا عندما نريد تغيير سلوك من سلوكيات الأطفال كما فعل الرسول {صلى الله عليه وسلم} مع أنس ينبغي أن يكون هذا التغيير فيه توجيه والتماس العذر , كما فيه بيان لهذا التغيير بوضوح , فالرسول {صلى الله عليه وسلم} بين لأنس بوضوح السلوك الخاطئ والسلوك الصحيح الذي ينبغي فعله . إلا أن الكثير من المُربين يغيب عنهم توضيح السلوك الذي ينبغي أن يقوم به الطفل والسلوك الذي لا ينبغي أن يقوم به , فيكون الطفل محتاراً في تمييز كثير من السلوكيات وتصنيفها إن كانت خاطئة أم صحيحة , بل أن هذا التوجيه الذي يصاحبه عدم التصريح بالخطأ وتوضيح الصواب قد يؤخر استجابة الطفل وتغيير سلوكه للمأمول .
كما يحتاج الطفل في بعض المواقف إلى ترتيب المعلومة واختصار التوجيه , فكثرة الكلام مع الطفل أثناء توجيهه قد يجعله لا يستوعب الموقف التربوي بشكل كامل , فالرسول {صلى الله عليه وسلم} كان توجيهه مختصراً واضحاً دون لوم أو توبيخ أو مبالغة في العقاب حتى لا يفقد الموقف التعليمي قدره وأهميته , وحتى لا يقع الأثر السلبي في العلاقة التوجيهية وذلك بنفور الطفل من سماع التوجيه .
فلقد كان تعامله {صلى الله عليه وسلم} مع الخطأ سهلاً رقيقاً ليناً , يُراعي فيه طبيعة الأطفال ويتجاوز عن تقصيرهم ويبادر بتوجيههم ويتجنب تجريحهم ولومهم .
ونؤكد أن مسئولية تربية الطفل تقع بالدرجة الأولى على الوالدين , فرفع مستواه التربوي والعناية بالجوانب التعليمية في تربيته كفيل بتجاوز كثير من الأخطاء التربوية في المجتمع .
فما أحوجنا أن نتأمل سيرته {صلى الله عليه وسلم} في تعامله مع الأطفال لنقف وقفة تقويم وتأمل في طريقة تربيتنا لأطفالنا في منهجنا الأسري والتعليمي , وما أحوجنا أن نُراجع تراثنا التربوي الإسلامي ونُعيد اكتشاف ما فيه من القواعد والكنوز والفوائد .
ساحة النقاش