أولاً/ تربية النبي {صلى الله عليه وسلم} للأطفال بالقدوة :


كان {صلى الله عليه وسلم} قدوة للخلق بسيرته وحسن خلقه , وأسوة لأمته بأفعاله وأحواله , وكان ذو تأثير شديد على الصحابة {رضي الله عنهم} , حيث كان تأثيره قوياً ظاهراً ومُحكماً, وذا دلالات وثمرات قوية ترجمها الصحابة {رضي الله عنهم} . كما أمتد سلوكه وتأثيره {صلى الله عليه وسلم} إلى الأطفال فاقتدوا به في حياتهم .

وقد أخرج البخاري عن ابن عباس {رضي الله عنه} قال : (بت عند خالتي ميمونة ليلةً فنام النبي {صلى الله عليه وسلم} , فلما كان في بعض الليل قام رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فتوضأ من شنٍّ مُعلق وضوءاً خفيفاً , ثم قام يصلي فقمت فتوضأت نحواً مما توضأ, ثم جئت فقمت عن يساره فحولني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله) . فمن يتأمل هذا الحديث يجد فيه نموذجاً واضحاً وظاهراً لأثر القدوة وتأثيرها في حياة الأطفال , ويجد تطبيقاً واقعياً غير متكلف فيه من أحد الأطفال آنذاك وهو ابن عباس {رضي الله عنه} , ومثالاً رائعاً لمُربي اكتملت فيه معاني القدوة الحسنة وهو نبينا محمد {صلى الله عليه وسلم} .

فكان نموذج المحاكاة له أثر كبير في سلوك الطفل وفي تربيته وفي توجيهه إلى شيْ رائع وجميل وسلوك قويم وحميد , ففطرة الطفل ومحاكاته لقدوته جعلته يقوم بهذا التصرف الرائع .
لقد كان {صلى الله عليه وسلم} مُربياً بأخلاقه وأفعاله من دون أن يتحدث, حيث كان فعله وسجيته وكماله الخلقي نموذجاً لابن عباس ليقتدي به في مثل هذا الموقف التعليمي والأسري, فالرسول {صلى الله عليه وسلم} هو زوج خالته كما أنه ابن عمه , فدائرة التأثير الأسري لا يُمكن إغفالها أو التقليل منها , فتأثير القدوة في الأسرة سواء كان الوالدان او الإخوة أو الأعمام والأقارب وغيرهم .. له أثر كبير في تشكيل سلوكيات الطفل , فهم أقرب له من غيرهم .
كما أن موافقة الأقوال والأفعال والقيام بالسلوك الحسن أمام الأبناء له دور كبير في التأثير على نشأتهم وصياغة سلوكهم , فتأثر المُتربي واستجابته وتغيّر سلوكه لا يتوقف فقط على الوسائل التلقينية أو التعليمية , بل يتوقف على صدق المُربي فيما يدعوا له ومطابقته لسلوكه وفعله , حيث أن التوجيه الصادق والفعل الموافق للسلوك يختصر كثيراً من التوجيهات النظرية التي قد تنتهي في وقتها .
كما نَهى {صلى الله عليه وسلم} من الاستهانة بالكذب حتى مع الأطفال , فالطفل ينشأ على ما تعلم من والديه , كما أنه قد يتأمل ويُلاحظ تصرفاتهم وأقوالهم دون أن يستشعروا ذلك , حيث أن التقليد أحد خصائص الطفولة الأساسية فالطفل يأخذ الكثير من السلوكيات والقيم والكلمات من خلال محاولة تقليده للآخرين . فإن استشعار المُربي لأهمية القدوة وتجسديها بشكل إيجابي لصالح سلوكيات الأطفال هي مرحلة من أهم مراحل الوعي التي ينبغي على المُربي أن يتحلى بها .

:

ثانياً/ تربية النبي {صلى الله عليه وسلم} للأطفال بالحوار والتوجيه :

إن التكامل في التربية الإسلامية ميزها عن غيرها من المفاهيم التربوية , ومن أهم القيم الإسلامية التربوية (الحوار) , وهو مفهوم إسلامي اعتنت به الشريعة الإسلامية , بل كان سُنة وطريقة الأنبياء في دعوتهم أقوامهم , كما قد اعتنى به القرآن الكريم عناية بالغة وقدم منه نماذج كثيرة , كذلك نجد في سيرة الرسول {صلى الله عليه وسلم} نماذج متنوعة كثيرة ترد في أشكال عدة لتقدم لنا الدروس والعبر .
وقد كان الرسول {صلى الله عليه وسلم} يجمع في ثنايا حواره مع الأطفال التوجيه الرقيق والنصح لكثير من المفاهيم التربوية , حيث أن أهمية الحوار وثمرته تكمن في التوجيه , فالحوار الهادف هو الذي يؤدي إلى التغيير المرغوب فيه , كما يؤدي إلى تصحيح كثير من المفاهيم والأخطاء .
وقد أخرج ابن ماجه وكذلك الترمذي عن رافع بن عمرو الغفاري قال : (كنتُ أنا وغلام أرمي نخلنا أو قال "نخل الأنصار" فأتى النبي {صلى الله عليه وسلم} فقال : يا بُنيَّ لم ترمي النخل ؟ , قلت : آكل , قال : فلا ترمِ النخل وكُل مما يسقط في أسافلها , قال : ثم مسح رأسي وقال : "اللهم أشبع بطنه" .
ففي هذا الحديث جمع الرسول {صلى الله عليه وسلم} في حواره مع الطفل بين الحوار الرقيق والتوجيه اللطيف , كما قد رسخ في مفهوم الحوار جانب الإصغاء والاستماع للأطفال , وإظهار الأدب الراقي في الحوار معهم, وتقبل إجابتهم ومن ثم توجيههم , فقد كان حواره {صلى الله عليه وسلم} يحمل المضامين الصحيحة التي تُصاغ بالقالب اللطيف المناسب للأطفال .

كما لاشك أن الحوار المُثمر هو الذي يحمل في جنباته التعَلُم والتعليم , ويزرع في الطفل المبادئ والقيم , ولذلك فالأسرة التي ينتشر في وسطها مبدأ الحوار ولغة التوجيه الهادف فإنها سوف تكون أسرة مُتآلفة ومُتحابة . كما أن مسؤولية إشاعة ثقافة الحوار داخل الأسرة تقع على الوالدين بالدرجة الأولى , فلابد من امتلاكهما للخبرة والطاقة الروحية لشرح المفاهيم العميقة على نحو جيد , وأن يستطيعا تهيئة الطفل فكرياً وروحياً للحوار في المستقبل من خلال تعليمه آداب الحديث والاستماع , وتشجيعه على الصدق والتعبير عن آراءه بشكل واضح وقوي .

:

ثالثاً/ عناية النبي {صلى الله عليه وسلم} بالطفل الموهوب :

لقد كان في سيرة النبي {صلى الله عليه وسلم} لمن يتأملها منهجاً تربوياً متكاملاً سواء كان في تعامله مع الضعفاء أو مع الفقراء أو مع الأغنياء.., ومن يتأمل في تعامله {صلى الله عليه وسلم} مع ابن عمه الصحابي عبدالله بن عباس {رضي الله عنه} يلمس منهجاً مُستقلاً في تعامل الرسول {صلى الله عليه وسلم} مع الأطفال الموهوبين , حيث كان ابن عباس يُمثل هذا النموذج باقتدار لما تميز به بين أقرانه بالفهم والفقه , بل تميز بذلك من بين الصحابة {رضي الله عنهم}.
والطفل الموهوب هو الذي يملك مستوى عالٍ من القدرة على التفكير وأداء المهمة بشكل مُتقن وسريع , فهو يتمتع بخصائص عقلية واجتماعية تميزه عن غيره من الأطفال .
وتقع مسؤولية الكشف عن الطفل الموهوب على الوالدين والمعلم . وجانب هذا الاكتشاف والرعاية لصفات الموهوب وتعزيزها كان واضحاً في سيرة النبي {صلى الله عليه وسلم} ومواقفه مع أصحابه لاسيما مع عبدالله بن عباس {رضي الله عنه} .
فينبغي على كل مُربي أن يُلاحظ أو يكتشف حسن التصرف من قبل الطفل ليعزز في هذا الطفل الموهوب التصرف الحسن والمُتميز , فالنبي {صلى الله عليه وسلم} لمس من ابن عباس هذا التميز وأكتشف موهبته وعزز لديه تصرفاته وأظهر إعجابه بها كما دعا له . فالدعاء بمثابة تعزيز من قبل المُربي لقدرات الطفل كما أنه رسالة تقدير وإعجاب وسرور لحسن التصرف , كذلك فإن ضم الطفل عند القيام بتصرف متميز ورائع هو دلاله على التشجيع والتعزيز وتقدير الذات , وهذا ما فعله الرسول {صلى الله عليه وسلم} مع ابن عباس .
وقد كان من تعامله {صلى الله عليه وسلم} مع الموهوب ورعايته له أن يخصه بزيادة علم عن غيره من الأقران , فقد طَرَحَ على ابن عباس وهو طفل صغير كماً كبير من الجوانب العقدية والشرعية التي قد لا يستوعبها الأطفال في مثل سنه , وذلك لأن النبي {صلى الله عليه وسلم} قد اكتشف موهبته وتميز قدراته العقلية ونبوغه وامتلاكه لأدوات الفهم والاستيعاب مما جعلهُ {صلى الله عليه وسلم} يخص ابن عباس بحديثه .
فينبغي على المُربي أن يُلاحظ سلوك الطفل ويراعي جوانب التميز والإبداع في شخصيته ويعمل على تعزيزها وإثرائها من خلال تزويده بخبرات إضافية عن بقية أقرانه ومن هم في سنة , مما يساعد على تنمية موهبته وصقلها .

 

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 1288 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2010 بواسطة Kids-Club

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

76,620