لاشك أن الطفل يكون أكثر أماناً وإحساساً بالطمأنينة وهو بجوار أمه، ومن خلال تعلقه بها يستطيع بناء الثقة في العالم المحيط به، ولكن في بعض الأحيان قد تضطر الأم إلى الانفصال عن طفلها وتركه لمواجهة الحياة وحده، كأن يلتحق بدار للحضانة أو بالمدرسة على سبيل المثال، وحينها يكون الأمر صعباً ومرهقاً على كلا الطرفين، غير أن الأم تستطيع أن تخفف من حدة تلك المواقف وأن تجعل طفلها يعتاد على الاعتماد على نفسه تدريجياً ومواجهة العالم الخارجي من دون قلق أو خوف.
ففي السن الممتدة من 6 إلى 9 أشهر، لا يفهم الطفل أن الأشياء التي تختفي عن ناظريه يمكن أن تعود وتظهر من جديد، فعلى سبيل المثال، إذا قام الوالدان بإخفاء لعبة من أمام الطفل، فلن يبحث عنها لاعتقاده أنها اختفت إلى الأبد. لذلك، يجب على الأهل أن يقدروا إحساس الطفل عند اختفائهم من أمام عينيه، حتى ولو ذهبوا إلى المطبخ مثلاً لإحضار شيء ما ولو للحظات قليلة.
ويؤكد المتخصصون أن سن 6 أشهر، يعتبر مرحلة حيوية في حياة الطفل، لأنه يبدأ بفهم فكرة أنه شخص آخر مستقل عن أهله غير أن عالمه متعلق بهم، ولكن الخوف يتملكه لشعوره الدائم بأن العالم من حوله سينقطع عنه، وبذلك يبدأ توتره عند أول إحساس بالفراق.
وتظهر دراسات بحثية أن الطفل يفكر في حال غياب أحد والديه بعد أن كان يلعب معه، أن أباه أو أمه، لن يعودا أبداً للعب معه، فتبدأ مسيرة الخوف والبكاء والصراخ، ويؤكد المتخصصون أن الطريقة الأفضل لجعل الفراق سهلاً على الطفل، تكمن في اتباع بعض التمارين الصغيرة معه يوماً بعد يوم وإزالة الخوف من قلبه تدريجياً.
فعلى سبيل المثال، عندما يريد الأهل القيام بأي عمل في المنزل بعيداً عن الطفل، عليهم أن يفسروا له أنهم مضطرون لتركه قليلاً وحده ثم سيعودون إليه، حتى ولو لم يفهم كلامهم في البداية، غير أنه سيفهم عندما يعودون ويطبعون قبلة على وجنتيه. ويوماً بعد يوم، تصبح العملية أسهل عليه، مع الإشارة إلى أنه بالإمكان ترك الطفل في أي وقت مع جديه أو الحاضنة والذهاب إلى أي مكان وفي أي وقت حتى ولو امتدت الزيارة الخارجية بضع ساعات.
ولكن هناك نصيحة هامة للوالدين هنا، وهي أنه يجب عدم العودة إذا بدأ الطفل بالبكاء، لأن معظم الأطفال يبكون لحظة الانفصال، غير أنهم سرعان ما يتوقفون عن البكاء بمفردهم بعد فترة وجيزة لا تتعدى 10 دقائق. ويؤكد المتخصصون أن عودة الوالدين في هذه الحالة تؤدي إلى نتائج عكسية لأنها ستعيد الخوف الزائد إلى قلوب الأطفال.
وبين سن السنة والسنتين، يبدأ الطفل بالمشي ويصبح متحرراً إلى حد ما في اكتشاف كل ما يحيط به، ويصبح في مقدوره التفتيش عن الأشياء، وسرعان ما يبدأ بالخوف أو البكاء لمجرد عدم رؤيته والديه بالقرب منه، غير أن المتخصصين يؤكدون أن هذا الشعور يبرز ويزول بين حين وآخر، لاسيما وأن الطفل يبدأ بالشعور أنه قادر على اللعب بمفرده وفي أي مكان يستطيع الوصول إليه. غير أن التساؤل الذي يلازمه بشكل متواصل، هو كيفية وصول أمه أو أبيه في حالة احتياجه إليهما، وهل يتذكرونه أم لا.
ولتفادي هذا الأمر، ينصح المتخصصون الأهل بإعطاء الطفل لعبة صغيرة أو «دبدوب» صغير، ويجعلونه يحمله بشكل دائم والتأكيد له بأنه منهم ويمكن الاحتفاظ به معه، مما يجعل الطفل مطمئناً إلى أن الأهل سيعودون إليه لأن «الدبدوب» معه، ويلفت المتخصصون الأهل إلى أن الطفل سيستقبلهم بحب كبير وعليهم ألا يستغربوا الأمر لأن ذلك طبيعي بدءا من هذه السن، لأن الإحساس يكون لافتاً لدى الطفل بأنه قد يخسر والديه ولكنه سرعان ما يفرح إلى أقصى حد عند رؤيتهم من جديد.
لذلك، فمن الضروري التعامل مع الطفل بطريقة بسيطة وسلسة يوماً بعد آخر، من خلال تركه وحيداً في غرفته للحظات قليلة ثم العودة إليه لكي يعتاد على مسألة الفراق بعيداً عن الخوف والبكاء، ما سيسهل عليه إلى أقصى حد الذهاب إلى المدرسة.
ويسمى أول يوم ينفصل فيه الطفل عن أمه «بالفطام الاجتماعي»، ولابد للأم أن تهيئ الطفل لهذا اليوم، ويعد خروج الطفل للروضة أفضل من أن يتم هذا الفطام على أعتاب المدرسة، ومن هذه التهيئة ألا تخيف الأم طفلها من الروضة ولا تجعلها وسيلة عقاب، وأن تعلمه الاعتماد على النفس كأن يدخل الحمام بنفسه، ويأكل بنفسه وأن يعبر عما يريد وما لا يريد.
وعلى الأم أن تترك طفلها في الروضة بشكل تدريجي وقتاً قليلا في الأيام الأولى ثم يزيد تدريجيا، ومن المهم معرفة أنه إذا كره الطفل الروضة فإنه لن يستسيغ حياته الدراسية فيما بعد ولن يكون سعيداً بها، إلا إذا وجد ما يحببه في الدراسة ويربطه بها.
ساحة النقاش