التحكيم الإلكتروني
نظراً لحداثة وجدة مصطلح التحكيم الإلكتروني فإن الأمر يتطلب التعرض لنشأة وظهور التحكيم الإلكتروني قبل التعرض لتعريفه ، وبيان مميزاته وعيوبه وأهدافه وتطويره ، وذلك علي النحو التالي .
أولاً : النشأة التاريخية لظهور التحكيم الإلكتروني
إذا كان حسم منازعات عقود التجارة الدولية التقليدية قد يتم عن طريق اللجوء إلي المحاكم الوطنية أو الوسائل البديلة لحل المنازعات ، فإن هذه الوسائل جميعها يمكن استخدامها لحل المنازعات الناشئة عن العقود الدولية الإلكترونية .
وتشكل الوسائل البديلة Alternatives Dispute Resolution (ADR) ، والتي تتمثل في التفاوض والوساطة والتحكيم ، الموجه الأولي من آليات حل النزاع التي تجري بطريقة غير شكلية بعيداً عن اللجوء إلي القضاء الوطني ، وفي بداية عام 1991 ، تاريخ ظهور الموجة الثانية من آليات حل المنازعات ، بدأ نظام حل المنازعات الذي يجري إلكترونياً باستخدام البريد الإلكتروني أو المواقع الإلكترونية أو الفيديوكونفرانس Videoconference ، ويرجع هذا إلي العيوب التي ينطوي عليها الرجوع إلي الوسائل البديلة لحل المنازعات أو التي ينطوي عليها طلب الحل أمام المحاكم الوطنية .
وعلاوة علي هذه الوسائل البديلة لحل المنازعات ظهرت وسائل أخرى منها علي سبيل المثال ، برامج Ombudsman ، والخبرة التحكيمية expertise arbitral ، والوساطة والتحكيم Med-Arb طبقاً لهذا النظام يتم حل المنازعة علي مرحلتين ، الأولي وهي الوساطة فإذا فشلت هذه المرحلة تم الانتقال إلي مرحلة التحكيم ، كما توجد المحاكم الفضائية أو محاكم الإنترنت Cyber Tribunal ، ونظام الآيكان ICAAN الخاص بالمنازعات الناشئة عن استخدام أسماء الدومين .
وفي بداية التسعينيات من القرن المنصرم ظهرت فكرة حل المنازعات إلكترونياً عبر الإنترنت ، وأصبح حل المنازعات يتم بذات الطريقة التي تتم بها إبرام التصرفات القانونية التي تنشأ عنها هذه المنازعات ، وبذلك انتقل عالم المعاملات التجارية الدولية من مرحلة كان يتم حل المنازعات فيها من خلال الوسائل البديلة لحل المنازعات Alternatives Dispute Resolution (ADR) إلي مرحلة تجري فيها إجراءات حل المنازعة بطريقة إلكترونية مباشرة علي شبكة الإنترنت Online Dispute Resolution .
ونتيجة لطبيعة منازعات العقود الدولية الإلكترونية وما تتطلبه من سرعة استدعت الضرورة البحث عن آلية أسرع من التحكيم الإلكتروني وهو ما أدي إلى قيام بعض مراكز التحكيم باللجوء إلى أسلوب التحكيم المعجلExpedited Arbitration ، الذي ظهر العمل به في عام 1998 .
ووفق هذا النظام يقوم المحتكم بالنقر على مفتاح Create a case وملء النموذج الخاص المعد سلفاً من قبل المركز وإرساله له بالبريد الإلكتروني ، ثم يقوم المركز بإخطار المحتكم ضده وإعداد صفحة للنزاع على موقع المركز على شبكة الإنترنت ويزود كل طرف باسم مرور pass word ليتمكن من دخول الموقع وعرض النزاع ، وفي هذا النظام تتكون هيئة التحكيم من محكم فرد وتنتهي القضية خلال شهر واحد من بدء الإجراءات .
ثانياً : ماهية التحكيم الإلكتروني
لا يختلف تعريف التحكيم الإلكتروني عن التحكيم التقليدي ، إلا من خلال الوسيلة التي تتم فيها إجراءات التحكيم في العالم الافتراضي ، فلا وجود للورق والكتابة التقليدية أو الحضور المادي للأشخاص في هذا التحكيم ، حتى أن الأحكام قد يحصل عليها الأطراف موقعة وجاهزة بطريق إلكتروني باستخدام التوقيع الإلكتروني .
ولتعريف مصطلح التحكيم الإلكترونية يجب أن ننظر إليه من خلال تقسيم هذا التعبير إلى مقطعين :
المقطع الأول : وهو التحكيم ، بمعناه التقليدي ، وهو يعنى اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين لتسويته خارج المحكمة المختصة . أما المقطع الثاني : وهو الإلكتروني ، ويعني الاعتماد علي تقنيات تحتوي علي ما هو كهربي أو رقمي أو مغناطيسي أو لاسلكي أو بصري أو كهرومغناطيسي ، أو غيرها من الوسائل المشابهة ، وهي نوع من التوصيف والتحديد لمجال نوع النشاط المحدد في المقطع الأول ويقصد به إجراء التحكيم باستخدام الوسائط والأساليب والشبكات الإلكترونية ومنها شبكة الإنترنت .
ومن التشريعات الوطنية التي وضعت تعريف محدد لمصطلح إلكتروني القانون الكندي ، حيث عرف المشرع في قانون التجارة الإلكترونية الموحد في المادة 1/أ من الجزء الأول بأن مصطلح إلكترونيا يقصد به " عملية إنشاء أو تسجيل أو نقل أو تخزين في صيغة رقمية أو أي صيغة أخرى غير ملموسة بواسطة وسائل إلكترونية أو بأية وسائل أخرى مشابهة لديها القدرة على الإنشاء أو التسجيل أو النقل أو التخزين إلكترونياً " .
وبالتالي يمكن تعريف التحكيم الإلكتروني بأنه " التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة اتصالات دولية بطريقة سمعية بصرية ودون الحاجة إلى التواجد المادي لأطراف النزاع والمحكمين في مكان معين " .
ثالثاً : مميزات التحكيم الإلكتروني
مميزات هذا التحكيم كثيرة ومرتبطة بالتجارة الإلكترونية والعقود الإلكترونية بطريقة تميزه عن اللجوء إلى المحاكم الوطنية وحتى عن التحكيم التجاري التقليدي ، ومن هذه المميزات :
1- اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني (التحكيم بواسطة الإنترنت) يجنب أطراف العقد عدم مسايرة القانون والقضاء للعقود الإلكترونية سواءً قانونياً أو قضائياً ، حيث أنه يجنبهم عدم الاعتراف القانوني بهذه العقود أو صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق ، وتحديد المحكمة المختصة ، وهذا الأمر ليس بالأمر اليسير وفقاً للقضاء العادي عند إحالة النزاع إليه.
2- إن أهم ميزة للتحكيم الإلكتروني هو السرعة في الفصل بالنزاع ، وهذه الميزة تفوق كثيراً ما يجري به تداول هذه المنازعات في أروقة المحاكم الوطنية من بطء وتكدس للقضايا خاصة مع ازدياد عقود التجارة الإلكترونية ، حتى أن هذا التحكيم يفوق كثيراً سرعة الفصل في المنازعات المعروضة عليه مقارنة باللجوء للتحكيم التجاري العادي الذي يحتاج مدة أطول بكثير مما يتطلبه هذا التحكيم .
والسبب في توفير الوقت يرجع إلي أنه لا يلزم في التحكيم الإلكتروني انتقال أطراف النزاع أو الحضور المادي أمام المحكمين ، بل يمكن سماع المتخاصمين عبر وسائط الاتصال الإلكترونية بواسطة الأقمار الاصطناعية .
كما أن التحكيم الإلكتروني يمكن من تبادل المستندات والأدلة فيما بين أطراف خصومة التحكيم في ذات الوقت عبر البريد الإلكتروني أو أية وسيلة إلكترونية أخري ، وهذا علي خلاف الأمر بالنسبة للتحكيم التقليدي الذي يتطلب حضور الأطراف أنفسهم أو وكلاء يمثلوهم .
3 - الرغبة في عرض النزاع على أشخاص ذوي خبرة فنية خاصة ومحل ثقة ، تعنى وتواكب تطور التجارة الإلكترونية ، خاصة في المجال الفني والقانوني لهذه التجارة .
فمن المعروف أن ثمة منازعات تحتاج إلي شخص مؤهل يتمتع بخبرة في المجال الذي تتعلق به هذه المنازعات ، والحقيقة أن كل المنازعات التي تنشأ عن إبرام وتنفيذ العقود الإلكترونية تستلزم شخص يتمتع بخبرات في هذا المجال وهي خبرات لا تتوافر ، غالباً ، في القاضي الوطني .
ويعبر البعض عن هذه الميزة بالكفاية المهنية ، حيث غالباً ما يلجأ أطراف النزاع إلي اختيار محكمين علي درجة عالية من الكفاءة والتخصص في موضوع النزاع ، وهذه الكفاية المهنية تجنب ما يوجه إلي القضاة من عدم التخصص في شتي المنازعات أو اعتمادهم بصفة مطلقة علي ما ينتهي إليه الخبير المعين بواسطتهم دون أي مناقشة أو تعديل لرأي الخبير .
4 - تقليل نفقات التقاضي ، وذلك يتناسب مع حجم العقود الدولية الإلكترونية المبرمة التي لا تكون في الغالب الأعم كبيرة بل متواضعة ، وتستخدم أحياناً نظم الوسائط المتعددة التي تتيح استخدام الوسائل السمعية والبصرية في عقد جلسات التحكيم على الخط المباشر للأطراف وللخبراء وهذا يقلل من نفقات السفر والانتقال .
5 - السرية ، وهي ميزة التحكيم من حيث وجوده ونتائجه وفى جميع المراحل إذ لا تكون جلساته علانية ، مما يحول دون إلحاق الضرر بسمعة الأطراف المحتكمين .
والواقع أن السرية التي يكفلها التحكيم الإلكتروني تبدو أكثر أهمية في مجال العلاقات التجارية الدولية التي تبرم بطريقة إلكترونية ، حيث أن الاتصالات تمتاز بالسرعة ، ومن ثم فإن انتشار الأخبار التي تنطوي علي أسرار تجارية أو صناعية أو مالية أو اقتصادية سيتم بسرعة كبيرة .
6 - سهولة الحصول على الحكم بسبب تقديم المستندات عبر البريد الإلكتروني ، أو من خلال الواجهة الخاصة التي صممت من قبل المحكم أو مركز التحكيم الإلكتروني لتقديم البيانات والحصول على الأحكام موقعة من المحكمين .
7- وجود اتفاقية دولية بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين ، وهي اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها لعام (1958) ، وذلك على خلاف أحكام القضاء حيث لا يوجد حتى الآن اتفاقية تحكم الاعتراف والتنفيذ الدولي مثل اتفاقية نيويورك ، مع أن هناك اتفاقيات إقليمية وثنائية لتنفيذها.
ساحة النقاش