اسرائيل اليوم:لاربيع ولا شعوب في الشرق الاوسط
بقلم-يورام اتينغر
في القرن التاسع عشر بشرت موجة العنف في الشارع الاوروبي بازهار 'ربيع الشعوب' الهبة القومية، والحرية والقضاء على الاستبداد. وفي 2011 تُظهر الزعزعات في الشرق الاوسط الشارع العربي في عورته فلا 'ربيع' ولا 'شعوب'. والحديث بدقة أكبر عن زيادة صراعات القوة القبلية والعرقية والدينية والجغرافية، الداخلية والعربية مع الغُلو في عدم التسامح وتصعيد العنف وثقافة كراهية لـ 'الآخر'. والنتيجة عدم وجود استقرار وعدم يقين يتعلق بنظم الحكم والترتيبات السياسية وقضاء قاسٍ على جهود التحول الديمقراطي.
في القرن التاسع عشر حُمل ربيع الشعوب على أمواج حماسة وتفاؤل. وفي 2011 يتحطم وهْم ربيع الشعوب بسبب عجز حلقات مستنيرة عربية.
إن توقع تحقيق قريب لرؤيا ربيع الشعوب في الدول العربية مقطوع عن واقع الشرق الاوسط. فهو يشكل نصرا آخر للأشواق على الواقع، ويفضي الى سياسة توجهها الأوهام قد تصبح عصا مرتدة قاتلة.
في شباط (فبراير) 2010 أعاد اوباما سفير الولايات المتحدة الى سورية بعد اربع سنين من الغياب، 'لان الاسد لاعب بنّاء في المنطقة'. في تموز (يوليو) 2000 مع تعيين بشار الاسد رئيسا لسورية، أعلن الغرب واسرائيل ربيع شعوب متوقعا في دمشق. ولم يستفيقا ايضا عندما 'فاز' الاسد بـ 97 في المئة في معركتين انتخابيتين. فقد افترضا ان طبيب عيون اختص في لندن ويمتلك ناصية الانكليزية والفرنسية، تولى رئاسة ' اتحاد الانترنت السوري' ومتزوج بامرأة نشأت في بريطانيا وتؤيد حقوق المرأة، يجب ان يكون مستنيرا. لقد قرّبا التقدير المتزن والحقائق عن عائلة الاسد والعلويين، والرؤيا السورية ومركزية الحلف بين دمشق وطهران على مذبح التوق الى السلام مع سورية. تكشف اضطرابات 2011 عن مقدار الوهْم وعن وجه المستبد السوري الحقيقي.
في شباط (فبراير) 2011 سارع الرئيس اوباما ووزيرة خارجيته كلينتون الى اعلان استعادة تراث مارتين لوثر كينغ والمهاتما غاندي في شوارع تونس ومصر. لكن آلاف اللاجئين التونسيين الذين يهربون الى الجزيرة الايطالية لامندوزا، وكذلك ايضا حملات القتل والتعذيب والكراهية والفساد التي تصحبها انفجارات بركانية في الدول العربية، تدحض توقعات البيت الابيض.
في 1993 بشّرت مدرسة 'الشرق الاوسط الجديد' بانقضاء عصر الحدود والجيوش والمواجهات في الشرق الاوسط. لكن التربية على الكراهية في السلطة الفلسطينية، وازدياد الارهاب الاسلامي، والتهديد الايراني، ونشر صواريخ متقدمة، وقتل الحريري، وحربي لبنان وغزة وزعزعات 2011 كل ذلك حطم الرؤيا الداحضة. تحطم وهْم 'ربيع عرفات' مع نشوب الانتفاضة الثانية، لكن أُعيد بناؤه في كانون الثاني (يناير) 2005 بواسطة 'ربيع أبو مازن'. لا تفيق النخب في اسرائيل والغرب من وهْم أبو مازن برغم الحقائق.
إن زعزعات الدول العربية مع انسحاب مرتقب للولايات المتحدة من العراق والخليج وافغانستان الى جانب عدم الثقة بالتزامات دولية لا تبشر بمقدم 'الربيع'، انها تبشر بطوفانات جغرافية سياسية قوية تقتضي الحفاظ على كنوز اسرائيل الامنية لا التخلي عنها.
الكاتب مندوب شؤون الكونغرس سابقا في سفارة اسرائيل في واشنطن
هآرتس:نحو انهاء الصراع
د. ايتان غينزبرغ
إن الجهد الفلسطيني من اجل الاعتراف بدولة فلسطينية في جلسة الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول (سبتمبر) يوشك أن يؤتي ثمارا. فمن شبه المؤكد ان الثلثين الضروريين من اجل ذلك (128 دولة) سيوجدان وأن مجلس الامن المسؤول عن تطبيق قرارات الجمعية العامة سيؤيد الاجراء. ستمتنع الولايات المتحدة، بخلاف سياستها حتى الآن عن استعمال قرار النقض لخطوات التطبيق المرتقبة في المجلس. فقد أدرك باراك اوباما انه لا يستطيع ان يواجه العالم وأن نتنياهو لا يعمل إلا اذا اضطر الى ذلك.
الى الآن أفشلت الولايات المتحدة تسوية ممكنة لانها أصرت على احرازها بقواها الذاتية. إن صراعات قليلة القوة لم تحسم في ميدان القتال لم تنته قط بمبادرة جهة دولية واحدة فضلا عن مبادرات مباشرة، بل سخية للأطراف الصقرية. إن المجابهات ذات القوة المنخفضة انتهت الى خطة سلام أو استقرت على الأقل في هدنة طويلة في ظل اجراء تدويل فقط.
هكذا كانت الحال في ايرلندا الشمالية (بمبادرة ايرلندا وبريطانيا)، وفي جنوب افريقيا، وغرب افريقيا وتيمور الشرقية (برعاية الامم المتحدة)، وكذلك في موريتانيا والسنغال (برعاية منظمة الدول الافريقية). فالجهود الفلسطينية تتجه الى ذلك بالضبط. والسبب ان التدويل يُحدث سلسلة الشروط الضرورية لانهاء صراعات من هذا القبيل: تأييد الاجهزة السياسية للطرفين المتواجهين (الاحزاب والبرلمانات والحكومات والحركات المقاتلة) لمخطط السلام؛ وهدنة كاملة؛ ووساطة دولية؛ واتفاق على التدرج في تطبيق التسوية.
الامر المفاجىء في هذا الشأن كله هو انه بعد ان تبين بظروف التدويل وضغوطه انه لا مناص من الحوار، أصبحت الاحزاب والحركات السياسية المهيمنة للصقور عاملا يدفع بالحوار الى الأمام. فمواقفهم المتشددة التقليدية مثل 'لا يوجد من يُتحدث اليه' أو 'لا نُقسم القدس' في جانبنا، و'لا حل للمشكلة الفلسطينية سوى الجهاد' في الجانب الثاني، تسقط سقوطا كاملا في هذا المقام.
لم يحلم التوحيديون في ايرلندا الشمالية والقوميون في جنوب افريقيا بأنهم سيضطرون ذات يوم الى الجلوس الى أعدائهم الكاثوليك والسود، على الترتيب. لكن ذلك حدث. تستعد السلطة وحماس لذلك المقام. وسيحدث هنا ايضا. لم تعد حماس بعد الاتفاق مع السلطة هي حماس قبله.
برغم الاسئلة الأساسية الصعبة المشحونة التي ينبغي بحثها رسم حدود الدولة الفلسطينية مع تبادل الاراضي المطلوب، وصوغ السيادة المشتركة على القدس وعلى الحوض المقدس وتحديد عدد اللاجئين الذين سيُسمح لهم بالعودة، وترتيب السلوك في المناطق الامنية، واخلاء بؤر استيطانية ومستوطنات وفيها المتطرفة في الخليل وما حولها سيجري التفاوض.
والسبب انه مع العلم بأن التفاوض سيحدث على كل حال، بهذا التشكيل السياسي أو غيره، فلن يضيع أي حزب أو حركة فرصة نادرة بمرة واحدة للتأثير في مسار التاريخ الوطني والدولي وللحظوة بمكانة وطنية ودولية جديدة تلائم عصر السلام.
على نحو مفارق سيصوغ شعور الساعة التاريخية والقرارات الحاسمة الصعبة جدا التي تجب مجابهتها الائتلاف القائم هنا والذي يصاغ في الطرف المقابل (ولن يفاجئنا ان نرى فيه ايضا الجبهة الشعبية وربما الجهاد الاسلامي). هذه الصعاب خاصة ستضمن لها الاتساق السياسي الذي يتجاوز المعارك الانتخابية على طول السنين الثلاث أو الخمس التي سيُحتاج اليها لاجراء التفاوض، والسنين الطويلة التي سيُحتاج اليها لتطبيق اتفاقاته.
بحسب تطور الامور فان نهاية الصراع وانشاء دولة فلسطينية في خطوط مبادرة جنيف تقريبا، قريبان. إن مرحلة الضحية كما سمى المؤرخ بني موريس علاقاتنا المعوجة مع الفلسطينيين، توشك أن تنقضي. سيتبين لنا قريبا انه يوجد من يُتحدث معه وما يُتحدث فيه وانه لا يهم أي تركيبة ائتلافية تتحدث، وأن التحادث هو الذي يصنع السلام فقط.
الكاتب مدرس للتاريخ ورئيس لمسار الآداب في معهد 'حلقة الكيبوتسات الدراسية'
يديعوت احرانوت: عدالة الكاوبوي
بقلم-اليكس فيشمان
انتهت المطاردة الاكبر التي خاضتها دولة ما، في أي وقت من الاوقات، لشخص فرد. لم يكن هذا فقط موضوعا أمنيا يتعلق بازالة تهديد متواصل، مس بفكرة الارهاب الاسلامي وخلق ردع. القوة الاعظم عملت ايضا انطلاقا من الغريزة السياسية، الاكثر بدائية: نزعة الثأر.
من الصعب التحديد الكمي للمصادر المادية، القوى البشرية والجهود الدبلوماسية والتكنولوجية التي استثمرت على مدى اكثر من عشر سنوات مكثفة، انتهت أمس برصاصة في رأس اسامة بن لادن. الرئيس بوش وعد الجمهور الامريكي بالقبض عليه 'حيا أم ميتا'، والرئيس اوباما وفى. العدل الاساسي للكاوبوي، الاكثر اخلاقية في العالم.
لا غرو أن الجمهور الامريكي احتفل بالتصفية بمظاهرات فرح عفوية في الشوارع. هذا رد فعل سليم وطبيعي لامة تحب الحياة. وهم لا يخجلون من فرحة ثأرهم. لا يوجد هناك جلد ذاتي. مشوق أن نعرف كيف كان العالم سيرد لو أن اسرائيل صفت نصرالله.
في الاتصالات التي اجراها رجال استخبارات امريكيون على مدى السنين مع زملائهم في دول صديقة، بما فيها اسرائيل، كان هناك احساس بان الولايات المتحدة ستكون مستعدة حتى لان تبيع ولاية واحدة من أصل خمسين ولاية لديها على أن يصفى بن لادن.في هذه المطاردة شاركت افضل القوى الاستخبارية في العالم، بما فيها 'الموساد'. عندما تتواصل المطاردة عشر سنوات بدون نجاح، فان هذا أولا وقبل كل شيء هو دليل على قيود القوة. يوجد هنا درس واضح لاسرائيل التي تتلعثم في مسألة شليط: كان ينبغي اتخاذ القرار باعادته كمهمة وطنية عليا، بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى، والعمل بشكل ثابت من اليوم الاول.
اسامة بن لادن وان كان صفي إلا انه ترك وراءه تراثا وشبكة كثيفة من نشطاء الارهاب في كل أطراف المعمورة. هذه الشبكة، التي الروابط بين اجزائها واهنة، وما يلصقها بعضها ببعض كان في واقع الحال شخصية بن لادن سرعان ما ستبحث عن عملية ثأر كبرى، باعثة للصدى. في هذه العملية، التي تتدحرج منذ الان على ما يبدو، يوجد ايضا هدف آخر: سترفع الى السطح القيادة البديلة وستشكل في واقع الامر بطاقة زيارتها.
الاهداف التي اختارتها لنفسها حتى الان المنظمات المرتبطة بالقاعدة كانت بالاساس اهداف غربية ومس بالانظمة العربية، مثل العملية الاخيرة ضد السياح في مقهى في المغرب. اسرائيل لم تكن في الاولوية العليا. ولكن اذا ما وقع لهم هدف اسرائيلي جذاب في الخارج فلن يترددوا.
في المدى الابعد: يحتمل أن تؤدي تصفية بن لادن بكل هذه الموجة، للجهاد العالمي الى مفترق طرق. اذا لم ينجحوا في تنظيم تلك العملية الكبرى التي تعيد الاستقرار للشبكة، يحتمل أن تقع هنا نقطة انعطاف تاريخية وأن تبدأ ظاهرة الارهاب الاسلامي المتطرف من مدرسة بن لادن بالأفول.
هآرتس:الربيع الفلسطيني
بقلم-عوديد عيران
سهّل زعيما الفلسطينيين محمود عباس (أبو مازن) وخالد مشعل شيئا ما على باراك اوباما وبنيامين نتنياهو. فيستطيع الرئيس الامريكي ورئيس الحكومة ان يخصصا جزءا من خطبتي القاهرة وبار ايلان الثانية، المرتقبتين في الاسابيع القريبة للتنديد بـ 'الربيع الفلسطيني'. لكنهما من جهة اخرى سيخطئان اذا ظنا ان المصالحة بين حماس وفتح ستحررهما من التسونامي السياسي الذي يتوقعه وزير الدفاع ايهود باراك في الجمعية العامة للامم المتحدة.
سيكون في اوروبا، التي ضاقت ذرعا بتسويف نتنياهو، من يفسرون المصالحة تفسيرا ايجابيا باعتبارها تنبع من ارادة حماس الانفصال عن محور طهران دمشق. سينضم هؤلاء الى زعماء عرب فقدوا ثقتهم باوباما، الذي تخلى عن مبارك ويترك العراق ويستسلم لاملاءات القدس. كان اوباما يستطيع ارضاء هؤلاء لو خط حلا امريكيا لا لبس فيه يقترب من موقفهم في شأن الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. اوباما في منافسة في ولاية ثانية لكنه يستطيع برغم ذلك ان يخاطر مخاطرات محسوبة لا تضر باحتمالات ان يُنتخب وأن يزيد عناصر على تلك التي أعلنها سلفاه كلينتون وبوش.
يستطيع اوباما على سبيل المثال ان يقول ان الولايات المتحدة تعترف بدولة فلسطينية تكون مساحتها كمساحة يهودا والسامرة قبل حرب الايام الستة. وبهذا يظل مخلصا للموقف الامريكي الذي لا يعترف بخطوط 1967 باعتبارها الحدود النهائية، لكن يُحدّثها. ويستطيع اوباما ان يضيف مع المخاطرة المحسوبة ان الولايات المتحدة بحسب نتائج التفاوض ستعترف بجزء من شرقي القدس بأنه عاصمة الدولة الفلسطينية. واذا أراد اوباما ان يخاطر مخاطرة أكبر فانه يستطيع ان يعلن بأن بلاده وشريكاته في الرباعية ستمنح الطرفين مهلة محدودة لاحراز تسوية دائمة، وانها ستعلن مع عدم وجود حل متفق عليه بمخطط لتسوية دائمة.
هذه المقالات لا تبالغ كما يريد قادة اوروبا، لكن اوباما يستطيع ان يرتب اموره مع نيكولا ساركوزي وانجيلا ميركل المنشغلين بمشاكل داخلية وبأزمة اليورو، ومع الملكين الغاضبين للعربية السعودية والاردن.
استنفد نتنياهو في خطبة بار ايلان الاولى أكثر مجال المناورة الذي منحه لنفسه. والهوامش التي بقيت لا تتصل بالحدود الدائمة أو المستوطنات أو تغييرات جوهرية في القدس. إن مجال المناورة المادي هو في المنطقة (ج)، وبقي مجال مناورة كلامية ذو أهمية سياسية كبيرة.
سيخاطر نتنياهو مخاطرة محسوبة اذا شمل في خطبة بار ايلان الثانية مقالة ان اسرائيل ستطلب ان تُحدد الحدود بين الدولتين حسب اعتبارات الأمن والسكانية، أي بحسب المستوطنات وخطوط 1967 في اماكن مثل طولكرم أو قلقيلية حيث لا يوجد خيار آخر.
إن اعتراف اسرائيل بأن القدس مهمة للاسلام وللعالم العربي والفلسطينيين لا يفترض ان يسقط الائتلاف. سيبقى نتنياهو سياسيا اذا قال ان اعتبارات انسانية ستوجه حكومة اسرائيل في تفاوض في مسألة اللاجئين الفلسطينيين.
إن هذه المقالات مع اقتراح خطوات محسوسة في المنطقة (ج)، ستساعد اوباما ونتنياهو على تجنيد كتلة اوروبية تشمل نحوا من خمسين دولة. إن كتلة كهذه ستضائل الفعل الاخلاقي السياسي لقرار في الجمعية العامة للامم المتحدة وتسد الطريق الى مجلس الامن. إن المزاوجة بين أبو مازن ومشعل تمنح اسرائيل فرصة تحسين وضعها السياسي ولا سيما اذا لم تتناول وثيقة المصالحة شروط الرباعية (التخلي عن الارهاب وقبول اتفاقات الماضي والاعتراف باسرائيل). يجب على نتنياهو من اجل احراز التحسين ان يستنفد كامل مجال المناورة وألا يكتفي بالتنديد بالمصالحة الفلسطينية.
الكاتب مدير معهد ابحاث الامن القومي ومدير فريق التفاوض مع الفلسطينيين في 1999 / 2000
هآرتس:وثائق تنشر لاول مرة عن معركة الكرامة تبين الاستخفاف والثقة الزائدة بالنفس التي أوقعت اسرائيل في حرج لاول مرة بعد انتصارها الساحق في حرب الايام الستة
معركة الكرامة.. الصفعة لم توقظ الجيش والقيادة السياسية من غفوتهما
بقلم-أمير أورن
هذا الفشل باهظ الثمن، من أصل القصورات في الأداء السياسي والعسكري في حرب يوم الغفران، لم يجر التحقيق فيه أبدا. لم تُعين أي لجنة تحقيق لفحص المنطلقات، الاستخبارات أو التخطيط، ولم يفحص أي فريق كيف عمل رئيس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس الاركان، الجنرالات، قادة القوات. المعنى الحقيقي تم تشويشه، الدروس لم تُستخلص ولم يتم استيعابها. الغرور تواصل حتى الضربة التالية، التي كانت أقوى بمائة ضعف.
حملة الكرامة كانت أكبر حملات الجيش الاسرائيلي وأكثرها طموحا في غير وقت الحرب حتى الموعد الذي انطلقت فيه الى حيز التنفيذ في آذار (مارس) 1968. وكان ثمنها باهظا 30 قتيلا، بينهم مفقودون بعد سنوات فقط أُعلن عنهم كضحايا، 96 جريحا، طائرة قتالية أُسقطت ومركبة مدرعة دُمرت بمدافع الجيش الاردني، بقيت في الميدان وعُرضت على نحو تظاهري في مسيرات النصر. الهدف الأعلى للعملية، ياسر عرفات، استغل التشويشات في تنفيذ الخطة، فر وقاد م.ت.ف نحو صراع طويل من الاردن ومن لبنان. ولكن الصفعة اللاذعة لم توقظ الجيش والقيادة السياسية من غفوتهما. والحقائق بعمومها وإن كانت جلية للعيان، إلا ان التفاصيل تم اخفاؤها والمسؤولية ضاعت سُدى.
لماذا الكرامة، ولماذا الآن؟ أولا، بفضل نشر كتاب د. آشر فورات (كارلوس برلمان)، 'قميص ابيض، قبعة سوداء' (من اصدار الكيبوتس الموحد)، والذي في أساسه معركة الكرامة. ثانيا، لان الوثائق السرية المتعلقة بالحملة سُمح بقراءتها الآن. المذكرات المشوقة لفورات والوثائق الجافة تُكمل الواحدة الاخرى وتنير من جديد القضية التي فيها شيء ما من كثير من القضايا السابقة معركة قلقيلية ومعركة المتلة لقائد المظليين اريئيل شارون ومن قضايا مستقبلية، مثل التأخير في اخلاء مدحت يوسف من قبر يوسف.
في 18 آذار 1968، قرب بير أورا جنوب العربة، صعد على لغم باص محمل بالتلاميذ من مدرسة هرتسليا الثانوية كانوا في نزهة في المنطقة. مرشد وطبيب قُتلا وأصيب 28 تلميذا. الناطقون بلسان الحكومة والجيش الاسرائيلي سارعوا الى الاعلان بأن الرد العقاب سيأتي قريبا. بعد يومين من ذلك انطلق الجيش الاسرائيلي الى حملتين في آن واحد 'أسوتا' لقيادة المنطقة الجنوبية، في العربة الاردنية، و'توفِت' لقيادة المنطقة الوسطى، التي هوجمت فيها قاعدة ياسر عرفات في الكرامة، على مسافة بضع كيلومترات شرقي نهر الاردن.
نتائج الحملتين كانت مختلفة بشكل قطبي. العقيد آشر ليفي، رئيس قيادة المنطقة الجنوبية وقائد حملة 'أسوتا'، في ظل غياب قائد المنطقة، قال ان الاسمين السريين للحملتين وصفا ما حصل على نحو سليم: 'لي في الجنوب كانت لدي صحة جيدة، أسوتا (سلامة) خلافا لـ 'توفت' (اللظى) في المنطقة الوسطى'. وحدة شكيد، بمساعدة قوة المدرعات، عملت ضد قاعدة فتح في شرطة صافي في الاردن، في محاولة لعزل قاطع ايلات العقبة. وقد اكتملت العملية كما كان مخططا لها ودون اصابات.
ليس هكذا في الكرامة، حيث عمل آشر فورات في ظل المخاطرة الشاذة، فقد ذراعه اليسرى في محاولة متكررة لانقاذ الجرحى وحصل على وسام الجسارة. فورات، الذي ترعرع في الارجنتين، خدم في سلاح الطب وبعد تسريحه، برتبة عقيد، أدار مستشفى مئير في كفار سابا. في آذار 1968، كان طبيب لواء 7، اللواء المدرع النظامي. وبفضل سنه ومنصبه كان مقربا جدا من قائد اللواء الاشكالي، العقيد شموئيل غوروديش غونين. علاقة فورات مع غوروديش معقدة: كانت احيانا ايجابية جدا ولكنها في الغالب سلبية جدا. وضمن امور اخرى، فانه يسميه 'سادي'. لو فهم قادة غوروديش ما استوعبه طبيب اللواء، لعل مسار ترفيعه العسكري كان توقف قبل ان يُعين قائد المنطقة الجنوبية ويفشل في تشرين الاول (اكتوبر) 1973.
خطة الحملة وضعت، أمام منظومة لوائية من الجيش الاردني، سرية مدرعات واحدة فقط من لواء 7. فورات، الذي شهد حرب الايام الستة، عجب، لمشهد علاقات القوى غير المعقولة، لماذا يرفض غوروديش طلب المساعدة من المدفعية. قائد اللواء أجابه مباشرة: 'كي لا يُقال بعد ذلك بأننا انتصرنا في المعركة بفضل المدفعية وليس المدرعات'. السعي وراء المجد، بثمن المخاطرة بالقوات، أذهل فورات. وكتب يقول انه 'في المعركة نفسها سيقوم غوروديش بالمستحيل كي ينقذ ويخلي المصابين. ولكني أتخلى عن بطولة الانقاذ تحت النار وأفضل اتخاذ كل الوسائل كي لا تقع اصابات على الاطلاق. وأين قيادة المنطقة الوسطى؟ وأين رئيس الاركان؟'.
بقيت ولدا
الى جانب غوروديش عمل بطل آخر من حروب 1956، 1948 و1967: العقيد رفائيل (رفول) ايتان، هو الآخر قائد لواء. ايتان كان قائد لواء 80، لواء في غور الاردن. سمع فورات من قائد كتيبة دبابات، مقدم أوري بار اون، يُحذر رفول من ان 'الارض في المنطقة الاردنية للغور قد تكون مغمورة بالماء، أو مستنقعية، في أعقاب الامطار أو ري الحقول'. وتحفز رفول كالرفاص، وتوجه الى بار اون بشكل هجومي فقال: من أين أنت تعرف الكثير عن ظروف الارض خلف الاردن؟ فأجابه بار اون بأنه عندما كان ولدا يركب دراجته من القدس الى أريحا ومن هناك الى الغور، وقد تعرف عليه من على جانبي النهر.
رفول غضب. 'كنت ولدا ولا زلت ولدا'، صرخ على بار اون. وشدد على أنه اذا كرر تحذيره في نقاش قيادة المنطقة الوسطى فانك 'ستخيف كل المترددين وضعفاء الشخصية في قيادة المنطقة الوسطى. ويوجد هناك الكثير من هؤلاء. وهم من شأنهم ان يعرقلوا أو يلغوا العملية. يجدر بك أن تصمت'. أما بار اون فلم يتخل. 'المستنقع من شأنه ان يكون اشكاليا. والدبابات ستغرق. يجب البحث في ذلك بكل الاهتمام'. أما رفول فحرك يده استخفافا.
في بؤرة قضية الكرامة وقف رئيس الاركان منذ ثلاثة اشهر في حينه. حاييم بار ليف، نائب رئيس الاركان في حرب الايام الستة وقبل ذلك قائد فيالق المدرعات ورئيس قسم الاركان، كان قائد كتيبة في 1948، وقائد لواء في 1956. هو رئيس الاركان الوحيد منذ 1953 وحتى دان حلوتس، لم يكن قائد منطقة. عندما دخل في منصبه وجد ثلاثة قادة مناطق، اثنان منهم يعتبران ناجحين وتنافسا على منصب رئيس الاركان بعده، يشعياهو غبيش في الجنوب ودافيد اليعيزر في الشمال، وعوزي نركيس في الوسط.
وأُخفي عن الجمهور، لسنوات، أن نركيس فشل في الكرامة وأُزيح عن قيادة الحملة. قائد فيالق المدرعات، اللواء اسرائيل طال، استُدعي لانقاذ ما يمكن انقاذه. ومن فوق بار ليف كانت قيادة سياسية منقسمة رئيس الوزراء ليفي اشكول من مباي في المعراخ، وخصمه، وزير الدفاع موشيه ديان من رافي. ديان لم يسلب فقط من اشكول حقيبة الدفاع، بل انشغل ايضا بالحفريات غير القانونية بحثا عن الأثريات. في احداها، عشية الكرامة تماما، أصيب وأُدخل المستشفى. المستشار القانوني للحكومة، مئير شمغار، غفر لاحقا لديان هذه المخالفة لقانون الآثار بسبب اصابته. مع اشكول المريض والضعيف وديان الجريح والمعطل، أدار بار ليف الكرامة دون رعاية عليا.
في 1 كانون الثاني (يناير)، ودع بار ليف سلفه اسحق رابين وأخذ قيادة الجيش. في تلك الفترة عانت اسرائيل من تسللات من الاردن وعمليات تخريبية في اراضيها لاحيان متواترة. ومع نهاية كانون الثاني، اختفت غواصة 'ديكر' بـ 69 رجلا من طاقمها. في 8 اذار (مارس)، يوم حداد وطني في ختام تفتيشات عقيمة، أُعلن عن المفقودين كضحايا. بعد ذلك لغم باص الثانوية. منفذو العملية ومؤيدوهم، في ضفتي الاردن، عرفوا بان من المتوقع رد فعل اسرائيليا. بار ليف ساعد الحكومة على اتخاذ قرار بائس: عدم ضبط النفس الى أن يلغي الجيش الاردني وم.ت.ف حالة التأهب ويعودان الى الحياة الطبيعية. وبالتالي لم تكن هناك مفاجأة.
على لسان غروتيوس
ملفات هيئة الاركان توثق احداث الحملة، التي ولدت في صيغة ضيقة في العهد الذي كان رابين فيها رئيسا للاركان. قبل حرب الايام الستة، حين كانت الضفة الغربية تحت سيطرة الملك حسين، تدرب الجيش الاسرائيلي على اجتياز النهر، في منطقة الاغوار. اما بعد الحرب، فقد خطط لحملتي 'توفت' و 'اسوتا' كعمليتي رد في غور الاردن الشرقي. في 16 تشرين الاول (اكتوبر) 1967 رفع لرابين خطتي الحملتين 'توفت' و 'اسوتا'. في 13 كانون الاول (ديسمبر) كلف بالتنفيذ، لليل الغد، لواء المظليين النظامي 35 ووحدة 'سييرت متكال' الخاصة. الحملة الغيت، خطط لها مرة اخرى في 12 اذار، ومرة اخرى الغيت. واستؤنفت بعد لغم الباص.
وتكشف احدى الوثائق النقاب عن أن المعلومات الاستخبارية قدمها ضمن آخرين 'غروتيوس' رجل فتح السابق الذي كان 'مخبرا لدى المخابرات الاسرائيلية' 'يعرف القاعدة في الكرامة ومحيطها'. ووصل غروتيوس الى الاردن عشية حرب الايام الستة مع وحدة الجيش العراقي، في اطار كتيبة الكوماندو 421 لجيش التحرير الفلسطيني. وفر من كتيبته، تدرب في سورية في معسكر الحمة وتسلل الى الضفة الغربية. ولمح الى أن مسؤوله في المخابرات، هوجم واصيب في بروكسل على ايدي أحد مصادره في م.ت.ف، وهو تصادوق اوفير.
رئيس شعبة الاستخبارات، اللواء أهرون يريف، ادعى بعد الحملة انه لم يكن هناك فشل استخباري. وقال ان شعبة الاستخبارات حللت قبل اسبوع وبدقة كل طرق العمل المحتملة للعدو بما في ذلك تلك التي لم يستخدمها عمليا. 'التفاصيل التي كانت لدينا جاءت من مصدرين: فتحيون كانوا لدينا في الاسر واجتازوا تحقيقات، وعملاء. وبوسعهم أن يقدموا لنا الكثير من المعلومات، ولكن المشكلة مع هذين المصدرين هي انهما لم يكونا الاكثر دقة. فلم يتدربوا على قراءة الصور الجوية وكان صعبا عليهم الاشارة فيها الى الاهداف'.
يريف تحدث في تحقيق أجرته هيئة الاركان، بديل هزيل وفره الجيش الاسرائيلي بعد اسبوع من الحملة عن تحقيق لم يكن، حسب تقاليده المقدسة (حرب الايام الستة لم يجرِ فيها تحقيق معمق هي الاخرى). الحديث الذي وصف كتحقيق كان عمليا لقاء للمشاركين في الحملة في مقر الجندي في تل ابيب على نمط 'الرفاق يتحدثون عن الكرامة'. في يوم الجمعه اياه وقعت في الشمال حادثة اخرى استدعي لمعالجتها قادة وضباط اركان. وبعد الظهر حث بار ليف المجتمعين على انهاء محاضراتهم خشية أن يتهمهم الحاخام العسكري الرئيس، شلومو غورين بـ 'تدنيس حرمة السبت'.
عشية الحملة حث بار ليف قيادة المنطقة الجنوبية 'الا يقتل أي طفل، أي شيخ وأي امرأة. من المهم جدا تحقيق هذا. وعدم فتح جبهة لسماع الانفجارات. هذا ليس فيلما عن الغرب المتوحش، ما ان يبدي حركة حتى تصفيه'. اما لقيادة المنطقة الوسطى فقال: 'بالتأكيد يمكن أن تقع معركة حقيقية، لا شك سننتصر فيها، ولكن من المهم الانتصار بسرعة وبسعر زهيد. اذا كان لنا في مثل هذه العملية عدد كبير من الاصابات، فان كل العملية لا تبرر نفسها ولا تحقق أي غاية. الحرص على حركة قتالية وحذرة. البقاء في المجنزرات والقائد وحده ينظر. طائرات ضد المدرعات الاردنية، ضد المدفعية؟ بشكل مبدئي، لا. كل هذه العملية، اذا سقطت طائرة واحدة لنا، لن تكون تساوي شيئا'.
هكذا تحدث بار ليف قبل العملية. بعدها غير القواعد وحقق لنفسه انجازا. أقواله في التحقيق، التي تناقضت تماما والمقاييس التي حددها مسبقا وضعت الفشل في القاطع الذي بين القدر والنجاح.
في الوسط، في الغور نشر الجيش الاردني امام الجيش الاسرائيلي فرقة وفيها أربعة ألوية، كتيبة دبابات باتون، وعشر بطاريات مدفعية. وعلى مسافة غير بعيدة من هناك كانت قوة عراقية. وحسب يريف، 'في الايام الاخيرة قبل الحملة وصلت أنباء عن تعزيزات كبيرة لرجال فتح في الكرامة، مئات الاشخاص. بعد ذلك تبين أنهم كانوا اكثر من مئات، لان الاعداد تضمنت ايضا كل شباب القرية الذين فرض عليهم التجند للمنظمات'.
أمر الحملة تضمن هدفا مجردا واشكاليا دوما، في كل جيش استعراض الحضور: 'قيادة المنطقة الوسطى ستسيطر، تقتل وتمسك رجال فتح في منطقة الكرامة، تستعرض حضور الجيش الاسرائيلي في المنطقة وتنسحب حسب الامر'. اجتياح ليلي، كما قدر المخططون، لن يكون مجديا. عملية في النهار، تهرب من الكرامة المخربين الى أذرع القوات التي يتم انزالها من المروحيات وتسد طرق انسحابهم، ستسمح بـ 'استعراض الحضور والاستيلاء على المنطقة'.
ملحق للامر قضى بانه 'لا يجب باي حال من الاحوال المس بالنساء والاطفال. النساء والاطفال يتم اخلاؤهم الى منطقة تجمع والحرص هناك على الا يصيبهم ضر. أما الرجال حملة السلاح فيجب قتلهم. قواتنا لن تلبس بزات مرقطة (مثل المخربين)'.
وقام التخطيط على اساس فرضية غير أبالية: الجيش الاردني 'سيتصرف مثلما في حرب الايام الستة، على الاقل بعد الانطلاق؟ تدخله لن يكون جديا بما فيه الكفاية واذا ما حصل فسلاح الجو سيصفي المدفعية والجيش الاسرائيلي سيصفي مدرعات العدو'.
إخطار
الاخطاء كانت استراتيجية وتكتيكية على حد سواء. تحذير للاردن بعدم التدخل، من خلال السي.اي.ايه وفر إخطارا لعرفات وشجع الجيش الاردني على التدخل. وبينما المروحيات التي نقلت قوة الاغلاق وجدت صعوبة في اجتياز ظهر الجبل، وزعت في الكرامة، في وقت مبكر جدا المناشير التي خطط لالقائها على المخربين. 'كل من لديه سيارة بما في ذلك صديقنا ابو عمار (عرفات)'، كما قال بار ليف 'جلس في السيارة وانصرف'. القتال تعقد واستمر لاكثر من 14 ساعة.
الذروة البشعة للحملة كانت تدير دبابتين اسرائيليتين. وعند احصاء مخزون المركبات المدرعة التي اصيبت شرقي الاردن وابقيت هناك كانت ثلاث دبابات سنتريون، واحدة منها محروقة؛ دبابة شيرمن محروقة، مجنزرتان لسرية 'دوخيفات'؛ نصف مجنزرتين احداهما محروقة؛ شاحنة وجيب محروقان. ست دبابات اخرى اصيبت بشدة تم اخلاؤها. للاردنيين دمرت 28 دبابة. ووقع للجيش الاردني ومنظمة التحرير معا 196 قتيلا، نحو 90 منهم مسلحين في الكرامة، ووقع 132 من رجالهم أسرى.
قبل الحملة جرت محاولة لاسكات الصحافة. ولكن الاسرار لم تبق خفية. المارة في جسري الاردن بلغوا عما جرى. عامل اسرائيلي في سفارة اجنبية ما يمكن التخمين ان الحديث يدور عن سفارة امريكية، جند فجأة الى الاحتياط ووفر بذلك تأكيدا لمسؤولية عن أن الحملة قريبة. الكرة ركلت من تل أبيب الى السي.اي.ايه ومن هناك الى حسين ومنه الى عرفات. ولاحقا، اقترح رئيس شعبة الاستخبارات يريف بانه 'يجدر الامتناع عن تجنيد شخص كهذا، حين يتم تجنيد 1.500 او 1.800 شخص فقط وذلك خلافا لتجنيد شامل للاحتياط للحرب'.
أما بار ليف رئيس الاركان فبعد أن استعرض الاحتمالات التي كانت امام الجيش فقد أجرى ميزانه قائلا: 'المهمة تحققت، ولكن في ظل بعض الشذوذ والخلل الذي لست مستعدا ان يقع لنا في عمليات في عهد السلام. ثقة زائدة بالنفس واستخفاف زائد في الطرف المقابل. ما هو صحيح على المستوى العالمي، الاستراتيجي والعملياتي، ليس صحيحا في كل معركة. لم يكن هناك دخول في تفاصيل التفاصيل وتحليل حتى النهاية. امور يمكن قبولها حين يكون كل الجيش يقاتل لا يمكن أن نسمح لانفسنا بها عندما يشارك 1.300 أو 3.000 مقاتل في عملية امنية جارفة حتى وان كان على نطاق واسع. الضربة التي وجهتها العملية الى الطرف المقابل ومساهمتها في صورة الجيش الاسرائيلي لدى الجمهور لم تحقق ما كان ينبغي ويمكن ان تحققه، لولا الحالات الشاذة. حقيقة أن الطائرات هاجمت المدفعية ولكنها واصلت اطلاق النار وسلاح الجيش الاسرائيلي ابقي في الاردن تبين أن الجيش الاسرائيلي كهيئة ليس معفيا من نقاط الضعف. هذا كفيل بان يملأ أشرعتهم بالريح'.
يديعوت احرانوت:مصيبة لاسرائيل وللفلسطينيين
بقلم:دوف فايسغلاس
اتفاق المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية، اذا ما خرج الى حيز التنفيذ هو حدث سلبي للغاية في تاريخ النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، يضع قيد الشك امكانية ان تتحقق في أي وقت من الاوقات تسوية سلمية بين الشعبين. حتى لو هذرت حماس بـ 'الايات المقدسة' التي تطالب بها الرباعية، فلن يتغير جوهرها كعصبة وحشية واجرامية.
عندما يصل هؤلاء الاشخاص الى مواقع التأثير في الحكم الفلسطيني، كل شيء سيتغير سلبا: التطرف سيزداد، التوتر سيتصاعد والكراهية ستنمو. اسرائيل ستتشدد في وسائل المنع والاحباط، وحياة الفلسطينيين ستتشوش وتتعرقل، الاقتصاد سيتحطم، الامن والهدوء سيختفيان والارهاب من شأنه أن يستأنف. في القناة السياسية، هذا اذا وجدت على الاطلاق، ستطرح على اسرائيل مطالب سياسية غير معقولة، وكل تسوية سياسية ستصبح متعذرة.
لشدة الاسف، اسرائيل هي الاخرى 'ساعدت' في تحقيق اتفاق المصالحة. في السنوات الاخيرة تدهور وضع حماس. مغلقة ومنغلقة في غزة، منعزلة ومقاطعة، حين يبرز بؤس غزة حيال الحياة الطيبة في الضفة الغربية، أخذت حماس في الضعف. سيطرتها التنظيمية والسياسية في يهودا والسامرة وهنت، فيما هي تخضع لمطاردة السلطة الفلسطينية. سعيها الى تسوية مصالحة لا يأتي من موقع قوة؛ الضعف والمخاوف اعاداها الى حضن السلطة.
لو أجرت اسرائيل مفاوضات ذات مغزى مع السلطة بمناسبة ضعف حماس، لكانت بلغت ذروتها الهوة والمواجهة التي بين حماس، التي تترسخ في تزمتها في غزة المغلقة، وبين السلطة، التي تعمل على تحقيق تسوية سياسية وتحظى بدعم عالمي جارف. مبادرة سياسية كهذه كانت ستعزز جدا السلطة والجمهور الفلسطيني المعتدل، وتجعل من حماس غير ذات صلة أكثر فأكثر. ابو مازن يعرف جيدا بان اشراك حماس في حكومته سيمنع مسيرة سياسية مع اسرائيل. ولكن برأيه على أي حال لا توجد مسيرة كهذه وبالتالي 'فانه لم يخسر شيئا'. وبالمقابل، اتفاق المصالحة، اذا ما تحقق، سيرفع جدا مكانته في الشارع الفلسطيني. الشعب يكره الانقسام. وهو يريد الوحدة. ابو مازن 'ضحى' بفرص المفاوضات السياسية لقاء انجاز جماهيري فلسطيني داخلي. لفلسطين ايضا ـ مثل اسرائيل ـ لا توجد سياسة خارجية. سياسة داخلية فقط.
ليس لدى اسرائيل جواب حقيقي على الاتفاق المرتقب. التهديد بوقف 'المسيرة السلمية' لا يشغل بال الفلسطينيين. فعلى أي حال لا توجد مثل هذه المسيرة، والفلسطينيون لا يؤمنون بصدق نوايا حكومة اسرائيل لاستئنافها. التهديد بـ 'مقاطعة' السلطة ليس مقنعا: لاسرائيل مصلحة حيوية في استمرار علاقات العمل مع السلطة، ولا سيما التنسيق الامني الجاري. كما أن طلبا اسرائيليا انفعاليا لأمم العالم مطالبة بوقف الدعم الاقتصادي والسياسي للسلطة الفلسطينية هو خطوة عابثة.
العزل السياسي للسلطة من شأنه ان يعيدها الى الايام السيئة لعرفات: منغلقة، مغتربة و 'مستخفة' بالرأي العام الخارجي. سلطة فلسطينية منصتة للعالم ومتنكرة للارهاب هي بلا ريب حاجة اسرائيلية صرفة. لاسرائيل مصلحة واضحة ايضا في استمرار المساعدة الاقتصادية للسلطة. عودة الى عصر العوز، البطالة والضائقة من شأنها فقط ان تشجع على استئناف العنف. لهذا السبب، فان التهديد الاسرائيلي ايضا بعدم تحويل اموال الضريبة هو فكرة سيئة.
يمكن ان يلوي العالم انفه في ضوء مشهد وزراء حماس يجلسون حول طاولة الحكومة الفلسطينية. ولكن في هذا سيتلخص الرد. الاسرة الدولية ستسلم بسرعة بوجود 'الاعضاء الجدد'، واسرائيل ستكون مطالبة بان تتفاوض مع حكم فلسطيني بعضه حماسي. الرفض الاسرائيلي المبرر اليوم لعمل ذلك سيجلب علينا الحرج، الغضب والضغوط. لم يتبقَ لنا غير الاسف على المفاوضات التي فوتت والتي كانت ربما ستمنع الشر الذي يأتي الآن، والصلاة في الا تتحقق 'المصالحة' مثلما حصل غير مرة في الماضي.
اسرائيل اليوم:ليس تشي غيفارا الاسلامي
بقلم-دان مرغليت
رغم القاعدة الثابتة القائلة انه 'بسقوط عدوك لا تفرح'، لا يمكن الحال دون بعض من الشماتة. محظور السماح لاسامة بن لادن بأن يودع العالم بشيبة طيبة محوطاً بأبناء العائلة وبالمعجبين. فقد كان هو ابن موت، وليس الوحيد.
كما انه صفي ليس كما أراد مؤيدون أن يروه. ليس تشي غيفارا الاسلامي بل من سكن برفاه واضح في عزبة ضخمة محمية جيدا. ليس مغارة وليس نصيرا وليس سلاحه في يده.
كما أن العالم فهم بانه لا يوجد احباط مركز نقي، وان الرئيس باراك اوباما وصفه بكلمات مغسولة. رغم النجاح المؤثر، الذي سجل على اسم الرئيس الامريكي، هو أيضا تعلم انه في المكان الذي تطلق فيه النار على قاتل، يصاب معه أبرياء، امرأة وأولاد. تماما مثلما تبين لقادة الدول الاعضاء في الناتو في قصف طرابلس لمعمر القذافي من الجو. ارادوا أن يمسوا به فقتلوا ابنه واحفاده. حكم غزة كحكم طرابلس واسلام اباد.
عملية الكوماندو الامريكي الجديرة بكل ثناء تضع في نبرة هازئة كل المزايدات الاخلاقية لمدوري العيون نحو السماء. ماذا عن خرق سيادة باكستان، التي يزعم انها لم تتعاون مع الامريكيين؟ وماذا عن القتل في الوقت الذي يمكن زعما فيه اختطاف بن لادن وتقديمه الى المحاكمة في الولايات المتحدة؟ لقد اصاب الامريكيون حين قتلوه، ولكن يجدر بهم أن يستوعبوا قاعدة أنه ما يحق لك ان تفعله أعطه ايضا لصديقك.
نعم حتى بالنسبة لالقاء الجثة في البحر. اسرائيل تصرفت هكذا مع ادولف آيخمن. في الحالتين اتخذت خطوة صحيحة. لا يوجد موقع لحجيج الارهابيين.
لن يبعد اليوم ومحللو العلوم السياسية سيدعون بان قتل بن لادن تم في توقيت مغلوط؛ فعلى أي حال ارهاب القاعدة يوجد في انخفاض وليس شعبيا، ولكن الان ستثور الخواطر وخلفاء بن لادن سيصعدون مساعيهم للمس بامريكا وحلفائها. دوما يقولون هكذا. بعد تصفية عماد مغنية والمهندس يحيى عياش والشيخ ياسين اطلقت اصوات مشابهة.
ليس فيها ما هو حقيقي. الارهاب سيضرب اهدافه في اسرائيل وفي ارجاء العالم قدر ما يستطيع، سواء بقي هؤلاء كلهم على قيد الحياة ام لا. ولكن حتى لو كان هذا الزعم صحيحا، فواجب العالم الثقافي ان يضرب برابرة القتلة وان يطاردهم حتى الابادة 'لاصلاح العالم'. حتى بثمن تشجيعهم على الثأر.
السؤال هو ماذا سيفهم العالم الثقافي من القضاء على حياة الارهابي الاعلى الذي بلغ من العمر 53 سنة. اذا ما جلس اوباما على اوراق الغار ولم يواصل الحرب سيكون انجازه نقطة سأم وسينسى. مطلوب خط متواصل يأخذ بالحسبان كل عناصر الصورة. أمس سارع اسماعيل هنية الى شجب العملية الامريكية. هو الرجل الذي يقود حماس نحو الشراكة مع ابو مازن، فماذا يقول هذا عنه؟ وعن الجمهور المؤيد له؟
بنيامين نتنياهو سيسافر هذا الاسبوع الى اوروبا وفي سياق هذا الشهر الى الولايات المتحدة. وستكون هذه زيارة تختلف عما خطط لها. تقويم الوضع كان انه عندما سيلقي رئيس الوزراء خطابه على تلة الكابيتول ستكون شعبية الجالس في البيت الابيض في الحضيض. اما الان فمعقول الافتراض بانه سيجد اوباما اقوى مما قدر من قبل وكونغرسا يمتنع عن المناكفة مع رئيسه.
ساحة النقاش