المعارضة ترفض وقف إطلاق النار
غارة للحلف الاطلسي على طرابلس توقع 7 قتلى و18 جريحا
طرابلس: ذكرت وكالة الانباء الليبية الرسمية ان سبعة "مدنيين" قتلوا وجرح 18 اخرون مساء الاربعاء في غارات شنها الحلف الاطلسي على منطقة خلة الفرجان في جنوب غرب العاصمة الليبية طرابلس.
وأعلن مصدر عسكري للوكالة "استشهاد سبعة أشخاص من المدنيين وإصابة ثمانية عشر آخرين نتيجة قصف العدوان الاستعماري الصليبي الذي تعرضت له منطقة خلة الفرجان بطرابلس" مساء الاربعاء.
وأضاف المصدر أن هذا "القصف العدواني الاستعماري الصليبي أدى أيضا إلى تدمير عدد من المنازل وترويع الأسر من الأطفال والنساء في المنطقة".
وذكرت محطة "الليبية" التلفزيونية ان ثلاث انفجارات دوت مساء الاربعاء في طرابلس حيث كانت منطقة خلة الفرجان في جنوب غرب العاصمة الليبية هدفا لغارات الحلف الاطلسي.
واوضح التلفزيون الليبي ان "منطقة خلة الفرجان تعرضت لغارات بربرية وصليبية اوقعت شهداء وجرحى بين المواطنين الساكنين في المنطقة ودمرت منازل".
وسمع مراسلو وكالة فرانس برس في طرابلس ثلاثة انفجارات بعيدة عند الساعة 23,00 تغ مصدرها منطقة خلة الفرجان.
وكان الحلف الاطلسي قد شن غارات خلال نهار الاربعاء على منطقة بئر الغنم، 50 كلم الى جنوب غرب طرابلس، اوقعت اربعة قتلى "في صفوف المدنيين"، حسب وكالة الانباء الليبية.
واشارت الوكالة الى ان القصف ادى الى "استشهاد أربعة مواطنين ليبيين علاوة الى تضرر البنية التحتية ووقوع خسائر كبيرة في المزارع والمشاريع بمنطقة بئر الغنم وترويع الأسر من الأطفال والنساء في المنطقة".
واوضحت ان "كل صاروخ أو قنبلة يسقطها الصليبيون على الليبيين يدفع ثمنه الشيوخ العملاء القطريون والاماراتيون".
فرنسا وإيطاليا ترسلان قوات "استشارية" لثوار ليبيا
أعلنت كل من فرنسا وإيطاليا الأربعاء، عن اعتزامهما إيفاد قوات لتقديم استشارات عسكرية إلى ثوار المعارضة الليبية، التي تقاتل ضد كتائب الزعيم الليبي، معمر القذافي، منذ أكثر من شهرين.
يأتي هذا التحرك من جانب الدولتين الأوروبيتين الأربعاء، بعد ساعات على خطوة مماثلة أعلنت عنها بريطانيا في وقت سابق الثلاثاء، بإرسال بعثة عسكرية للمساعدة في أعمال الإغاثة الإنسانية في ليبيا.
وبعد قليل من إعلان قصر الإليزيه عن عقد اجتماع بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وزعيم المعارضة الليبية، مصطفى عبد الجليل، رئيس "المجلس الوطني الانتقالي"، قال الناطق باسم الحكومة الفرنسية، فرانسوا باروان، إن فرنسا بصدد إرسال "مجموعة صغيرة" من الجنود، دون تحديد العدد.
والثلاثاء، أعلنت بريطانيا أنها سترسل فريقاً عسكرياً إلى ليبيا، للمساعدة في أعمال الإغاثة الإنسانية بالمناطق التي تشهد معارك كتائب القذافي و"الثوار" المناوئين لنظامه، تزامناً مع إبداء الاتحاد الأوروبي استعداده لإرسال قوات برية أيضاً، إذا ما طلبت الأمم المتحدة ذلك.
وجدد الناطق باسم المجلس الوطني الانتقالي، شمس الدين عبد المولى، رفض المعارضة لأي تدخل عسكري أجنبي، وقال: "لا نريد تواجد قوات عسكرية أجنبية أو مقاتلين أجانب إلى جانب الثوار."
ولكنه أكد عدم ممانعة المجلس إرسال بعثات إنسانية، وقال: "يجب القيام بشيء ما لوقف حمام الدم ضد شعبنا."
من جانبه، أشار الناشط الليبي، محمد إبراهيم، إلى عدم تلقي بعض المدنيين للمساعدات نظراً لخشية المنظمات الإغاثية الدخول لمناطق مثل "مصراته" التي تستهدفها كتائب القذافي بالقصف يومياً.
وقال متحدث آخر باسم المعارضة، طلب تعريفه باسم محمد، لدواع أمنية، إن 27 شخصاً على الأقل، قتلوا وأصيب نحو 142 آخرين في المدينة هذا الأسبوع...وأضاف أن المدينة ترزح تحت حصار خانق وتعاني من انقطاع المياه والكهرباء وخطوط الاتصالات، ونوه إلى أن "القصف تركز الآن على المناطق السكنية، بعد تحوله عن المنطقة الصناعية."
وذكرت منظمة "اليونيسيف" التابعة للأمم المتحدة، إن أكثر من 20 طفلاً قتلوا بجانب "أعداد لا حصر لها" من المصابين في "مصراتة" وحدها.
وتعمل المنظمات الإغاثية على إخراج المحاصرين في "مصراتة" التي تطوقها كتائب القذافي من ثلاث جهات، وتقصف يومياً منفذ الهروب المتبقي من جهة البحر.
وعلى صعيد الحملة الجوية للتحالف، نفذت طائرات "الناتو" 143 طلعة جوية الاثنين، أكملت فيها 53 ضربة، ليرتفع بذلك إجمالي عدد الطلعات الجوية، ومنذ بدء غارات الحلف الأطلسي ضد ليبيا في 31 مارس/ آذار الماضي، إلى 2877 طلعة، نفذت فيها 1199 ضربة جوية.
ودمر قصف التحالف تسعة مخازن للذخيرة ومقر فرقة عسكرية قرب طرابلس، وستة صواريخ أرض-جو، وثلاثة مواقع دفاعات جوية، فضلاً عن منصة إطلاق صواريخ متحركة بالقرب من "مصراتة.
ووجهت المعارضة الليبية انتقادات لاذعة للحلف الأطلسي، لما وصفته بالتباطؤ في حماية المدنيين من الهجمات، وهو ما عزاه الناتو إلى جملة من العوامل، منها تخفي كتائب القذافي وسط المناطق السكنية المأهولة.
مقتل صحفي غربي وإصابة آخر بمصراتة
أكد صحفيون في مدينة "مصراتة" الليبية، التي تشهد مواجهات دامية بن قوات العقيد معمر القذافي، والثوار المحاصرين في المدينة، مقتل أحد الصحفيين الغربيين وإصابة آخر بجروح بالغة، دون أن تتضح على الفور ما إذا كان الصحفيان الغربيان قد تعرضا لهجوم أم حادث عرضي.
ولم تكشف CNN عن هوية الصحفي القتيل على الفور، نظراً لأن أسرته لم يكن قد تم إبلاغها بالأمر بعد، إلا أن كاثي سيبول، رئيسة المؤسسة التي يمثلها القتيل، أعلنت أن المصور تيم هيثرنغتون، المرشح لجائزة أكاديمية التصوير، قُتل في ليبيا الأربعاء.
وقبل سقوط أحدث ضحيتين في المواجهات التي تشهدها ليبيا، سجلت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، ما يزيد على تعرض الصحفيين لأكثر من 80 "اعتداء"، منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للقذافي في ليبيا.
ويتضمن الموقع الرسمي للجنة الدولية قائمة طويلة لأسماء عشرات الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، الذين كانوا ضحايا لتلك الاعتداءات، منذ 16 فبراير/ شباط الماضي.
وتتضمن القائمة حالتي قتل، وإصابات ناجمة عن التعرض لإطلاق نار، و49 حالة اعتقال، و11 حالة اعتداء جسدي، وحالتي اعتداء على وسائل إعلامية.وكانت القوات الموالية للقذافي قد اعتقلت أربعة صحفيين يعملون بصحيفة "نيويورك تايمز"، لنحو أسبوع، قبل أن يتم إطلاق سراحهم منتصف مارس/ آذار الماضي.
وفي وقت سابق من الشهر نفسه، أعلنت قناة "الجزيرة" مقتل أحد مصوريها في كمين تعرض لها طاقمها قرب مدينة "بنغازي"، شرقي ليبيا، أسفر أيضاً عن إصابة أحد مراسليها.وتوعدت الفضائية القطرية، في بيان تلقت CNN بالعربية نسخة منه، بملاحقة "مرتكبي الجريمة" قانونياً وجنائياً.
وفُقد عدد من الصحفيين، غالبيتهم من المحليين، قبل أن يتم إطلاق سراح بعضهم مؤخراً، فيما تعرض الفريق الصحفي التابع لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، للاعتقال والضرب والتعذيب على يد قوات الأمن الليبية، أثناء محاولته الوصول إلى مدينة "الزاوية"، التي كانت تشهد معارك ضارية بين المعارضة وقوات القذافي.
قوات القذافي تواصل قصف ومحاصرة مصراتة للاسبوع السابع
قالت باحثة في منظمة العفو الدولية في مصراتة ان القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي قصفت المدينة المحاصرة من جديد مما أسفر عن وقوع اصابات، فيما تواصل القتال العنيف امس بين الثوار وقوات القذافي في الشارع الرئيس في مصراتة التي شهدت امس احكاما خانقا في الحصار المفروض عليها من قبل كتائب القذافي منذ سبعة اسابيع.
وعلى الرغم من القصف قال أحد السكان من مؤيدي المعارضين للقوات الحكومية ان المقاومين حققوا «مكاسب كبيرة» وان أعداءهم منوا بخسائر فادحة.
وتقول المعارضة وسكان ان قوات القذافي قصفت مصراتة بشكل كثيف في الايام الاخيرة واطلقت الصواريخ وقذائف المورتر على مواقع للمعارضة واصابت مناطق سكنية. وقال متحدث باسم المعارضة نقلا عن سجلات المستشفى ان مئات الاشخاص قتلوا في مصراتة خلال الحصار.
وتقول جماعات اغاثة ان الوضع يتدهور في المدينة التي يقطنها 300 ألف شخص مع وجود نقص في الغذاء والدواء والسلع الاساسية الاخرى. وبدأت منظمات انسانية دولية اجلاء المدنيين المحاصرين بسفن من ميناء المدينة الذي تسيطر عليه المعارضة.
وفي جنيف قال صندوق الامم المتحدة للطفولة «يونيسيف» ان ما لا يقل عن 20 طفلا قتلوا في المعارك في مصراتة خلال الاسابيع الاخيرة.
الى ذلك اعلن وزير الدفاع الايطالي ايناتسيو لاروسا امس ان روما ستضع عشرة مدربين عسكريين في تصرف المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي يمثل الثوار المناهضين للزعيم الليبي معمر القذافي. واوضح الوزير الايطالي ان «هذا القرار اتخذ عقب اتصال (هاتفي) اجراه رئيس الحكومة (سيلفيو) برلوسكوني مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون». وقال ان «ايطاليا وانكلترا تتفقان على وجوب تدريب الثوار، انهم شبان يرغبون في القتال من اجل قضيتهم، لكنهم لا يملكون القدرات اللازمة وسنذهب الى حيث تتوفر الظروف الامنية الضرورية لتقديم خبرتنا والسماح لهم بمواجهة جيش مهني».
ميدانيا، قالت المعارضة المسلحة في ليبيا ان مقاتليها اشتبكوا مع قوات حكومية للسيطرة على شارع رئيس في مدينة مصراتة المحاصرة امس بعد ان قتل ثمانية في اليوم السابق أغلبهم مدنيون. وقال عبدالسلام وهو متحدث باسم المعارضة في مكالمة هاتفية ان عدد شهداء امس الاول بلغ 8 أغلبهم من المدنيين. وأضاف أن أكثر من 20 شخصا أصيبوا وأن القناصة ما زالوا يمثلون الخطر الرئيس على المدنيين والمقاتلين. وقال المتحدث الذي عرف نفسه باسمه الاول رضا لرويترز في اتصال هاتفي «هناك قتال ما زال مستمرا في شارع طرابلس»، مشيرا الى الشارع الرئيس الذي يصل الى وسط الضواحي الجنوبية في مصراتة.
في هذه الاثناء، رفض وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله نشر قوات برية أجنبية في ليبيا رغم الوضع المتأزم في مصراتة المحاصرة غرب البلاد. وقال فيسترفيله على هامش اجتماع للاتحاد الأوروبي مع مجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي امس إنه من المستبعد الاستعانة بقوات برية أجنبية في ليبيا بسبب قرار الأمم المتحدة.
وفي تطور اخر، طلب الثوار الذين يسيطرون على مدينة مصراتة المحاصرة لاول مرة تدخل قوات غربية برية في ليبيا لدعمهم، في حين اعلن سيف الاسلام القذافي نجل معمر القذافي، ان نظام والده سينتصر. وقال نوري عبدالله عبد العاطي احد قادة الثوار في هذه المدينة ان الثوار يطالبون بارسال جنود بريطانيين وفرنسيين الى مصراتة على اساس مبادىء «انسانية واسلامية». واضاف محذرا «اذا لم يأتوا سنموت». وتابع «نحن كنا (حتى الساعة) نرفض وجود اي جندي اجنبي في بلادنا، ولكن الان نحن نواجه جرائم القذافي ونطالب على اساس مبادىء انسانية واسلامية ان يأتي احد ويوقف المجزرة».
فرنسا وإيطاليا ترسلان ضباطاً لدعم الثوار و«شارع طرابلس» يحسم معركة مصراتة
وسط تحذيرات متزايدة من خطر تورط أكبر لحلف شمال الاطلسي في ليبيا ودعوات متزايدة الى تدخل غربي «على الارض» لدعم الثوار الذين يعانون من ضربات نظام العقيد معمر القذافي، أعلنت فرنسا وايطاليا ارسال «عدد صغير» من الضباط والخبراء لتقديم مساعدات ونصائح للثوار الليبيين، وذلك بعد يوم من اعلان بريطانيا ارسال «قوات محدودة العدد» الى ليبيا للهدف ذاته. وردت السلطات الليبية على الاعلان بالتحذير من ان نشر أي قوات برية «سيطيل من امد النزاع». ويأتي ذلك فيما احتدم القتال في مصراتة بين الثوار وقوات القذافي، حيث اندلع قتال ضار للسيطرة على «شارع طرابلس» الحيوي المؤدي الى ميناء المدينة، والذي سيؤدي سقوطه الى تعزيز الحصار على الثوار والمدنيين.
ويشير ارسال مستشارين وضباط تواصل ودعم الى رغبة الحلف الاطلسي في ان يلعب دورا لحسم حال «الجمود» العسكري في ليبيا، لكن قلة عدد العناصر التي سترسلها الدول الثلاثة يشير ايضا الى ان الحلف لا يريد ان يبدو «مستعدا» لتدخل بري. وقالت مساعدة الناطق باسم الخارجية الفرنسية كريستين فاج انه «في اطار تعاوننا الثنائي مع سلطات المجلس الوطني الانتقالي ارسلت فرنسا الى مبعوثنا الخاص في بنغازي عددا صغيرا من ضباط الاتصال للتعاون مع المجلس الوطني الانتقالي». واضافت ان «الهدف يتمثل تحديدا في تقديم النصح الى المجلس الوطني الانتقالي وخصوصاً في النواحي التقنية واللوجستية والتنظيمية للمساهمة في تعزيز حماية المدنيين وتحسين توزيع المساعدات الانسانية والطبية».
بدورها أعلنت ايطاليا على لسان وزير دفاعها انياسيو لا روسا وضع عشرة مدربين عسكريين تحت تصرف المجلس الوطني الانتقالي الليبي.
وفي رد فعل على الخطوات الاوروبية، قال الناطق باسم الرئيس الاميركي باراك اوباما ان واشنطن «ليس لديها خططا لنشر قوات برية في ليبيا»، ولكنها تؤيد قرار حلفائها بارسال مستشارين عسكريين لمساعدة الثوار الليبيين. وكان وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه اعتبر أمس ان النقاشات التي تدور حاليا حول تدخل قوات برية في ليبيا «يستحق تفكيرا دوليا».
ويأتي ذلك فيما اجتمع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع زعيم المعارضة الليبية مصطفى عبد الجليل في باريس في لقاء هو الاول من نوعه. وقال مكتب الرئيس الفرنسي في بيان انه تعهد لعبد الجليل بأن تكثف فرنسا القصف الجوي على قوات القذافي.
ميدانيا، قال الثوار أمس أنهم خاضوا اشتباكات ضارية مع قوات القذافي في مصراتة وقتل ثمانية أشخاص غالبيتهم من المدنيين. وقال ناطق باسم المعارضة لوكالة «رويترز» ان «قتالا ضاريا يجري الان في شارع النقل الثقيل المؤدي الى الميناء. وتحاول قوات القذافي السيطرة على هذا الشارع من أجل عزل المدينة». واضاف ان المعارضين «يسيطرون الان على نصف الشارع والنصف الاخر يسيطر عليه جنود القذافي وقناصته» في اشارة الى «شارع طرابلس». فيما قال تلفزيون «الجزيرة» ان طائرات الاطلسي قصفت قوات القذافي قرب مدينة أجدابيا شرق ليبيا.
مراقبون:معرفة الثوار بأراضيهم تضع قوات القذافي في مأزق
أعلنت قوات التحالف بقيادة حلف شمال الأطلسي "ناتو" أمس، أن طائراتها الحربية تمكنت من تدمير مخزنين للذخيرة بالقرب من طرابلس وموارد عسكرية أخرى لنظام القذافي. وأضافت في بيان أن الطائرات الحربية دمرت أيضا دبابتين من طراز "تي-62" وأخرى من طراز "تي-55" وثلاث قاذفات صواريخ بالقرب من مصراتة، فيما تمكنت من تدمير موقع لصاروخ "سيرفاس تو سيرفاس" في سرت.
وأشار البيان إلى أنه منذ بدء الحرب على نظام القذافي نفذت قوات تحلف "ناتو" 3016 طلعة جوية تضمنت 1261 غارة، مضيفا أن عدد التحركات الإنسانية إلى ليبيا بلغ 89 جوا وبرا وبحرا من جهة أخرى، اتفق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس خلال لقاء وفد مهم من المجلس الوطني الانتقالي المؤقت الذي شكلته المعارضة في ليبيا بقيادة رئيسه مصطفى عبد الجليل، على الحاجة إلى تكثيف الضربات الجوية في ليبيا. وناقش ساركوزي وعبد الجليل الوضع الراهن على أرض الواقع، ولا سيما المسائل الاستراتيجية المتعلقة بقتال المعارضة ضد القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي إضافة إلى القضايا الإنسانية والسياسية التي تؤثر على مستقبل ليبيا.
وأكد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي الذي يمثل المعارضة الليبية، الثلاثاء في روما: إن العقيد معمر القذافي لن يترك الحكم "إلا بالقوة"...وقال عبد الجليل للصحافيين أمام منظمة سانت ايجيديو الكاثوليكية الإيطالية المعروفة بمساعيها للوساطة في إفريقيا: إن القذافي "لن يتخلى أبدا عن الحكم إلا بالقوة".
وأضاف "لا يمكن مقارنة معمر القذافي" بالرئيس المصري السابق حسني مبارك أو الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي؛ إذ إن القذافي يحكم ليبيا منذ أكثر من 40 عاما ولن "تقبله أية دولة" في حال قرر الذهاب إلى المنفى.
وأوضح "لقد سخّر كل ثروة الشعب الليبي لخدمته" ووضع البلاد "في مغامرات عسكرية غير أخلاقية"...من جهته، أعلن ايناتسيو لاروسا، وزير الدفاع الايطالي أمس أن روما ستضع عشرة مدربين عسكريين في تصرف المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي يمثل الثوار المناهضين للزعيم الليبي معمر القذافي.
وكان الثوار الذين يسيطرون على مدينة مصراتة المحاصرة طلبوا أمس الأول لأول مرة تدخل قوات غربية برية في ليبيا لدعمهم، في حين أعلن سيف الإسلام القذافي نجل معمر القذافي، أن نظام والده سينتصر.
كما أعلنت الحكومة الفرنسية أمس أن عددا ضئيلا من الضباط الفرنسيين سيقوم بمهمة لدى المجلس الوطني الانتقالي الليبي، غداة إعلان لندن إرسال مستشارين عسكريين إلى هذا المجلس لتحسين تنظيمه العسكري واللوجستي.
وفي مواجهة الدبابات والقناصة في شوارع مصراتة يستغل أعضاء المعارضة المسلحة الليبية ميزة طبيعية يتمتع بها عادة المدافع في حرب المدن للاستمرار في قتال ممتد منذ شهرين ضد القوات الحكومية المسلحة بشكل أفضل.
ويغلق مقاتلو المعارضة شارعا رئيسا بشاحنات محملة بالرمال ويحاولون عزل وطرد الجنود الموالين للقذافي الذين يطلقون النار عليهم من على أسطح المباني في قتال يائس يتشبث فيه مقاتلو المعارضة بآخر معاقلهم المهمة في غرب ليبيا.
ويقول شاشناك جوشي المحلل في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن "السيطرة على الميناء ضرورية فمن دونها سيعزلون بالفعل وسيتوقف تقدمهم ولن يستطيعوا الصمود أمام الحصار".
وتبث لقطات لمقاتلين يحملون قذائف صاروخية وبنادق آلية يرابضون بين المباني المتداعية ويشنون هجمات كر وفر مما يعيد للأذهان مشاهد لحصار مدن أخرى مثل محاصرة الصرب لسراييفو في أوائل التسعينيات.
لكن محللين يقولون إنهم يتمتعون بأفضلية مهمة للغاية في القتال في المناطق السكنية على أرضهم؛ لأنهم على دراية بالأرض أفضل من خصومهم الذين ربما يواجهون صعوبات في تحقيق أكبر استفادة من أسلحتهم الثقيلة.
ويقول المحلل العسكري بول بيفر: "حتى أكثر الجنود كفاءة واحترافا في العالم مثل الأمريكيين والبريطانيين الذين ذهبوا إلى العراق على سبيل المثال وجدوا أن في حرب المدن تكون الأفضلية دائما للمدافع".
ويستطيع المقاتلون استخدام معرفتهم المحلية في نصب الأكمنة، والوسيلة الوحيدة للاستيلاء على مصراتة ستكون تدميرها مثلما فعل السوفيت في برلين في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقال بيفر "السوفيت دمروا أحياء كاملة. ولا يملك الجيش الليبي قوة النار اللازمة لذلك". لكن الطبيعة التي توفر للمعارضين إمكانية الاحتماء وتتيح لهم فرصة المناورة التكتيكية السريعة هي نفسها التي تصعب على طائرات حلف شمال الأطلسي قصف مواقع الحكومة الليبية.
وقال متحدث باسم المعارضة المسلحة يدعى عبد السلام مكررا آراء آخرين "للأسف مهمة حلف الأطلسي لم تنجح وقد فشلوا فشلا واضحا في حماية المدنيين في مصراتة".
وقالت مراسلة لـ "رويترز" سافرت مرتين إلى مصراتة في زيارات نظمتها الحكومة منذ اندلاع القتال هناك في أواخر شباط (فبراير) إن القوات الموالية للقذافي تسيطر على الجزء الجنوبي من شارع طرابلس وهو شارع رئيس وساحة قتال مهمة...وحاول الموالون للقذافي نشر أكبر قدر ممكن من المعدات العسكرية داخل المدينة.
وقالت المراسلة ماريا جولوفنينا "رأيت الكثير من المدافع المضادة للطائرات على أسطح المباني السكنية وأيضا أسفل أشجار كبيرة". وكانت آخر مرة ذهبت فيها إلى مشارف المدينة في التاسع من نيسان (أبريل). ومنذ ذلك الحين أعلن المعارضون تحقيق مكاسب في شارع طرابلس.
وتستعين قوات القذافي بصواريخ جراد روسية الصنع وقذائف مورتر وهي تقصف مواقع المعارضة ومناطق سكنية يوميا. وتقول جماعة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن هجوما أودى بحياة مدنيين عدة أثناء وقوفهم في طابور لشراء الخبز.
ويعتقد أن المئات قتلوا فيما نددت به القوى الغربية بوصفه حصارا "على غرار العصور الوسطى"لإجبار سكان مصراتة البالغ عددهم 300 ألف نسمة على الرضوخ..لكن مقاتلين من المعارضة يقولون إنهم يقاومون بشراسة ويحبطون أي محاولة من قبل أعدائهم للتقدم نحو الميناء والتوغل في وسط مصراتة. وأضافوا أنهم طوقوا ثلاثة مبان للموالين للقذافي في المدينة وسيطروا على اثنين منها.
ويصعب على الغرباء تكوين صورة واضحة عن الوضع في مصراتة التي مثل كثير من المدن الليبية هبت ضد حكم القذافي الممتد منذ أربعة عقود في شباط (فبراير)، ولا يتسنى التحقق من مزاعم المعارضين من مصدر مستقل بسهولة. وقال سيف الإسلام ابن القذافي إن الجيش يجتث الإرهابيين المختبئين في المدينة مثلما فعل الروس في جروزني عاصمة إقليم الشيشان أو كما فعل الأمريكيون في الفلوجة في العراق.
وأضاف لصحيفة واشنطن بوست: "إنه نفس الشيء تماما... لن أقبل أن يقتل الجيش الليبي المدنيين. هذا لم يحدث. ولن يحدث أبدا"...لكن روايات لمعارضين مسلحين وروايات شهود ترسم صورة لقصف بلا تمييز وقتال مكثف في المدينة وعلى مشارفها...ودكت نيران المدفعية مباني وتتناثر العربات المحترقة في الشوارع التي تمتلئ بالأنقاض ويعالج الأطباء المدنيين المصابين بموارد غير كافية.
ويقول إبراهيم علي، الذي وصل إلى تونس أخيرا على متن سفينة تابعة لمؤسسة خيرية طبية عن القوات الحكومية: "إنهم يقصفون مناطق سكنية ليل نهار بلا توقف".
ليبيا تلتف حول عقوبات الوقود عبر تونس
تلتف حكومة الزعيم الليبي معمر القذافي حول العقوبات الدولية على استيراد البنزين إلى غرب ليبيا عن طريق استخدام وسطاء ينقلون الوقود بين السفن في تونس. وسعت شركة تشامبلينك ومقرها هونغ كونغ - وهي أحد الوسطاء ولم تكن معروفة من قبل بين تجار النفط - لابرام صفقة تسليم وقود إلى ليبيا. وقال تجار نفط أوروبيون إن شركات أخرى مماثلة فاتحتهم بهذا الشأن.
وقال مصدر مطلع "يسعى رجال القذافي لشراء البنزين عبر الصخيرة (ميناء تونسي)... وتشامبلينك. إنهم ينقلون الوقود من سفينة لأخرى في الصخيرة."..وأظهر رسالة بالفاكس حصلت عليها رويترز أن تشامبلينك خاطبت شركات تجارية بطلب "عاجل" جاء فيه "تم تعييننا كموردين لعملاء في ليبيا ونتطلع لشحنات جاهزة من البنزين."
وتقترح الرسالة إما الشحن مباشرة إلى ميناء الزاوية في غرب ليبيا بالقرب من العاصمة طرابلس أو إلى الصخيرة في تونس ليتم نقل الشحنات إلى ناقلة منتظرة هناك.
وتطلب رسالة الفاكس المؤرخة في الأول من أبريل نيسان شحنات نصف شهرية من البنزين تبلغ كل منها 25 ألف طن للاشهر الستة القادمة...وقالت إن الشحنات أو الشركات التي ستستخدمها في ليبيا ليست مدرجة على أي قائمة عقوبات دولية.
وأكد بهاجو هاثي المسؤول في تشامبلينك الذي تحمل رسالة الفاكس توقيعه لرويترز بالبريد الألكتروني الأسبوع الماضي أن شحنة تبلغ 40 ألف طن وصلت إلى الصخيرة في وقت سابق هذا الشهر لكنه لم يذكر المورد أو ما إذا كان البنزين قد نقل إلى ليبيا.
ونفى عبر البريد الألكتروني في وقت لاحق وجود أي شحنات في الصخيرة.
وأظهرت وثيقة أخرى اطلعت عليها رويترز أن شركة أفريمار تونس التابعة لمجموعة أفريمار شمال أفريقيا أرسلت طلبا بتاريخ 12 أبريل إلي شركات للسفن لاستئجار ناقلة تستطيع حمل 40 ألف طن من البنزين من تركيا إلى الصخيرة للنقل من سفينة إلى أخرى هناك.
وقالت الشركة -التي أظهر موقعها على الإنترنت أن لها فرعا في طرابلس- إن لديها شحنتين إضافيتين متاحتين إعتبارا من نهاية أبريل بينهما أسبوعين تحتاج إلى سفن لنقلهما.
ولم يتسن الحصول على تعقيب من أفريمار اليوم الأربعاء ولم ترد الشركة على اسئلة بالبريد الألكتروني.وليس معروف على وجه التحديد ما إذا كانت أفريمار نقلت فعلا شحنات من البنزين إلى ليبيا.
وفرضت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على الحكومة الليبية وشركات ليبية معينة في أواخر فبراير شباط وفي مارس آذار.ودفع ذلك كل من الحكومة والمعارضة المسلحة للسعي نحو إمدادات الوقود رغم أن الشحنات استؤنفت إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شرقي البلاد.
وتحتاج حكومة القذافي إلى الوقود في حربها ضد المعارضة في الشرق ومعقل المعارضة المحاصر في مصراته في الغرب وأيضا لتأمين الاستقرار وتفادي السخط في العاصمة بما في ذلك تأمين الوقود للسيارات ووسائل النقل العام.
وقالت مصادر ملاحية وتجار نفط إن شحنات تبلغ 120 ألف طن على الأقل من البنزين وصلت منذ بداية الشهر الحالي إلى الصخيرة للنقل من سفينة إلى أخرى وتشكل تلك الكمية نحو نصف الواردات السنوية لتونس.
وتعمل الصخيرة كميناء للترانزيت إلى دول اخرى إضافة لتلبية حاجات تونس المحلية من الوقود ويصل اليها حاليا كميات غير مسبوقة من الوقود.
ليبيا المعلقة واحتمالات الغزو العسكري الغربي وسيناريواته
النيران تلتهم ليبيا، رائحة الموت تنتشر في أجوائها، الدمار يلف مدنها الساحلية الجميلة، بالطبع ليس هذا ما كان يرنو إليه الثوار، غير أن هجومات معمر القذافي وحسابات ترتيب التركة الليبية لدى «مستعمري» أوروبا والولايات المتحدة، والشلل العربي والإسلامي، دفعت جميعها نحو هذا الوضع المأسوي الذي تعيشه ليبيا. المراوحة بين الكر والفر عند الثوار، والذي بلغ حداً مخيفاً من التراجع الآن أمام قوات القذافي المؤللة والمدعومة بغطاء جوي وآخر بحري في بلاد تنتظم جل مدنها على السواحل الشاسعة للدولة التي تمتلك أكبر إطلالة على البحر المتوسط، تدفع الأمور باتجاه التدخل الغربي وتحفز القوى المتربصة بهذا البلد الغني على استغلال الوضع المتردي للسكان، والقدرة المحدودة للثوار على حسم المعركة لمصلحتهم، لفرض حزمة من الشروط على المجلس الانتقالي الليبي تعيده إلى دائرة الاحتلال التي لم تكن بعيدة في مضمونها عن الحال إبان حكم العقيد نفسه. الغرب ليس حذراً لكنه يعاود تكرار مشهد أوروبا من الرجل المريض، حين ترك الثمرة تنضج، وهي هنا تعني مدى تلبية المجلس الانتقالي للشروط التي يتوجب عليه الالتزام بها في حال تدخل الحلف الأطلسي (أو تحالف ما تقوده الولايات المتحدة الأميركية) لتحريك دفة المعركة لمصلحة الثوار بشكل أو آخر.
التريث أو التردد الأوروبي الأميركي، وتباين المواقف النسبية بين الدول الأوروبية له مبرراته لاختلاف مصالح الدول الأوروبية والغرب في ليبيا، وهو الأمر ذاته الذي يلقي بظلاله على الموقف العربي المتراوح بين تأييد إطاحة نظام، والتخوف من شرعنة التدخل تأييداً للثورات التي هي ليست بمنأى عن أحد.
ولأوروبا أسبابها الجوهرية في صبغ مواقفها من القذافي بألوان مصالحها المتنوعة، فإيطاليا التي تحتفظ باستثمارات ضخمة في ليبيا تقدر بنحو 30 بليون دولار معظمها يعود إلى شركة إيني النفطية التي تساهم في تزويد إيطاليا بربع احتياجاتها النفطية و10 في المئة من الغاز المصدر عبر أنبوب غاز يمر بجزيرة صقلية، إضافة إلى عقود تشييد الطريق الساحلي الليبي الممتد، لا يمكنها بسهولة أن تغامر بالتدخل العسكري إلا حالما تضمن ميزة تفضيلية كبرى كأكبر شريك تجاري وبلد الاحتلال الأساسي السابق لليبيا والذي ساهم في القفز بالقذافي إلى سدة الحكم في ليبيا لتنفيذ سياسة مشابهة لتلك التي كان يتبعها غريسياني القائد الإيطالي الذي أعدم المجاهد عمر المختار.. تلك الميزة قد لا توفرها واشنطن لروما في حال رسمت ريشة التغيير العسكرية خطوطها الجديدة، أو أفضى التدخل أو عدمه إلى تقسيم ليبيا إلى دولتين أو أكثر.
وألمانيا التي عارضت التدخل العسكري حتى الآن، وتذرع وزير خارجيتها غيدو فيستر فيله بـ «أهمية تجنب إعطاء انطباع بأن الأمر يدور حول حملة صليبية ضد مسلمين»، والتي يفوق حجم وارداتها من النفط الليبي نظيره من السعودي، كما يفوقه كفاءة للاستخدام الألماني، تدرك أن «أمنها النفطي مضمون»، وفقاً لوزير الاقتصاد الألماني راينر برودرله، ولا تخشى في هذه المعمعة كلها إلا ارتفاع أسعار النفط، وزيادة النفوذ الأميركي في الشمال الإفريقي على حساب أوروبا، وبالتالي لا تجد نفسها مدعوة لتأييد تدخل عسكري في ليبيا تعلم جيداً أنها لن تكون عرابته نظراً للحسابات العسكرية الدولية، ولن تحصد شيئاً من حصوله، بخلاف الفرنسيين الأكثر حماسة لاقتطاع جزء من الكعكة الليبية قبل أن يلتهمها الأميركيون والبريطانيون بشكل كامل، ثم إن فرنسا التي تعاني من أزمات في إمداد النفط بعد فقدانها كثيراً من مناطق النفوذ في وسط إفريقيا تتطلع إلى الاقتراب مجدداً من تشاد ودارفور (حيث اليورانيوم والنفط الواعد).
وروسيا التي تقاوم التدخل الأميركي والأوروبي الغربي في ليبيا لا يخطئها أن الصديق الليبي سيفضل عليها «صناع ثورته القادمة»، وسيدير ظهره لموسكو وشركاتها العاملة في ليبيا، وهذا ما دفعه إلى تحريك إحدى حليفاته العربيات لتزويد القذافي بالأسلحة، فضلاً عن احتمال التدخل العسكري المباشر أو الدعم التسليحي لطرابلس والذي ترددت أنباء عن حصوله بالفعل بواسطة بوارج حربية روسية تقترب هي الأخرى من الشواطئ الليبية.
أما عربياً، وعلى ذكر تلك الدولة، وهي سورية التي أرسل نظامها بعض طياريها للقتال إلى جانب القذافي، والتي لا تخفي انزعاجها من «ربيع الثورات العربية»، وتنزع إلى انتحاء المسلك الليبي تجاه شعبها الثائر. سورية إذاً كاليمن والجزائر والسودان تدفع جميعها باتجاه كبح جماح الثورات، وقطع الطريق أمام «سابقة» التدخل العسكري، وهو الموقف الذي لا تشاطرها إياه الدول التي نجحت فيها الثورة جزئياً مثل مصر وتونس، لكنهما مع ذلك، وإن أبديا «تفهماً» لمسألة الحظر الجوي على ليبيا إلا أنهما حذرتان جداً من رد فعل القذافي غير المحسوب، خصوصاً الأولى التي لا تريد أن تقامر بحياة مئات الآلاف من المصريين العاملين في ليبيا، باعتبار أن السياسة المصرية الخارجية بعد الثورة ستختلف جذرياً عما كانت قبلها لجهة عدم الارتهان للإرادة الأميركية، وهي ما ستظل محل نظر كبير للمتابعين تطورات الأوضاع في مصر ما بعد الثورة. (وتونس بالمثل أيضاً). وبالجملة، فإن المواقف العربية المختلفة لا تخرج كثيراً عن المألوف، وهي في مجموعها لا تتعلق بالجانب الاقتصادي، بخلاف الأوروبية التي ارتكز الفرز فيها على أسس براغماتية اقتصادية في معظمها، والتي أدت إلى هذا التنوع والاختلاف العميق بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة .
هذا التردد في اتخاذ القرار لدى البعض، والتمهل ريثما يلتصق الموقف الثوري الليبي بالغربي ويمنح الغازي أقصى درجات الخضوع (أو هكذا تبغي تلك الدول)، لا سيما أن رصداً بأهم ثروات القذافي المجمدة ببلايين الدولارات (30 في الولايات المتحدة، و32 في بريطانيا، و10 في ألمانيا) يبرهن على أن العقيد «الثائر» لم يكن إلا وكيلاً عن الدول الغربية في ليبيا، ومن غير اليسير توفير «زعيم مناضل» آخر ليحل محله في مهمته «الثورية»!
على أن اختلاف المصالح الاقتصادية ليس الدافع الأوحد لهذا الموقف المتأرجح أو المتباطئ في مساندة الثوار؛ فالخلفية الدينية التي بدأت ترتسم في المشهد الثوري أو التي باتت عموداً أصيلاً من أعمدة الثورة، والخشية من إنضاج ثورات مستقلة وإن لم تكن إسلامية بالضرورة يمكنها أن تراجع وتدقق في العقود النفطية الخرقاء التي كان يوقعها العقيد من خيمته، والتي جعلت معظم استثمارات ليبيا في حوزة الغرب سواء ما يتعلق بعائدات النفط أم شركات التنقيب والتكرير وغيرها بما لا يحلم به الغرب في ظل نظام يتمتع بالشفافية، وهو ما يعبر عنه غير ديبلوماسي وسياسي وخبير في الشؤون الاستراتيجية، ومنهم جيمس هاكيت من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي قال: «المشكلة هنا أنك يجب أن تسأل نفسك ستسلح من؟ لأنك من المحتمل أن تتعامل مع مجموعة مختلفة من القبائل والمجتمعات التي لديها أجندات مختلفة تماماً قد تبرز بمجرد رحيل القذافي»، كما ورد في «صنداي تايمز» البريطانية: «إن ليبيا تعاني من نزاعات قبلية، ولا ضمان هناك بأن الحكومة الجديدة ستكون في النهاية أفضل من نظام القذافي».
الدولة الليبية المستقلة يخشاها الغرب لا سيما بعد أن بدأت بوادر غير مشجعة لدى الجارة المصرية التي لا يتوافر لدى العواصم الغربية الاطمئنان الكافي على مستقبلها، وهذا ما يعزز فرص التدخل العسكري الغربي الذي بدت ملامحه الآن على رغم كل الاحتياطات؛ فحيث تتحرك الأساطيل تسبقها إشارات ديبلوماسية وتكهنات صحافية من دوائر قريبة من صناع القرار في الغرب، ويرفع العرب مظلتهم «الشرعية والقانونية» لتبرير التدخل العسكري الذي قد لا يقتصر ـ غالباً ـ على فرض الحظر الجوي (تحت ذريعة عدم كفايته العسكرية لإخضاع العقيد)؛ فإن تجاهل الغرب للفرصة المواتية لتدخله في ليبيا هو أمر مستبعد بطبيعة الحال.
إعداد / خالد عويضة
ساحة النقاش