بقلم / نبيل بنعمرو أستاذ باحث
إذا كان مجتمع المعرفة يعرّف على أنه مجتمع سمته الأساسية هي الانتشار القوي للمعلومات والمعرفة، فإن هذا التعريف لا يستقيم إلا إذا استحضرنا الدور الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستعمالاتها على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة. بالفعل، فحضور واستعمال الإنترنت في الحياة اليومية للناس أصبح لافتا للنظر، فأضحى أطفال اليوم يتعرفون على شبكة الإنترنت وخدماتها في وقت مبكر، لذلك سموا بالجيل الرقمي!
لقد أصبحنا في الآونة الأخيرة نخشى انقطاع الوصل في الإنترنت أكثر من خشيتنا من انقطاع التيار الكهربائي عن بيوتنا. إنها ثقافة جديدة غيرت سلوكنا وعاداتنا في وقت وجيز، وأدت إلى تغيير المفاهيم التقليدية لعدة مجالات، مثل العمل والتعليم والتجارة وبروز شكل جديد لمجتمع المعلومات.
يرجع هذا كذلك لطابع الحينية في الوصول إلى المعلومة بسهولة وبشكل فوري تقريبا: على بعد نقرة واحدة، مما يجعل من الصعب الاستغناء عن هذا المورد الحيوي، الذي يصفه البعض بجنة المعرفة، حيث يكفي الانحناء لالتقاط المعلومة، بل للارتواء! ولكن وراء هذه السرعة، هناك العديد من الخوارزميات الجد متطورة لمحركات البحث.
الإنترنت، أو شبكة الشبكات، تمثل الوسيلة الأساسية التي تمكننا من الاستفادة عن بعد من الخدمات التي يوفرها عالم المعلومات والشبكات، كتصفح مواقع وصفحات الويب، استعمال البريد الإلكتروني، الهاتف عبر ميثاق أو بروتوكول الإنترنت، التراسل الفوري أو الدردشة، البحث في قواعد البيانات عبر الويب، استعمال محركات وأدلة البحث كغوغل، الى بعض الاستعمالات الأخرى كالتلقيم، وهي خدمة تمكن من متابعة ما يصدر في المواقع التي توفرها أولا بأول، من دون حاجة إلى زيارتها من أجل التحقق إن كان قد نُشر جديد عليها الخ...
إن العدد الهائل لصفحات الويب الموجودة على شبكة الإنترنت، والذي يُقدر بالملايين، يجعلنا نتساءل كيف يمكن لمحرك بحث مثل غوغل، الذي أصبح مرجعا في مجال البحث، أن ينقب لنا ثم يعرض على شاشة حاسوبنا العشر صفحات الأكثر أهمية في موضوع بحث معين؟ كيف أصبح هذا المحرك الأقوى عالميا في هذا المجال في أقل من أربع سنوات؟
يزعم مطورو غوغل أن مهمة هذا المحرك هي أساسا تنظيم المعلومات حول العالم وجعلها مفيدة وفي متناول الجميع، مما يعطينا فكرة عن الدور الخطير الذي يلعبه هذا المحرك في نشر وعي معين أو تنميطه، لا فرق. هل هي ثقافة العولمة أم عولمة الثقافة؟
إن شركة غوغل واحدة من أكبر الشركات في سوق الإنترنت، والتي لديها في سنة 2010، أكثر من مليون حاسوب خادم (serveur) موزعة على 32 موقعا في العالم، مما يمثل 2% من مجموع عدد الحواسيب في العالم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن وجود غوغل يرجع فضله الى حد كبير الى البرمجيات الحرة التي تم تطويرها وتشييده بواسطتها، مثل نظام التشغيل لينوكس، ونظام إدارة قواعد البيانات(MySql) أو لغة البرمجة الجديدة.Phyton
رغم كل هاته المميزات التي يحظى بها محرك البحث الأكثر استخداما في جميع أنحاء العالم، يمكن لِغوغل أن يعطينا إ المعلومات المتاحة للجمهور العام. هذه المعلومات هي نتاج لمختلف المساهمين، مثل الجامعات والمؤسسات ووسائل الإعلام، والأفراد الذين اختاروا طواعية أن يظهروها مجانا عبر الإنترنت! وهكذا، فإن محركات البحث بشكل عام وغوغل على وجه الخصوص، لا تقدم لنا كل ما نحتاجه من معلومات بخصوص موضوع معين، ولكن فقط ما أُطلق سراحه.
من جانب آخر، يستند مبدأ البحث لغوغل الى دراسة العلاقات الرياضية بين المواقع الإلكترونية. فصفحات الويب الأكثر أهمية، التي ستظهر هي الأولى على الشاشة، هي تلك التي تم نقلها أو ذكرها من طرف المواقع الأخرى.
المعيار الأساسي الذي يعتمده غوغل اذن هو تقنية رتبة الصفحة (Page Rank) التي تم تطويرها من قبل لاري بيج، الشريك المؤسس لغوغل. هذه التقنية تمكن من معرفة مدى شعبية موقع إلكتروني معين على شبكة الانترنت، أو بدقة أكثر، واحدة من صفحاته. ويتم باستمرار إعادة تقييم هذا المؤشر الذي يستند أساسا الى خوارزمية تبحث عن عدد الروابط التي تحيل الى صفحة معينة. هذه الروابط تقوم مقام الأصوات المحصل عليها خلال عملية تصويت، كما لاحظ Pierre Lazuly ( وجهة نظر، عدد 109). فمحرك البحث غوغل يعتبر الرابط من صفحة (أ) إلى الصفحة (ب) على أنه تصويت لصالح (ب). أما محتويات الصفحة فلا يتم أخذها بالاعتبار عند حساب الـ.PageRank
وهكذا فإنه كلما كانت لدينا روابط مهمة في موقع معين، كلما أصبح مؤشر PageRank مرتفعا، وبالتالي تتقوى حظوظنا لتظهر مواقعنا الإلكترونية في رتب مميزة بالنسبة لنتائج البحث في غوغل!
هذه الظاهرة هي عملية تراكمية، وبالتالي فإن تصنيف صفحة معينة سيكون مرتفعا أكثر كلما احتوت على روابط تُحيل الى صفحات ذات تصنيف مُعتبر.
النتيجة الحتمية لهذه العملية هي أن المواقع التي سبقت مبكرا في الظهور على الويب، تصبح المرجعية بالنسبة للمواقع الجديدة التي ستملى عليها قواعد من سبقتها من المواقع.
بالنسبة للعديد من الخبراء، فإن غوغل ليس أصيلا في طريقة بحثه، حيث أنه لا يحيل الى المرجع الأساسي في مجال ما، بل الى قَبوله الأكثر ظهورا في المواقع! وبالتالي لا يكفي أن تكون لنا مواقع إلكترونية مُحكمة التصميم بقدر ما يجب أن تكون لها علاقة مع المواقع التي تمثل مرجعيات شبكة الإنترنت للحصول على 'اعتراف' منها.
'ديمقراطية' غوغل المزعومة توجه الويب استنادا الى عدد الأصوات التي تحصل عليها كل صفحة وأهمية هذه الأصوات. وهنا يبرز الوجه الخفي لغوغل، فلا أحد يعلم المعايير المعتمدة من طرف هذا المحرك للتمييز بين المصوتين، فبالنسبة للمواضيع ذات الطابع السياسي ( العراق، الصين، فلسطين...) فإنه غالبا ما تتغلب الايديولوجيا على الخوارزميات!
ساحة النقاش