هآرتس
الحرب الاهلية لا تزال تعربد في ليبيا ولكن نتيجة واحدة لها اتضحت حتى الآن: معمر القذافي كشف النقاب عن ضعف باراك اوباما. زعيم القوة العظمى دعا حاكم ليبيا الى الرحيل، والقذافي لم يفزع. فقد وجه نظره مباشرة الى الرئيس الامريكي، فتراجع الاخير وانثنى. كل العالم رأى انه من السهل جدا الوعظ من بعيد للديمقراطية والحرية، وأصعب بكثير اسناد الكلام بعمل عسكري ضد طاغية متوحش يذبح مواطنيه. اوباما يمكنه أن يتحدث ويتحدث والقذافي يواصل اطلاق النار والقتل.
تصميم القذافي رجح الكفة، حاليا على الاقل، في صراع البقاء لحكام الدول العربية ضد شعوبها الثائرة. السعودية سارت في اعقابه وبعثت بجيش للبحرين لانقاذ حكم الاقلية السنية من غضب الاغلبية الشيعية. وطالب الامريكيون بالاصلاحات والانفتاح في البحرين والسعوديون احتلوا عمليا الجزيرة المجاورة، المرتبطة بجسر مع مملكتهم. ويبدو أنهم سألوا أنفسهم ماذا يمكن لأوباما ان يفعله لهم. ان يلقي خطابا آخر؟
القذافي الفظ فحص دوما حدود الطبيعية في سلوك الدول والزعماء. وقد سبق أن اظهر انه يمكن البقاء لسنوات في الحكم تحت العقوبات، التهديدات بل والقصف الامريكي. لا غرو أنه تواقح مع اوباما أكثر من حكام آخرين. هذه طبيعته. ولكن حتى الاشخاص الاكثر لطفا تصرفوا مثله. الشرق الاوسط مليء بالزعماء والحكومات الذين تلقوا مطالب واملاءات من اوباما وببساطة قالوا 'سمعناك' وواصلوا ما كانوا عليه دون ضر.
ايران دفعت الى الامام في السنتين الاخيرتين خطتها النووية ولم تأبه على الاطلاق بالاغراءات والتحذيرات من اوباما. اسرائيل ابطأت لزمن ما توسيع المستوطنات، لان اوباما طلب وبعدها عادت لتبني في المناطق. اوباما اراد استئناف المسيرة السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين والطرفان جعلا منه اضحوكة، كل طرف ومعاذيره. وحتى محمود عباس قال 'لا' لأوباما، عندما اقترح عليه الرئيس التخلي عن شجب الاستيطان في الامم المتحدة مقابل رزمة امتيازات وحوافز. خمسون دقيقة على الهاتف وعباس لم يتحرك.
الجانب الصحيح
المنطق في السياسة الامريكية بسيط: اوباما يقدر القوة فقط. فهو يسير مع الاقوياء والحازمين ويركل الضعفاء والواهنين. مؤيدوه دوما سيجدون العذر لهذا الموقف. عندما قمعت مظاهرات المعارضة في ايران بوحشية بعد تزوير الانتخابات للرئاسة في 2009، تنكر اوباما للمتظاهرين وعمليا أيد الرئيس محمود احمدي نجاد، والزعيم الروحي علي خمينئي. ويبدو أنه قدر بان النظام سينتصر وأمل ان تؤدي حياديته الى تحسين العلاقات بين امريكا وايران. المشكلة كانت أن الايرانيين فهموا الامر على نحو مغاير. فقد فسروا موقف اوباما كضعف ولم يبدوا اهتماما بالحوار الذي عرضه عليهم.
في مصر خرجت الجماهير في مظاهرات في الشوارع وفي اللحظة التي ضعف فيها حسني مبارك وتنكر له الجيش، ركله اوباما علنا وشطب 30 سنة من التحالف والتعاون. مؤيدو اوباما شرحوا بان مبارك كان دكتاتورا و(أزعر) والرئيس 'وقف في الجانب الصحيح للتاريخ'. عندما تبين أن الجيش يسيطر على مصر وصرف المتظاهرون من الميدان، اوباما أيد الجنرالات. وسارع المؤيدون الى التعديل والشرح بان اوباما يحث الاستقرار ويتصرف بمسؤولية.
القذافي فهم من هذا انه محظور عليه ابداء الضعف. اذا ما ظهرت قويا فسيذعر اوباما ولن يفعل شيئا. مبارك والرئيس التونسي المطاح به زين العابدين بن علي ترددا في اطلاق النار على المتظاهرين، وطردا من كرسيهما. اما القذافي ففرح بالحرب وحكمه نجا حاليا.
الحملة الانتخابية الناجحة لاوباما للرئاسة وفي مركزها الوعد الجارف بالتغيير بعثت بتوقعات هائلة قبل أن يدخل الغرفة البيضوية زعيما قدوة أبراهام لينكولين او فرانكلين روزفلت في صيغة انترنت. وقد تلقى جائزة نوبل للسلام تحت الحساب، دون ان يفعل شيئا. مؤيدوه يدعون انه بمجرد وجوده والمواقف التي تقدم بها، شجع مؤيدي الديمقراطية في العالم العربي وقلص اللهيب في الشرق الاوسط. ادعاؤهم ليس مدحوضا تماما. فقبل انتفاضات الشارع في تونس ومصر، حثت ادارة اوباما جنوب السودان نحو الاستقلال. الحدود بين اسرائيل وجيرانها اكثر هدوءا في عهد حكمه مما في عهود سلفيه بيل كلينتون وجورج بوش.
ومع ذلك، فقد توقع الناس من اوباما سياسة خارجية اكثر فاعلية، دورا شخصيا يسلب اللب ويهز الحكام. المعجبون به وكارهوه على حد سواء قدروا بان اوباما سيفرض على اسرائيل الخروج من المناطق واقامة دولة فلسطينية فيها. وبالفعل، سار اوباما أبعد من اسلافه وأعلن بان حل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني هو مصلحة قومية للولايات المتحدة. ولكن فعله كان هزيلا اكثر بكثير من تصريحاته. وغداة تسلمه منصبه عين جورج ميتشل مبعوثا خاصا الى الشرق الاوسط. فقد صدق على أي حال الادعاءات التي طرحت ضد سلفه في أنه لم يعين مبعوثا رئاسيا الى المنطقة. وسعى اوباما لان يظهر بانه ليس بوش فجند السناتور السابق ميتشيل الذي توسط بنجاح في ايرلندا الشمالية.
ولكن التجربة من ايرلندا، حيث يتحدث الجميع فيها الانكليزية وتعلموا شيكسبير وجيمس جويس، لم تكن ملائمة للشرق الاوسط. فهنا لاحظوا على الفور ان ميتشل عديم القيمة وواصلوا استضافته في محادثات عابثة الى أن اختفت اعقابه. رسميا، هو لا يزال في المنصب ولكن منذ زمن بعيد لم يظهر في القدس وفي رام الله. وحسب كل المؤشرات، فان اوباما ايضا كف عن الاهتمام به وبرحلاته. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعمل مع واشنطن عبر خصم ميتشيل دنيس روس.
غضب وقلق
نتنياهو يخاف اوباما. عندما تسلم منصبه قدر بان الرئيس سيحاول اسقاطه من الحكم. خوفه من الرئيس دفع نتنياهو الى تجميد المستوطنات في نهاية 2009. الخوف تبدد عندما فاز الجمهوريون في الانتخابات للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر)، ووقفوا كالدرع في وجه ضغوط الادارة على اسرائيل.
موقف الكونغرس الذي ايده ايضا كبار رجالات الكتلة الديمقراطية دفع اوباما الى استخدام الفيتو ضد شجب المستوطنات في مجلس الامن خلافا لموقفه. ولكن نتنياهو لا يزال قلقا. مؤخرا سأله رجل يميني قديم، لماذا سيعرض قريبا خطة سياسية فشرح نتنياهو بان 'اوباما سينتخب لولاية ثانية'.
بين خبراء السياسة الخارجية في واشنطن يسود الرأي بان اوباما 'يتميز غضبا' من نتنياهو بسبب الجمود السياسي مع الفلسطينيين. هناك من يقترح استخدام الغضب الرئاسي وقلق نتنياهو كرافعتين لفرض تسوية.
مؤيدو الرئيس في وسائل الاعلام الامريكية ـ رودجر كوهين من 'نيويورك تايمز' ودافيد رامنيك من 'نيويو يوركر' ـ دعيا اوباما في الاسابيع الاخيرة الى عرض خطة لتسوية اسرائيلية فلسطينية. كوهين اقترح ان يصل الرئيس في زيارة دراماتيكية الى القدس فيذيب قلب الاسرائيليين. رامنيك كتب بانه محظور على الرئيس ان يخاف اللوبي من اجل اسرائيل، او خسارة اصوات اليهود في الانتخابات.
اما اوباما فلم يأخذ برأيهما، حاليا. منذ هزيمة حزبه في الانتخابات للكونغرس، لطف فاعليته في الداخل وفي الخارج. وهو يفضل الوصول الى توافق مع الجمهوريين والحكم من الوسط. اهتمامه موجه لحملة انتخابه من جديد، وفي هذه اللحظة لا يدخل المرء في مشادات مع قطاعات ومجموعات ضغط ذات قوة مثل مؤيدي اسرائيل.
حتى لو نشر اوباما خطة للتسوية، فان الطرفين سيرفضانها وسيظهر مرة اخرى كخرقة بالية. يبدو أنه ينتظر المعركة الدبلوماسية المرتقبة في الصيف حول اعلان الاستقلال الفلسطيني. هذه ستكون لاوباما فرصة للضغط على نتنياهو وعلى عباس اللذين سيكونان بحاجة لدعمه. مشكوك أن يستغلها في بداية سنته الانتخابية.
والى أن يأتي الصيف، سيتعين على اوباما ان يتصدى لموجات الثورات في الشرق الاوسط، للانظمة المصممة على البقاء على حالها رغم الضغوط من الداخل ومن واشنطن ولعناد نتنياهو في السيطرة على الضفة الغربية.
'نحن لا نريد ايران على مسافة 20 كم منا، وهذا لن يحصل'، اوضح موظف سعودي لمراسل 'واشنطن بوست' دافيد ايكنشيوس، هكذا يعلل السعوديون ارسال الجيش الى البحرين. وهكذا بالضبط يشرح نتنياهو طلبه السيطرة في غور الاردن وفي التلال فوقه، حيث تقع مستوطنة ايتمار.
السلطة تنظم المظاهرات والحكام العرب اعداء الشارع
يديعوت
وقف أحد شباب وحدة حراسة الاشخاص أمس الأول على متن سفينة الحاويات 'فيكتوريا'، مرتديا حُلة اعمال، وفي يديه بندقية ام 16 قصيرة، مفرجا بين قدميه تفريجا واسعا، منتصرا والشمس من ورائه. وقد حلقت مروحية في السماء. جاءت سيارات فخمة مدرعة سوداء براقة في قافلة تشق الاسفلت من تحت الرافعات. كان يمكن ان تكون هذه بداية ملائمة لمسلسل آخر من مسلسلات الجريمة التي لا تنتهي في التلفاز الامريكي. وهنا، تحت سماء أسدود يبدو الامر مثل خطأ، أو عيد مساخر سبق وقته.
وقفت فرق التلفاز ومصورو الصحف الذين طُلب منهم ان يأتوا في الحادية عشرة صباحا مع معداتهم في الصف ازاء كاشف المعادن الوحيد ينتظرون حتى زهقت أنفسهم انتهاء التفتيش الأمني، وكلما طال التفتيش ازداد الشعور بالمرارة. كان الشعور بأن المقابل لا يساوي الجهد. والشبكات الاعلامية مشغولة في خلال ذلك باليابان. لا شيء سيُعرض هنا سيؤثر في ملف الأخبار بعيدا في نيويورك أو في لندن أو في قطر. آنذاك أغلقت قوة الحراسة الاتصال الخلوي للجميع لدواعي أمن رئيس الحكومة وخسر الاعلام الاسرائيلي آخر اصدقائه في العالم.
رتبوا على الرصيف عرضا. استلوا قذائف الرجم (120 ملليمتراً) من صناديقها ووضعوا كل واحدة على قاعدة مستقلة بترتيب نموذجي. أُقيمت 16 قذيفة على جانب من جوانب الرصيف ومثلها على الجانب الثاني. الكمية لم تؤثر: فبالمقارنة مع الغنيمة التي أُخذت من سفينة 'كارين إي' في كانون الثاني (يناير) 2002 كانت غنيمة 'فيكتوريا' متواضعة جدا.
كانت الصواريخ الستة هي الأساس. أُقيمت في وسط الرصيف داخل صناديق خشبية كبيرة، والى جانبها أُقيمت الصواريخ التي خُزنت فيها الرادارات ومعدات التوجيه والاطلاق. وكان ذلك في الحاصل قطعة من ارسالية. أكان هذا النظام كما يزعم المحللون الرسميون سيصبح محطما للتعادل في الميزان العسكري بين اسرائيل وغزة؟ يُحتاج الى الكثير جدا من مثل هذا لتحطيم التعادل. العائلة الرسمية رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الاركان وقائد سلاح البحرية والأمين العام العسكري ووزير الاعلام مع متحدثيهم وحراسهم ومصوريهم يمرون في المعرض بنفس الهيئة الاحتفالية التاريخية التي يستعرض بها رؤساء الدول حرس الشرف في قصر الأليزيه. يوجد الكثير جدا من الاشخاص في العائلة وعدد من المدعوين أكثر كثيرا من القذائف. إن الزحام يؤكد فقط الشعور بأنه قد تم هنا جهد كبير تريد به القيادة السياسية ان تُقلد أنفسها بالأوسمة أكثر من ان تكشف عن تدبيرات ايران.
الحال في المعرض كما تكون في المعرض. نزع نتنياهو رباط العنق، لكنه برغم الحر الشديد حرص على المعطف الاسود المُعد للعرض وكانت الشمس في عينيه لكنه لم يضع نظارة شمسية. واختار باراك أن يعرق في معطف ريح، كذاك الذي يجعله يبدو في مظهر سيد الأمن. وقرر رئيس الاركان الجديد، وقائد سلاح البحرية أن يظهرا في بزتين خضراوين بلا فخامة. اختيار ذكي: فقد كان عرضهما يُبين أنهما ليسا في عرض الساسة.
كان نتنياهو يوم الثلاثاء في الجنوب. لم أكن هناك لكن أحد زملائي أبلغني انهم أقاموا تكريما له جدارا سلكيا يفترض ان يمثل الجدار الجديد على الحدود المصرية. نظر نتنياهو والوزراء من خلاله الى عدسات التصوير مثل أسرى في معسكر تجميع. كانت الصورة ترمي الى بث الأمن فبثت الشعور بالضيق. عندما ذهبوا جمعوا وخزنوا الجدار كما خزنوا القذائف من سفينة 'فيكتوريا'.
قال نتنياهو على الرصيف في أسدود ان هذه الارسالية مُعدة 'لحماس أو لمنظمات اخرى'. والسؤال هو لماذا ترسل ايران هذه الوسائل القتالية والى أية منظمة؟ هل توجد جهات في ايران تريد اشعال النار في غزة الآن أو ربما تهتم بأن يجمع وكلاؤها في المنطقة سلاحا نوعيا لأجل مسمى عندما يُهيجونهم على دولة اسرائيل؟
وماذا يحدث مع تركيا؟ حذرت اسرائيل الرسمية ان تتهم الاتراك في هذا الامر. بالعكس فقد اجتهد باراك ان يمتدح في خطبته حكومة تركيا لانها أنزلت طائرة ايرانية ارتيب بأنها تهرب السلاح الى سورية. هل توجد هنا بداية مصالحة إن لم تكن مع اردوغان فمع الجيش التركي على الأقل؟. وماذا يحدث لنتنياهو؟ لماذا يهجم في الايام الاخيرة على كل منبر خطابة؟ في الايام التي ينظر فيها العالم الى اليابان، وعيون الاسرائيليين تنتقل ما بين اليابان وايتمار، يُكثر هو الظهور.
قال في يوم الثلاثاء ان الحديث في وسائل الاعلام عن خطبة حاسمة، خطبة بار ايلان الثانية، يعرض فيها مبادرة سياسية جديدة، كان اختلاقا من وسائل الاعلام. فمن المؤكد انه لا يُعد خطبة فضلا عن خطبة تاريخية. من الصحيح لهذا الاسبوع ان بار ايلان الثانية قد ماتت: تحيا 'فيكتوريا'.
ونحن نبقى
كشف القتل الفظيع لعائلة بوغل في ايتمار لأعين الاسرائيليين عن عائلة متميزة نبيلة يؤثر في القلب سلوكها، وتصوراتها كثيرة الوجوه. إن تسيلا وحاييم بوغل، والدي أودي الذي قُتل في ايتمار، هما من منشئي مستوطنة نفيه تسوف (التي اسمها الآخر حلميش) في غربي السامرة. جاء مئات أو ربما آلاف الى حداد الايام السبعة في بيت الوالدين. وبرغم انهم جميعا محسوبون في المعسكر الصهيوني المتدين فانني على ثقة من انهم مثلوا اجماعا.
تُبين لافتة صغيرة الى جانب الشارع غير بعيد من نفيه تسوف الطريق الى بير زيت. أُبعد حاجز الجيش الاسرائيلي الذي كان هناك. يبني الفلسطينيون على التلال الصخرية شمالا وغربا المدينة الجديدة، روابي. توجهت يمينا الى الشارع الفلسطيني وسافرت جنوبا. جرى توسيع الشارع الذي يصل بير زيت برام الله، ويلاحظ زخم بناء عظيم عن جانبيه. يبنون بلا لجان تخطيط وبلا نظام فكل صاحب مشروع وأهواؤه الشخصية وكل صاحب مشروع وسيولته النقدية. يبنون بيوت سكن ومراكز تجارية ومكاتب. قال نتنياهو هذا الاسبوع بعد المذبحة في ايتمار، 'هم يقتلون ونحن نبني'. والحقيقة انهم يبنون. وماذا عنا؟ نحن نحاول البقاء.
قطعت رام الله وبناتها طولا، من الشمال الى الجنوب حتى قلندية والرام، ثمة 18 كيلومترا من البناء المدني الفلسطيني المتصل الجزء الأكبر منه متعدد الطبقات. منذ زيارتي الاخيرة، قبل بضعة اشهر، أُضيفت مبان اخرى، الزخم كبير جدا بحيث بدأت الاسعار تنخفض. يمكن اليوم الحصول على شقة من اربع غرف في مبنى متعدد الطبقات جديد على عشرة كيلومترات عن مركز القدس بأقل من 100 ألف دولار. لا توجد 'لقطة' كهذه في الجانب الاسرائيلي من الجدار.
رام الله فقاعة، فرام الله ليست فلسطين كما ان تل ابيب ليست اسرائيل. المال الذي يغذيها يأتي أكثره أو كله من الخارج من تبرع اجانب. والمعايير فيها غربية وكذلك مستوى العيش ايضا. واللباس والتوقعات.
إن لابسي البزات العسكرية الوحيدين الذين رأيتهم هذه المرة كانوا شرطيي سير. في حين ان الحكام في بعض العواصم العربية هم أعداء الشارع والعكس، وفي حين يتظاهر الشارع في اماكن اخرى وتطلق السلطة النار، الهدوء والسكون في رام الله لا نظير لهما. حتى إن المظاهرة التي جرت هذا الاسبوع في رام الله من اجل حكومة وحدة وطنية نظمها وسيطر عليها الحزب الحاكم. وكانت ترمي الى تخفيف الضغط.
يبنون الآن شمالي المقاطعة برج مكاتب مدهشا بكبره، نصفه الاسفل من الرخام الاحمر ونصفه الاعلى من الزجاج الازرق. الذوق المعماري مشكوك فيه لكن الرسالة السياسية ايجابية. لا يخطط الفلسطينيون الذين يبنون بيوتا زجاجية لمعاودة استعمال الحجارة.
سيلتقي في منتصف الشهر القادم في بروكسل مندوبو الدول المانحة. سيضع مندوبو صندوق النقد الدولي وقادة السلطة الفلسطينية على مائدتهم تقريرا اقتصاديا ايجابيا. المساعدة التي ستطلبها السلطة من العالم ستنخفض لاول مرة حتى المليار دولار.
يندمج كل هذا في استعدادات الفلسطينيين لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول (سبتمبر). ما زال غير واضح ماذا ستكون صيغة القرار، هل سيقول ان حدود الدولة الفلسطينية ستكون مشابهة أو مساوية لخطوط 1967 أم تومىء الى ذلك فقط، لكنه اصبح من الواضح الآن ان القرار سيقول ان الفلسطينيين أهل لادارة دولة. لن يكون للقرار معنى تنفيذي مباشر لكنه سيُعمل ضغطا عظيما على اسرائيل. وسيكون الفلسطينيون معفيين من التنازلات التي يقتضيها التفاوض في حين سيصبح مجرد الاحتلال في القدس ايضا غير شرعي.
وكما لا يرون ايتمار من رام الله، فانهم من ايتمار لا يرون رام الله. الأقرب والأبعد. قال لي أحد من جاؤوا للتعزية الى بيت عائلة بوغل، وهو من سكان قرية زراعية يعيش ثلاثة من أبنائه في المستوطنات: تكلف شقة لزوجين شابين مليون شيكل اليوم. اذا أخلوا المستوطنات فستصبح كلفة الشقة ضعفي ذلك أو ثلاثة أضعافه. كيف سيُخلون؟ ستكون كارثة.
ساحة النقاش