بقلم / عبد المنعم فوزى اليوم السابع
"أؤمن بحقى فى الحرية، وحق بلادى فى الحياة وهذا الإيمان أقوى من كل سلاح، وحينما يقاتل المرء لكى يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال إذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضى فى حربه إلى النهاية".. كلمات لشيخ المجاهدين الليبيين عمر المختار تذكرتها وأنا أستمع إلى خطاب القذافى وهو يهدد باستخدام القوة حتى يقضى على المتظاهرين، ووصفهم بـ "الجرذان" و"المقملين" و"المرتزقة" و"المأجورين" و"متناولى الأقراص المهلوسة" وبيقول على نفسه قائد ثورة؟ طب ثورة ضد من؟ ضد شعبه اللى احتكره ومص دمه، وبيصرف أموال شعبه عمال على بطال على ولاده وعرشه وكرشه، وحتى شوفوا شكله ولبسه حاجة تموت من الضحك ومنتهى الصلاحية وخارج التاريخ بمغامراته فى إفريقيا، ودول العالم اللى ضيعت عشرات المليارات من اليورو والدولار.. قال إيه بيدعم الأحرار فى العالم.
طب شوف الفرق بين الكلام اللى اتقال منذ 100 عام للمجاهد عمر المختار وبين اللى قاله القذافى المهووس بذاته وملذاته، وده بقى الفرق بين زعيم وطنى يدافع عن قضايا أمته ووطنه، وبيتمتع بحب جماهير شعبه وشعوب العالم وبين رئيس أو زعيم بيرهن شعبه ووطنه لأوامره ويختزل الوطن فى شخصه، المشكلة أن تفكيره المريض أقنعه أنه من ثوابت المجتمع الليبى التى لا غنى عنها إلى أبد الآبدين عارفين ليه؟ عشان الرجل تعود دايمًا ألا يقول له أحد لا، وظل يسمع صوته وبس، ولم يفهم أن الدنيا تغيرت، وأن المجتمع اللى حكمه منذ أكثر من 40 عاما لم يعد كما كان ليه بقى؟ لأن الأجيال اللى ما شفتش حاكم غيره تعلمت ووعت وتمكنت من الاتصال بالعالم وإدراك ما يجرى فيه.
الأجيال دى بقى لها تطلعاتها وأشواقها التى ترفض التنازل عنها. كما أن أساليب القمع لم تعد تجدى، وإذا كانت قد صلحت لبعض الوقت فإنها لا تنفع لكل الوقت. المضحك أن سيف الإسلام القذافى هدد واستخدم بكل بجاحة وعنجهية السلاح فى حسم الاحتجاجات ضد نظام والده وهو مش أمين سياسات زى اللى كان عندنا. ومالوش أى منصب أو دور، صفته إنه ابن يدافع عن سلطة أبيه فى حكم ليبيا وكأنها مزرعة له ولأبنائه، مش دولة وشعب له حرية الانتفاض والاحتجاج ويملك صلاحية خلع من يشاء وقتما شاء.
شوف يا صاحبى لما أقولك أنا من زمان مصدق الوصف اللى قاله السادات عليه بأنه ولد مجنون ليه بقى؟ لأننى منذ أكثر من عشر سنوات تقريبًا سافرت مع وفد من الصحفيين من دول العالم إلى ليبيا وكانت أول وآخر زيارة، السبب اللى شوفته هناك من عجائب الدنيا السبع، أولها أن الزيارة كانت بدعوة حضور حدث عالمى كبير، ومحدش قالنا الحدث هو إيه بالضبط؟ طبعا سافرنا فى طائرة خاصة بدون تأشيرات وفى الفندق اللى كان مفروض خمس نجوم وجدت الأكواب والفناجيل مشروخة وحالة من الإهمال والتسيب غريبة، ما علينا، ذهبت مع مدير مكتب جريدة العرب اللندنية فى القاهرة للتجول بسيارة حكومية، عارفين شوفت إيه؟
بعض الشباب يعاكس البنات وهى تسير مع عائلتها ولا أحد يعترض، وعرفت من صديقى إنهم من اللجان الشعبية، وإن الفتاة يمكنها أن ترسل والدها إلى السجن إذا اعترض على تصرفاتها هذه واحدة، الأخرى أننى صعقت عندما وجدت الشوارع غير مرصوفة وقذرة والبنية التحتية مش تمام فتعجبت كيف لدولة بهذا الثراء تكون دى أحوال شوارعها!!
المهم أن سائق السيارة وقف فى منتصف الطريق عندما طلب صديقى أن يسأل على حاجة فى أحد المحلات ووجدت السيارات تنحرف فى طريق آخر ولا أحد يكلف نفسه أن ينزل من سيارته ويطالب السواق أن يركن صح حتى يسير الطريق وبعد عودة صديقى سألته لماذا تتراجع السيارات ولا تمر فى طريقها أو حتى تطلب من السواق أن يركن صح، عارفين قال لى إيه؟ انت بتحلم دى سيارة تبع رجالة العقيد ولا أحد يجرؤ أن يتنفس أو حتى يتكلم مش يعترض، ما علينا.
بعد منتصف الليل قيل لنا إن العقيد سيعلن نبأ هامًا فى مؤتمر عالمى يحضره حشد كبير من جميع أحزاب المعارضة فى العالم وممثلون عن جمهورية تشاد، طبعا اعتقدنا إعلان الوحدة بين البلدين، ولكن أعلن تسليم الوشاح العظيم للزعيم من القبائل التشادية وانفض المولد، حتقوللى يعنى إيه الكلام ده؟ حقولك التكلفة الكبيرة من دعوة إعداد مهولة من السياسيين والصحفيين عشان حاجة هايفة زى دى يعنى فيه حاجة غلط، الحكاية وما فيها إننى شوفت الخوف والرهبة فى عيون الليبيين لكن الآن عندما سال الدم زاد إصرار الليبيين على مواجهة التحدى واتسعت رقعة الثورة، وفقد النظام أعصابه وشرعيته، وصار على وشك السقوط.
النهاية قربت وعلى الديكتاتور أن يرضخ لمطالب الشعب إن بقيت لديه ذرة من شرف أو إنسانية.
ساحة النقاش