أحمد عمر / كاتب من كوكب الارض
وقّع أحفاد عمر المختار ، تحت صورة الطاغية على باب كتيبة الفضيل بن عمر التي فتحوها:
'هون مو باب الحارة'.
كان العكيد يغلق الباب على أهل الحارة بمفتاح تنوء به العصبة أولي القوة من المرتزقة، أو اللجان الثورية الخضراء، مهما يكن يجب أن نقرّ بأنّ زعيم جماهيرية 'ما بعد الدكتاتورية' كان يجمع بين قمة التواضع وقعر الغرور (أو العكس) وقد اكتفى برتبة 'العكيد' عسكريا، لكنه 'ملك ملوك' أفريقيا في ذات الوقت! عندما يذكر الإعلام أن معمر يحكم منذ 42 سنة يخطر لي قوم نوح عليه السلام الذي عاش ألف سنة إلا خمسين عاما، وعندما يُذكر الكتاب الأخضر، والزي الأخضر، والعلم الأخضر أتذكر 'هالك' الخارق الذي يتحول عندما يغضب إلى مسخ، والقذافي هالك حقيقي استطاع أن يهلك خمسة ملايين نسمة ويحبسهم في زنزانة تلفزيون الجماهيرية. جمع هذا الرجل أيضا بين متناقضين آخرين هما منصب الملك ومنصب المهرج، وقد سألتني ابنتي الصغرى: كم تحبني؟ فقلت لها احبك بقدر أوسمة معمر جاكسون الذي لم يخض حربا قط سوى على شعبه!
بلاغة مكسيكية
خطب القذافي طويلة مكسيكية، فهو كاسترو الشرق، والنسخة الثانية من الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي حرم الملوخية، وقضى على الكلاب. وكلاهما، كاسترو والقذافي، يحبان الكاميرات، فالتلفزيون الرسمي الأخضر كان يتابع القذافي وخطبه الخضراء على مدار الساعة. كتب الكتّاب كثيرا عن خيمته 'المتواضعة' ونوقه التي يشرب حليبها، بدلا من حليب السباع، فالرجل يريد أن يتشبّه بالمهاتما غاندي الذي كان يشرب حليب عنزته، لكنه يختلف معه في الزي، فالروح العظمى عاش شبه عار. القذافي عندما يخطب يجب أن يسمع الجميع هراءه، وهو هراء يعتمد على التكرار: فهو يلغو: سيلعنهم أولادهم إن كان لهم أولاد، وقبائلهم إن كان لهم قبائل.. وهكذا حتى تقوم الساعة. 'معمر الخيام' يعيش في خيمة ويرتدي خيمة! اسم جماهيريته التي 'ورثها' خضراء، لكنه يحب المزركش من الثياب. عندما أوردَ أمثلة دموية على قتل الأبرياء، ليقتدي بها (مجلس الدوما، الفلوجة، وتيانن مين ..) كان واضحا أن الرجل يفهم في.. بيع البليلة. وان ليبيا ليست 'بان امريكان' حتى يفجرها بقنبلة.
قناة الجماهيرية بلا جماهير
استعدت القنوات الليبية التي كنت قد رميتها في 'سلة مهملات الفضائيات' من زمان، فوجدت الجماهيرية تتابع مظاهرة مؤيدة 'للهندي الأخضر' المزركش، مظاهرة مؤيدة مكونة من امرأة ورجل وطفلة في حضن الرجل، المرأة كانت مهتاجة وثائرة وتهجم على الكاميرا وتكاد تفترسها من شدة حبها للزعيم وتصيح: بالروح والدم نفديك يا قايدنا. وزوجها مذعور، وينظر إلى الكاميرا وكأنها سبطانة مدفع ويهتف هتافات كومبارس سيئ. قالت العرب: كالنعامة تدفن رأسها في.. قناة الجماهيرية. بعد أن تابعت طرفا من برامج الجماهيرية والبديل وسواها من قنوات 'الهلوسة الخضراء' وبرامج 'تطفيل الشعب' عرفت كيف يحكم الدكتاتور شعبه، وخلصت إلى أن التلفزيون أفيون الشعوب. والدين بارودها. استلم القذافي ليبيا وبها ثلاثة ملايين أسد صحراء، ثم تحولوا ومع الزمن بالتكاثر الطبيعي إلى خمسة مليون طفل يركضون وراء رجل مزركش وهم يهتفون بالروح والدم. الطفل الأخضر الكبير تعود أن يهدهده شعبه كلما اضطرب، بالهتافات، ويناغيه حتى يرقد ويهدأ وينام في العسل. أما 'خرجية' الرجل فهي ميزانية ليبيا كلها. سلّة التاريخ امتلأت ويجب أن نفكر في طريقة لإنتاج 'الغاز الأخضر' من مزبلة التاريخ التي ستمتلئ قريبا بجثث الطغاة.
صدام الحميري وخالد كعيم
برز صوت ديناصوري من جبهة النظام، أخيرا، على قناة الجزيرة، فصحوت من النعاس، وصحا كريشان وانتبهت عياد، انه صوت خالد كعيم، الذي خرج للمبارزة الفكرية والجدالية، ليرد الحجة بالحجة في برنامج 'اتجاه معاكس' في آخر الليل، فذكرني بقول أبي حنيفة: ما ناقشت أحمق إلا غلبني. وقد أحسنت عياد إذ قالت وهي تختم الحوار الفكاهي: فعلا كنت خير معبر عن النظام الليبي. كان يلخص مقولة برهان غليون 'اغتيال العقل'. صدام الحميري هو الوجه الآخر الذي خرج من تحت الأرض، لقد صحا الشعب الليبي بعد أن رأى دمه يتدفق في شوارع بنغازي. قال مخاطباً القذافي: لن نسمح بأن تدفن في ليبيا حتى لا تنجسها.
'غلب حمارنا' مع القذافي، فهو يزعم انه لا يحكم، ولا يملك سوى (زمام نفسه) لكن قنواته الفضائية احتاجت إلى القراء والوعاظ الذين حاربهم بلا هوادة - فلم يبق في ليبيا سوى بعض القراء - بعد أن طهّرها القذافي من العلماء، فخرجوا ليأمرونا بطاعة أولي الأمر.. نريد أن نفهم: هل الزعيم الليبي ولي أمر، أم رئيس فخري، أم بائع 'بليلة'؟ بإمكانه أن يغادر ليبيا ومعه ملياراته وأن يقيم دولة في إحدى جزر الكاريبي ويأخذ معه مرتزقته ليهتفوا له ليل نهار: بالروح بالدم ..
عبد الرحمن شلقم
في اليوم الثامن خرج شلقم ليوجه خطابا إلى الزعيم ويقول له انه يقدره، لكن ليبيا اكبر منا، كنت أظن أنّ هذه بدهية، ويبدو أن هذا الأمر كان مشكوكا به! قال انه لن يقفز من سفينة القذافي التي تغرق، لم يقل لنا انها تغرق في دم الشعب الليبي. 'العربية' عرضت فيلما فريدا اسمه 'رحلة في جماهيرية القذافي'، وزارت الكاميرا مكان اقامة شلقم الذي كان يربي الغزلان والجمال والكلاب في مزرعة فارهة. لكن شلقم تبرأ من العاب الرجل الأخضر العجوز في الأمم المتحدة وأبكى الوفد. فعفى الله عما سلف.
اكبر الانجازات
تعتقد مراكز المراقبة المالية أن القذافي من أثرى أثرياء العالم، إلا أن اكبر انجازاته هي سرقة ضريح عمر المختار من بني غازي، فالطغاة يخافون من الذكريات، وسرقة مجد عمر المختار أيضا، فقنواته التلفزيونية لا تنقل سوى أغاني وأناشيد الهلوسة، وفيلم مصطفى العقاد 'عمر المختار' بعد أن تدمج شخصية القذافي بعمر المختار. للإيهام بأنه هو الذي حرر ليبيا من الاستعمار الايطالي.
الظاهر الغرياني
اعتقد أن هذا هو اسمه، وهو احد شيوخ زنتان، وقد أبدى براعة خطابية، وذكّر بعمر المختار، واظهر خفة ظل ترفع لها القبعة فقد تهكم على 'سيف الإسلام' المغرور الذي لا ينظر إلى من يتكلم معهم، ووصفه بأنه 'دجاجة'، وسخر من التسويف، والتأجيل المستمر إلى الغد، ودعا عليه قائلا :'تغدك غدة' إن شاء الله.
قناة 'العربية'، كانت تعيد مشهد خطبته الأولى وهو يصيح 'إلى الأمام' ووصفت تظاهرات الشعب الليبي بصفة ثورة، وقد سألت ليبياً عن لازمة: إلى الأمام.. ثورة ثورة.. فقال: إنها الصلاة الخضراء، حسب كتاب معمر المقدس الذي نزل عليه، وهذه علامة نهاية الصلاة الخضراء الوثنية.
أطول ثورة في التاريخ هي 'ثورة القذافي' على شعبه، أما حبه 'للزحف الأخضر' فيتناقض مع 'إلى الأمام'، في الخطاب الثالث هدد بحرق الأخضر واليابس. وكان يقصد 'الأحمر واليابس'.
طلعت زكريا رائدا اخضر
استضافت 'العربية' فنانين اثنين، واحدا من قائمة العار والثاني من قائمة الكرامة. وقد عجزت سماح انور عن تبرير ضلالها بجهلها، وحبها الأعمى لوطنها وكرهها لقناة 'الجزيرة' أو حقدها على أنصار فريق الجزائر إبان أم المعارك الكروية في أم درمان، ويذهب الراسخون في العلم إلى أن القذافي استقى فكرة حبوب الهلوسة من 'طباخ الرئيس'، الذي اتهم ملايين ثورة 25 كانون الثاني/ يناير بتناول الحشيش وممارسة الدعارة. كان طلعت قد وصف مناصري فريق الجزائر بأشنع الألفاظ، وفعلت كذلك النجمة 'الصاعدة' يسرا... الأمر بسيط يا سادة يا فنانين: تنحوا عن مناصب غروركم.
للتذكير: حفلت مواقع الشبكة والصحف في الشبكة بعشرات الإحصاءات عن نسب البطالة في بلاد العرب، ويمكن أن تضيف إليها ثلاثة أباطرة عاطلين عن العمل.. والعقل.
بيان رقم ناقص واحد
أنا الكائن الصغير، كاتب هذه السطور، الذي لا يُرى إلا بالمجهر، أعلن التنحي عن مواقع الذل والامتهان، بعد تحويل كرامتي المنقولة وغير المسفوحة إلى ميادين مصرية او تونسية او ليبية. والله الموفق والمستعان.
ساحة النقاش