<!--

<!--<!--<!--<!--<!--<!--

 

جامعة المنيا

كلية الزراعة

قسم الوراثة

 

Minia University

Faculty of Agriculture

Department of Genetics

 

مقرر أساسيات الوراثة التطبيقية (ورث 109)

لطلاب المستوى الأول و الثانى بكلية الزراعة جامعة المنيا

نظرة عامة حول تطبيقات علم الوراثة فى مجال المحافظة على و تحسين النباتات

بقلم د. قاسم زكى [email protected],eg (أستاذ الوراثة و وكيل كلية الزراعة، جامعة المنيا لشئون خدمة المجتمع و تنمية البيئة، المنيا، مصر (MU)، و عضو اللجنة التنفيذية للمجلس العالمى للنبات (GPC)، والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم الحاصلات الزراعية (ACSS)، و عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين).

 

للمملكة النباتية الفضل الأول في اكتشاف مبادئ علم الوراثة حين أجرى العالم "جريجوريوهان مندل"(1822م-1886م) تجاربه الأولى و تهجيناته المختلفة على نبات بسلة الزهور، و التي مهدت لإرساء دعائم هذا العلم منذ قرن و نصف من الزمان. بينماعلوم الوراثة قدمت للمملكة النباتية خدمات جليلة من كشف أسرار مكنوناتها و المحافظة عليها من الإندثار و زياده إنتاجها و تطويرها من أجل رخاء و رفاهية البشرية. و لعل علوم الوراثة قدمت للبشرية من خلال تحسين النباتات فوائد جمة ساهمت فى تأمين و تحسين حياة البشر على هذه الكوكب. و ربما نتجول في السطور التالية من خلال ما تم تطبيقه من علوم الوراثة فىعمليات التحسين الوراثى للنباتات، بدأ من نشأة فكرة التهجين، مرورا بتطبيقات قوة الهجين و الثورة الخضراء، ثم إستحداث الطفرات و إستخدامها الواسع فى إنتاج أصناف نباتية جديدة عالية الإنتاج، وصولا إلى القدرة على إنتاج نباتات حسب الطلب بتطبيق التكنولوجيا الحيوية الحديثة، ثم نصل فى نهاية المطاف لعلم الجينوم و التعرف على مكنون التسلسل للمادة الوراثية.

و لعل القارئ يستطيع أن يستدل على ما أحرزته البشرية من تقدم علمي حينما يتطلع لمدى التحسين الكبير الذي أدخله علم الوراثة على نوعيه المحاصيل و جودتها، فمثلا منذ خمس قرون مضت عثر الأسبان على ثمار طماطم برية ( البندوره Tomato) لنباتاتخضراءعشبيةمعثمارصغيرة الحجم، ضعيفة الاستساغة و قليله الجودة، كان يستعملها أهل أمريكا الجنوبية الأصليين، و نقلت لأوربا و بقية دول العالم فيما بعد، و لكن ظل الإقبال على زراعتها واستهلاكها محدود القرنين من الزمان بسبب انتشار اعتقاد خاطئ مفاده أن ثمارها سامة للإنسان.  وقد بقى الوضع على هذا الحال حتى منتصف القرن التاسع عشر حينما تناولتها أيدي العلماء بالبحث و التحسين الوراثى حتى صارت اليوم بحجم يتجاوز ثلاثين ضعفاً لحجمها الأصلي (أنظر الشكل 1)، وبدأ التوسع في زراعة البندورة  في الولايات المتحدة ومن ثم باقي أنحاء العالم. بل تفوقت الطماطم الحديثة و المنزرعة عن البرية في الطعم و الجودة و أصبح لها مئات الأصناف التي تتفوق على بعضها البعض بل منها ما يصلح للزراعة في منطقة دون غيرها، و منها ما تم تربيته وراثيا ليصلح لعمليات التصنيع أو ليزرع في مناطق تعانى من ضعف خصوبة الأرض أوملوحتها أو قلويتها أو تعانى من درجات حرارة عاليه الارتفاع أو قارصة البرودة. هذا أيضا ما جرى على عديد من الحاصلات الأخرى كمحصول الذرة الشامية (شكل 2)، و غيرها الكثير من محاصيل الحقل و الخضر و الفاكهة و نباتات الزينة و الأشجار.

علم الوراثة و التهجين :

لعل الإنسان كان يبحث عن تحسين و زيادة إنتاج غذائة من النباتات، و بدأت فكرة تهجين النباتات المختلفة مع بعضها البعض صناعيا ليحصل على أفضل صفاتها فى الهجين الناتج، و إن كان هذا التطبيق لمبادئ علم الوراثة في التهجين ظهر منذ بدايات القرن الثامن عشر (قبل اكتشافات قوانين مندل للوراثة) على يد"توماس فيرتشيلد" (Thomas Fairchild، 1667م–1729م) حينما أنتج أول هجين صناعى لنبات زينة ( عام 1718م)، و إن كان الهجين عقيما و لكنه فتح المجال لما تلاه من عمليات التهجين في مختلف أفراد المملكة النباتية، و التى أثرت الحياة بألوان من النباتات المختلفة ذات مواصفات جديدة و جيدة.

وعمليات التهجين تعنى تزاوج النباتات (أصناف أو أنواع أو أجناس مختلفة) بعضها بالبعض، و ذلك بنقل الجاميطات المذكرة إلى الزهور المؤنثة للنباتات الأخرى و التي قد تكون مختلفة عنها في بعض أو أغلب المحتوى الوراثى، مما يؤدى إلى إنتاج نسل يحوى صفات كلا الأبوين، و قد تجمع أفضل الصفات (قوه الهجين، hybrid vigour، Heterosis) التي تفيد في زيادة الإنتاج أو تحمل الظروف البيئيةالصعبة أو مقاومةالكائنات الممرضة و الآفات. و لعل أشهر ما سجلته تطبيقات علم الوراثة في مجال قوة الهجين هو إنتاج الذرة الهجين التي تفوقت عن السلالات  البرية أو الابوية بعشرات الأضعاف من حيث المحصول أو المحتوى من الزيوت أو البروتين أو غيرها. و لعل برامج التهجين تلك بدأت منذ عشرات السنين و ما زالت، و اليوم هناك مئات الشركات الزراعية العملاقة التي تخصصت في إنتاج تقاوي الهجن و التي يتجاوز ثمن البذرة الواحدة منها احيانا ثمن وزنها ذهباً و تدرإنتاجاً عاليا للمزارع،مثل تقاوي هجن الذرة و البنجر و الطماطم و الخيار و الفلفل و البطاطس و الكسافا و غيرها. و أصبحت تلك الهجن مصدر دخل عظيم للمزارع و للدولة و زادت في محصول تلك النباتات لتلبى حاجه الزيادة المضطردة في البشرية.

و لعل أكثر حلقات التطبيق العملى لعلم الوراثة وميضا، ما يعرف بالثورة الخضراء حينما قام"نورمان بورلوج"  (Norman Borlaug، 1914م– 2009م) بعمل تهجينات ناجحة و أنتج سلالات و أصناف قمح قصيرة الساق و مقاومة للأمراض و عالية الإنتاج حمت المكسيك من شر المجاعة التى كانت مقبلة عليها، بل تحولت فى غضون بضع سنين لدولة مصدرة للقمح، ثم أهدى تقاوى تلك الأصناف لدول العالم و خاصة النامى منه مجانا. لذا كافأته نوبل بمنحة جائزتها للسلام للعام 1970م تقديرا لجهوده السامية فى رفاهية البشرية. و مازال المكان الذى أتخذه مقرا لأبحاثة (بمدينة الباتان بالقرب من العاصمة مكسيكو ستى El Batán, Texcoco,) يؤدى دوره كأكبر مركز بحثى لإنتاج أصناف القمح و الذرة و غيرها من الحبوب للعالم أجمع (المركز الدولى لتحسين الذرة و القمح International Maize and Wheat Improvement Center (CIMMYT)).و لقد ساهمت "الثورة الخضراء" في مضاعفة الإنتاج الزراعي بين 1960م و 1990م، واستفادت منها آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية على وجه الخصوص،ويرى محللون أن الثورة الخضراء حالت دون حدوث مجاعة عالمية في القرن العشرين.

الطفرات و مصدر جديد للتباين الوراثي :

و لكن البحث عن الجديد هو ثمة البشرية و علمائها لتلبية الحاجة لمزيد من الغذاء و الكساء و ذلك عبر مزيد من التنوع الوراثى. فتفتق ذهن العلماء عن مصدر جديد لإحداث التباين الوراثي بين النباتات للحصول على الصفات الجديدة، فكانت التغيرات (الطفرات Mutations) التي تحدث في المادة الوراثية (DNA) سواء بطريقه تلقائية (Spontaneous) أو يستحدثها الإنسان (inducedِArtificial ) و تورث للأجيال التالية هى الحل.

و قد لوحظ أن الطفرات التي تحدث في الخلايا الجنسية تورث للجيل اللاحق، إلا إذا كانت مميتة. أما الطفرات التي تحدث في الخلايا الجسدية يمكنها الانتقال إلى النسل فقط عن طريق إكاثرها خضريا. و الطفرات تمثل المواد الأولية اللازمة لنشأة التنوع الوراثى (التنوع الحيوى Biodiversity)، وهي ضرورية كي يحدث التطور. و تأثيرات الطفرات قد تكون ضارة أو نافعة، أو محايدة،أما الطفرات الضارة  فتتم تصفيتها عن طريق الاصطفاء الطبيعي (Natural Selection) بإختفاء الكائن، أما الطفرات المحايدة فقد تتراكم وتصبح شائعة بآلية تطور أخرى تسمى الانحراف الوراثي، و التغيرات التي تنتج عن الطفرات قد لا يكون لها أي تأثير، أو قد تعدل من النواتج الوراثيةأو قد تمنع الجين عن العمل. و الغالبية العظمى من الطفرات بشكل عام تكون محايدة ولا تؤدي إلى تغيرات ملحوظة. ولكن الطفرات التي تعدل من البروتينات الناتجة عن الجينات، على الأغلب تكون ضارة.

و كانت بداية إستحداث الطفرات صناعيا عام 1920معلى يد العالم "لويس ستالدر"( Lewis Stadler، 1896 م- 1954م) بجامعة ميسورى الأمريكية،حينما عرض حبوب الشعير لأشعة أكس ( X-rays) و حصل على نباتات مختلفة الألوان. و لكن زاد إستعمال تلك التقنية بعد الحرب العالمية الثانية و خاصة كتطبيقات لاستخدام الطاقة النووية لإنتاج أصناف نباتية جديدة ذات صفات مميزة.و لقد أحدثت تلك التقنية تغييرا كبيرا في إستحداث تباينات وراثية نتج عنها صفات جديدة للمحاصيل، كإنتاج ثمار أكبر حجما أو أزهار ذات ألوان جديدة  أو فاكهة أكثر حلاوة يصعب وجودها فى الطبيعة أو ربما أختفت مع مراحل التطور. يتم  ذلك بتعريض بذور تلك النباتات أو أجزاء تكاثرية منها كالعقل أو البراعم إلى مواد كيميائيه (مثل  EMS أو  DMS) أو إلى أشعه ( مثل أشعة  إكس " X-raysأو أشعة جاما "Gamma rays") أو إلى درجات حرارة عالية أو منخفضة،تتسبب تلك المعاملات في إحداث تغيير في المادة الوراثية ( تركيبها أو ترتيبها أو عددها أو تناسخها أو تعبيرها عن نفسها) يتبعه تغيير في الصفات التي تظهر على النبات الناتج، ثم تنتقل تلك الصفات إلى أنسال هذا النبات فيما يعرف بظاهرة التوارث (Heredity)، و يستمر هذا الانتقال من الإباء إلى أبنائها عن طريق المادة الوراثية و التي حدث بها هذا التغيير.

و لقد ظلت تقنية استحداث الطفرات و ما زالت إلى الآن لتبلغ من العمر قرابة القرن في كافة بلدان العالم، و لتسجل نجاحا فوق المتوقع، فمثلا خلال الفترة من 1930م-2007م، تم إنتاج ألفان و خمسمائة و أربعون (2540) صنف نباتى جديد، ثلاثة أرباع هذا العدد لأصناف من المحاصيل الغذائية (مثل الأرز،القمح،الشعير،الكمثرى،والبازلاء، والقطن والنعناع و دوارالشمس و الفول السوداني و الجريب فروت و السمسم و الموز و الكسافا (Cassava) والذرة الرفيعة)، و لتفرد منظمة الأغذية و الزراعة (FAO) سجلا خاصا بتلك الأصناف على شبكة الانترنت (http://mvgs.iaea.org/Default.aspx(). مثل صنف القمح البلغارى "فريمر Fremer"  ذو الإنتاج العالى و الأقلمة الواسعة و المقاومة لمرض صدأ الساق الأسود و للصقع، و الذى إستحدث بأشعة جاما فى العام 2009م.

 

الوراثة و التكنولوجيا الحيوية النباتية:

و مع تزايد أعداد البشرية لتصل لسقف السبعة مليارات نسمة مع نهاية القرن العشرين، و تهدد بتجاوزها حاجز التسعة مليارات نسمة مع حلول منتصف القرن الواحد و العشرين، مما يستوجب معه مضاعفة إنتاج الغذاء لتلبية حاجة البشر، و التى تعجز الطرق التقليدية (التى ذكرناها أنفا) بالقيام بذلك لوحدها. لذا كان لزاما البحث عن طرق وراثية مبتكرة عالية الدقة و الكفاءة تثرى التنوع الوراثى النباتى و تتماشى مع الزيادة الرهيبة فى اعداد البشر، و تمثلت تلك الطرق فى هندسة النباتات حسب الطلب:

أولا : هندسة النباتات خلويا:

فمع بدايات القرن العشرين بدأ العلماء فى ترويض الخلايا النباتية و الأجنة و الأنسجة و الأعضاء لتزرع و تنمو داخل قوارير (أوعيه زجاجيه أو بلاستيكيه فى جو معقم خال من آى كائنات دقيقة و به بيئات مغذية مع التحكم فى ظروف الحرارة و الاضاءة و الرطوبة) و لتنتج نباتات كاملة و حسب الطلب، بل يتم إكثارها بالآلاف و الملايين و لو كانت من نبات واحد فقط ذو ميزات اقتصادية، فيما يعرف بتكنولوجيا الإكثار الدقيق. تمكننا تلك التقنية أيضا من المحافظة على السلالات النادرة و المميزة و إكثارها و إتاحتها للمزارعين و خاصة تلك النباتات التي يتم إكثارها خضريا عن طريق الفسائل و الخلفات و العقل (ليس عن طريق البذور ) كما هو حادث في الموز و النخيل و البطاطس و الفراولة و الأشجار الأخرى.

كما أتاحت تلك التقنيات التغلب على صعوبات عملية التهجين فى الحقل بين نباتات بعيدة القرابة، سواء عوائق ما قبل عملية التلقيح و الإخصاب و ذلك بإتمام  التلقيح و الإخصاب في القوارير (كأطفال الأنابيب). و أيضا التغلب على مشاكل ما بعد التلقيح و الأخصاب، حين تنتج أجنة مبتسرة تموت لو تركت تنمو على أمهاتها الطبيعية. لذا تتم لها عملية إنقاذ الأجنة (Embryo Rescue)، و من ثم إستيلاد أجناس أو أنواع نباتية جديدة لم تعرفها البشرية من قبل. بل تعدى الأمر هذا لانتاج هجن بين نباتات يستحيل التهجين بينهما في الطبيعة لعدم وجود صلة قرابة أصلا. و ذلك بدفع خلايا تلك النباتات للاندماج داخل القوارير (Protoplasts Fusion) لتكون خلاياهجينية، الواحدة منها تجمع كلا المادتين الوراثيتين للنباتين المتفارقين، ثم إنماء تلك الخلية ليستولد منها نبات هجين (Somatic Hybrid) يجمع صفات كلا النباتين، يتم إكثارة فيما بعد. فلدينا الآن هجين بين القمح و الشعير  و البصل و الثوم و بعض القرعيات،  تحمل تلك الهجن الجسدية صفات كلا النوعين المرغوبة مثل المحصول العالى أو مقاومة الأمراض او تحمل الظروف البيئية المعاكسة.

بل لدينا إمكانية إنتاج نباتات خالية من الكائنات الممرضة و اكثارها و حتى لو لم يوجد آي نبات سليم من تلك النباتات ذات الإنتاج العالي و مزايا محصوليه عاليه. بل تمكنا تقنية زراعة الخلايا و الأنسجة النباتية من حفظ التراكيب الوراثية النادرة لسنوات في صورة خلايا أو أجنة أو براعم كبنوك للجينات، و ذلك بحفظها تحت درجات حرارة منخفضة جداً (تصل إلى –196˚م ) تحت النيتروجين السائل أو تحت درجات حرارة الثلاجة ( صفر - 5˚م )، يعاد إستلادها لنباتات كاملة حين الطلب،  و نتفادى التخزين العادي الذي قد يؤدى لإصابتها بآفات المخازن كالسوس فتفقد البشرية سلالاتها النادرة  او يحدث لها تدهور وراثى.

بل تعدى ذلك أيضا إلى إنتاج المواد الصيدلانية و الطبية من خلال زراعة الخلايا في أوعية و استخلاص تلك المواد الفعالة دون الحاجة لزراعة النباتات الكاملة  في التربة، و بذا يكون الإنتاج طول العام مع تخفيض التكاليف.

و بزراعه حبوب اللقاح أو البويضات الأحادية أوجدت تباينات وراثية عديدة كتلك التي أوجدتها ايضا زراعة خلايا جسدية، أمكن منهما الحصول على تراكيب وراثية و أصناف جديدة تفوقت على جميع الأصناف الموجودة و ذات إنتاجية عالية في كافة الأنواع النباتية التي تناولتها أيدي خبراء زراعة الخلايا و الأنسجة النباتية، مثلما حدث فى القمح و الشعير و الأرز و الدخان و غيرها الكثير من المحاصيل الإقتصادية.

 

ثانيا: هندسة النباتات وراثيا:

حينما بحث علماء الوراثة عن وسيلة أسرع وأكفأ و أضمن لإضافة صفات وراثية جديدة، تطلعوا لهندسة المادة الوراثية للنباتات مباشرة، فبدلاً من التهجين بين نباتات مختلفة يتم فيه خلط كافةالمكونات الوراثية (المرغوب و غير المرغوب منها)، وأحيانا يصعب القيام بذلك لو تباعدت القرابة الوراثية. و أيضا  بدلاً من إحداث الطفرات العشوائية لكافة المحتوى الوراثي، ودون تحكم فيما سينتج و انتظار ما سيكون.لجأ العلماء إلى تحديد الصفة المراد إضافتها لنبات ما، ثم البحث عن العامل الوراثي المسئول عن تلك الصفة ( الجين gene) و عزله حيثما يوجد (في آي كائن حي آخر) ثم نقله و إضافتة للمحتوى الوراثي للنبات المطلوب تحسينه،  آي هندستـه وراثياً. هذا ما يشار إليه حالياً في ادبيات التقنيات الحيوية (BiotechnologyPlant)بتقنيات الهندسة الوراثية (Genetic Engineering)، و يطلق على النباتات الناتجة بالنباتات المعدلة أو المحورة أو المهندسة وراثيا (Genetically Modified Plants, GMP) والتي بدأت منتجاتها تغزو أسواق العالم منذ العام 1992م، (و تتواجد اليوم بأسواق أكثر من خمس و خمسون دولة على رأسها أمريكا و اليابان و بعض دول أوربا و أسيا و أفريقيا و استراليا و الامريكتين). فقد هندست وراثيا العديد من المحاصيل و أشهرها القطن و الذره الشامية و فول الصويا و لفت الزيت (Canola) و غيرها من المحاصيل الأخرى كالقمح و الأرز و الشعير و البطاطس. و هناك قرابة ثلاثين دولة (غالبيتها من الدول النامية) تزرع ما يزيد عن أربعمائة مليون فدان (قرابة 170 مليون هكتار) من تلك المحاصيل.

 و تم إنتاج نباتات محدده الطلب كنباتات تقاوم أمراض معينة كالتي تسببها الفيروسات أو البكتريا أو الفطريات أو النيماتودا، بل هناك نباتات تقتل الحشرات التي تحاول أن تتغذى عليها فيما يعرف بمحاصيل"البى تى" (Bt crops) و هي صممت بأن يضاف لها عامل وراثي  يعرف بجين الـ Bt نزع من بكتريا التربة (Bacillus thuringiensis) و هو ينتج مواد بروتينيهة سامة للحشرات فقط دون آي كائن حي أخر، ليزرع في المادة الوراثية للنباتات فيقيها شر هجوم الحشرات ويزرع من تلك النوعية من الذرة مثلا ما يفوق مساحته ستون مليون هكتار حول العالم، بل يزرع حاليا فى مصر و السودان من الدول العربية.

أيضا هندست النباتات وراثيا لمقاومة الصقيع بجينات من أسماك تعيش في قاع البحار و المحيطات المتجمدة، و أخرى تتحمل درجات عاليه من الحرارة أو ملوحة الأرض، و هناك نباتات هندست لتنتج المزيد من الوقود الحيوى. بل هناك نباتات بطاطس أضيفت لها عوامل وراثية من الآدميين لتنتج مكونات لبن الأم، و أيضا هناك الأرز الذهبي الذي عالج نقص فيتامين (أ) بالأرز ليقي ملايين الفقراء في جنوب شرق أسيا من أمراض العمى و الوفاة. و إن لاقت تلك النباتات قبولا واسعا من المزارعين و المستهلكين، فقد حظيت أيضا ببعض الشك و التخوف من البعض كآى تقنية جديدة لم يألفها البشر من قبل.

 

الوراثة و عصر الجينوم Genome era

ركز علماء الوراثة جل جهدهم خلال الخمسين عاما الماضية فى التعرف على الطبيعة الجزيئية للعوامل الوراثية (الجينات)، مما أدى لتراكم كم هائل من النتائج، مما صعب على المتخصصين متابعة تلك البيانات و المعلومات. و زاد الامر تعقيدا خلال العقدين الماضيين مع تنامى نتائج دراسة جينومات العديد من الكائنات و منها عديد من النباتات. و الجينوم("Genome" هو المحتوى الوراثى الكامل لكائن ما) و بشكل أكثر دقة فإن الجينوم هو كامل تسلسل الدنا (DNA) ضمن مجموعة وحيدة من الكروموسومات.و هذا يوضح بصورة جلية قدر المشكلة التى يعانى منها البيولوجيون عموما و الوراثيون خصوصا. و كان الحل الامثل هو الاستعانة بعلوم الكمبيوتر و البرمجة.

و كما حقق الكمبيوتر نجاحا فى كافة مناحى الحياة كالإتصالات و المواصلات، أيضا حقق ما هو أكثر فى مجال الوراثة، فقد ساعد فى نشأة علم هجين (بين علوم الحياة و الوراثة خصوصا و علوم الكمبيوتر و البرمجة) و يعرف هذا المجال باسم "المعلوماتية الحياتية" (Bioinformatics) فهو يعنى بدراسة علوم الحياة خصوصا البيولوجيا الجزيئية و خاصة الوراثة الجزيئية بالإستعانة بالحاسوب. و قد ساعدت هذه البرامج فى دراسة و فك اسبار جينومات عديد من الكائنات، و ظهرت بالتالى علوم "الاومكس" مثل الجينومكس (Genomics) الذى يعنى بدراسة المحتوى الوراثى للكائن تفصيليا، ايضا ظهر علم البروتيومكس (Proteomics) يعنى بدراسة البروتينات و علاقاتها بالمحتوى الوراثى. و هناك العديد من المواقع الإليكترونية تحوى كم هائل من المحتويات الوراثة للتعرف على تتابعات الجينات مما يسهل من عمليات المقارنة و التعرف على آى جينات جديدة يجدها الباحث مقارنة بكائنات أخرى. و بذا أصبح لدينا خرائط كاملة و تفصيلية لنباتات عديدة تمكننا من سهولة تحسينها.و من أوائل ما تم التعرف على جينوماتها فى مملكة النبات كان نبات "الأرابيدوبسس" ( Arabidopsis thaliana) فى العام 2000م، ثم تبعة العشرات أهمها الأرز.

فى ختام هذه الجولة للرحلة السرمدية لعلم الوراثة في مجال النبات و التى طافت بنا خلال قرن و نصف من الزمان و هو زمن قليل في عمر البشرية، و لكن يمثل قفزة هائلة في مجال تطبيق العلوم البيولوجية في خدمة البشرية و توفير الغذاء و الكساء. و إن كنا سنتوقف عند هذه النقطة، فحتما العلم لن يتوقف أبدا، " و ما أو تيتم من العلم إلا قليلا ".


 

 

 

شكل (1) أسلاف الطماطم (الثمرة الصغيرة يمين) مقارنة بالطماطم الحديثة الكبيرة الحجم (يسار) الناتجة من التحسين الوراثى لتلك النباتات

 

شكل (2): أسلاف الذرة الشامية البرية (تيوسنت) ذات الكيزان الصغيرة الضامرة (يمين)، مقارنة بهجن الذرة الشامية الحديثة للكيزان الكبيرة الحجم (يسار) الناتجة من التحسين الوراثى لتلك النباتات.

 

Lanka Cherry صنف "لانكا شيرى"، من أحدث أصناف الطماطم أنتجتها سيرلانكا (عام 2010) بإستخدام تقنية الطفرات و ينتج الهكنار قرابة 22 طن من الثمار، و النبات يقاوم الأمراض البكتيرية و الفطرية (المرجع: منظمة FAO)

 

قمح فريمر (Fermer) صنف قمح خبز أنتجته بلغاريا عام 2009م بإستعمال أشعة جاما.

عاليالغلة،ذو  نوعيةحبوب جيدة،يتحمل الجفافو البرودة،ومقاوم لمرض صدأالساق الاسود(المرجع: منظمة FAO)

 

سلالات من دوار الشمس منتجة عبر تقنية إحداث الطفرات باشعة جاما ذات نمو قوى و محصول جيد

 

العالم  الفذ وأبو الثورة الخضراء د. نورمان بورلاج  (Norman Ernest Borlaug)؛ (1914 - 2009) يتفقد أحد سلالاته

 

تربية النباتات داخل القوارير و توجيهها حسب طلب المربى لمقاومة الأمراض أو تحمل الظروف البيئية المعاكسة

 

هكذا يتم إنتاج نباتات حسب الطلب داخل القوارير الزجاجية، فتلك نباتات كركدية كاملة تنمو علىبيئةمغذيةبعد إستيلادها من خلايا مقاومة للأمراض.

 

إكثار نباتات الزينة بزراعة الأنسجة  مع تنوع واسع لألوان جديدة و زاهية حسب الطلب

 

آلالاففسائل نخيل التمر داخل القوارير من أجود أصناف النخيل العربى  بتكنولوجيا الإكثار الدقيق و خالية من الأمراض و ذات صفات عالية الجودة .

 

شجيرة موز مثمرة ناتجة من مزارع القمة النامية و خالية من مرض فيرس تورد القمة و ذات إنتاج عالى

 

هندسة النباتات حسب الطلب بالتكنولوجيا الحيوية، هل ستنقذ البشر من الفقر و الجوع و المرض إلى مجتمع الرفاهية؟

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور قاسم زكى أحمد حامد Kasem Zaki Ahmed

KasemZakiAhmed
تعريف مختصر بالدكتور/ قاسم زكى أحمد أستاذ الوراثة المتفرغ ورئيس اللجنة المصرية الوطنية للعلوم الوراثية، والوكيل الأسبق لكلية الزراعة - جامعة المنيا- المنيا- مصر)، (والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم الحاصلات الزراعية، وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين، وعضو اتحاد كتاب مصر) • مواليد 8 أغسطس 1958م بمحافظة أسوان- جمهورية مصر العربية، »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

264,925