في سابقة تعتبر نادرة بالنسبة لبلد كمصر، تناقلت وكالات الأنباء خبر اختطاف مجموعة من السياح و مرافقيهم من المصريين (الجمعة 19/9/2008م)، أثناء قيامهم برحلة سفارى بمنطقة الجلف الكبير الصحراوية على الحدود بين مصر وليبيا والسودان، حيث قام أربعة ملثمين ومسلحين بمهاجمة السيارات الأربع التى كانت تقل 11 سائحاً وثمانية مصريين، وهددوهم بالسلاح وتم اختطافهم واقتيادهم إلى داخل الجدود السودانية. ويعتبر اختطاف الأجانب أمرا غير شائع في تاريخ مصر. و ذكرت الأنباء أن الخاطفين طلبوا فدية ستة ملايين يورو. و عملية الاختطاف تلك لعلها تتشابه إلى حد كبير مع عملية اختطاف سائحين نمساويين في مارس 2008م الماضي من منطقة على الحدود التونسية، ولا تزال المفاوضات مع الخاطفين التي تجري عبر وسطاء مستمرة وقيل أنهم قد اتفقوا على دفع 5 مليون يورو للخاطفين كفدية، كما جرى قبل سنوات أيضا مع السياح الألمان الذين جرى اختطافهم في الجزائر و كما يحدث كثيرا فى نيجيريا مع العاملين فى حقول البترول.
والمنطقة الصحراوية التي تلتقي فيها حدود مصر والسودان وليبيا قريبة من مناطق صراعات محتدمة في دارفور بغرب السودان وفي شرق تشاد. هذه المنطقة الصحراوية المترامية الإطراف تشهد الكثير من عمليات تهريب البشر والمخدرات والأسلحة، و ربما السياح الأجانب يعتبرون سلعة غالية على وجه الخصوص. وهذه المنطقة هى جزء من الصحراء الكبرى الى تحتل الجزء الأكبر من شمال أفريقيا، وهي أكبر الصحارى الحارة في العالم بمساحة تفوق الـ9 ملايين كم مربعا,ويكثر وجود الواحات في هذه الصحراء و أيضاً حقول البترول و المعادن الأخرى. ويوجد بهذه الصحراء سلسلة جبال أطلس بشمال غرب الصحراء الكبرى والجبل الأخضر بليبيا وجبال كردفان و دارفور غرب السودان. وتضم هذه الصحراء تسع دول عربية افريقية هى: مصر-السودان-الصومال- جيبوتي- ليبيا-تونس-المغرب-الجزائر-موريتانيا، و أيضا دول افريقية أغلبها إسلامية هى: أثيوبيا-إريتريا-تشاد- النيجر- نيجيريا-مالي-السنغال. ويشق هذه الصحراء فى الشرق أطول انهار العالم "نهر النيل" بروافده المختلفة وكذلك نهر النيجر و نهر السنغال فى الغرب. ويعتبر الطوارق و الذين يقارب عددهم الخمسة ملايين، هم سكان الصحراء الكبرى خاصة في صحراء الجزائر، ومالي، والنيجر وليبيا وموريتانيا. والطوارق مسلمون مع خلط مع عقائد افريقية وثنية ويتحدثون اللغة الأمازيغية، و لهم خبرة متوارثة في السير بالصحراء ودروبها. و يرتدي الرجال غطاءا للوجه، لثام يسمى بـ" تاكلموست" دائما عند تجولهم، هذا التقليد قد يكون نتيجة الظروف القاسية للبيئة الصحراوية التي يعيشون فيها، ولكن له دلالات ثقافية أكثر، حيث أنه من العيب على الرجل أن يظهر فمه للآخرين.
و إذا كانت تلك عمليات الاختطاف فى البر الأفريقي (الصحراء) فهى لا تختلف عن قرصنة البحر، و التى أطلت بوجهها القبيح على العالم من جديد من أفريقيا، بعد أن نسى العالم مأسى القرون الوسطى تلك، فها هي وكالات الأنباء تبث أسبوعيا خبر اختطاف لسفن قبالة الساحل الصومالى و التى كانت من بينها سفينة مصرية (4 سبتمبر 2008م). و يقال أن هناك أكثر من أثنى عشر سفينة مختطفة فى الساحل الصومالى، تنتظر نتائج التفاوض حيث يطلب القراصنة فدية لإطلاق سراح القباطنة و السفن، و التى تتبع جنسيات مختلفة. كما يحدث ذلك أيضا على سواحل غرب أفريقيا، فحاليا تشهد دلتا نهر النيجر يدوله نيجيريا صراعا مسلحا عنيفا تشوبه رائحة البترول و الصراع علية.
و لعل الأحداث التى تدور رحاها على أرض أفريقيا السوداء هى بسبب الفلتان الأمنى و غياب العدل و الصراعات القبلية و المحلية و الإقليمية بل و العالمية، فهل هى تلك الفوضى الخلاقة التى بشرونا بها، فأنت لا تستطيع أن تسير بأمان فى مناطق كثيرة بالقارة و خاصة مع غروب الشمس و ذلك يحدث حتى فى عواصم كثير من الدول الأفريقية. تقول الجغرافيا، إن إفريقيا السمراء ثان أكبر قارة فى العالم بعد أسيا، ففيها يعيش 950 مليون نسمة يمثلون 14.2% من سكان العالم، و مساحتها تقدر بـ 30.2 مليون كم2 تمثل 20.4% من إجمالي مساحة يابس المعمورة،, و تمتد أفريقيا قرابة 8 آلاف كم طولا، و 7.4 آلاف كم عرضا، و تضم 53 دولة، وهي غنية بكل أنواع الثروات, ومع كل ذلك يظل سكانها هم الأكثر فقرا في العالم, ويواجهون كل آثاره التي ذهبت بثرواتها من البشر والموارد الطبيعية, واستنزفتها القوي الاستعمارية طويلا وتركتها تعاني وحدها آثار الفقر وشح الموارد بما فعلته وبما جنته الحروب والصراعات بين القبائل والشعوب الإفريقية نفسها، فلم تعرف أفريقيا استقرارا تاما إلى يومنا هذا.
و لعل شرق أفريقيا و ساحل القرن الأفريقي يشهد بدور تاريخى مصرى فاعل، ففى الربع الثانى و الثالث من القرن التاسع عشر الميلادي رفرف علم مصر خفاقا (إبان حكم أسرة محمد على، خاصة محمد على و حفيدة إسماعيل 1822-1879م)، معلنا خضوع مناطق شرق أفريقيا و سواحلها (و برضاء غالبية أهلها) لسلطة مصر، و التى خاضت غمار مياه البحر الأحمر و خليج عدن و المحيط الهندى و مناطق شرق أفريقيا الداخلية لمنع تجارة الرقيق و سفنها. و هذا يوضح مدى ما وصلت إلية سمعة مصر حينذاك من قوة و احترام. و قد سارت الجهات الأفريقية التى وصل النفوذ المصرى إليها حينئذ فى طريق الحضارة و المدنية الحديثة لما وفرته مصر من أمن و استقرار و سهلت سبل المواصلات البرية و المائية، ونهضت بمستوى الزراعة و الصناعة و التجارة و عملت بقدر استطاعتها على مناهضة تجارة الرقيق، بل قامت ببناء المشروعات العمرانية و منازل للأهالي و خزانات لحفظ المياه و مساجد للصلاة و مستشفيات للعلاج و مدارس للتعليم. فضلا عن أنها نشرت الوعى الدينى و الإجتماعى و السياسى و التعليمى و الثقافى فى تلك البلاد التى كانت ما تزال تعيش عيشة البداوة.
و اليوم فإن مسئولية مصر أكبر و أعظم مما كانت علية، فقد تولت مصر رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي (التابع للإتحاد الأفريقي) منذ مارس الماضي 2008م و هو الجهاز المنوط به تعزيز السلم والأمن والاستقرار في القارة, من أجل ضمان وحماية وحفظ حياة وممتلكات ورفاهية الشعوب الإفريقية وبيئتها, وكذلك إيجاد الظروف المواتية لتحقيق التنمية المستدامة والعمل علي إحلال وبناء السلام لتسوية النزاعات وتنسيق الجهود الرامية إلي منع ومكافحة الإرهاب الدولي. و هاهي النار تقترب من بيتنا، فلابد من القيام بدور فاعل للمساهمة فى حل نزاعات إفريقيا و التى تؤثر سريعا و قويا على أمننا القومى، فلا يصح أن يحدث هذا على أرض المحروسة و التى قادت مشعل التقدم فى إفريقيا و بل فى العالم كله. و لقد أساء لنا جميعا تلك البلبلة التى صاحبت عملية الخطف بالجلف الكبير و التصريحات المتضاربة، فهذه ليست مصر التى نحبها.
ساحة النقاش