قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((سمّى الله نفسه بأسماء، وسمّى صفاته بأسماء، فكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه، لا يشركه فيها غيره، وسمّى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين تماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص، لا اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلاً عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.

فقد سمَّى الله نفسه حيّا، فقال: ] الله لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الـْحَيُّ الْقَيُّومُ [([1])، وسمَّى بعض عباده حيّاً، فقال: ]يُخْرِجُ الـْحَيَّ مِنَ الـْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الـْمَيِّتَ مِنَ الـْحَيِّ [([2])، وليس هذا الحيّ مثل هذا الحيّ؛ لأن قوله ((الحيّ)) اسم الله مختص به، وقوله: ]يُخْرِجُ الـْحَيَّ مِنَ الـْمَيِّتِ [ اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أُطلقا وجُرِّدا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمَّى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدراً مشتركاً بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق.

ولابدّ من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يُفهم منها ما دلّ عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دلّ عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه I.

وكذلك سمَّى الله نفسه عليماً حليماً، وسمّى بعض عباده عليماً، فقال: ]وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ [([3])، يعني إسحاق وسمّى آخر حليماً، فقال: 
]فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [([4])، يعني إسماعيل، وليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم.

وسمَّى نفسه سميعاً بصيراً، فقال: ]إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [([5])، وسمّى بعض خلقه سميعاً بصيراً فقال: 
]إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [([6])، وليس السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير.

وسمَّى نفسه بالرؤوف الرحيم،فقال:]إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ 
رَّحِيمٌ [([7])، وسمّى بعض عباده بالرؤوف الرحيم، فقال: ] لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالـْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [([8])، وليس الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيم كالرحيم.

وسمَّى نفسه بالملك، فقال: ] الـْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [([9])، وسمّى بعض عباده بالملك، فقال: ]وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [([10])، 
]وَقَالَ الـْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ [([11])، وليس الملك كالملك.

وسمَّى نفسه بالمؤمن، فقال: ]الـْمُؤْمِنُ الـْمُهَيْمِنُ [([12])، وسمى بعض عباده بالمؤمن، فقال: ]أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [([13])، وليس المؤمن كالمؤمن.

وسمَّى نفسه بالعزيز، فقال: ]الْعَزِيزُ الْـجَبَّارُ الـْمُتَكَبِّرُ [([14])، وسمّى بعض عباده بالعزيز،فقال: ]قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ [([15])،وليس العزيز كالعزيز.

وسمَّى نفسه الجبار المتكبر، وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر، فقال: ]كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [([16])، وليس الجبار كالجبار، ولا المتكبر كالمتكبر.

ونظائر هذا متعددة.

وكذلك سمَّى صفاته بأسماء، وسمّى صفات عباده بنظير ذلك، فقال: ]وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء [([17])، وقال: ]أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ [([18])، وقال: ]إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الـْمَتِينُ [([19])، وقال: ]أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [([20]).

وسمَّى صفة المخلوق علماً وقوة، فقال: ]وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [([21])، وقال: ] وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ[([22])، وقال: ]فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ [([23])، وقال: ]الله الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [([24])، وقال: ]وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [([25])، وقال: ]وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [([26])، أي: بقوة، وقال: ]وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ [([27]) أي: ذا القوة، وليس العلم كالعلم، ولا القوة كالقوة.

وكذلك وصف نفسه بالمشيئة، ووصف عبده بالمشيئة، فقال: ]لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ الله رَبُّ الْعَالـَمِينَ [([28]). وقال: ]إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ الله إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [([29]).

وكذلك وصف نفسه بالإرادة، ووصف عبده بالإرادة، فقال: 
]تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَالله يُرِيدُ الآخِرَةَ وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ [([30]).

ووصف نفسه بالمحبة، [ووصف عبده بالمحبة] فقال: ]فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [([31])، وقال: ]قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله [([32]).

ووصف نفسه بالرضا، ووصف عبده بالرضا، فقال: ]رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [([33]).

ومعلوم أن مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد، ولا إرادته مثل إرادته، ولا محبته مثل محبته، ولا رضاه مثل رضاه.

وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار، ووصفهم بالمقت، فقال: 
]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لـَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [([34])، وليس المقت مثل المقت.

وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد، كما وصف عبده بذلك،فقال:
 ]وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله[([35])،وقال: ]إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا[([36])، وليس المكر كالمكر، ولا الكيد كالكيد.

ووصف نفسه بالعمل، فقال: ]أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لـَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لـَهَا مَالِكُونَ [([37])، ووصف عبده بالعمل، فقال: ]جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [([38])، وليس العمل كالعمل.

ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة، في قوله: ]وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [([39])، وقوله: ]وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ [([40])، وقوله: ]وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا [([41])، ووصف عبده بالمناداة والمناجاة، فقال: ]إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الـْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [([42])، وقال: ]إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ [([43])، وقال: ]إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [([44])، وليس المناداة كالمناداة، ولا المناجاة كالمناجاة.

ووصف نفسه بالتكليم في قوله: ]وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيمًا [([45])، وقوله: ]وَلَـمَّا جَاءَ مُوسَى لـمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [([46])، وقوله: ]تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ الله [([47])، ووصف عبده بالتكليم في مثل قوله: ]وَقَالَ الـْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ [([48])، وليس التكليم كالتكليم.

ووصف نفسه بالتنبئة، [ووصف بعض الخلق بالتنبئة]، فقال: ]وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الـْخَبِيرُ [([49])، وليس الإنباء كالإنباء.

ووصف نفسه بالتعليم، ووصف عبده بالتعليم، فقال: ]الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [([50])، وقال: ]تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله[([51])، وقال: ]لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الـْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [([52])، وليس التعليم كالتعليم.

وهكذا وصف نفسه بالغضب في قوله:]وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ 
وَلَعَنَهُمْ[([53])، ووصف عبده بالغضب في قوله: ]وَلَـمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا [([54])، وليس الغضب كالغضب.

ووصف نفسه بأنه استوى على عرشه، فذكر في سبع آيات([55]) من كتابه أنه استوى على العرش، ووصف بعض خلقه بالاستواء على غيره، في مثل قوله: ]لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [([56])، وقوله: ]فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ [([57])، وقوله: ]وَاسْتَوَتْ عَلَى الـْجُودِيِّ [([58])، وليس الاستواء كالاستواء.

ووصف نفسه ببسط اليدين، فقال: ]وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [([59])، ووصف بعض خلقه ببسط اليد، في قوله: ]وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [([60])، وليس اليد كاليد، ولا البسط كالبسط، وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه، ولا جوده كجودهم. ونظائر هذا كثيرة.

فلابد من إثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي مماثلته لخلقه، فمن قال: ليس لله علم، ولا قوة، ولا رحمة، ولا كلام، ولا يحب، ولا يرضى، ولا نادى، ولا ناجى، ولا استوى -كان معطلاً، جاحداً، ممثلاً لله بالمعدومات والجمادات. ومن قال: [له] علم كعلمي، أو قوة كقوتي، أو حب كحبي، أو رضىً كرضاي، أو يدان كيديَّ، أو استواء كاستوائي - كان مشبِّها، ممثلاً لله بالحيوانات، بل لابد من إثباتٍ بلا تمثيل، وتنزيهٍ بلا تعطيل([61]).

وقد بيَّن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاثة اعتبارات:

الاعتبار الأول: اعتبار من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد.

الاعتبار الثاني: اعتباره مضافاً إلى الرب مختصاً به.

الاعتبار الثالث: اعتباره مضافاً إلى العبد مقيداً به. فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتاً للرب والعبد، وللرب منه ما يليق بكماله، وللعبد منه ما يليق به. وهذا كاسم السميع الذي يلزم إدراك المسموعات، والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات، والعليم والقدير وسائر الأسماء؛ فإن شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها، فما لزم هذه الأسماء لذاتها فإثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه؛ بل يثبت له على وجه لا يماثل فيه خلقه ولا يشابههم، فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه، وجحد صفات كماله. ومن أثبته له على وجه يماثل فيه خلقه فقد شبَّهه بخلقه، ومن شبَّه الله بخلقه فقد كفر، ومن أثبته له على وجه لا يماثل فيه خلقه؛ بل كما يليق بجلاله وعظمته، فقد برئ من فرث التشبيه ودم التعطيل، وهذا طريق أهل السنة، وما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله، كما يلزم حياة العبد من النوم والسِّنة والحاجة إلى الغذاء ونحو ذلك. وكذلك ما يلزم إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به. وكذلك ما يلزم علوّه من احتياجه إلى ما هو عالٍ عليه، وكونه محمولاً به، مفتقراً إليه، محاطاً به. كل هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى، وما لزم صفة من جهة اختصاصه تعالى بها، فإنه لا يثبت للمخلوق بوجهٍ، كعلمه الذي يلزمه القدم والوجوب والإحاطة بكل معلوم وقدرته وإرادته وسائر صفاته، فإن ما يختصَّ به منها لا يمكن إثباته للمخلوق، فإذا أحطتَ بهذه القاعدة خبراً، وعقلتَها كما ينبغي، خلصتَ من الآفتين اللتين هما أصل بلاء المتكلمين: آفة التعطيل، وآفة التشبيه، فإنكَ إذا وفَّيْتَ هذا المقام حقه من التصور أثبتَّ لله الأسماء الحسنى، والصفات العُلا حقيقة، فخلصتَ من التعطيل، ونفيتَ عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم، فخلصتَ من التشبيه، فتدبّرْ هذا الموضع، واجعلْه جنَّتك التي ترجع إليها في هذا الباب والله الموفق للصواب([62]).

وقال ابن القيم رحمه الله أيضاً: اختلف النظَّار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي، والسميع، والبصير، والعليم، والقدير، والملك ونحوها فقالت طائفة من المتكلمين: هي حقيقة في العبد مجاز في الرب، وهذا قول غلاة الجهمية، وهو أخبث الأقوال وأشدها فساداً. الثاني مقابله وهو أنها حقيقة في الرب مجاز في العبد، وهذا قول أبي العباس الناشى. الثالث أنها حقيقة فيهما، وهذا قول أهل السنة وهو الصواب. واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة فيهما. وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به([63]).

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 163 مشاهدة
نشرت فى 2 مايو 2012 بواسطة KITCHAN

ساحة النقاش

HAFSA DAWDI

KITCHAN
la ilaha ila lah »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,598