الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد فسيدور الكلام حول سبب تسمية المحراب بهذا الاسم هذا وليس المقصود بالمحراب المعهود لدى الناس الآن في المساجد الذي جاء فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم كما ثَبَتَ في معجم الطبراني الكبير وسنن البيهقي بإسناد صحيح عن عن ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا هذه المذابح". يعني المحاريب.
فالمحاريب هنا : صدور المجالس والتصدي لها قبل التأهل لذلك .
ولأهل العلم لطيفة في كون المحراب سمي بذلك؛لأن المصلى يحارب فيه الشيطان ، وعلى هذا تفهم الآيات والأحاديث الوارد فيها ذكر المحراب وكذلك ما أفتى به أهل العلم ويتضح ذلك من خلال النقول عن أهل العلم كما يلي:
فقد قال أبو الثناء سراج الدين محمود بن عمر المستكاوي الخانكي ــ وهو من تلاميذ الشيخ المقرئ شحاذة اليمني ( 987 ) رحمهما الله تعالى ــ في شرحه على المقدمة الجزرية ( ص : 203 ) :
( قال بعضهم : وإنما سمي المحراب محرابا ؛ لأنه موضع الحرب ؛ لأن الإمام يحارب الشيطان حتى لا يشتغل قلبه بشيء ) اهـ
وفي «البصائر والذَّخائر 9/61» -لأبي حيَّان التَّوحيديِّ-:
( وقالَ بعضُ النُّسَّاكِ: سُمِّيَ المِحْرابُ مِحْرابًا؛ لأنَّ الشَّيطانَ يُحارَبُ فيه بالطَّاعةِ للهِ تعالَى. ويُقالُ: إنَّ هذا التَّأْويلَ مَهْزولٌ؛ وإنَّما المِحْرابُ أَشْرَفُ مَكانٍ في البَيْتِ، ومَحارِيبُ اليَمَنِ هي أمكنةٌ شريفةٌ في القُصورِ، وكأنَّ المحرابَ في المسجدِ من ذلك لمَوقِفِ الإمامِ ) انتهَى.
و ( الحاءُ والرَّاءُ والباءُ ) كما ذَكرَ العلَّامةُ ابنُ فارسٍ رحمه الله تعالى في ( مُعجَمِ المقاييسِ في اللُّغةِ ) ثلاثةُ أصولٍ :
ـ فالأوَّلُ : بمعنى السَّلب ، ومنه : الحربُ ، بمعنى المعركةِ .
ـ والثَّاني : الحِرباءُ ، وهي الدُّوَيبَّـةُ المعروفةُ .
ـ والثَّالثُ : المحرابُ ، وهو صَدرُ المجلسِ ، وأشرفُ مكانٍ في البَيتِ .
فهذا أصلُ معنَى هذه الكَلمة ، ثمَّ استُعمِلَ عُرفًا لمحالِّ العِبادَةِ ودُورِها عُمومًا ؛ إذ هي أشرفُ الأماكِن في البَلدِ ، وخُصَّ مِحرابُ الإمامِ بعدَ ذلك بِالاسمِ ؛ لأنَّه صَدرُ المسجدِ وقِبلتُه وأشرفُ مكانٍ فيه .
النَّاسِ ، ومنهُ سُمِّيَ المحرابُ محرابًا ؛ لانفرادِ الإمامِ فيه ، وبُعدِه عن النَّاسِ ، ومنهُ يُقالُ : فُلانٌ حَربٌ لِفُلانٍ ، إذا كان بينَهما تباعدٌ .

ومن معاني المحراب من كتب اللغة : قال ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة ذبح ) المَذبَح واحدُ المَذابِح، وهي المقاصِير، وقيل المَحاريب. وقال في مادة (حرب) المحْرابُ: المَوْضع العَالي المُشْرِفُ، وهُو صَدْر المَجْلس أيضاً، ومنه سُمّي محْراب المسْجد، وهو صَدْرُه وأشْرَف مَوْضِع فيه. ومنه حديث أنس ( أنه كان يَكْره المحَارِيب، أي لم يَكُن يُحِبُّ أن يَجْلِس في صَدْر المجلس ويتَرَفَّع على النَّاس. والمحَارِيبُ: جَمْع مِحْراب.1
وقال ابن منظور في لسان العرب مادة حرب .. والمِحْرابُ: صَدْرُ البَيْتِ، وأَكْرَمُ مَوْضِعٍ فيه، والجمع المَحارِيبُ، وهو أَيضاً الغُرْفةُ.
قال وضَّاحُ اليَمَنِ: رَبَّةُ مِحْرابٍ، إذا جِئْتُها، لم أَلْقَها، أَو أَرْتَقي سُلَّما.
وأَنشد الأَزهري قول امرئ القيس: كَغِزلانِ رَمْلٍ في مَحارِيبِ أَقْوال، قال: والمِحْرابُ عند العامة: الذي يُقِيمُه النّاس اليَوْمَ مَقام الإمامِ في المَسْجد.
وقال الزجاج في قوله تعالى: ( وهل أَتاكَ نبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّروا المِحْرابِ ( 2؛ قال: المِحْرابُ أَرْفَعُ بَيْتٍ في الدَّارِ، وأَرْفَعُ مَكانٍ في المَسْجِد. قال: والمِحْرابُ ههنا كالغُرْفةِ،
وأَنشد بيت وضَّاحِ اليَمَنِ. وفي الحديث: أَنّ النبيّ( بَعَثَ عُروة بن مَسْعودٍ، (، إلى قومِه بالطَّائِف، فأَتاهم ودَخَل مِحْراباً له، فأَشْرَفَ عليهم عندَ الفَجْر، ثم أَذَّن للصَّلاةِ. قال: وهذا يدل على أَنه غُرْفةٌ يُرْتَقَى إليها.
والمَحارِيب: صُدُور المَجالِس، ومنه سُمّي مِحْرابُ المَسْجِد، ومنه مَحارِيبُ غُمْدانَ باليَمَنِ.
والمِحْرابُ: القِبْلةُ.
ومِحْرابُ المَسْجِد أَيضاً: صَدْرُه وأَشْرَفُ موضع فيه.
ومَحارِيبُ بني إسرائيلَ: مَسَاجِدُهم3 التي كانوا يَجلسون فيها.
وفي التهذيب: التي يَجْتَمِعُون فيها للصلاة. وقولُ الأَعشى:
وَتَرَى مَجْلِساً، يَغَصُّ به المِحْـ………ـرابُ، مِلْقَوْمِ، والثِّيابُ رِقاقُ
قال: أُراهُ يعني المَجْلِسَ.
وقال الأَزهري: أَراد مِنَ القوم. وفي حديث أَنس (، أَنه كان يَكْرَه المَحارِيبَ، أَي لم يكن يُحِبُّ أَن يَجْلِسَ في صَدْرِ المَجْلِس، ويَترَفَّعَ على الناسِ.
والمَحارِيبُ: جمع مِحْرابٍ. وقول الشاعر في صفة أَسد:
وَما مُغِبٌّ، بِثِنْيِ الحِنْوِ، مُجْتَعِلٌ ……في الغِيلِ، في جانِبِ العِرِّيسِ، محْرابا
جعَلَه له كالمجلِسِ.
وقوله تعالى: ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ ( 4، قالوا: من المسجِدِ.5
والمِحْرابُ: أَكْرَمُ مَجالِس المُلوكِ، عن أَبي حنيفة.
وقال أَبو عبيدة: المِحْرابُ سَيِّدُ المَجالِس، ومُقَدَّمُها وأَشْرَفُها.6
قال: وكذلك هو من المساجد.
وقال الأَصمعي: العَرَبُ تُسَمِّي القَصْرَ مِحْراباً، لشَرَفِه، وأَنشد:
أَو دُمْية صُوِّرَ مِحْرابُها، ……أَو دُرَّة شِيفَت إلى تاجِر
أَراد بالمِحْرابِ القَصْر، وبالدُّمْيةِ الصورةَ.
وروى الأَصمعي عن أَبي عَمْرو بن العَلاءِ: دخلتُ مِحْراباً من مَحارِيب حِمْيرَ، فَنَفَحَ في وجْهِي رِيحُ المِسْكِ. أَراد قَصْراً أَو ما يُشْبِههُ.
وقيل: المِحْرابُ الموضع الذي يَنْفَرِدُ فيه المَلِكُ، فيَتَباعَدُ من الناسِ.
وقال الأَزهري: وسُمِّي المِحْرابُ مِحْراباً، لانْفِراد الإِمام فيه، وبُعْدِه من الناس؛ قال: ومنه يقال فلان حَرْبٌ لفلان إذا كان بينهما تَباعُدٌ؛ واحتج بقوله:
وحارَبَ مِرْفَقُها دَفَّها، ……وسامَى به عُنُقٌ مِسْعَرُ
أَراد: بَعُدَ مِرْفَقُها من دَفِّها.
وقال الفرَّاءُ في قوله عز وجل: ( من مَحاريبَ وتَماثِيلَ ( 7 ؛ ذُكِرَ أَنها صُوَرُ الأَنبياء والملائكة، كانت تُصَوَّرُ في المساجد، ليراها الناسُ فيَزْدادُوا عِبادةً.
وقال الزجاج: هي واحدةُ المِحْراب الذي يُصَلَّى فيه.
وقال الليث: المِحْرابُ عُنُقُ الدَّابة؛ قال الراجز: كأَنها لَمَّا سما مِحْرابُها
وقيل: سُمِّيَ المِحْرابُ مِحْراباً لأَنَّ الإِمام إذا قام فيه، لم يأْمَنْ أَن يَلْحَنَ أَو يُخْطِئَ، فهو خائفٌ مكاناً، كأَنه مَأْوى الأَسَدِ.
والمِحْرابُ: مَأْوَى الأَسَدِ. يقال:دخَل فلان على الأَسَدِ في مِحْرابِه، وغِيلِه وعَرينِه.
وقال ابن الأَعرابي: المِحْرابُ مَجْلِسُ الناسِ ومُجْتَمَعُهم.
ولخص هذه المعاني الفيروز آبادي في القاموس مادة (حرب) بقوله المِحْرَابُ: الغُرْفَةُ، وصَدْرُ البَيْتِ، وأكْرَمُ مَواضِعِهِ، ومقامُ الإمامِ من المسجِدِ، والمَوضِعُ يَنْفَرِدُ به المَلِكَ فَيَتَبَاعَدُ عَنِ الناسِ، والأَجَمَةُ، وعُنُقُ الدابَّة. ومَحارِيبُ بَني إسرائيلَ: مساجِدُهُم التي كانوا يَجْلِسونَ فيها. وقال في مادة (ذبح) والمَذابِحُ: المَحاريبُ، والمَقاصيرُ، وبُيوتُ كُتُبِ النَّصارى، الواحِدُ: كمَسْكَنٍ.
ويرى الراغب أن من أصح معاني المحراب صدر المجلس. قال رحمه الله: "ومحراب المسجد قيل: سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى، وقيل: سمي بذلك لكون حق الإنسان فيه أن يكون حربيا من أشغال الدنيا ومن توزع الخواطر، وقيل: الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس، ثم اتخذت المساجد فسمي صدره بهن وقيل: بل المحراب أصله في المسجد، وهو اسم خص به صدر المجلس، فسمي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد، وكأن هذا أصح، قال عز وجل يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ ([ سبأ:13].. " .8
وقال كروزويل عندما تكلم عن أصل كلمة محراب: " وردت هذه الكلمة في أشعار العرب قديماً، غير أنها لم يكن لها معنى ديني في تلك الأيام، بل كانت تدل على أشياء دنيوية.9
ويرى نولدكه (Noldeke) أنها كانت تعني بناء الملك أو الأمير .
و المستشرق النمساوي رودوكوناكيس ( Rhodokonakis )عندما حقق أصل كلمة المحراب قال إن المحراب هو الجزء أو المكان الذي يكون في قصر الملك ويخصص لوضع العرش فيه كما في قصر عميرة مثلاً .
وقال محمد زكي في كتابه " الفن الإسلامي في مصر " وهو يقدم التفسير اللغوي لكلمة المحراب عند العرب. " وكان المقصود باللفظ - أي المحراب - قصراً أو جزءاً من القصر، أو مكان النساء في البيت، أو طاقة فيها تمثال. وهناك على هذه الاستعمالات شواهد عدة بينها الأستاذ بدرسون (Pedersen ) عند الكلام على المحاريب في مادة "مسجد" بدائرة المعارف الإسلامية.10
تعريف المحراب اصطلاحا:
علامة القبلة في جدار المسجد، وجرت العادة أن تكون في وسط جدار القبلة.11
الحكمة من المحراب :
1. يفيد في تعيين اتجاه القبلة.
2. يفيد في تحديد مكان الإمام عند الصلاة.
3. يفيد في توسيع طاقة المسجد بما يقرب من صف من المصلين في الصلاة الجامعة،ليتسع للإمام في ركوعه وسجوده أثناء الصلاة، بحيث لا يشغل مساحة كبيرة يستهلكها هذا الإمام من أصل مساحة المسجد دون أي طائل أو فائدة.12
4. يساعد على تجميع صوت الإمام وتكبيره، وإيصاله للمصلين الذين يوليهم ظهره أثناء الصلاة، لا سيما قبل اختراع مكبرات الصوت.13
5. والمحراب من المصالح المرسلة التي تبدو لمن لا بصيرة له، كأنها بدع يجب تجنبها و عدم إقرارها، و هو عبارة عن علامة دالة على القبلة؛ إذ لولاها لكان العوام و من لا علم لهم إذا دخل المسجد في وقت لا يوجد غيره يحتار في القبلة، و قد يصلي إلى غيرها، و قد يصبح كل من يدخل المسجد يسأل عن قبلته، لذا اتخذ السلف هذا الطاق في قبلة المسجد للدلالة على القبلة، و ليس هو من العبادات في شيء حتى يقال فيه " بدعة منكرة " .14

وخلاصة ما تقدم ما يلي:
***النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاريب ليس المقصود به المحاريب المعهودة الآن في مساجدنا بل المقصود:صدور المجالس.
*** سمي المحراب بذلك ؛لأنه مأخوذ من الارتفاع الحقيقي والمجازي وما قارب هذه المعاني .
*** من لطائف العلماء أنه سمي بذلك؛لأن المصلي يحارب فيه الشيطان.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين كلما ذكره الذاكرون أو غفل عن ذكره الغافلون.

<!-- / message -->
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 5506 مشاهدة
نشرت فى 12 مايو 2013 بواسطة Islamisright

ساحة النقاش

محمود داود دسوقي خطابي

Islamisright
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

220,426