السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهموضع واحد في القرآن الكريم قدمت فيه الرحمة على المغفرة وهو في سورة سبأ في قوله تعالى:
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }سبأ2 وهذا من البيان القرآني في باب التقديم للرتبة ، وذلك لحِكَم استنبطها الراسخون في العلم والله تعالى أعلى وأعلم بمراده لكن هذا ما توصل إليه اجتهاد أهل العلم من الراسخين في العلم .
*** قال الإمام الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد ، جـ 1 ص 65 : " وفي موضع واحد الرحيم الغفور إلى غير ذلك مما لا يكاد ينحصر وليس شيء من ذلك يخلو عن فائدة وحكمة؛ لأنه كلام الحكيم الخبير ". انتهى.
وقال في ص 68 :" وأما قوله: { وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }سبأ2 في سبأ :فالرحمة هناك متقدمة على المغفرة :فإما بالفضل والكمال وإما بالطبع لأنها منتظمة بذكر أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوان فالرحمة تشملهم والمغفرة تخصهم والعموم بالطبع قبل الخصوص كقوله: { فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ }الرحمن68 وكقوله:{ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ }البقرة98 " . انتهى.
في :لمسات بيانية للدكتور الفاضل/ فاضل السامرَّائي، ص 315: " جعلوا منه أيضاً تقديم المغفرة على الرحمة نحو قوله:{ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة173 في آيات كثيرة وقوله:{ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء100 قالوا: وسبب تقديم الغفور على الرحيم :أن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة وإنما تأخرت في سورة سبأ في قوله:{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }سبأ2 : فالرحمة شملتهم جميعاً والمغفرة تخص بعضاً ، والعموم قبل الخصوص بالرتبة. ولإيضاح ذلك: أن جميع الخلائق من الإنس والجن والحيوان وغيرهم محتاجون إلى رحمته فهي برحمته تحيا وتعيش وبرحمته تتراحم وأما المغفرة فتخص المكلفين فالرحمة أعمّ." . انتهى.
وفي ص 350 وكذا في ص482:" لو قرأنا الآيتين في سورة سبأ :{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }سبأ1-2 لم يتقدّم الآية ما يخصّ المكلَّفين أبداً والمغفرة لا تأتي إلا للمكلَّفين والمذنبين الذين يغفر الله تعالى لهم وإنما جاء ذكرهم بعد الآيتين الأولى والثانية لذا اقتضى تأخير الغفور لتأخر المغفور لهم في سياق الآية. أما في باقي سور القرآن الكريم فقد وردت الغفور الرحيم؛ لأنه تقدّم ذكر المكلَّفين فيذنبون فيغفر الله تعالى لهم فتطلّب تقديم المغفرة على الرحمة." .انتهى.
وفي البرهان للإمام لزركشي رحمه الله ،جـ 3 ص 249 :" بالرتبة كتقديم سميع على عليم فإنه يقتضى التخويف والتهديد فبدأ بالسميع لتعلقه بالأصوات وإن من سمع حسك فقد يكون أقرب إليك في العادة ممن يعلم وإن كان علم الله تعلق بما ظهر وما بطن
وكقوله:{ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }فصلت32 ؛ فإن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة وإنما تأخرت في آية سبأ في قوله : { وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }سبأ1 ؛ لأنها منتظمة في سلك تعداد أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم وهو قوله: { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }سبأ1 فالرحمة شملتهم جميعاً والمغفرة تخص بعضاً والعموم قبل الخصوص بالرتبة " .انتهى.
*** قال الإمام الخطيب الشربيني رحمه الله تعالى في السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير ، جـ3 ص346 :" تنبيه : قدم تعالى صفة الرحمة على صفة الغفور ليعلم أن رحمته سبقت غضبه " . انتهى.
نشرت فى 4 يونيو 2011
بواسطة Islamisright
محمود داود دسوقي خطابي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
271,703
ساحة النقاش