الموضع الذي يُقصر منه المسافركتبه محمود داود دسوقي خطابي

 

الموضع الذي يُقصر منه المسافر

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله.

 أما بعد

 

قال الشيخ سيد سابق في فقه السنة ،ج1 ص230 :

" الموضع الذي يقصر منه: ذهب جمهور العلماء إلى أن قصر الصلاة يشرع بمفارقة الحضر والخروج من البلد وأن ذلك شرط ولا يتم حتى يدخل أول بيوتها،

قال ابن المنذر: ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة.

وقال أنس: صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً وبذي الحُليفة ركعتين.

رواه الجماعة.

ويرى بعضُ السلف أن من نوى السفر يقصر ولو في بيته. " انتهى   

وهؤلاء السلف الذين أشار إليهم الشيخ سيد سابق ذكرهم الإمامان :النووي وابن قدامة فيما نقلاه عن الإمام ابن المنذر رحمهم الله أجمعين.

 قال الإمام النووي في كتابه المجموع شرح المهذب ، ج 4 ص 349 :   

" (فرع) في مذاهب العلماء: ذكرنا أن مذهبنا أنه إذا فارق بنيان البلد قصر ولا يقصر قبل مفارقتها وإن فارق منزله وبهذا قال: مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء وحكى ابن المنذر عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفراً فصلى بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود قال: وروينا معناه عن عطاء وسليمان بن موسى قال: وقال مجاهد: لا يقصر المسافر نهاراً حتى يدخل الليل قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً وافقه وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن مجاهد أنه قال: إن خرج بالنهار لم يقصر حتى يدخل الليل وإن خرج بالليل لم يقصر حتى يدخل النهار وعن عطاء أنه قال: إذا جاوز حيطان داره فله القصر فهذان المذهبان فاسدان فمذهب مجاهد منابذ للأحاديث الصحيحة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحُليفة حين خرج من المدينة ومذهب عطاء وموافقيه منابذ لاسم السفر. " انتهى 

قال الإمام ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني ، ج 4 ص 33

" مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ ) .

وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ نَوَى السَّفَرَ الْقَصْرُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ ، وَيَجْعَلَهَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ .

وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ .

وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، أَنَّهُمَا أَبَاحَا الْقَصْرَ فِي الْبَلَدِ لِمَنْ نَوَى السَّفَرَ .

وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ أَرَادَ سَفَرًا ، فَصَلَّى بِهِمْ فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ ، وَفِيهِمْ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ .

وَرَوَى عُبَيْدُ بْنُ جَبْرٍ ، قَالَ : { كُنْت مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَدَفَعَ ، ثُمَّ قَرُبَ غِذَاؤُهُ ، فَلَمْ يُجَاوِزْ الْبُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ ، ثُمَّ قَالَ : اقْتَرِبْ .

فَقُلْت : أَلَسْت تَرَى الْبُيُوتَ ؟ قَالَ أَبُو بَصْرَةَ : أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فَأَكَلَ } . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .

وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } وَلَا يَكُونُ ضَارِبًا فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَخْرُجَ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُ الْقَصْرَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ .

قَالَ أَنَسٌ : { صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ } .

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا أَبُو بَصْرَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى دَفَعَ ، وَقَوْلُهُ : لَمْ يُجَاوِزْ الْبُيُوتَ : مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَمْ يَبْعُدْ مِنْهَا ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ عُبَيْدٍ لَهُ : أَلَسْت تَرَى الْبُيُوتَ ؟ إذَا ثَبَتَ هَذَا ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْبُيُوتِ .

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ،[ص 34] أَنَّ لِلَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا .

وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا خَرَجْت مُسَافِرًا فَلَا تَقْصُرْ الصَّلَاةَ يَوْمَك ذَلِكَ إلَى اللَّيْلِ ، وَإِذَا رَجَعْت لَيْلًا فَلَا تَقْصُرْ لَيْلَتَك حَتَّى تُصْبِحَ .

وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } .

وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا .

وَحَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْهَمَذَانِيُّ : خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَخْرَجَهُ إلَى صِفِّينَ ، فَرَأَيْته صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْجِسْرِ وَقَنْطَرَةِ الْكُوفَةِ .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : خَرَجَ عَلِيٌّ فَقَصَرَ ، وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ : هَذِهِ الْكُوفَةُ .

قَالَ : لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا .

وَلِأَنَّهُ مُسَافِرٌ ، فَأُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ ، كَمَا لَوْ بَعُدَ ." انتهى

وفي سنن الترمذي ،ج3 ص 355 

 76 - باب مَا جَاءَ فِيمَنْ أَكَلَ ثُمَّ خَرَجَ يُرِيدُ سَفَرًا.

  وفي ص   356 رقم 804 :" حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِى رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا وَقَدْ رُحِلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ فَقُلْتُ لَهُ سُنَّةٌ قَالَ سُنَّةٌ. ثُمَّ رَكِبَ". 

وقال الإمام الترمذي في سننه ، ج3 ص 357 رقم 805  :"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِى رَمَضَانَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ هُوَ مَدِينِىٌّ ثِقَةٌ وَهُوَ أَخُو إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ ابْنُ نَجِيحٍ وَالِدُ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِىِّ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُضَعِّفُهُ.

وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ فِى بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلاَةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ جِدَارِ الْمَدِينَةِ أَوِ الْقَرْيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىِّ.". انتهى.

 

 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد وآله وصحبه والتابعين كلما ذكره الذاكرون أو غفل عن ذكره الغافلون.

 

كتبه محمود داود دسوقي خطابي

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 16 مايو 2019 بواسطة Islamisright

ساحة النقاش

محمود داود دسوقي خطابي

Islamisright
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

249,459