authentication required

فخّ الديون الخارجيّة:


بقلم : عزالدين مبارك

وجدت جلّ الدول النامية نفسها أمام معضلة التنمية بعد الحصول على استقلالها بحيث تفتقد للبنية التحتية واليد العاملة الماهرة والاطر المدرّبة والموارد المالية والاجهزة والنظم والهياكل والإدارة.
وبما أنّ الدول الاستعمارية كانت قد أفقرت هذه البلدان وامتصّت ثرواتها واستغلتها استغلالا فاحشا وجعلت اقتصادياتها الهشّة تابعة لها ولا تستطيع الدّوران الا في فلكها.

وقد كانت سياسة خبيثة بحيث الى الان لم تستطع هذه الدّول الاعتماد كليا علي نفسها او الانعتاق من سطوتها والتفرد بقرارها المستقل.
وهكذا وجدت الدول النامية نفسها أمام تحديات كبيرة مما جعلها تضطر الى التداين الخارجي وحسب شروط مجحفة وتسهيلات في الدفع مع فترة امهال تمتد الى اكثر من عشر سنوات.
فالامكانيات المتاحة داخليا كانت ضعيفة وشحيحة لأنّ المداخيل البسيطة لا تمكنها من الادخار والموارد الطبيعية تتطلب استثمارات طائلة لاستغلالها مع افتقارها للبنية التحتية الضرورية واليد العاملة الماهرة.
وبحكم أن فترة السبعينيات عرفت طفرة في رأس المال العالمي مما مكّن الدول المتقدمة من البحث عن استثمارات مجزية في الدول النامية والمحتاجة.
وقد تداخل في ذلك الوقت العامل السياسي بالعامل الاقتصادي مما سهّل العملية برمّتها وجعلها واقعا معيشا. فالعامل السياسي هو تمكين النخب التي تماهت مع المستعمر بطريقة أو بأخرى للمحافظة على المكاسب والنفوذ في ظل استقطاب عالمي واجواء الحرب الباردة. والعامل الاقتصادي هو توفير الربح للشركات الوطنية بالبلد الام وتمكين الرساميل من التدويل والبحث عن الاسواق الجديدة خلف البحار في نطاق تمدّد اخطبوط الرأسمالية العالمية وهيمنتها على العالم.
وبما أن حاجة الدّول النامية ملحّة وأكيدة فلم تناقش كثيرا وكانت الاغراءات كبيرة أسالت لعاب أصحاب القرار وهكذا تورطت الدول النامية ووقعت في فخ الديون الخارجية مكرهة احيانا ومتواطئة احيانا اخرى ولم تستطع الفكاك من هذه الورطة وكأنها سراب العطشان في الصحراء. فالتداين يولد تداينا آخر وهكذا دواليك حتى وصل الامر خلاص الديون بالديون لأنّ الفوائد وخدمة الدين كالسوط المسلط علي الرقاب. والدول المتقدمة بعد ان وضعت المصيدة وأحكمت القبض أصبحت تتفنّن بالجدولة أحيانا وبشراء القرارات السياسية أحيانا أخرى وبالتدخلات العسكرية وما أشبه اليوم بالبارحة.
التنمية في دول العالم الثالث تتطلب فعلا مقدارا من التداين الخارجي المحسوب لتغطية العجز في الادخار الداخلي الضعيف وذلك لتحويله الى استثمارات مربحة ومجدية وذلك بعد دراسات وتخطيط محكم.
فالتداين الخارجي الموجه الى الاستهلاك واستيراد المواد الكمالية لبعض الطبقات الغنية والاستثمار في برامج مكلفة وغير مربحة يعتبر خسارة فادحة.
فخدمة الديون الخارجية تتطلب استثمارات ناجحة ومجدية تدرّ ارباحا حتى يتمّ استرجاع الديون من طرف اصحابها وتوظيف الاموال المتبقية في استثمارات جديدة او التوسّع في المشاريع الموجودة.
وهذه هي الطريقة المثلى للتداين الخارجي والتي تعتمد على التوظيف الامثل للاموال لخلق الخيرات الجديدة.
اما التداين المفرط وتوجيهه الى القطاع الاستهلاكي والترفيهي او توظيفه في مشاريع فاشلة وغير مربحة لايفيد الاقتصاد في شيء ويجعل من خدمة الدين عبئا ثقيلا مما يجعل الدوّل تتداين من جديد ليس للاستثمار بل لخلاص الديون المستحقة.
وكثيرة هي الدول التي وقعت في هذا الفخ والمصيدة اللعينة ولم تعد قادرة على الخلاص منها بحيث اصبح نقل الاموال من الدول الضعيفة الى الدول المتقدمة لارتفاع نسب الفائدة وتشدد في الشروط المجحفة.
وهكذا دخلنا فترة النهب العالمي لثروات الدول النامية وقد انطلت حيلة الديون الخارجية على جل الدول النامية التي كانت تأمل الوصول الى التنمية في وقت وجيز حسب شعارات فترة ما بعد الاستعمار فوقعت في المحظور بحيلة وغفلة وعلى حين غرّة فاصبحت تطارد الاوهام.
وكثيرة هي الدّول التي لم تعد قادرة على ارجاع ديونها فتوقفت عن السّداد ودخلت مرحلة الانعاش السريري فهبّ البنك العالمي وصنوه صندوق النقد الدولي لضخّ بعض الدّماء في الجسد العليل وهو في الرمق الاخير وكثرت الوصفات من كل جانب والخوف كل الخوف ان يموت المريض دون سداد ديونه التي تراكمت وتكدّست جبالا وجاءت شروط التعديلات الهيكلية كالمرهم على الجروح والندوب الغائرة في ظل عولمة تكتسح الاخضر واليابس وتنبّئ بالايام الصعبة وتفشي الفقر والبطالة والخصاصة لفئات جديدة. وهكذا نتج عن حقبة التداين الخارجي اتساعا للفقر وانتاجا ضعيفا وتبعية متزايدة وتخلفا لا مثيل له.
فالتحولات الهيكلية المقترحة من طرف صندوق النقد الدولي بمعاضدة البنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية والتي تتمحور حول نشر قيم السوق وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وفتح المجال أمام التحرّر والقطاع الخاص، مكنت الواقع الاجتماعي من ظهور طبقات جديدة انتفعت من سياسة الانفتاح وغنمت كثيرا بشراء أصول الشركات المفلسة والتي موّلتها الدول بأموال الديون الخارجية في فترات سابقة.
ورغم مظاهر التطور هنا وهناك فإن الاقتصاديات «العالمثالثية» هشّة بالاساس لاعتمادها على الاموال الخارجية وهياكلها ضعيفة وتفتقد الى الديناميكية واغلب القطاعات المتطورة نسبيا تعتمد على الخدمات والسياحة التي تتأثر بالاساس بالظرفية والمحيط. وقد انتفعت نتيجة لذلك طبقات قليلة العدد بخيرات التنمية وبقيت الجموع الاخرى مهمّشة لا تشارك في الدورة الاقتصادية وتعيش على الكفاف، والغريب في الامر ان الدول التي تداينت قليلا واعتمدت على مواردها الذاتية حتى وان كانت بسيطة حققت تنمية أكبر من الدول التي تداينت بإفراط.
فالامر لا يتعلق بكثرة الديون بل بما نفعل بها وبالمردود الذي تأتي به من خلال الدورة الاقتصادية.
كما انّ الشروط المتبعة من الدول المقرضة كنسبة الفائدة تعدّ عاملا أساسيا فيما يتعلق بخدمة الدّين لأنّ ارجاع الاموال الى اصحابها وفي الاوقات المحددة يتطلب تنمية معتبرة حتى يقع الايفاء بالالتزامات المستحقة، وكثيرة هي الدول التي اصبحت تعيش حلقة مفرغة من التداين ولم تنفع معها جدولة او فسخ جزء من الديون وذلك لعدم كفاءة إدارتها وتفشي الفساد والمحسوبية في ربوعها بحيث تذهب الديون الخارجية في الجيوب والمشاريع الوهمية وانعدام الرقابة والاستثمار الصفري المردود.
والديون الخارجية بالنسبة لبعض الدول النامية كالماء الذي لا يروي عطشا وكالدواء الذي لا بد منه رغم العلم بأنّه دواء مسكّن للاوجاع فقط. فحتى المرابيح التي اتاحتها بعض الاستثمارات لم توظف في داخل البلاد وهاجرت الى بلدان أخرى وابتلعتها الدورة العالمية ولم تستفد منها الدول الام وتلك حال البورجوازيات «الوطنية» فبعد ان تنمو وتكبر بخيرات البلد وبسواعد أبنائه تحلق بعيدا ولاتترك غير الفتات.
فالديوان الخارجية كانت فخّا محكما وقعت فيه الدول النامية مضطرة في غالب الاحيان ومتواطئة في أحيان أخرى لأنها تعلم المخاطر والنتيجة مسبقا ولم تؤخذ على غرّة كما يعتقد الكثيرون وهكذا أصبحت الدول النامية تدور في فلك الدّول النافذة ولا تقدر على فكّ ارتباطها غير المقدّس معها وباتت كالزوّجة العرفية لا تستطيع التباهي بزواجها إلا في الخفاء.
فالعملية برمّتها بفعل فاعل ومدسوسة ومضمرة كالسمّ في العسل والقليل القليل من الدول من عثر على البلسم لأنّ أغلب الدول مغلوبة على أمرها ووقعت في الفخ واصبحت تطارد الاوهام في ظل تطور غير متكافئ وتبادلات تجارية غير عادلة بين الشمال والجنوب.
فالديون الخارجية فرضت على الدول النامية مسايرة الوصفات المسطّرة لها تحت سياط عدم تمكينها من ديون أخرى تبعدها عن حبل المشنقة وهكذا قبلت بسياسات تزيد اقتصادياتها تبعيّة وتشوها واغترابا عن واقعها ومسارها التاريخي والحضاري.
فانعدمت الحلول لغياب التمويل وعدم كفاءة الادارة وانتشار الفساد وضعف الادخار الداخلي لضعف المدخول الذي لا يفي في الغالب بالاستهلاك اليومي، حتى الاسعار لم يعد التحكم فيها ممكنا لان الانتاج الضعيف وغير التنافسي والجودة المتدنية ساهمت في اضعاف الادخار الداخلي.
وللخروج من هذا الفخ اللعين يجب الاعتماد على الذات الوطنية والرفع من مردودية الانتاج والانتاجية والتحكم في الكلفة والتقليل من الديون الخارجية الا في نطاق ضيق جدّا والاعتماد على الشّراكة مع المحيط وتبادل المنافع بشروط متكافئة تحقق رغباتنا. فسياسة الاعتماد المفرط على الديون الخارجية دون التفكير في الجدوى والمردودية من الاستثمارات ومناقشة الشروط المتبعة قد فشلت فشلا ذريعا على الاقل بالنسبة لجموع كثيرة من الناس مازالت بعيدة كل البعد عن ثمار التنمية وبحبوحة العيش الكريم.
وقد انتفعت فئات بعينها من الديون الخارجية وتم ارتهان القرار الوطني لبعض البلدان دون تحقيق المرجو منها.
وخلاصة القول أن الديون الخارجية كانت فخا وقعت فيه جل الدول النامية ولم تفق من النشوة الزائفة بعد، ولم تستطع الخلاص من هذا المأزق وأصبحت كالغريق المتشبث بقشة.

© 2009 جريدة الشعــــــب - جميع الحقوق محفوظة
المصدر: جريدة الشعب التونسيةفخّ الديون الخارجيّة: الاستهلاك.الادخار والموارد الطبيعية بقلم : عزالدين مبارك وجدت جلّ الدول النامية نفسها أمام معضلة التنمية بعد الحصول على استقلالها بحيث تفتقد للبنية التحتية واليد العاملة الماهرة والاطر المدرّبة والموارد المالية والاجهزة والنظم والهياكل والإدارة. وبما أنّ الدول الاستعمارية كانت قد أفقرت هذه البلدان وامتصّت ثرواتها واستغلتها استغلالا فاحشا وجعلت اقتصادياتها الهشّة تابعة لها ولا تستطيع الدّوران الا في فلكها. وقد كانت سياسة خبيثة بحيث الى الان لم تستطع هذه الدّول الاعتماد كليا علي نفسها او الانعتاق من سطوتها والتفرد بقرارها المستقل. وهكذا وجدت الدول النامية نفسها أمام تحديات كبيرة مما جعلها تضطر الى التداين الخارجي وحسب شروط مجحفة وتسهيلات في الدفع مع فترة امهال تمتد الى اكثر من عشر سنوات. فالامكانيات المتاحة داخليا كانت ضعيفة وشحيحة لأنّ المداخيل البسيطة لا تمكنها من الادخار والموارد الطبيعية تتطلب استثمارات طائلة لاستغلالها مع افتقارها للبنية التحتية الضرورية واليد العاملة الماهرة. وبحكم أن فترة السبعينيات عرفت طفرة في رأس المال العالمي مما مكّن الدول المتقدمة من البحث عن استثمارات مجزية في الدول النامية والمحتاجة. وقد تداخل في ذلك الوقت العامل السياسي بالعامل الاقتصادي مما سهّل العملية برمّتها وجعلها واقعا معيشا. فالعامل السياسي هو تمكين النخب التي تماهت مع المستعمر بطريقة أو بأخرى للمحافظة على المكاسب والنفوذ في ظل استقطاب عالمي واجواء الحرب الباردة. والعامل الاقتصادي هو توفير الربح للشركات الوطنية بالبلد الام وتمكين الرساميل من التدويل والبحث عن الاسواق الجديدة خلف البحار في نطاق تمدّد اخطبوط الرأسمالية العالمية وهيمنتها على العالم. وبما أن حاجة الدّول النامية ملحّة وأكيدة فلم تناقش كثيرا وكانت الاغراءات كبيرة أسالت لعاب أصحاب القرار وهكذا تورطت الدول النامية ووقعت في فخ الديون الخارجية مكرهة احيانا ومتواطئة احيانا اخرى ولم تستطع الفكاك من هذه الورطة وكأنها سراب العطشان في الصحراء. فالتداين يولد تداينا آخر وهكذا دواليك حتى وصل الامر خلاص الديون بالديون لأنّ الفوائد وخدمة الدين كالسوط المسلط علي الرقاب. والدول المتقدمة بعد ان وضعت المصيدة وأحكمت القبض أصبحت تتفنّن بالجدولة أحيانا وبشراء القرارات السياسية أحيانا أخرى وبالتدخلات العسكرية وما أشبه اليوم بالبارحة. التنمية في دول العالم الثالث تتطلب فعلا مقدارا من التداين الخارجي المحسوب لتغطية العجز في الادخار الداخلي الضعيف وذلك لتحويله الى استثمارات مربحة ومجدية وذلك بعد دراسات وتخطيط محكم. فالتداين الخارجي الموجه الى الاستهلاك واستيراد المواد الكمالية لبعض الطبقات الغنية والاستثمار في برامج مكلفة وغير مربحة يعتبر خسارة فادحة. فخدمة الديون الخارجية تتطلب استثمارات ناجحة ومجدية تدرّ ارباحا حتى يتمّ استرجاع الديون من طرف اصحابها وتوظيف الاموال المتبقية في استثمارات جديدة او التوسّع في المشاريع الموجودة. وهذه هي الطريقة المثلى للتداين الخارجي والتي تعتمد على التوظيف الامثل للاموال لخلق الخيرات الجديدة. اما التداين المفرط وتوجيهه الى القطاع الاستهلاكي والترفيهي او توظيفه في مشاريع فاشلة وغير مربحة لايفيد الاقتصاد في شيء ويجعل من خدمة الدين عبئا ثقيلا مما يجعل الدوّل تتداين من جديد ليس للاستثمار بل لخلاص الديون المستحقة. وكثيرة هي الدول التي وقعت في هذا الفخ والمصيدة اللعينة ولم تعد قادرة على الخلاص منها بحيث اصبح نقل الاموال من الدول الضعيفة الى الدول المتقدمة لارتفاع نسب الفائدة وتشدد في الشروط المجحفة. وهكذا دخلنا فترة النهب العالمي لثروات الدول النامية وقد انطلت حيلة الديون الخارجية على جل الدول النامية التي كانت تأمل الوصول الى التنمية في وقت وجيز حسب شعارات فترة ما بعد الاستعمار فوقعت في المحظور بحيلة وغفلة وعلى حين غرّة فاصبحت تطارد الاوهام. وكثيرة هي الدّول التي لم تعد قادرة على ارجاع ديونها فتوقفت عن السّداد ودخلت مرحلة الانعاش السريري فهبّ البنك العالمي وصنوه صندوق النقد الدولي لضخّ بعض الدّماء في الجسد العليل وهو في الرمق الاخير وكثرت الوصفات من كل جانب والخوف كل الخوف ان يموت المريض دون سداد ديونه التي تراكمت وتكدّست جبالا وجاءت شروط التعديلات الهيكلية كالمرهم على الجروح والندوب الغائرة في ظل عولمة تكتسح الاخضر واليابس وتنبّئ بالايام الصعبة وتفشي الفقر والبطالة والخصاصة لفئات جديدة. وهكذا نتج عن حقبة التداين الخارجي اتساعا للفقر وانتاجا ضعيفا وتبعية متزايدة وتخلفا لا مثيل له. فالتحولات الهيكلية المقترحة من طرف صندوق النقد الدولي بمعاضدة البنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية والتي تتمحور حول نشر قيم السوق وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وفتح المجال أمام التحرّر والقطاع الخاص، مكنت الواقع الاجتماعي من ظهور طبقات جديدة انتفعت من سياسة الانفتاح وغنمت كثيرا بشراء أصول الشركات المفلسة والتي موّلتها الدول بأموال الديون الخارجية في فترات سابقة. ورغم مظاهر التطور هنا وهناك فإن الاقتصاديات «العالمثالثية» هشّة بالاساس لاعتمادها على الاموال الخارجية وهياكلها ضعيفة وتفتقد الى الديناميكية واغلب القطاعات المتطورة نسبيا تعتمد على الخدمات والسياحة التي تتأثر بالاساس بالظرفية والمحيط. وقد انتفعت نتيجة لذلك طبقات قليلة العدد بخيرات التنمية وبقيت الجموع الاخرى مهمّشة لا تشارك في الدورة الاقتصادية وتعيش على الكفاف، والغريب في الامر ان الدول التي تداينت قليلا واعتمدت على مواردها الذاتية حتى وان كانت بسيطة حققت تنمية أكبر من الدول التي تداينت بإفراط. فالامر لا يتعلق بكثرة الديون بل بما نفعل بها وبالمردود الذي تأتي به من خلال الدورة الاقتصادية. كما انّ الشروط المتبعة من الدول المقرضة كنسبة الفائدة تعدّ عاملا أساسيا فيما يتعلق بخدمة الدّين لأنّ ارجاع الاموال الى اصحابها وفي الاوقات المحددة يتطلب تنمية معتبرة حتى يقع الايفاء بالالتزامات المستحقة، وكثيرة هي الدول التي اصبحت تعيش حلقة مفرغة من التداين ولم تنفع معها جدولة او فسخ جزء من الديون وذلك لعدم كفاءة إدارتها وتفشي الفساد والمحسوبية في ربوعها بحيث تذهب الديون الخارجية في الجيوب والمشاريع الوهمية وانعدام الرقابة والاستثمار الصفري المردود. والديون الخارجية بالنسبة لبعض الدول النامية كالماء الذي لا يروي عطشا وكالدواء الذي لا بد منه رغم العلم بأنّه دواء مسكّن للاوجاع فقط. فحتى المرابيح التي اتاحتها بعض الاستثمارات لم توظف في داخل البلاد وهاجرت الى بلدان أخرى وابتلعتها الدورة العالمية ولم تستفد منها الدول الام وتلك حال البورجوازيات «الوطنية» فبعد ان تنمو وتكبر بخيرات البلد وبسواعد أبنائه تحلق بعيدا ولاتترك غير الفتات. فالديوان الخارجية كانت فخّا محكما وقعت فيه الدول النامية مضطرة في غالب الاحيان ومتواطئة في أحيان أخرى لأنها تعلم المخاطر والنتيجة مسبقا ولم تؤخذ على غرّة كما يعتقد الكثيرون وهكذا أصبحت الدول النامية تدور في فلك الدّول النافذة ولا تقدر على فكّ ارتباطها غير المقدّس معها وباتت كالزوّجة العرفية لا تستطيع التباهي بزواجها إلا في الخفاء. فالعملية برمّتها بفعل فاعل ومدسوسة ومضمرة كالسمّ في العسل والقليل القليل من الدول من عثر على البلسم لأنّ أغلب الدول مغلوبة على أمرها ووقعت في الفخ واصبحت تطارد الاوهام في ظل تطور غير متكافئ وتبادلات تجارية غير عادلة بين الشمال والجنوب. فالديون الخارجية فرضت على الدول النامية مسايرة الوصفات المسطّرة لها تحت سياط عدم تمكينها من ديون أخرى تبعدها عن حبل المشنقة وهكذا قبلت بسياسات تزيد اقتصادياتها تبعيّة وتشوها واغترابا عن واقعها ومسارها التاريخي والحضاري. فانعدمت الحلول لغياب التمويل وعدم كفاءة الادارة وانتشار الفساد وضعف الادخار الداخلي لضعف المدخول الذي لا يفي في الغالب بالاستهلاك اليومي، حتى الاسعار لم يعد التحكم فيها ممكنا لان الانتاج الضعيف وغير التنافسي والجودة المتدنية ساهمت في اضعاف الادخار الداخلي. وللخروج من هذا الفخ اللعين يجب الاعتماد على الذات الوطنية والرفع من مردودية الانتاج والانتاجية والتحكم في الكلفة والتقليل من الديون الخارجية الا في نطاق ضيق جدّا والاعتماد على الشّراكة مع المحيط وتبادل المنافع بشروط متكافئة تحقق رغباتنا. فسياسة الاعتماد المفرط على الديون الخارجية دون التفكير في الجدوى والمردودية من الاستثمارات ومناقشة الشروط المتبعة قد فشلت فشلا ذريعا على الاقل بالنسبة لجموع كثيرة من الناس مازالت بعيدة كل البعد عن ثمار التنمية وبحبوحة العيش الكريم. وقد انتفعت فئات بعينها من الديون الخارجية وتم ارتهان القرار الوطني لبعض البلدان دون تحقيق المرجو منها. وخلاصة القول أن الديون الخارجية كانت فخا وقعت فيه جل الدول النامية ولم تفق من النشوة الزائفة بعد، ولم تستطع الخلاص من هذا المأزق وأصبحت كالغريق المتشبث بقشة.
  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 333 مشاهدة
نشرت فى 25 سبتمبر 2010 بواسطة INGFO-EZ

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

11,039