زهيرات فادي الباكية
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تقـدَّمْ رفيـقي فإِنِّي أُنادي
وأَبكي ظِـلالَكَ في كلِّ وادِ
وأسْـأَلُ عنكَ وُجـومَ الفيافي
وأسْـأَلُ عنكَ جُحودَ الأَعـادي
وهامت على النَّاسِ أنَّاتُ قلبي
وأعمى عيوني غُبَـارُ الرمـادِ
فتلك الزهيراتُ تاقت وهامت
وأضرم جأشي جُنونُ الفـؤادِ
فهـلاَّ سمعت نـداء الزُّهـورِ ؟
تُنادي وتســألُ : هل عاد فادي؟
***
صبـاحٌ رهيبٌ ، ويومٌ عصيبْ
وكربٌ أتـانـا يجـرُّ الكروبْ
أظـلَّ الوجودَ غمـامٌ كثيفٌ
يُظلِّلُ وجـهَ الصَّباحِ القَطُوبْ
دمـارٌ هنـالكَ في كلِّ وادٍ
ونـارٌ تعالـتْ تُريـعُ القلـوبْ
ديـارٌ تهـاوتْ على أهلـها
تدكُّ الرقاب وما من هـروبْ
ومالتْ هنالكَ تلكَ الزُّهـورُ
لتبكي خيوطَ الصباحِ الكئيبْ
***
على الغصنِ مالتْ بقلبٍ حـزينٍ
وتشكو إلى الكوْنِ غدر السِّنينْ
وتلعنُ في البغي ظلمَ الليـالي
وغزوَ الغزاةِ من الحَـاقِـدينْ
وتلعنُ في الغدرِ هـذا التَّعـدِّي
وهذا التجنِّي ، وهذا الجنـونْ
فغـزَّةُ صـارت جَحـيمًا مُقِـيمًا
فخِـزْيٌ وعارٌ على الصَّامِتينْ
تغنَّتْ زهيراتُ فادي وأفضت
بسرِّ الحـياةِ ، ووحيِّ الشُّجونْ
***
وطارت طيورُ الأسى والنواحْ
إلى الأفْـقِ تشـدو أنينَ الرِّياحْ
تُغـنِّي بصـوتٍ شجيٌّ أَبِيٍّ
لشعبٍ هـوى تحت قهرِ السلاحْ
لأنَّــاتِ شعــبٍ عصـيٍّ أَبِيِّ
لِنَهْبٍ ، وِسَطْـوٍ ، وعرْضٍ يُباحْ
لطفـلٍ ولـيدٍ بأمـسٍ عَنيـدٍ
يُعاني جراحًـا تفـوقُ الجراحْ
تخبَّط يحبوا بجنحٍ الظـلامِ
وأنَّى لعينيـهِ نـورُ الصــباحْ
***
فرفقًـا عـدوَّ الحيـاةِ العـنيدْ
بقلـبٍ صغـيرٍ نضـيرٍ ولـيدْ
ورفقًـا بأنًّـاتِ أمٍ أتـاهـا
فتاها الوحـيدُ بثوبِ الشهيدْ
فضمَّـتْ دمـاهُ إلى صدرها
وناحتْ تُبكِّي عيونَ الوجودْ
إلى اللهِ باءَتْ بحزْنِ الثَّكـالى
دماءً تُخضِّبُ ثوْبَ الفقـيدْ
فسالتْ دموعُ السَّماءِ وصارتْ
نشيدًا حزينًـا بقلـبِ الخُلودْ
***
عدوَّ الحياةِ الغشومِ العنيفْ
عبثت بأقـدارِ طِفْــلٍ ضعيفْ
تغطْرسَ فيكَ جنـونُ التَّعالي
فأصبحتَ تهْوى صليلَ السُّيوفْ
وأصبحتَ تهـوى كؤوسَ المنايا
وتنهـلُ دمعَ الثكالى الذريفْ
إذا ما قدرتَ تبيدُ الرَّعـايا
وتُعمِلُ فيهم سيوف الحُتوفْ
حصدتَ الرؤوسَ ، تحديتَ كلَّ
شعوبِ الوجودِ بوجهٍ مُخيفْ
***
قَتَلْتَ الأَمانيَّ بين الصُّدورْ
قَطَفْتَ ابتساماتِ تلكَ الزُّهورْ
وأسكتَّ الأغانيَّ بينَ المروجِ
وبُحَّـتْ أغاريدُ كـلِّ الطُّيورْ
رحى الحربِ دارتْ وصارت وبالًا
وثارتْ رمالٌ ، وجُنَّتْ صُخورْ
تُبيدُ الورودَ ، وتشوي الوجوهَ
وتحرِقُ عُشْبً المروجِ النَّضيرْ
وإنِّي هنالِكَ خلفَ الجحيمِ
أُنَــادي بقلـبٍ حسيرٍ ، كسيرْ
***
وتلكَ الزُّهيراتُ باتتْ تميلْ
وتَسْـأَلُ عنـكَ جذوعَ النَّخيلْ
وتسـألُ عنك دمـوع الصَّبايا
وهـذا الأريجَ الحزينَ البليلْ
وتســألُ عنكَ قلوبَ الرَّزايا
إذا ما تغابتْ بخطـبٍ جليلْ
تَقَـدَّمْ حبيبي ، فإنَّا جميعًـا
وقفنا لطردِ العدوِّ الدَّخيلْ
تُناديكَ كلُّ القلـوبِ وإنِّي
أُنـادي حَـزينًـا بقلـبٍ عليلْ
***
أُناديكَ فــادي ، فهلاَّ أتَيتْ
فتلكَ الزُّهورُ بكَتْ ما بكَيتْ
وأفضَتْ إلى الكونِ سرَّ الشُّجونِ
دمـاراً ، ونـاراً ، وعاراً ، وموتْ
وذلاً تهــادى لقلـبِ الوجودِ
وصمتًـا يُخيِّـمُ في كلِّ بيتْ
سوادٌ يُلـوِّنُ وَجْـهَ الأَمَـاني
ظلامٌ ، ضبابٌ ، دخانٌ ، وزيتْ
وحُزنٌ تغشَّى وجوهَ الزُّهورِ
لقد ضِعْتَ فَـادي ، فماذا جَنَيْتْ؟
***
الشاعر سمير الزيات