حسن حجازي

شعر.. قصة .. ترجمة أدبية هادفة

ملًك الموت وملاك الرحمة !

قصة حسن حجازي

////////////

كعادتى بعد صلاة العصر أتأخرُ قليلاً فى المسجد الكائن على طريق مصر اسكندرية , لأتلو بعض ما تيسر من القرآن , فوجئت بمن يدخل علي ّ المسجد مسرعاً وسأل عن مكان الوضوء ثم عاد مسرعاً وغرق فى صلاة طويلة لكنهُ لم يصل إلا ركعتين فقط , ولم تنته دهشتى عند هذا الحد بل سجوده الطويل الذى أكثر فيه من الدعاء والإستغفار وكان مما سمعته بدون قصد من ذلك الرجل الغريب أنه أذنب كثيراً وعصى الله كثيراً ..كان يخون زوجته ..لا يسلم كل إيراد السيارة لصاحبها ..كان يتناول المسكرات ..المخدرات ..كان وكان ... أنتهى الرجل من صلاته القصيرة الطويلة والدمع يملأ عينيه ويجرى على وجهه الأسمر الجميل ويبلل شاربه المشذب ليصل لذقنه اللامع .. نظر ناحيتى ثم أخذ حذائه الأنيق وغادر المسجد ..وأنا فى غاية الدهشة ثم نهضت لمغادرة المسجد فإذا بى أرى نفس الرجل واقفاً أمام المسجد يصرخ فى هيستريا : -السيارة .. عزرائيل .. سأموت .. ضعت .. مال الناس ..خُربَ بيتى !! سقط مغشياً عليه .. تجمع الناس بسرعة حوله ..حملناه إلى بيتى القريب وتمكنا من إسعافه ببعض البصل والكولونيا وبمجرد أن أسترد بعضاً من وعيه قال : -السيارة ؟ مال الناس ؟ خُربَ بيتى ؟ رد أحد الحاضرين : -هون عليك ..فداك .. ما هى الحكاية ؟ قال الرجل وهو لايكاد يقوى على الكلام : - أعمل سائقاً على طريق مصر اسكندرية وكنت منتظراً دورى .. تقدم منى رجل يرتدى ثوباً أبيض.. شديدَ البياض وطلب منى أن أوصله للقاهرة بمفرده وقال أنه لا تهمه النقود ..بمجرد أن وصلنا الطريق الرئيسى بادرنى قائلاً : - أنا ملاك الموت ! جئت لأقبض روحك ! أبتسمت وقلت له : - الأعمار بيد الله ولكل أجلٍ كتاب ! وابتسمت ! وبمجرد أن أخذنا الطريق الرئيسى أشار لنا رجل ليركب معنا فنظرت تجاه الرجل فأشار بالموافقة .. ثم بعد مسافة ليست قصيرة أشار لنا رجل أخر فأومأ لى الرجل أيضاً بأخذه ..ثم بادرنى قائلاً : -أنت أمامك فقط نصف ساعة وسأقبض روحك ! فابتسمت ونظرت للرجلين وقلت فى صوت يشوبه الخوف : - مولانا بيقول أنهُ عزرائيل وجاء ليقبض روحى.. .هههههههههههههه! فرد أحدهما : - من مولانا ؟ ونظر لرفيقه وضحك وقال : - عمَن تتكلم ؟ أأنت قلت له ذلك ؟! رد الرجل: - أنا ركبت السيارة بعدك ولم أقل شيء ! ألتفت وقلت هذا الرجل الطيب الذى خلفك ! -خلفى! بسم الله الرحمن الرحيم ! خلفى لا يوجد أحد ! نظرت للرجل الثانى : - يا عم وأنت ....؟! - لكنه لم يرد , بادر الشيخ وقال: - لن يرانى سواك وسوف تمُت خلال عشر دقائق من الآن ! أسودت الدنيا أمامى ولم أدر ماذا أفعل خاطبت الرجلين : - يا ناس الراجل فى الكرس الخلفى ولابس أبيض وذقنه بيضاء وعلى رأسه لاسه بيضاء ! رد أحدهما : - يا عم أعقل! أنت شارب ولا إيه ؟! ورد الآخر : -لا يوجد احد .. خذ بالك من الطريق ! قال الشيخ فى هدوء وثقة : -لا تضيع وقتك .. سأمهلك عشر دقائق لتتوب وتستغفر الله إن الله تواب رحيم.. وهناك مسجد قريب إذهب وصل واستغفر ربك ! لم أدر ماذا أفعل أوقفتُ السيارة و أعطيته رخصة السيارة والنقود التى بحوذتى وكافة متعلقاتى ودخلت المسجد لأصلى وأستغفرُ الله ! أبتسمت وابتسم الجميع وقال أحدهم: - والساعة كم الآن ؟ نظر وقال اعطيتها لملاك الموت ... ! تحسس الرجل وجهههُ ولطم خده وهو يقول : -نصبوا عليّ ..ولاد الكلب ..حتى الساعة أخذوها ! توجهت مع السائق المسكين لأقرب قسم شرطة وحررنا محضر بالواقعة واصطحبته لمنزله وأعطيته رقم تليفونى وأخذت رقم تليفونه وعند الباب عندما قام لتوديعى همست له : -عندك زوجة اجمل من القمر وتلعب بذيلك ! يا راجل أتق الله ! رد وهو يجذبنى برفق خارج الباب : - إنَ الله حليم ستار ! شكراً على المعروف الذى طوقتنى به وربنا يقدرنا على رد جميلك ! ****** لم تمض سوى أيام قليلة عندما اتصلت بأخينا المسكين وعلمت أن النصابين أرسلوا له بطاقته وكافة اوراقه بالبريد فى طرد بالبريد السريع وقالوا له تعيش وتأخذ غيرها ! قامت الزوجة ببيع مصاغها وأرض كانت قد ورثتها وسددوا ثمن السيارة لصاحبها الى أشترى سيارة أخرى و رفض الإستغناء عن السائق وكتموا الخبر وعاد السائق على نفس الطريق السريع لعمله المعتاد . علمت فيما بعد أن صاحب السيارة عندما أستقل سيارته ,بدلاً من السائق المسكين لظرف طارىء جعله يتغيب عن عمله , جاءه ملك الموت وطلب منه مشوار خاص وأنه على استعداد لدفع ما يريد ولم يمانع صاحب السيارة واستقل الشيخ الأبيض المقعد الأخير وقال أنه عزرائيل وانه أمامه نصف ساعة و....و...! وتم نفس السيناريو السابق يركب احدهم ثم آخر ثم ثالث ولايستطع أن يرى الشيخ سوى السائق , حسب الإتفاق المبرم بينهم , الذى استجاب لكل ما قاله الشيخ وبدلاً من التوجه لأقرب مسجد ليتوب إلى الله توجه لنفس قسم الشرطة الذى حرر فيه صاحبنا بلاغه السابق وبسرعة تعرف عليه ضابط الشرطة وبقية عصابة سرقة السيارات المسجلين خطر والمطلوبين لأحكام عديدة بالنصب والتزوير وسرقة السيارات وكانت هناك نشرة موزعة فى كافة أقسام الشرطة لضبطهم و سرعة القبض عليهم ! عادت السيارة المسروقة لصاحبها وأصبح للسائق المسكين سيارة خاصة به وأثناء عودته أتصل به أحد أصدقائه القدامى يطلب منه عدم التخلف عن السهرة المعتادة .. وأنه جهز كل شيء حتى أن صديقته إياها تسأل عنه لقضاء سهرة حمراء معها وتطلب رقم تليفونه الجديد .. قال فى حزم : - قل لها باع التليفون ! قل لها مات ! يحب زوجته ! و اليوم لديه موعد مع ملاك الرحمة .. يدرى أنه قريب.. الليلة ..فالليلة ليلة الجمعة ! ..أما الموعد الآخر لا يدرِ هل هو قريب أم بعيد ؟ ..لا يستطع أن يخلفه . . حتماً سيأتى لا مفر منه .. قُرب أم بعد ... موعد مع ملك الموت !

 

///////////////////

المصدر: من إبداعي القصصي
  • Currently 425/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
141 تصويتات / 521 مشاهدة
نشرت فى 10 أغسطس 2011 بواسطة Hassanhegazy

ساحة النقاش

حسن حجازي حسن

Hassanhegazy
حسن حجازي شاعر ومترجم مصري »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

88,992