نابليون بونابرت والحملة الفرنسية علي مصر

تعد الحملة الفرنسية علي مصر بقيادة نابليون بونابرت من ابرز احداث تاريخ مصر الحديث , بل تعد بداية التاريخ الحديث لمصر, وهذه نبذة مختصرة عن قائد الحملة والحملة علي مصر واهم نتائجها : 

مولدة ونبذة تاريخية عن حياته :

نابليون بونابرت (Napoléon Bonaparte), إمبراطور فرنسا وصاحب الانتصارات المتعددة وأعظم عبقرية عسكرية عرفها التاريخ , ولد في 15أغسطس 1769م, في جزيرة كورسيكا التي كانت فرنسا قد استولت عليها قبل ولادته بخمسة عشر شهراً , وتلقى تعليمه وتدريبه العسكري في فرنسا , تخرج وهو في السادسة عشرة من عمره عام 1785 م برتبة ملازم ثان في الجيش الفرنسي.

وفي سنة 1796 م أصبح قائداً للجيش الفرنسي في ايطاليا , وبفضل انتصاراته في الجبهة الايطالية بين الأعوام 1796 - 1797 م , عاد إلى فرنسا بطلاً وطنياً , في سنة 1798قام بحملته الشهيرة على مصر ومن ثم على فلسطين التي كانت نهايتها الفشل الذريع لنابليون وجيشه , بعد مغادرة نابليون مصر في أعقاب فشله باحتلال عكا) 1799) عاد إلى فرنسا ليشارك في انقلاب عسكري كانت نتيجته قيام حكومة جديدة وتعيين نابليون القنصل الأول لفرنسا وسرعان ما أصبح حاكماً دكتاتورياً بفرنسا , وأثناء حكمه لفرنسا ادخل اصلاحات جوهرية , وخاصة في النظام الإداري والتشريعي واهتم كذلك بإصلاح النظام المالي والقضائي , وانشأ بنك فرنسا ,ولعل أهم أعماله ماعرف بـ (دستور نابليون) عرف عن نابليون قصر قامته وعشقه للنساء وفشله بحياته الزوجية وذكائه النادر , أحرز بفضل نبوغه وعبقريته انتصارات باهرة في ميادين القتال والمعارك , كما عرف عنه بأنه لم يكن يشرع في رسم أي خطة حربية إلا وهو يمص أقراص السوس , كما كان خطه في الكتابة رديئاً جداً , حتى أن البعض ظن أن رسائله رموز أو خرائط حربية , وقال عنه المقربون منه انه كان غريب الأطوار , وكان نابليون قائداً بارعاً للمدفعية , ووطنياً متطرفاً جاءت فرصته بشكل خاص في سنة 1793 عندما حاصر الفرنسيون مدينة تولون واستردوها من البريطانيين , وأصبحت انتصاراته فيما بعد كبيرة إذ حكم أوروبا بأسرها تقريباً , وأرسل نابليون إلى مصر بهدف القضاء على تجارة انجلترا مع الهند, لكن حملته انتهت بالفشل أمام الأسطول الانجليزي فعاد إلى فرنسا وأعلن نفسه مستشاراً ثم لقب بالإمبراطور ودخل الحرب عام 1805 ثانية ضد أعظم ثلاث قوى وهي بريطانيا والنمسا وروسيا , فنجح في دحر النمسا وروسيا في استرلتين ثم هزم بروسيا عام 1806 , وتحدت روسيا حلف نابليون فهاجمها عام 1812 متغلباً على الجيش الروسي ولكنه عندما دخل موسكو كان أهلها قد دمروها وكان جيشه جائعاً تعباً من برد الشتاء في روسيا , وتبين أن عدد جنوده القتلى هناك حوالي 25 الفاً ,‏

وكانت معركة واترلو التي وقعت عام 1815 قرب بروكسل آخر المعارك الخاصة بالقائد الفرنسي نابليون بونابرت , وقد وضعت هذه المعركة حداً لطموحاته السياسية التي كانت تهدف إلى حكم أوروبا , وكانت هزيمته ساحقة وبعد تنازل نابليون عن منصبه , نفي إلى جزيرة إلبا قبالة ساحل ايطاليا ,‏

وامضي هناك اقل من سنة قبل أن يقرر العودة لحكم فرنسا لأنه وجد أن الحلفاء في مؤتمر فيينا كانوا غير قادرين على تسوية خلافاتهم , وكان يأمل في أن يستغل هذا الشقاق لاستعادة السلطة ولكن الحلفاء تكاتفوا ضده وسار نابليون إلى بلجيكا ليواجه ذلك التهديد , وتولى دوق ولنجتون قيادة القوات المتحالفة لبلجيكا وبريطانيا وهانوفر وهولندا وتلقت القوات الفرنسية هزيمة ساحقة وبعد الهزيمة فشل نابليون في تجميع جيش جديد , ولم يكن أمامه من خيار سوى التنحي عن منصبه مرة ثانية , وبعدها نفي إلي جزيرة (سانت هيلانه) في المحيط الهندي بعد تجاهل بريطانيا لطلبه باللجوء السياسي أو كأسير حرب, ومات بها عام 1821م .

الحملة الفرنسية على مصر

أعد نابليون وحكومة الإدارة الفرنسية حملة على مصر في عام 1798م وكانت الحملة مكونة من 30 ألف محارب.. وفى يوم 19 مايو 1798 اقلع أسطول فرنسي كبير مكون من 40 سفينة تقودهم سفينة القائد (اوريليان) والتي تعني الشرق, من ميناء طولون، وبلغ الإنجليز أخبار مغادرة نابليون فرنسا وعهدوا إلى نيلسون باقتفاء أثره وتدمير أسطوله، فقصد إلى مالطة ولكنه وجد أن أسطول نابليون غادرها نحو الشرق منذ خمسة أيام، فرجح أنها تقصد مصر واتجه إلى الإسكندرية وبلغها يوم 28 يونيو 1798 فلم يعثر هناك للفرنسيين على أثر وحذر المصريين. وقد وصل الأسطول الفرنسي غرب الإسكندرية عند أبو قير في أول يوليو 1798، وبادر بإنزال قواته ليلاً على البر ثم سير جيشاً إلى الإسكندرية.

أنزلت المراكب الحربية الفرنسية الجيش الفرنسي في 1798 في الإسكندرية ,ووجّه نابليون في اليوم ذاته نداءً إلى الشعب المصري، وأصدرت الحملة نداء إلى الشعب بالهدوء والتعاون وأن نابليون قد أعتنق الإسلام وأصبح صديق وحامي الإسلام.

استولى نابليون على أغنى إقليم في الإمبراطورية العثمانية، وطبقاً للبروباجندا الحربية أدعى أنه "صديقاً للسلطان العثماني" وأدعى أيضا أنه قدم إلى مصر "للاقتصاص من المماليك" لا غير، باعتبارهم أعداء السلطان، وأعداء الشعب المصري وهذه رسالة نابليون بونابرت الذي دعاه المؤرخين المسلمين الجنرال علي إلى شعب مصر:


"بسم الله الرحمن الرحيم، لا اله الا الله وحده ولا شريك له في ملكه...

ايها المشايخ والأئمة...قولوا لأمتكم ان الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون وإثبات ذلك انهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام ، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون ان الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني ..أدام الله ملكه...أدام الله إجلال السلطان العثماني أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي
لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة المصرية" .

وظل محمد كريم يقاوم تقدم الجيش الفرنسي في الإسكندرية وظل يتقهقر ثم اعتصم بقلعة قايتباى ومعه مجموعة من المقاتلين، وأخيراً أستسلم وكف عن القتال، ولم يكن بد من التسليم ودخل نابليون المدينة، وأعلن بها الأمان. وفى 6 سبتمبر 1798 اصدر نابليون بونابرت أمرا بتنفيذ عقوبة الاعدام في السيد محمد كريم "بميدان الرميلة" في القاهرة.

أصبح نابليون بونابرت حاكما مسلما اسمه "بونابردي باشا"، وكان يطلق عليه المسلمين أسم علي نابليون بونابرت، وكان يتجوّل وهو مرتدي الملابس الشرقية والعمامة والجلباب. وكان يتردد إلى المسجد في أيام الجمعة ويسهم بالشعائر الدينية التقليدية بالصلاة، وكوّن نابليون ديواناً استشارياً مؤلفاً من المشايخ والعلماء المسلمين مكونا من11عالما ويرأسه الشيخ عبد الله الشرقاوي.

إلا أن أغرب الوثائق هي وصيته لكليبر التي يقول فيها‏:‏ إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم‏.‏

ووثيقة أخرى شديدة الإثارة عن حلم نابليون بحفر قناة السويس وعدم إضاعة قطرة واحدة من ماء النيل إذا قيد له أن يحكم مصر طويلا‏,‏ وأن يجعل من مصر قاعدة لإمبراطورية هائلة شرق السويس تمتد حتى إيران وأفغانستان‏، فأنا لست أقل من الإسكندر الأكبر‏.‏ رغم حزني الشديد لأن الإسكندر غزا مصر في سن السادسة والعشرين بينما أنا في الثامنة والعشرين.

وهناك وثيقة أخرى رقم‏3618‏ بتاريخ‏4‏ نوفمبر‏1798‏ يوقع فيها بونابرت علي قرار عسكري بأن تدفع فرنسا رواتب شيوخ الديوان‏,‏ وهم الشيخ إسماعيل البراوي والشيخ يوسف الموصلي والشيخ عبد الوهاب الشبراوي والشيخ سليمان الجوسقي والشيخ أحمد الشرقاوي‏.‏ ويبدو أن هؤلاء لم يكونوا قد انضموا إلي علماء الديوان في تكوينه الأول‏.‏

وهناك أوامر عسكرية في سطور قليلة تكشف عن كيفية إدارة شئون الجيش الفرنسي في مصر‏.‏ وتكشف الوثائق عن وجود مراسلات بين المعلم يعقوب قائد كتيبة الأقباط وجرجس الجوهري أحد أعيان أقباط مصر‏,‏ وهي خطيرة لأنها تكشف عن مخططات واسعة المدى للفصل بين أقباط مصر ومسلميها‏(‏ الرسالة رقم‏3872‏ بتاريخ‏7‏ ديسمبر‏1798).‏ ثم هناك رسالة تهنئة بتاريخ‏26‏ فبراير‏1799‏ تحت رقم‏4262‏ للجنرال مينو علي قيامه بإلقاء خطبة الجمعة كمسلم في مسجد غزة في أثناء الحملة علي الشام‏,‏ ويقول له‏:‏ إن أفضل الطرق للحفاظ علي السلم في مصر هو تبني عقيدة الإسلام أو علي الأقل عدم معاداتها واجتذاب ود شيوخ الإسلام ليس فقط في مصر بل في سائر العالم الإسلامي‏.‏

وتكشف وثائق أخرى عن توصيف دقيق بقلم نابليون نفسه لبعض المعارك الحربية مثل معركة الرحمانية‏(‏ رقم‏4626‏ بتاريخ‏20‏ يوليو‏1799),‏ وأخرى في اليوم التالي‏,‏ ثم أخرى لأهالي القاهرة للتأكد من حيادهم في حربه ضد مسلمي الشام‏.‏

ثم عشرات الرسائل والأوامر بإعدام المجرمين وقطاع الطرق في القاهرة‏,‏ وأيضا إعدام جنود فرنسيين ثبت إجرامهم في حق الأهالي‏.‏

علي أن أشد هذه الوثائق إثارة هي الوثائق الأخيرة التي وقعها قبل رحيله عن مصر‏,‏ ومنها وصيته للجنرال كليبر رقم‏4758‏ بتاريخ‏22‏ أغسطس‏1799‏ ثم وثائق أخرى تثبت أنه كان ينوي بعد عودته إلي فرنسا إرسال تعزيزات وجيش جديد لمصر‏,‏ لكن استسلام مينو في الإسكندرية في يوليو‏1801‏ قضي نهائيا علي حلمه‏.‏ من أقوال نابليون حول مصر:

1. في مصر لو حكمت لن أضيع قطرة واحدة من النيل في البحر‏,‏ وسأقيم أكبر مزارع ومصانع أطلق بها إمبراطورية هائلة‏,‏ ولقمت بتوحيد الإسلام والمسلمين تحت راية الإمبراطورية ويسود العالم السلام الفرنسي‏.‏

2. في مصر قضيت أجمل السنوات‏,‏ ففي أوروبا الغيوم لا تجعلك تفكر في المشاريع التي تغير التاريخ‏,‏ أما في مصر فإن الذي يحكم بإمكانه أن يغير التاريخ‏.‏

3. لو لم أكن حاكما علي مصر لما أصبحت إمبراطورا علي فرنسا‏.‏

4. الرسول محمد ،‏ بني إمبراطورية من لا شيء‏..‏ من شعب جاهل بني أمة واسعة..‏ من الصحاري القفر بني أعظم أمبراطورية في التاريخ‏.‏ (الصورة المقابلة : نابليون بونابرت يحتفل هو وقواد جيشة بإحتفال المولد النبوى )

5. الإسلام كالمسيحية تفسدهما السياسة ويلعب القائمون عليهما بالنار إذا تخطوا حدود أماكن العبادة لأنهم يتركون مملكة الله ويدخلون مملكة الشيطان‏.‏

6. حلمي تجسد في الشرق بينما كاد يتحول إلي كابوس في الغرب‏.‏

آثار الحملة الفرنسية على مصر

1- كتاب وصف مصر :

رافقت الحملة الفرنسية مجموعة من العلماء في شتى مجال العلم في وقتها أكثر من 150 عالما واكثر من 2000 متخصص من خيرة الفنانين والرسامين والتقنيين الذي رافقوا القائد الفرنسي نابليون بونابرت في مصر خلال اعوام 1798/ 1801. من كيميائيين وأطباء وفلكيين إلى آخرة ، وكانت نتيجة لمجهودهم هو كتاب وصف مصر وهو عبارة عن المجموعة الموثقة تضم 11 مجلداً من الصور واللوحات مملوكة لمكتبة الاسكندرية و9 مجلدات من النصوص من بينها مجلد خاص بالأطالس والخرائط اسهم بها المجمع العلمي المصري

وقام هؤلاء العلماء بعمل مجهد غطى جميع أرض مصر من شمالها إلى جنوبها خلال سنوات تواجدهم وقاموا برصد وتسجيل كل أمور الحياة في مصر انذاك وكل مايتعلق بالحضارة المصرية القديمة ليخرجوا إلى العالم 20 جزءا لكتاب وصف مصر وتميز الكتاب بصور ولوحات شديدة الدقة والتفاصيل . ويعتبر هذا الكتاب ألان أكبر وأشمل موسوعة للأراضي والآثار المصرية كونها أكبر مخطوطة يدوية مكتوبة ومرسومة برسوم توضيحية قتميزت بالدراسة العميقة الدارسين والاكاديميين الذين رافقوا نابليون فيما نشر الكتاب بين عامي 1809/1829. كما تشتمل هذه المجموعة على صور ولوحات لأوجه نشاط المصري القديم للآثار المصرية وأيام الحملة نفسها التاريخ الطبيعي المصري بالإضافة إلى توثيق كل مظاهر الحياه والكنوز التاريخية والفنية والدينية المصرية وتسجيل جميع جوانب الحياة النباتية والحيوانية والثروة المعدنية آنذاك.

وقد أصدرت مكتبة الإسكندرية (نسخة رقمية) من هذا الكتاب (وصف مصر) على أقراص مضغوطة.

2- فكرة حفر قناة السويس :

حيث اقترح علماء الحملة توصيل البحرين الأحمر والمتوسط فيما يعرف الآن باسم "قناة السويس", ولكن الفكرة لم تنفذ وذلك بسبب اعتقاد خاطئ بان البحر الأحمر أعلي في المستوي من البحر المتوسط .

3- خريطة القطر المصري :

حيث قامت الحملة برسم أول خريطة دقيقة للقطر المصري .

4- فك رموز حجر رشيد :

حيث استطاع شامبليون فك رموز حجر رشيد واكتشاف أسرار اللغة المصرية القديمة, وقد ساعد فك رموز اللغات المصرية القديمة (الهيروغليفية – الهيراطيقية - الديموطيقية) من معرفة اسرار الحضارة الفرعونية .

 

 

HaresAmmar

د/حارص عمار ـ دكتوراة في المناهج وتكنولوجيا التعليم

  • Currently 37/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 1919 مشاهدة
نشرت فى 4 مايو 2011 بواسطة HaresAmmar

ساحة النقاش

د/حارص عمار

HaresAmmar
هذا الموقع متخصص في المقالات العلمية ورسائل الماجستير والدكتوراة عامة والتربوية خاصة، كما يهتم هذا الموقع بكل ما يتعلق بمناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية وكيفية استخدام التكنولوجيا المتطورة مثل الانترنت والوسائط الفائقة والنظم الخبيرة الكمبيوترية والتراث العربي مثل الامثال العامية في تطوير الجوانب والاهداف المختلفة للدراسات الاجتماعية، وقد تم إضاقة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

662,017