ثم جاء بعد ذلك طبقة أخرى، من مشاهيرهم:
1- أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعَافِري: من مصر، وأصله من البصرة، وله كتاب في "أنساب حِمْير وملوكها" وكتاب في "شرح ما وقع في أشعار السيرة من الغريب" وله الكتاب الذي اشتهر به "السيرة" وهو مختصر لسيرة ابن إسحاق، مع بعض الزيادات، أو التعقبات والتصحيحات، ولئن كانت سيرة ابن إسحاق لم تصلنا بعينها فقد وصلتنا مهذبة على يد ابن هشام.
وقد تلقَّاها عن زياد بن عبد الله البكَّائي(1) (المتوفى سنة 182) عن ابن إسحاق وقد بين ابن هشام في المقدمة منهجه حيال سيرة ابن إسحاق فقال : "وأنا - إن شاء الله - مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم، ومن ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولده، وأولادهم لأصلابهم: الأول فالأول من إسماعيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يعرض من حديثهم، وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل-على هذه الجهة-للاختصار، إلى حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق مما ليس لرسول الله فيه ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سبباً لشيء من هذا الكتاب، ولا تفسيراً له، ولا شاهداً عليه-لما ذكرت من الاختصار-، وأشعاراً ذكرها لم أر أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعضه لم يقر لنا البكائي بروايته، ومستقصٍ- إن شاء الله تعالى - ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به".
من أجل هذا نُسِيَ ابن إسحاق، وذُكر ابن هشام، فلم يعد يذكر هذا الكتاب في السيرة إلا مقروناً باسم ابن هشام، لا يكاد يذكر ابن إسحاق إلى جانبه، وهذا بالنسبة للمتأخرين، أما المتقدمون فلا يذكرون إلا ابن إسحاق، وكانت وفاة ابن هشام سنة ثماني عشرة ومائتين.
وقد شرح هذه السيرة شرحاً يدل على تبحُّر في العلم، وتضلُّع في علم اللغة والأدب والأخبار، الإمامُ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي، المولود سنة ثمان وخمسمائة والمتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، في كتابه القيم "الروض الأُنُف" وكان - رحمه الله - إلى جانب علمه معروفاً بالصلاح، والتقوى، والورع.
3- محمد بن سعد تلميذ الواقدي وكاتبه: يدوَّن له كتبه وأخباره، ومن أجل هذا لقب "بكاتب الواقدي" ولد بالبصرة سنة ثمان وستين ومائة، وآباؤه موال للحسن بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس، وأجلُّ كتبه "الطبقات الكبير" في ثمانية أجزاء، وقد خصَّص الجزء الأول والثاني من كتابه.
________________________________
(1)هو أبو محمد زياد بن عبد الله البكائي شيخ ابن هشام، روى عنه البخاري في كتاب الجهاد، وخرَّج له مسلم في مواضع من كتابه، وكفى بهما مزكِّيَيْن، وموثقين.
لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه، وخصَّص الأجزاء الستة الأخرى لأخبار الصحابة والتابعين مرتباً لهم على حسب الأمصار، ثم رتَّب علماء كل مصر حسب شهرتهم وزمنهم، وقد حظي ابن سعد بثناء بعض المحدِّثين، قال فيه الخطيب البغدادي : "محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرَّى في كثير من رواياته" وهو أحد شيوخ المؤرخ الكبير البلاذري، وتوفي ببغداد سنة ثلاثين ومائتين.
وممن عرف في التأليف في المغازي من طبقة تلي هؤلاء :
سعد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن أبي أُحيحة، أبو عثمان البغدادي: ثقة ربما أخطأ، من العاشرة، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. وقد قال الحافظ الذهبي في ترجمة أبيه يحيى بن سعيد بن أبان : "المحدِّث الثقة، وحدَّث عنه ابنه سعيد بن يحيى صاحب المغازي، وأحمد بن حنبل" وكانت وفاته سنة تسع وأربعين ومائتين.
إن السيرة النبوية - على صاحبها الصلاة والسلام - عبارة في الحقيقة عن الرسالة التي حملها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشري، وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة اللَّه. وإذن فلا يمكن إحضار صورتها الرائعة بتمامها إلا بعد المقارنة بين خلفيات هذه الرسالة وآثارها. ونظراً إلى ذلك نقدم فصلاً عن أقوام العرب وتطوراتها قبل الإِسلام، وعن الظروف التي بعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم .
العرب لغة الصحاري والقفار، والأرض المجدبة التي لا ماء فيها ولا نبات. وقد أطلق هذا اللفظ منذ أقدم العصور على جزيرة العرب.
كما أطلق على قوم قطنوا تلك الأرض، واتخذوها موطناً لهم.
وجزيرة العرب يحدها غرباً البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء، وشرقاً الخليج العربي وجزء كبير من بلاد العراق الجنوبية، وجنوباً بحر العرب الذي هو امتداد لبحر الهند، وشمالاً بلاد الشام وجزء من بلاد العراق على اختلاف في بعض هذه الحدود، وتقدر مساحتها ما بين مليون ميل مربع إلى مليون وثلاثمائة ألف ميل مربع.
والجزيرة لها أهمية بالغة من حيث موقعها الطبيعي والجغرافي، فأما باعتبار وضعها الداخلي فهي محاطة بالصحاري والرمال من كل جانب، ومن أجل هذا الوضع صارت الجزيرة حصناً منيعاً لا يسمح للأجانب أن يحتلوها ويبسطوا عليها سيطرتهم ونفوذهم. ولذلك نرى سكان الجزيرة أحراراً في جميع الشؤون منذ أقدم العصور، مع أنهم كانوا مجاورين لإِمبراطوريتين عظيمتين لم يكونوا يستطيعون دفع هجماتهما لولا هذا السد المنيع.
وأما بالنسبة إلى الخارج فإنها تقع بين القارات المعروفة في العالم القديم. وتلتقي بها براً وبحراً. فإن ناحيتها الشمالية الغربية باب للدخول في قارة أفريقية، وناحيتها الشمالية الشرقية مفتاح لقارة أوروبا، والناحية الشرقية تفتح أبواب العجم والشرق الأوسط والأدنى، وتفضي إلى الهند والصين، وكذلك تلتقي كل قارة بالجزيرة بحراً، وترسي سفنها وبواخرها على ميناء الجزيرة رأساً.
ولأجل هذا الوضع الجغرافي كان شمال الجزيرة وجنوبها مهبطاً للأمم ومركزاً لتبادل التجارة، والثقافة، والديانة، والفنون.
وأما أقوام العرب فقد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام بحسب السلالات التي ينحدرون منها:
1. العرب البائدة: وهم العرب القدامى الذين لم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل عاد وثمود وطسم وجديس وعملاق وسواها.
2. العرب العاربة: وهم العرب المنحدرة من صلب يعرب بن يشجب بن قحطان، وتسمى بالعرب القحطانية.
3. العرب المستعربة: وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل، وتسمى بالعرب العدنانية.
أما العرب العاربة - وهي شعب قحطان - فمهدها بلاد اليمن، وقد تشعبت قبائلها وبطونها فاشتهرت منها قبيلتان:
1. حمير، وأشهر بطونها زيد الجمهور، وقضاعة، والسكاسك.
2. كهلان، وأشهر بطونها همدان، وأنمار، وطيء، ومذحج، وكندة، ولخم، وجذام، والأزد، والأوس، والخزرج، وأولاد جفنة ملوك الشام.
وهاجرت بطون كهلان عن اليمن، وانتشرت في أنحاء الجزيرة، وكانت هجرة معظمهم قبيل سيل العرم حين فشلت تجارتهم لضغط الرومان وسيطرتهم على طريق التجارة البحرية، وإفسادهم طريق البر بعد احتلالهم بلاد مصر والشام.
ولا غرو فقد كانت منافسة بين بطون كهلان وبطون حمير أدت إلى جلاء كهلان، ويشير إلى ذلك بقاء حمير مع جلاء كهلان.
ويمكن تقسيم المهاجرين من بطون كهلان إلى أربعة أقسام:
1. الأزد: وكانت هجرتهم على رأي سيدهم وكبيرهم عمران بن عمرو مزيقباء فساروا يتنقلون في بلاد اليمن ويرسلون الرواد، ثم ساروا بعد ذلك إلى الشمال وهاك تفصيل الأماكن التي سكنوا فيها بعد الرحلة نهائياً:
عطف ثعلبة بن عمرو من الأزد نحو الحجاز، فأقام بين الثعلبية وذي قار، ولما كبر ولده وقوي ركنه سار نحو المدينة، فأقام بها واستوطنها. ومن أبناء ثعلبة هذا الأوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة.
وانتقل منهم حارثة بن عمرو - وهو خزاعة - وبنوه في ربوع الحجاز، حتى نزلوا بمر الظهران، ثم افتتحوا الحرم فقطنوا مكة وأجلوا سكانها الجراهمة.
ونزل عمران بن عمرو في عمان، واستوطنها هو وبنوه، وهم أزد عمان، وأقامت قبائل لفر بن الأزد بتهامة، وهم أزد شنوءة.
وسار جفنة بن عمرو إلى الشام فأقام بها هو وبنوه، وهو أبو الملوك الغساسنة. نسبة إلى ماء في الحجاز يعرف بغسان كانوا قد نزلوا بها أولاً قبل تنقلهم إلى الشام.
2. لخم وجذام: وكان في اللخميين نصر بن ربيعة أبو الملوك المناذرة بالحيرة.
3. بنو طيء: ساروا بعد مسير الأزد نحو الشمال حتى نزلوا بالجبلين أجا وسلمى، وأقاموا هناك، حتى عرف الجبلان بجبلي طيء.
4. كندة: نزلوا بالبحرين، ثم اضطروا إلى مغادرتها فنزلوا بحضرموت، ولاقوا هناك ما لاقوا بالبحرين، ثم نزلوا نجداً، وكونوا هناك حكومة كبيرة الشأن ولكنها سرعان ما فنيت وذهبت آثارها.
وهناك قبيلة من حمير مع اختلاف في نسبتها إليه - وهي قضاعة - هجرت اليمن واستوطنت بادية السماوة من مشارف العراق.
وأما العرب المستعربة فأصل جدهم الأعلى - وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام - من بلاد العراق، من بلدة يقال لها أر على الشاطىء الغربي من نهر الفرات، بالقرب من الكوفة، وقد جاءت الحفريات والتنقيبات بتفاصيل واسعة عن هذه البلدة وعن أسرة إبراهيم عليه السلام، وعن الأحوال الدينية والاجتماعية في تلك البلاد.
ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هاجر منها إلى حاران أو حران، ومنها إلى فلسطين، فاتخذها قاعدة لدعوته، وكانت له جولات في أرجاء هذه البلاد وغيرها وقدم مرة إلى مصر، وقد حاول فرعون مصر كيداً وسوءاً بزوجته سارة ولكن اللَّه ردّ كيده في نحره، وعرف فرعون ما لسارة من الصلة القوية باللَّه، حتى أخدمها ابنته هاجر، اعترافاً بفضلها، وزوج سارة إبراهيم.
ورجع إبراهيم إلى فلسطين، ورزقه اللَّه من هاجر إسماعيل، وغارت سارة حتى ألجأت إبراهيم إلى نفي هاجر مع ولدها الصغير - إسماعيل - فقدم بهما إلى الحجاز، وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيت اللَّه المحرم الذي لم يكن إذ ذاك إلا مرتفعاً من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فوضعهما عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء فوضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ورجع إلى فلسطين، ولم تمض أيامٍ حتى نفد الزاد والماء، وهناك تفجرت بئر زمزم بفضل اللَّه، فصارت قوتاً لهما وبلاغاً إلى حين، والقصة معروفة بطولها.
وجاءت قبيلة يمانية - وهي جرهم الثانية - فقطنت مكة بإذن من أم إسماعيل يقال إنهم كانوا قبل ذلك في الأودية التي بأطراف مكة. وقد صرحت رواية البخاري أنهم نزلوا مكة بعد إسماعيل، وقبل أن يشب، وأنهم كانوا يمرون بهذا الوادي قبل ذلك.
وقد كان إبراهيم يرحل إلى مكة بين آونة وأخرى ليطالع تركته، ولا يعلم كم كانت هذه الرحلات، إلا أن المصادر التاريخية حفظت أربعة منها.
فقد ذكر اللَّه تعالى في القرآن أنه أري إبراهيم في المنام أنه يذبح إسماعيل. فقام بامتثال هذا الأمر {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 103-107].
وقد ذكر في سفر التكوين أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، وسياق القصة يدل على أنها وقعت قبل ميلاد إسحاق، لأن البشارة بإسحاق ذكرت بعد سرد القصة بتمامها.
وهذه القصة تتضمن رحلة واحدة - على الأقل - قبل أن يشب إسماعيل، أما الرحلات الثلاث الأخر فقد رواها البخاري بطولها عن ابن عباس مرفوعاً. وملخصها أن إسماعيل لما شب وتعلم العربية من جرهم، وأنفسهم وأعجبهم زوجوه امرأة منهم، وماتت أمه، وبدا لإِبراهيم أن يطالع تركته فجاء بعد هذا التزوج، فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، فشكت إليه ضيق العيش فأوصاه أن تقول لإِسماعيل أن يغير عتبة بابه، وفهم إسماعيل ما أراد أبوه، فطلق امرأته تلك وتزوج امرأة أخرى، وهي ابنة مضاض بن عمرو، كبير جرهم وسيدهم.
وجاء إبراهيم مرة أخرى بعد هذا التزوج الثاني فلم يجد إسماعيل فرجع إلى فلسطين بعد أن سأل زوجته عنه وعن أحوالهما فأثنت على اللَّه، فأوصى إلى إسماعيل أن يثبت عتبة بابه.
وجاء مرة ثالثة فلقي إسماعيل وهو يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم فلما رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، وكان لقاؤهما بعد فترة طويلة من الزمن، قلما يصير فيها الأب الكبير الأواه العطوف عن ولده، والولد البار الصالح الرشيد عن أبيه وفي هذه المرة بنيا الكعبة، ورفعا قواعدها، وأذن إبراهيم في الناس بالحج كما أمره اللَّه.
وقد رزق اللَّه إسماعيل من ابنة مضاض اثني عشر ولداً ذكراً وهم نابت أو بنالوط، قيدار، وأدبائيل، ومبشام، ومشماع، ودوما، وميشا، وحدد، ويتما، ويطور، ونفيس، وقيدمان، وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشر قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة، وكانت جل معيشتهم التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها. ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان، إلا أولاد نابت وقيدار.
وقد ازدهرت حضارة الأنباط في شمال الحجاز، وكونوا حكومة قوية دان لها من بأطرافها، واتخذوا البطراء عاصمة لهم، ولم يكن يستطيع مناوأتهم أحد حتى جاء الرومان فقضوا عليهم، وقد رجح السيد سليمان الندوي بعد البحث الأنيق والتحقيق الدقيق أن ملوك آل غسان وكذا الأنصار من الأوس والخزرج لم يكونوا من آل قحطان، وإنما كانوا من آل نابت بن إسماعيل، وبقاياهم في تلك الديار.
وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده معد، ومنه حفظت العرب العدنانية أنسابها. وعدنان هو الجد الحادي والعشرون في سلسلة النسب النبوي، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول كذب النسابون، فلا يتجاوزه. وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان، مضعفين الحديث المشار إليه، وقالوا إن بين عدنان وبين إبراهيم عليه السلام أربعين أبا بالتحقيق الدقيق.
وقد تفرقت بطون معد من ولده نزار - قيل لم يكن لمعد ولد غيره - فكان لنزار أربعة أولاد، تشعبت منهم أربعة قبائل عظيمة إياد وأنمار وربيعة ومضر، وهذان الأخيران هما اللذان كثرت بطونهما واتسعت أفخاذهما، فكان من ربيعة أسد بن ربيعة، وعنزة، وعبد القيس، وابنا وائل - بكر، وتغلب - وحنيفة وغيرها.
وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين قيس عيلان بن مضر، وبطون إلياس ابن مضر. فمن قيس عيلان بنو سليم، وبنو هوازن، وبنو غطفان، ومن غطفان عبس وذبيان، وأشجع وغنى بن أعصر.
ومن إلياس بن مضر تميم بن مرة بن وهذيل بن مدركة، وبنو أسد بن خزيمة وبطون كنانة بن خزيمة، ومن كنانة قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، من أشهرها جمح وسهم وعدي، ومخزوم وتيم، وزهرة، وبطون قصي بن كلاب، وهي عبد الدار بن قصي، وأسد بن عبد العزى ابن قصي، وعبد مناف بن قصي.
وكان من عبد مناف أربع فصائل عبد شمس، ونوفل، والمطلب، وهاشم وبيت هاشم هو الذي اصطفى اللَّه منه سيدنا محمد بن عبد اللَّه بن المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم .
قال صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "إن اللَّه خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً".
ولما تكاثر أولاد عدنان تفرقوا في أنحاء شتى من بلاد العرب متتبعين مواقع القطر ومنابت العشب.
فهاجرت عبد القيس، وبطون من بكر بن وائل، وبطون من تميم إلى البحرين فأقاموا بها.
وخرجت بنو حنيفة بن صعب بن علي بن بكر إلى اليمامة فنزلوا بحجر، قصبة اليمامة. وأقامت سائر بكر، بن وائل في طول الأرض من اليمامة إلى البحرين إلى سيف كاظمة إلى البحر، فأطراف سواد العراق فالأبلة فهيت.
وأقامت تغلب بالجزيرة الفراتية، ومنها بطون كانت تساكن بكراً. وسكنت بنو تميم ببادية البصرة.
وأقامت بنو سليم بالقرب من المدينة، من وادي القرى إلى خيبر إلى شرقي المدينة إلى حد الجبلين، إلى ما ينتهي إلى الجرة.
وسكنت ثقيف بالطائف، وهوازن في شرقي مكة بنواحي أوطاس، وهي على الجادة بين مكة والبصرة.
وسكنت بنو أسد شرقي تيماء وغربي الكوفة، بينهم وبين تيماء ديار بحتر من طيء، وبينهم وبين الكوفة خمس ليال.
وسكنت ذبيان بالقرب من تيماء إلى حوران.
وبقي بتهامة بطون كنانة، وأقام بمكة وضواحيها بطون قريش، وكانوا متفرقين لا تجمعهم جامعة حتى نبغ فيهم قصي بن كلاب، فجمعهم، وكون لهم وحدة شرفتهم ورفعت من أقدارهم.
ساحة النقاش