مصر - في كل شارع وكل بيت وكل زقاق تجد ورش ومعارض الأثاث والموبيليا في مدينة دمياط, لكن وبالرغم من شهرة دمياط في هذه الصناعة التي لا تنتج مجرد قطعة خشبية إنما ايضا تحفا فنية, فإن العمالة الماهرة المدربة بدأت تهرب من الورش لانخفاض أجورها بالرغم من ارتفاع أسعار منتجاتها. والخطر الأكبر الذي تعانيه هذه الصناعة الدمياطية هو غزو المنتجات الخشبية الصينية للأسواق بل ومدينة دمياط ذاتها, وهي تتميز بشكلها الجذاب وسعرها الرخيص, لكن جودتها وقوة خامتها لا تصل الي نفس المستوي الذي يجذب المستهلك..
الصينى الجاهز يهدد ورش الموبليا بدمياط
في أحد المخازن الكبري للأخشاب أكد صاحبه أن أسعار الأخشاب انخفضت بالفعل, لكن هذا ليس له علاقة بركود السوق وماحدث من أزمة مالية عالمية.. وأكد أنه بالنسبة للأبلكاج الذي يتخصص فيه فقد هبط سعر أنواع عديدة منه وأهمها الروسي والكوري, فبعد أن وصل سعر اللوح الواحد الي44 جنيها أصبح سعره الآن21 جنيها, ويرجع هذا الانخفاض الي الكميات التي يطرحها المحتكرون في الأسواق وتبعا لظروف العرض والطلب.
وأشار الي أن أهم أنواع خشب الابلكاج هو الروسي أو(2) الذي حدث انخفاض كبير في سعره ورغم ذلك استمر الركود عاليا جدا رغم أن خشب الأبلكاج أحد الأنواع التي لا غني عنها في صناعة الأثاث والموبيليا.
وأشار الي أن الإجراءات متيسرة في الجمارك والميناء علي السواء, ولكن المحتكرين لا يتركون مجالا, فالسعر في الخارج غير مرتبط نهائيا بأسعارنا في الداخل, واعترض أحد التجار وقال إن المشكلة أنهم اشتروا بأسعار مرتفعة عالية قبل الأزمة المالية العالمية ولم يتم تصريف البضائع, ولكن الآن السعر إنخفض بشكل كبير فأصبح سعر البيع أقل من تكلفته قبل الانخفاض وبالتالي فهم يتكبدون خسائر كبري.. وأضاف أنهم مضطرون لبيع مالديهم من مخزون حتي يستطيعوا أن يجمعوا رأس المال الأصلي من جديد ورغم رضاهم بنسبة خسارة فإن الركود في الأسواق أصابهم في مقتل, حيث إن انخفاض القوة الشرائية يهددهم وعمالهم بالتشرد وضياع حقوقهم.
تركنا هؤلاء وترجلنا قليلا لنمر بمقهي خال تماما من الرواد واعتقدت أن هذا حاله بمفرده لسوء الخدمة فيه ولكن عندما رأيت الآخر في منتصف جولتي علي ذات الحال أكد لي صاحبه أن المشروع الفاشل الذي لا يحقق أي ربح في دمياط هو المقهي البعيد عن الورش لأنه لا أحد يجد وقتا يضيعه في الجلوس علي المقاهي, لكن المقهي الموجود بين الورش العمال يأخذون منه المشروبات داخل الورش أثناء عملهم!
وفي أحد المخازن الكبري قال صاحبه إنه عندما ينخفض سعر الخشب يبدأ الركود اعتقادا من المواطنين أن السعر سيستمر في الانخفاض ولا يبدأ الشراء الفعلي الا عندما تبدأ الأسعار في الارتفاع من جديد..
أما الحاج محمد أبو نزهة, وهو تاجر متخصص في خشب البياض, فقد أوضح أن سعره هبط من1400 حتي وصل الي1250 جنيها إلا أنه توقع أن الركود سيستمر حتي بعد العيد.. وأكد أن أهم أنواع الخشب البياض هو الفنلندي والروسي ونحن لا نستورده بل نشتريه من المستوردين في الاسكندرية وأكد أن هناك ركودا شديدا للغاية يرجع اساسا الي ضعف القوي الشرائية وزيادة أسعار المتطلبات الرئيسية للأسرة وكل هذه اسباب تؤدي إلي ما نحن فيه من ضعف عام في الأسواق.
أما الحاج فاروق الريالي ـ صاحب مصنع موبيليا ـ فقد أكد أن عملية صناعة الأخشاب عملية معقدة جدا بحيث يصعب تحديدها وتقديرها جزافيا فنحن نشتري الخشب للصناعة ويدخل للشق ثم الي النجار الذي يقطع ويفصل الموبيليا ثم يأتي دور الأويجي وهو الذي يقوم بحفر الخشب لعمل الزخارف عليه بعدها يأتي دور القشرجي وهو الذي يقوم بلصق القشرة وهي نوع معين من الخشب يقطع بسماكة رقيقة جدا لا تتعدي نصف الملليمتر وهو الخشب المزركش طبيعيا وهذا النوع من الخشب له أنواع من الأشجار خاصة به ويتراوح سعر اللوح منه بين3 و20 جنيها رغم أنه من نفس الشجرة لكن الفرق يكون في الجودة وعدم وجود تمزقات وجمال الشكل الذي يريح العين والمقاسات, فكلما زاد الطول والعرض زاد السعر وبالنسبة للفاجورة أو الزركشة فكلما زاد جمالها زاد سعرها.
وعن أسعار الأساس فقد أكد أن غرف النوم مثلا تبدأ أسعارها من ثلاثة آلاف جنيه وحتي خمسين الف جنيه وأكثر, ويعتمد هذا الفارق علي كفاءة الصناعة وجودة الخامات وطبعا كمية الأخشاب المستخدمة فيها..
وأشار الي أن المرحلة التالية لصناعة الخشب هي الدهان, الذي يتراوح سعره لغرفة النوم مثلا بين300 جنيه و6 آلاف جنيه وهذا أيضا يعتمد علي جودة الخامة والعمالة المدربة لأن العمالة غير المدربة تختلف كثيرا في أجرها عن سابقتها, فأجرة العامل تتراوح بين15 و100 جنيه تبعا لكفاءته ومهاراته وقدرته علي الإنجاز..
وأشار الي أنه بالنسبة للحلي التي تركب للغرف, فمنها ما يباع بالكيلو ومنها مايباع بالقطعة حسب الخامة وتختلف حسب كمية ونوعية المادة الموجودة في الغرفة فإذا كانت من النحاس فيتم شراؤها بالسعر المتداول في الأسواق حيث نصمم للمصانع الموديل الخاص بالغرفة ونخوله الي نحاس ونغلفه بماء الذهب وهذا لايتم لكل الزبائن فكل حسب قوته الشرائية.. وبالنسبة للتغليف بالزجاج أصبح هناك زجاج بلاستيك وهو أقوي وأرخص ويسهل تشكيله أما الزجاج الذي يسهل كسره فهو أرخص مما يصعب التعامل معه.. وأوضح أن هناك مشكلة بسبب دخول المنتجات الصينية للأسواق فمثلا دخل السوق أبلكاج رديء بمجرد طرقه بإصبعك يتم ثقبه وهو غير مطابق للمواصفات بالمرة..
كما أني كصاحب مصنع شعرت بالخطر من جراء الصناعات الخشبية الصينية ذات الأسعار الزهيدة وبالفعل قررت السفر للخارج لأري ما إذا كنت سأستمر كمصنع أو أغلق مصنعي ولكني أطمأننت كثيرا علي مستوي الصناعة لدينا في مصر فمستوي الصناعة الصينية رديء جدا لأنه مصنوع بمادةDNF وهي عبارة عن عجائن الخشب التي لا يمكن نقلها بعد تركيبها لأن ضعفها يستحيل معه إعادة الفك والتركيب وقد نستطيع استخدام مادةDNF هذه كحلية وليست كمادة خام ولكن البعض خالف الوضع ويصنع منها الأثاث.
ولكنه يعترف بدخول بعض أنواع الموبيليا الصيني وهي مجرد شكل فقط كما أنها غير مكلفة فسعر المنضدة مابين130 إلي150 جنيها فقط ولها زبائنها الذين يطلبونها بالفعل ويستغنون عن المصنوعة من الخشب.
وأشار إلي أننا في دمياط مازلنا رواد لتصدير الأثاث وبشكل جيد وإن كان هذا قل عن الماضي إلا أننا لا نشعر بانخفاظ حجم التصدير ولكننا نخشي أن يزداد الأمر سوءا ونحاول هنا أن نراعي درجة رطوبة الخشب بأن تكون12% حتي يظل بجودته ولا تحدث له تشققات ويظل منتجنا مطلوبا ومتميزا في السوق العالمية وكل ما نتمناه أن ينعكس انخفاض سعر البترول علي سعر الشحن لأنه يؤثر علينا بشكل مباشر مما يدفعنا لزيادة الصادرات وبالتالي فتح سوق عمل في الداخل وسوق تصدير أكثر في الخارج..
أما محمد زكي صاحب مخزن للخشب الزان فأكد أن أهم أنواعه هو الروماني واليوغسلافي مشيرا إلي أن الأسعار لن تنضبط إلا بعد العيد والركود هذه الأيام يتسبب في انخفاض الأسعار لأن المنافسين يسببون التضارب ولأننا جميعا متخصصون في ذات السلعة فنسبة الربح تكون بسيطة لذلك فالمتر المكعب من الزان كان يتراوح سعره بين2500 إلي2900 جنيه وصل مابين2600 ألي2200 جنيه ولكن المشكلة في الصانع والذي يريد رفع أجرته لغلاء المعيشة وهذه أهم مشكلاتنا كمنتجين للأثاث أما المادة الخام فلا تؤثر في التكلفة بشكل كبير من وجهة نظري فالعمل الجيد يأخذ وقتا طويلا من الصانع لأن الصنعة لها ثمن والتصميم له ثمن وليس المادة الخام وحدها. والمشاكل في الورش واحدة ما بين إنخفاض أجرة أو هجوم منتج صيني أو زيادة أسعار مدخلات إنتاج الموبيليا ولكنهم رغم ذلك يقدمون قطعة الأثاث علي أنها لوحة فنية تلقي إعجاب المارة..
أما الورش فهي تتركز في منطقة السيالة التي تحتوي علي نحو400 ورشة وفي طريقنا إليها وجدنا أن كل شارع تتركز به ورش الأخشاب في كل زقاق وشارع وحارة وركن فمرورا بباب الحرس وأرض العسامنة تقابلنا مع أحمد الجندي ومحمد الحناوي وهما من صناع الموبيليا أكدا أن المنتج الصيني دخل بشكل كبير جدا وقد قاسمنا في أرزاقنا حيث قل الدخل بشكل كبير حيث إن الأجر اليومي لكثير منا25 جنيها وماذا يفعل هذا الدخل البسيط في الغلاء الشديد؟..
وأشارا إلي أن ضعف الامكانيات لدي المستهلكين جعلهم يقبلون علي الشغل الصيني من أنتريه ونوم الذي أصبح له زبونه..
انتقلنا إلي هذا الشارع الرئيسي شارع عبدالرحمن الذي يتميز ببيع العفش والأنتيكات الخشبية والكراسي الهزازة والفواطة والترابيزات الصغيرة والحلية ومعظمها إن لم تكن جميعها من الصناعة الصينية.. ورغم أن هذا أصابني بالإحباط وجعل جولتي لا تستمر كثيرا في هذا الشارع الرئيسي إلا أن انتقالي إلي الشارع التجاري جعل الأمل والإشراق يحدوني من جديد..
داخل أحد الشوارع التجارية وجدت أحدهم يتابع سيارتنا بالدراجة البخارية مشيرا لنا لأحد المعارض وعندما علم أننا لن نشتري شيئا سبنا ثم تركنا واكتشفنا فيما بعد أنه من سماسرة الموبيليا في دمياط..
ويتحدث عن تجار الموبيليا مؤكدا أن سماسرة الموبيليا يسببون مشاكل كثيرة أهمها البلطجة وفرض السمسرة علي التاجر, حيث يتابع السمسار الزبون ويرافقه أثناء شرائه الموبيليا ويفرض علي صاحب المحل200 جنيه علي كل قطعة ولكننا نحذر الزبون لأنه خاسر فإذا ترك نفسه للسمسار فإننا نخرج حق السمسار مما يدفعه الزبون لأننا لن نخسر.. واتهم الغرفة التجارية بدمياط هي الأخري بأنها سبب المشكلة, حيث إن المناقصات التي تأتي من الخارج لايتم الإعلان عنها وتوزع داخل الغرفة كما أنها لا تشجع علي عمل معارض داخل القاهرة أو خارج مصر وأكد أن صغار التجار لا يعرفون شيئا عن المنح التي تأتي لغرفة دمياط التجارية لتطوير الصناعات الصغيرة..
ساحة النقاش