بسم الله الرحمن الرحيم

عندما نجح الغرب في إسقاط دولة الخلافة بمعونة عملائه في بلاد المسلمين من خونة الترك والعرب، تم تغييب الإسلام كمبدأ من الوجود، فغابت الأحكام الشرعية عن تنظيم العلاقات في الدولة والمجتمع وفي العلاقات الدولية، وقام الغرب بصياغة دساتير للبلاد الإسلامية بعد تجزئتها إلى دويلات هزيلة تخلو من مقومات الدول، فكانت أشبه بحارات وأحياء مفككه تحكمها أسر لا تعرف سوى مصالح من أتى بها إلى سدة الحكم.
ثم قام بتهيئة الأوساط السياسية وتسليمها الحكم في هذه الدول، وبذلك ضمن تبعية هذه الدول له، والمحافظة على مصالحه في المنطقة، والأهم من ذلك ركّز ما يمنع عودة الإسلام من جديد إلى الحكم.
ومنذ ذلك الوقت قامت حركات إسلامية في بلاد المسلمين تريد إعادة تطبيق الشريعة من خلال دولة الإسلام، ومرت هذه الدعوات والأحزاب في القرن الماضي بمراحل وأحوال، وعايشت أحداثاً منها ما انعكس عليها إيجابا عليها وعلى دعواتها، ومنها ما كان في غاية الشدة، حتى وصلنا إلى مرحلة الثورات التي نعيشها.
ولا شك أن هذه المرحلة من أدق المراحل وأخطرها على الإطلاق، ولا نقول الأخطر على شخوص الدعاة، وإنما على سير الدعوات وما يترتب عليها.
وقد أدرك ذلك جميع السياسيين والمراقبين والمتتبعين وأصحاب المصالح من مسلمين وكفار.
وما خوف الغرب من هذه المرحلة إلا لأنه يرى فيها عودة الإسلام إلى الحكم، وهذا ما يراه الدعاة أيضا، بأنها مقدمة لدولة الخلافة التي ستقضي على نفوذ الغرب ومصالحه في بلاد المسلمين، بل وستلاحقه في عقر داره.
وكما يرى عامة المسلمين فيها خلاصهم مما هم فيه، وعودتهم أمة واحدة عزيزة.
فالثورات أسقطت الحكام والقوى السياسية العميلة والأحزاب المرتبطة بالغرب الكافر على اختلاف مشاربها، وأصبحت السلطات الحاكمة في أضعف أحوالها وتحولت إلى الخندق الأخير للدفاع عن نفسها بعد سقوط حصونها المنيعة.
ولولا أجهزة أمنية وألاعيب سياسية وتردد عند العاملين للإسلام لما لبثوا في عروشهم ساعةً من نهار، وخاصة ونحن نشهد غياب المبدأ الاشتراكي بعد انهياره، ونشهد الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالنظام الرأسمالي التي أظهرت عجز الرأسمالية عن إيجاد الحلول لمشاكله المختلفة وإعلان إفلاس دول قائمة على نظامه، أي أن الأزمة أزمة نظام، وانتهاء صلاحياته.
وعندما نمعن النظر في الدول الاستعمارية وما تقوم به من أعمال سياسية وحروب عسكرية تحت لافتات مختلفة، وما يصدر عن مراكز دراساتها وما يتم من لقاءات واتصالات سرية وعلنية مع الحركات الإسلامية المعتدلة حسب وصفهم، وما يعقد من مؤتمرات حوار الأديان وغير ذلك نستنتج ما يلي :
1- إدراك الغرب أن الإسلام ودولته آتية لا محالة وهو عاجز عن منعها وإنما هو مجرد وقت، وما يقوم به هو التأخير ليس إلا، كما صرح احد مفكريهم عندما قال: ( لا توجد قوة في العالم تحول بين فكرة آن أوانها ).
2- إن سبب تراجع الغرب المعادي للحركات الإسلامية وقبوله لمشاركتها في الحياة السياسية بعد حربه الشرسة عليها، هو ثورات الشعوب التي تفجرت فأصبح أمامها عاجزا ومرغما على التعامل معها.
3- إن عجز الغرب وخبثه وراء تصنيف المسلمين إلى حركات معتدلة يتعاون معها ومتطرفة يضيّق عليها، وأخرى إرهابية يعلن الحرب عليها بقذارة هذا دليل ضعف وعجز وليس دليل قوة.
4- إن أخطر ما يقوم به الغرب هو المساومات وعرض الحلول الوسط على الحركات الإسلامية وإن أخطر ما تقوم به الحركات قبول هذه الحلول منه وبالتالي التخلي عن إسلامها الذي لا تملك سلاحا سواه في حربها مع الكفر، وهذا شبيه بما قامت به قريش بعرضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن فشلت كل وسائلها في حربها على المسلمين من حصار في الشعب، وتعذيب وقتل وتشويه إعلامي، حيث قال مبعوثها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا ابن أخي لقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت أحلامهم، وعبت آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم، فإن كنت تريد بهذا الذي جئت به ملكا ملكناك علينا، وإن كنت تريد به سيادة سودناك فلا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد مالا جمعنا لك من الأموال حتى تصبح أكثرنا مالا ) فكان رد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه). ونفهم من هذا النص أنه صلى الله عليه وسلم اعتبر ذلك تركا للإسلام، ونفهم أيضا أن هذا الأمر قضية مصيرية للطرفين قضية حياة أو موت.
فلا بد من إدراك ذلك من قبل الحركات الإسلامية، والحذر من الانجرار إلى مصيدة المغفلين التي تجعل منهم حلفاء للغرب وللأنظمة القائمة، وهذا الحلف يجعل منهم معتدلين في مواجهة الإرهابيين والمتطرفين حسب تصنيفات هذه الدول فيشاركونها في حربها على الإسلام.
ومن هنا كان لابد من العناية الكبيرة بالخطاب الإسلامي في هذه المرحلة الدقيقة وعلى جميع الصعد.
- الخطاب الإسلامي الموجه للأمة :
يجب أن يتضمن كل ما من شأنه ترشيد الثورات وتوعية المسلمين على كل الأخطار، وهذه بعض التفصيلات :
أولا: البديل الإسلامي نقيٌ من كل الشوائب وبيان ما فيه من حلول راقية بحيث يلمس الجمهور ويصبح مطلبا للجميع وحافزا لهم للصمود والتضحية.
ثانيا: رفع الروح المعنوية للأمة والحيلولة دون انتكاستها والوقوع في الإحباط والاستسلام للواقع.
ثالثا: ربط كل ما يطرح بالعقيدة الإسلامية بإقامة الأدلة على المسائل حتى يسير الناس في الجو الإيماني ولا ينطفئ حماسهم، وتقبل على التضحية طمعا فيما عند الله.
رابعا: تعزيز قيادة الإسلام للناس بإبراز الدعاة كقادة عقائديين غير متلونين، فتمنحهم الأمة ثقتها وتلتف حولهم.
خامسا: تعزيز الرأي العام عن الإسلام المنبثق عن وعي عام.
- الخطاب الإسلامي الموجه لأهل القوة من الأمة :
كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما طلب النصرة من آهل القوة، وذلك بوضعهم أما مسؤولياتهم تجاه دينهم وأمتهم لكسبهم كأنصار لدين الله ويكونوا ركائز الدولة وسندها ولتحييد من لم تستطع كسبه كنصر، ولتعرية وفضح خصوم الدولة منهم وإظهار ارتباطهم وعمالتهم للدول الاستعمارية.
- الخطاب الإسلامي الموجه للوسط السياسي القائم في بلادنا :
وهذا الوسط وسط الثعابين السامة فيجب التعامل معه بحذر شديد ومحاصرته وتحجيمه والعمل على إقصائه، ولا يجوز الثقة به بل يجب كشفه للرأي العام، وتحطيم الأفكار التي يطرحونها، ويجب عدم الدخول معهم في مفاوضات، فهذا الوسط وأطروحاته هي فخاخ سياسية تكرس التبعية للغرب.
- الخطاب الإسلامي الموجه للجماعات الإسلامية :
وهذا يجب أن يكون في غاية الدقة وحسن التأتي، ويجب الاتصال بهم عن قرب وتقديم النصيحة تلو النصيحة لهم ولأتباعهم، وتحذيرهم من كل الأخطار المترتبة على التفريط أو التحالف مع الغرب والأحزاب العلمانية.
ومن الملاحظ أن هذه الجماعات تشعر بالضعف أمام الأوساط السياسية والضغوط الدولية، فهي ترى أن اللعبة السياسية بيد الغرب ولا يمكن الدخول في العمل السياسي إلا بإرضائه، ولذلك يجب معالجة هذا الضعف ومناقشة مناهجهم وطريقة تفكيرهم وتقديم ذلك بأسلوب النصيحة، والنقاش الهادف.
وهذا كله لا يعني مجاملتهم على حساب الشرع ولا مجاراتهم في ما هم فيه بل يجب المحاسبة على كل ما يصدر عنهم من أقوال وأعمال محاسبة فعالة.
وفي الختام نقول إن هذه المرحلة دقيقة جدا ويترتب عليها أمر عظيم سيكون منعطفا تاريخيا في حياة شعوب المنطقة وفي الموقف الدولي، وإن أي حزب إسلامي الأصل في وجوده هو حمل هم الأمة الإسلامية، وحمل هذا المبدأ العظيم الذي هو رسالة الأمة والذي اصطفى الله محمدا صلى الله عليه وسلم لأجله قال تعالى:
 
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)، فلا يجوز أن ننجر إلى الصدام مع المسلمين أفرادا وشيوخا وأحزابا.
وفي الفترة الماضية عندما كان الدعاة يتعرضون للحكام بالنقد والتجريح كان كثير من المسلمين يشاركوهم في ذلك وأما الآن فالوضع مختلف، والأمة في حالة مخاض وشمس الكفر في غروب وفجر الإسلام لاحت تباشيرها، وهو لا محالة قادم.
فالصبر الصبر والثبات الثبات على أمر الله حتى يحكم الله وهو أحكم الحاكمين.
اللهم أعز دينك وانصر أولياءك وارحم عبادك، اللهم أعزنا بالإسلام وأعز الإسلام بدولة الإسلام برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
سعيد رضوان- أبو عماد

     
02 من ربيع الثاني 1433
الموافق 2012/02/24م
   
 


 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 143 مشاهدة
نشرت فى 2 مارس 2012 بواسطة FaredSayfAlDin

ساحة النقاش

فريد سيف الدين

FaredSayfAlDin
الإنسان الذي لا هدف له في الحياة ولا غاية سامية يحيى لأجلها... ميّت وإن بدت عليه أعراض الحياة ومن عاش وغايته عزّة وكرامة الأمة ومات وهو على ذلك ... حيّ وإن فنيت الأجساد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

31,984