جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
د. ياسر صابر | 08-01-2012 14:05
لقد انتشرت فى الغرب فكرة التمويل الإسلامى „Islamic Finance“ وقامت بنوك كبيرة بتبنى هذه الفكرة حتى إن معظم البنوك الغربية قد قامت بالفعل بتعيين مسئولين عن هذا النوع من التمويل فى كل فروعها ويأتى فى مقدمة هذه البنوك البنك الألمانى "Deutsche Bank" والبنك الأمريكى " Citibank" والبنك البريطانى " HBSC" وأصبح هناك مختصون فى هذه البنوك بما يسمونها "المنتجات الإسلامية" وحسب تعريفهم فإنها منتجات تتفق مع الشريعة الإسلامية ، فمثلاً لايدخلون فى مشاريع تتضمن خمورًا أو أسلحة أو قمارًا أو ماشابه ذلك.
لقد ازداد الحديث والدعوة إلى هذا النوع من التمويل فى الغرب خاصة بعدما ضربت الأزمة الاقتصادية جذورها فى عصب الاقتصاد الرأسمالى فى عام 2008 .
فما حقيقة التمويل الإسلامى ؟ وهل تبناه الغرب عن قناعة أم أن المسألة هى التفاف على أموال المسلمين؟
وللإجابة على هذه التساؤلات نعود قليلاً إلى الوراء وتحديدًا منتصف عام 2008 ، حيث ضربت الأزمة الاقتصادية كل مفاصل الحياة فى الغرب ، وحاولت الأنظمة الغربية تجاوزها بشتى الطرق إلا أن كل معالجاتهم كانت بمثابة صب الزيت على النار . وأيقن أهل الاقتصاد أن المشكلة تكمن فى النظام نفسه ولهذا نظروا للمسألة من ناحية اقتصادية بحتة وطالبوا السياسيين بتطبيق الاقتصاد الإسلامى لأنه يضمن حل هذه المشاكل ، وقد كان الرد الذى أتى من أهل السياسة كما هو متوقع : أنه لايمكن لهم أن يطبقوا نظامًا اقتصاديًا لاينبثق عن عقيدتهم أى عقيدة فصل الدين عن الدولة ، لأن هذه فى وجهة نظرهم مخالفة مبدئية لايجوز لهم الوقوع فيها.
وبسبب الخوف من فقدان الثقة فى قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها سارعت الحكومات الغربية بضخ أموال لتجنب هذه الأزمة مع علمهم التام أن هذا ليس بحل للمشكلة ، ثم بدأت الحكومات بتعهدها بضمان حقوق المودعين بنسبة مائة بالمائة من حجم ودائعهم ليس هذا فحسب بل اضطرت الحكومات الغربية باتخاذ إجراءات غريبة على المبدأ الرأسمالى ألا وهى التأميم حتى تنقذ بعض المؤسسات المهددة بالإفلاس.
ومع أن مسألة التمويل الإسلامى قد بدأت فى الغرب قبل تفاقم الأزمة الاقتصادية عام 2008 إلا أنه مع سوء الأوضاع الذى صاحب هذه الأزمة أصبحت الحاجة ملحة لجذب رءوس أموال من خارج البلاد ، وهنا بدأ الزخم الدعائى عن التمويل الإسلامى يزداد لعلم الغرب أن المسلمين يبحثون عن المعاملات الحلال ولعلمهم بتركز أموالٍ كثيرة بترولية فى أيدى المسلمين . وبالفعل استطاع الغرب أن يجلب رءوس أموال ضخمة من العالم الإسلامى لإنعاش اقتصاده وبالتالى استطاع ببرجماتيته أن ينعش مؤسساته المالية ويُجَّنِب بعضها الإفلاس .
إن ما يسمى بالتمويل الإسلامى قد بلغ حجمه فى العالم ما يزيد عن تريليون دولار والإقبال عليه يبين بما لايدع مجالاً للشك رغبة المسلمين فى أن ينظموا كل معاملاتهم حسب الشريعة ، وبصرف النظر عما إذا كان هذا النوع يتفق مع الشريعة أم لا ، إلا أنه لاينكر أن الدافع الذى دفع المسلمين لاستثمار أموالهم فى هذا القطاع هو حبهم للإسلام وحبهم التقيد بأحكامه.
إن ما أجمع عليه أصحاب شركات توظيف الأموال فى مصر فى ثمانينيات القرن المنصرم أنه لايمكن تطبيق اقتصاد إسلامى بدون دولة تطبق الإسلام ابتداءً يلتقى مع رأى الساسة الغربيين الذين رفضوا تطبيق النظام الاقتصادى الإسلامى لعلمهم أنه لايمكن تطبيق أفكار جزئية دون أساسها الكلى الذى تقوم عليه ، بكلمات أخرى لايمكن تطبيق اقتصاد إسلامى فى دولة مقياس الأعمال فيها هو المنفعة ، فكيف يقرض الرأسمالى ماله دون فائدة ، فهذا مستحيل ، لهذا لايمكن تطبيق اقتصاد إسلامى منفصل عن عقيدته ، وهذا ما يؤكد أيضاً أن مسألة التمويل الإسلامى فى العالم الإسلامى ماهى إلا محاولة لأسلمة الاقتصاد الرأسمالى - وإن كان أصحابها صادقون فى نواياهم – فلايكفى أن نقوم بنفس المعاملات التى أتى بها النظام الاقتصادى الرأسمالى ثم نستثنى منها الأشياء التى حرمها الإسلام كالتعامل بالخمر أو القمار حتى تصبح إسلامية ، لأن المعاملات فى الإسلام قد حددها الشرع .
نعم إن النظام الاقتصادى فى الإسلام هو القادر على التدبير الصحيح لأمور المال دون حدوث أزمات تهدد المجتمع إلا أن هذا النظام يحتاج إلى دولة تطبق الإسلام ابتداءً حتى يكون تطبيق النظام الاقتصادى قائم على الأساس الفكرى الذى يقوم عليه المجتمع ولايؤخذ منفصلاً عن عقيدته ، لأن هذا هو الذى يضمن تطبيقه. فعلى الساعين لجعل النظام الاقتصادى فى الإسلام موضع التطبيق عليهم أن يسبقوا هذه الخطوة بإقامة دولة الإسلام التى تطبقه وعندها فقط نستطيع أن نقدم الإسلام كبديل حضارى للغرب ليطبقوه كاملاً دون أن نعطيهم أموالنا ليرمموا بها نظامهم المتهاوى.
[email protected] |
|
|
ساحة النقاش