مقدمة :
    يعد الإرشاد الأسري جزءاً لايتجزء من برامج رعاية المعوقين سمعياً ، وخط الدفاع الأول للوقاية من الإعاقة السمعية بمستوياتها المختلفة ، وتتوقف فعالية برامج الوقاية علي التدابير والجهود التي تبذلها الأسرة ومدي أستفدادتها مما يقدمة المجتمع عبر مؤسساته من خدمات ، وانطلاقاً من كون الأسرة مصدراً أساسياً لما يعانيه المعوق سمعياً من مشكلات، فإن تقديم برامج لأسرة  المعوقين سمعياً تسهم في الحد من تلك المشكلات والتي تعوق أهداف تربيتهم في معاهد وبرامج الدمج ، لذلك تتناول الورقة الحالية عرض عدد من القضايا ذات الصلة بالإرشاد الأسري للمعوقين سمعياً ودورة الوقائي في الحد من مشكلاتهم ومن أهم هذه القضايا ما يلي :
1- مشكلات المعوقين سمعياً بين الإعاقة والأسرة 0
2- الإرشاد الأسري : مفهومة ، ونظرياته ، أهدافه ، فنياته ، ودور المرشد الأسري 0
3- دورة حياة أسرة المعوقين سمعياً ودورها الوقائى0
4- محاور برنامج تدريب أسر المعوقين سمعياً 0
5- الدور الوقائي للإرشاد الأسري للمعوقين سمعياً 0
6- معوقات أرشاد أسر المعوقين سمعياً 0
 وفيما يلي عرض تلك القضايا :-

مشكلات المعوقين سمعياً بين الإعاقة والأسرة :-     
    تعد فئة المعاقين سمعياً من الفئات التي ينحرف ذووها بشكل أو بآخر في القدرة السمعية بالمقارنة بأقرانهم العاديين، وأن المتأمل في أدبيات التربية الخاصة يجد أن هذه الفئة تعاني الكثير من المشكلات منها ما هو متعلق بطبيعة الإعاقة ومنها ما هو متعلق بالعوامل البيئية المحيطة بالمعاق سمعيا ، ويؤكد هالهان وكوفمان Hallahan & Kauffman (1991) على أن أكثر الآثار السلبية للإعاقة السمعية تظهر أوضح ما يكون في مجال النمو اللغوي معبراً عنه باللغة المنطوقة، وعليه فإن المعاقين سمعياً يعانون من تأخر واضح في النمو اللفظي، وتتضح درجة هذا التأخر كلما كانت الإعاقة شديدة، وكلما حدثت الإعاقة السمعية في وقت مبكر.
 وهذا يتفق مع ما أكده ويناند Wynand (1994) من أن المعاقين سمعياً يعانون من مشكلات قاسية مثل صعوبة التواصل، والاعتمادية،و التقدير المنخفض للذات وغير ذلك من مظاهر سوء التوافق، الأمر الذي يستدعي معرفة تلك المشاكل والتدخل للتخلص من تلك المشاعر السالبة وتزويدهم بالأمان، خاصة أن علاج هذه الفئة يعد من العمليات الصعبة، وذلك بسبب فقدانهم اللغة وقلة خبرتهم المعرفية التي تسهم في تفاعلهم أو تواصلهم مع الآخرين0
 وقد ذكر عبد العزيز الشخص (1992) أن حرمان المعاق سمعياً من حاسة السمع، بالإضافة إلى الاتجاهات السالبة نحوه من المحيطين به تجعله أكثر عرضة لكثير من المشكلات، حيث يجد نفسه لزاماً عليه أن يكافح للتغلب على ما يواجهه من مشكلات مع أقرانه العاديين ممن لا يفهمون ظروفه وطبيعةأعاقة أوممن لا يستطيعون التواصل معه بنجاح، الأمر الذي قد يدفعه إلى الحد من مستويات طموحه تجنباً للفشل والإخفاق0
  ويذهب يوسف القريوتي وآخرون (2001) إلى أن المعاقين سمعياً أكثر عرضة للضغوط النفسية والقلق وانخفاض مفهوم الذات، بالإضافة إلى أنهم أكثر عرضة لنوبات الغضب، وذلك بفعل الصعوبات التي يواجهونها في التعبير عن مشاعرهم، لذا نجدهم يعبرون عن غضبهم وإحباطهم بعصبية ويظهرون ميلاً أكبر للعدوان الجسدي، وهذا يتفق مع ما توصل إليه رشاد موسى (1993) من أن الصم أكثر ميلاً للسلوك العدواني.
 وقد توصل علي حنفي (2002) إلي أن المعوقين سمعياً يعانون من العديد من المشاكل وفقاً لقائمة تقدير مشكلات المعوقين سمعياً كما يدركها المعلمون التي أعدها الباحث ، وهي بالترتيب  كما يلي : المشكلات الاجتماعية ، المشكلات المرتبطة بالسلوك العدواني والتقلبات المزاجية ، المشكلات المرتبطة بالعمليات العقلية ، المشكلات المرتبطة بالتحصيل الدراسي والمهارات الأكاديمية ، وأخير المشكلات المرتبطة بالسلوك المضاد للمجتمع وتظهر هذه المشكلات بشكل أكثر وضوحاً في المراحل العمرية الأكبر سناً بالإضافة إلي أن هناك اختلافات في هذه المشكلات باختلاف درجة الفقد السمعي 0
   ويرى الباحث أن احتلال المشكلات الاجتماعية المرتبة الأولى من بين مشكلات المعوقين سمعياً كما يدركها المعلمون، إنما يرجع إلى أن للإعاقة السمعية تأثيراً كبيراً على الفرد فتحد من قدراته على أداء أدواره الاجتماعية بسبب مشكلة التواصل مع الآخرين ، وعدم معرفة المحيطين بة بطرق التواصل مع الصم مما يؤدي  إلى زيادة حساسيته وشعوره بالنقص عندما يقارن حالته بأقرانه العاديين، وينشأ عن هذا الشعور بالنقص فقدان الثقة بالنفس، وهذا يتفق مع ما ذكره عبدالمطلب القريطي (1996) من أن تضاؤل فرص التفاعل والمشاركة الاجتماعية بين المعاقين سمعياً والعاديين إنما يرجع إلى افتقارهم لغة التواصل اللفظي، والتي تقودهم إلى جعلهم أكثر نزوعاً إلى الانسحاب وميلاً إلى العزلة والانطواء وأقل توافقاً سواء الشخصي والاجتماعي.
وبالتالي  قد يرجع ما يعانيه المعوقين سمعياً من مشكلات إلي البيئة المحيطة بهم وخاصة البيئة الأسرية وعدم تفهم أعضاء الأسرة لطبيعة إعاقة وآثارها وقدرات وإمكانيات المعوق سمعياً .وفي هذا الصدد ، يؤكد شابيرو وهاريس  Harris Shapiro & (1976) أنه على الرغم من تعلم بعض الآباء لغة الإشارة أو هجاء الأصابع لتسهيل تواصلهم مع طفلهم الأصم، ولإجباره على استخدام هذه اللغة، إلا أن ذلك لا يشكل في الواقع اعتراف هؤلاء الآباء بحقيقة صمم الطفل، ومن جانب آخر يذهب سكونولد Schoenwold    (1984) إلى  أن حوالي 90% من أفراد أسرة الطفل المعاق لا يوجد بينهم وبين الطفل المعاق نظام  تواصل إلا بعض الإيماءات البدائية،  وذكر سلومان وآخرون Sloman et al., (1987) أن معظم الأطفال الصم الذين تم تدريبهم على استخدام لغة الإشارة، لم يستطع آباؤهم عاديو السمع تعلم تلك اللغة، ويعلق هارفي Harvey (1982) على ذلك بأنه قد تبدو صعوبة تعلم الآباء لغة الإشارة كنوع من المقاومة التي يظهرها هؤلاء الآباء ضد تقبل فكرة صمم طفلهم0

   ومما يضاعف من مشكلات المعوقين سمعياً ، الاتجاهات السالبة التي يظهرها الأخرون تجاهه ، خاصة اتجاهات الوالدين، ويؤكد ذلك عدة دراسات على أنه توجد علاقة دالة   سالبة بين الاتجاهات الو الدية السالبة و أنخفاض تقبل الذات والسلوك العدوني  لدى ذوى الإعاقة السمعية  مثل دراسة كل مـن: وإيهاب البيلاوي ( 1995)، وارن وهسـسنســتابHasenstab & Warren (1986)، في حين أكدت دراسات أخرى على أنه كلما كان النسق الأسرى -  خاصة الوالدين -  متقبلاً لإعاقة الطفل، وعلى دراية بكيفية التواصل معه، كلما كان لذلك تأثيرٌ دالٌ على تقدير الطفل المعاق سمعياً لذاته بشكل إيجابي0 (جرارى Grary 1980)، ميشيل Michael (1985) إندين Inden (1992)، ديسيل Desselle  (1994)، كانتور Cantor    (1996)....وفي هذا الصدد ينبغي الإشارة إلي أنة لن تقتصر أثار اتجاهات الوالدين السالبة نحو المعوق سمعياً علي ذلك فقط ، بل هناك اتجاه يرى أن أخوة وأخوات الطفل المعاق سمعياً عادة ما يكتسبون اتجاهاتهم نحو أخيهم المعوق سمعياً من اتجاه الوالدين نحوه، أي أن الأخوة يحاكون آباءهم   في تفاعلهم مع الطفل المعوق، الأمر الذي يؤكد على دور الوالدين في مساعدة أخوة الطفل المعوق على تقبل إعاقة أخيهم، وأنها ليست سوى عجز في أحد الحواس يمكن تعويضه بالحواس الأخرى، وبالتالي يمكن ملاحظة أن أسر المعوقين سمعياً وما تعانيه من ضغوط في أشد الحاجة إلي العديد من الاحتياجات للتوافق مع الإعاقة 0
     وتشير أدبيات التربية الخاصة، إلى أن وجود طفل ذي إعاقة سمعية في الأسرة قد يضاعف إلى حد كبير الضغوط النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية التي لها مردود على الحياة الأسرية ( فاروق صادق، 1998، شاكر قنديل، 1996)، (Adams & Tidwall 1986، وزيدان السرطاوى (1991)  ،وهذا يؤكد أن إعاقة الطفل تؤدى إلى خلق جو من التعاسة والشقاء الأسرى، نتيجة لشعور الوالدين بإخفاق الطفل في تحقيق آمالهما ، أو كما  توصل إليه لندا، وبروبرت Linda & Probert (1996) في أن الآباء كان لديهم توقعات تعليمية عالية لأطفالهم المعوقين، إلا أن المعوقين فشلوا في تحقيق تلك التوقعات بسبب أدائهم الأكاديمي المنخفض ومشاكل المنهج بالإضافة إلى المشاكل النمائيه المصاحبة للإعاقة.....كل ذلك يعد بمثابة مصدر ضغط علي الأسرة والذي يزداد ما تفتقدةتلك الأسر نتيجة  المساندة من المجتمع، والجهات المختصة، وكذلك الأفكار اللاعقلانية تجاه الإعاقة، والطفل المعوق، بالإضافة إلى وجود فجوة بين ما يتوقعه الوالدان من المتخصصين، وما يقدم لهما بالفعل من معلومات وخدمات لطفلهما المعوق سمعياً0   (Sloman,et,al,1987) ، ( زيدان السرطاوى، عبد العزيز الشخص، 1998) 0

   يتضح مما سبق أن مايعانية المعوق سمعياًمن مشكلات ماهو إلا محصلة لتفاعل الإعاقةمع البيئة المحيطة بة خاصة الأسرة،وتتضاعف تلك المشكلات مع عدم قدرة الأسرة التوافق مع الإعاقة ومعايشتها للضغوط ....وتأكيد لأهمية دور الأسرة ، ذكــر وارن وهسـنــســتاب Warren & Hasenstab (1986) أنــه لا يمكــن الحــد مـــن الإعـــاقة السمـــعية نفسها، ولكن من الممكن تحسين توافق الطفل ذي الإعاقة السمعية، وذلك بتبصير الوالدين بمشاكله وحاجاته، وإكسابهم اتجاهات إيجابية في تربيته .. ويدعما ذلك بقولهما "وربما ركز الباحثون لأعوام كثيرة على مشكلة ذلك الطفل المعاق سمعياً! وقد أغفلوا إلا قليلاً دور الآباء في هذا الصدد، في حين أن النسق الأسرى دون شك يلعب دوراً بالغاً في النمو النفسي للطفل ذي الإعاقة السمعية والتغلب علي مشكلاته0 
              وفي كل الأحوال يصعب دراسة الطفل المعوق سمعياً بمفرده، وبمعزل عن أسرته التي نشأ فيها، والتي تعتبر المصدر الأول لرعايته، وبالتالي فالطفل ذو الإعاقة السمعية كما يؤكد إبراهيم القريوتى (1998) في أشد الحاجة إلى برامج الإرشاد  الأسرى لأن نجاح الطفل أو فشله في التوافق الاجتماعي لا يرتبط بخصائصه فقط، بل يرتبط بالأسرة، وما توفره من دور يسهم في الحد من مضاعفات الإعاقة، والوصول بطفلهم إلى أقصى درجة ممكنة من التوافق الاجتماعي،وهذا يتفق مع ذكرة وفي هذا الصدد، يرى آيز وهيرول  Herol &  Ayes (1996) أنه يجب على آباء الصم وضعاف السمع التوافق مع تحديات إعاقة الطفل، مع ملاحظة أنهم يواجهون متطلبات إضافية ناجمة عن فقد أطفالهم لحاسة السمع0
     وبالتالي، فإشراك أعضاء النسق الأسرى - خاصة الوالدين - في برامج رعاية الطفل، يلعب دوراً كبيراً في التخطيط لتنشئته، ويبنى جسوراً من الثقة والألفة بينهم، ويخلق  إحساساً بالمسئولية والمساعدة في تفهم حاجاته، وتنمية قدرتهم على التواصل مع طفلهم بكفاءة، وإقناعهم بأن التوقعات الإيجابية للوالدين تؤثر بشكل موجب على البناء النفسي للمعوق سمعياً، وكذلك على تقييمه لقدراته، والعكس، ويمكن الاستفادة من هذه الحقيقة في  تعديل توقعاتنا إزاء المعاق بما يدفعه إلى تعديل سلوكه في الوجهة المرغوبة، حتى وإن لم تفصح بشكل مباشر عن تلك التوقعات0( شاكر قنديل، 1998، زيدان السرطاوى، 1991)
  ويدعم ذلك نتائج الدراسات التي تناولت الإرشاد  الأسرى لذوى الإعاقة السمعية،خاصة دراسة شابرو وهاريس Harris & Shapiro  (1976)، وجرينبرج Greenberg (1983)، سكونولدSchoenwold (1984)، سلـــومــان وآخـــرون Sloman et al (1987) أدمـــس وتيــــــدوول  Tidwall Adams & (1989)، بيسيل Bissell (1990)، محمد فتحي  (1994) ليونارد Leonard   (1998)  في تأكيدهم على فعالية الإرشاد الأسرى في تحسين التفاعل بين أعضاء النسق الأسرى، ومهارات التواصل فيما بينهم، وبين الطفل ذي الإعاقة السمعية، وتعديل الاتجاهات نحوه، ويصبح دور كل عضو أكثر فعالية في النسق الأسرى0

وفي ضوء ما سبق يمكن استخلاص ما يلي :
- للإعاقة السمعية آثار سالبة علي شخصية المعوق ، ولكن ما يعانيه المعوق سمعياً من مشكلات ما هو إلا محصلة تفاعل الإعاقة  مع البيئة المحيطة خاصة الأسرة 0
- يترتب على وجود طفل معاق سمعياً في الأسرة، ردود فعل سالبة للوالدين تتمثل في الصدمة، إنكار الإعاقة، فقدان الأمل في الطفل، الخوف والقلق على مستقبل الطفل - فضلاً عن الضغوط الإضافية التي تفرضها إعاقة الطفل على كاهل الوالدين0
- وجود طفل معاق سمعياً في الأسرة يؤثر سلباً على الأداء الأسرى  بل ويعد فرصة للمشكلات الأسرية0
- يرتبط التقبل الوالدى للطفل الأصم بالقدرة على التواصل بكفاءة مع أطفالهم الصم، والتي ترتبط بدورها رغبة تلك الأسرة في تعليم لغة الإشارة للأصم ، ودمجه مع المجتمع والبحث عن جميع مصادر الخدمة للاستفادة مما لديهم من بقايا سمعية ، والعمل علي تأهيلهم للمستقبل0            - أن الأسرة التي لديها معوق سمعياً ( أصم أو ضعيف السمع ) في حاجة إلي من يرشدها ويوجهها إلي كيفية مواجهة ما يقابلها من مشكلات ، ومن جانب آخر مساعدتها في كيفية تأهيل الطفل لمساعدته علي التكيف مع المجتمع حتى لايكون عالة علي أسرته ومجتمعة ...الأمر الذي يؤكد الحاجة إلي الإرشاد الأسري لأسر المعوقين سمعياً0 


المصدر: د/ علي عبد رب النبي حنفي- قسم التربية الخاصة-كلية التربية - جامعة الملك سعود
FAD

لاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين

  • Currently 83/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
27 تصويتات / 2661 مشاهدة

ساحة النقاش

FAD
الاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين هيئة ذات نفع عام لا تهدف لتحقيق ربح تأسس الاتحاد عام 1969 العنوان 32 شارع صبرى أبو علم – القاهرة الرمز البريدى 11121 ت: 3930300 ف: 3933077 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,417,323

مشاهير رغم الإعاقة