بسم الله الرحمن الرحيم

المحاماة مهنة أم وظيفة ؟

هذه الرؤية أنشرها على حضراتكم باعتبار أن الشعب أصبح شريكًا ومراقبًا فى إصدار كل القوانين.


# تمهيد :

لكل قانون أفكار ومبادىء أساسية يجب أن يقوم عليها ، وأعتقد أن القول بأن المحاماة ( مهنة ) تستقل ( النقابة ) بدعمها والقيام بمتطلباتها بات فى حاجة للمراجعة والتصحيح . لأنه إذا كانت المحاماة مهنة يعمل فيها المحامى لصالح موكله لقاء أجر ، فكيف يكون شريكًا فى تحقيق العدالة ؟ وكيف يكون قضاءً واقفًا ؟ بل وكيف يكون صاحب رسالة ؟ ، هذه العبارات التى اعتدنا على ترديدها من باب المجاملة والإطراء دون أن يكون لها على أرض الواقع أية وجود ..... آن لها أن تتحقق إذا أردنا نهضة حقيقية !!! إن الفهم الصحيح لمهنة المحاماة يعنى أن المحامى يعمل لصالح موكله بحرية واستقلال ولكن فى حدود الإطار المشروع ، فيكون ملتزمًا تجاه موكله بالعمل لصالحه وملتزمًا تجاه الدولة بالعمل فى حدود الإطار المشروع ، لتشكّل مهمته فى الالتزام الأول ( المهنة الحرة المستقلة ) وفى الالتزام الثانى طابع ( الوظيفة العامة ) ، الذى من شأنه أن يُلزم المحامى بمراعاة الصالح العام ، ولن يتأتّى ذلك إلا إذا استطاع المحامى أن يكون فى مكتبه قاضيًا حرًا وعادلاً ، يمكنه مراجعة موكله ، قائلاً له : ليس لك هذا ! ، لأجل ذلك بات المحامى فى حاجة لدعم حقيقى فى مواجهة نفسه وموكليه ، ليصبح بحق شريكًا فى تحقيق العدالة . فلا شك أن للمحامى دور هام فى تحقيق العدالة واستقرار المعاملات والعلاقات فى المجتمع ، ويبدو هذا واضحًا من وجوه عديدة أهمها :

فى مجال الثقافة القانونية :

للمحامى دور اجتماعي لا يختلف عن دور أي واعظ أو مثقف ، يفيد المجتمع بما يحمله من أفكار وعلم وبما يمتلكه من تجربة تمكّنه من ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، فلا معنى لرسالة المحاماة النبيلة بغير ذلك .

الاستشارات القانونية :

تقديم النصيحة أو الإستشارة فى المسائل القانونية أو القضائية المعروضة عليها ، عن وعي وبصيرة .

المرافعات القضائية :

المساعدة على إظهار الحقيقة بأسلوب قانونى ، وبطريقة واضحة وشفافة دون تحايل أو تدليس أو إخفاء للحقائق ، وهذا يحقق المشاركة الحقيقية فى تحقيق العدالة .


# من أوجه المعاناة فى المحاماة :

1- تخلّف الوعي الكافى فى المجتمع للدور الحقيقى للمحامى ومكانته .

2- تخلّف الثقة المطلوبة فى كثير من الأحوال بين المحامى وكل من يعامله من أفراد أو جهات .

3- تردى حالة أغلب المحامين على المستوى الأخلاقى والفنى والمادى .

4- انتفاء الدعم الفنى والمادى من جانب الدولة للمحامين .

5- جهل أغلب المحامين بحقيقة مهمتهم وطبيعتها وحدودها .

6- انتشار ثقافة تغليب مصلحة الموكل بلا حدود .

7- تغليب المصلحة الخاصة – عند أغلب المحامين – على المصلحة العامة .

# من سلبيات قانون المحاماة الحالى : # المحاماة مهنة أم وظيفة ؟

أعتقد أن إجابة هذا السؤال مهمة جدًا ، لأنها يجب أن تكون محورًا رئيسيًا لقانون المحاماة المنشود ، وبالتالى ستكفل العلاج الصحيح لكل سلبيات وآمال مهنة المحاماة والمحامين . كما أعتقد أن القول بأن : المحاماة مهنة حرة ومستقلة لا تقبل تدخل السلطة فى شئونها ، بات فى حاجة للمراجعة والتصحيح بالقدر الذى لا ينال من حرية واستقلال الدفاع ، خاصة مع الفشل الذريع للنقابة بمفردها فى الإرتقاء بالمهنة ، بدليل أن برامج المرشحين من أول النقيب العام حتى أصغر عضو واحدة لم يتحقق منها شىء منذ أكثر من عشرين عامًا .


لذلك فإننى أرى أن المدخل للقانون الجديد يجب أن ينادى باستقلال المحامين كما هى المناداة باستقلال القضاة ، استقلال القضاة من سطوة الحكام واستقلال المحامين من تعسف موكليهم وانحرافاتهم .

# المحامى يعمل لحساب موكله بمقابل :

المحامى نائب عن موكله لذلك لابد من أن يكون عمله لصالح موكله وحسابه ، وهو يتقاضى عن هذا العمل أجرًا .

# المحامى يعمل لحساب المجتمع بلا مقابل :

المحامى مطالب بالعمل لصالح المجتمع ، فهو صاحب رسالة نحو نصرة الحق ودفع الظلم ، لذلك فهو مطالب بالعمل لصالح موكله ولكن فى إطار المشروعية ، فعليه ألا يغش أو يدلّس أو يتحايل أو يزوّر وأن يكون صادقًا ، ولا ينبغى للمحامى أن يكون معينًا لظالم مضيّعًا لحقٍ . ولاشك أن المجتمع يستفيد حتمًا بالمحامى القوي الأمين ، القوي فى قدرته على البحث والتقدير والطرح ، والأمين فى العرض والطلب ، ولا شك أيضًا أن الدولة مستفيدة عندما يكون لها نصيب فى عمل المحامين ، فصلاحهم من شأنه تقليل عدد القضايا والمنازعات وسرعة الفصل فى المعروض منها بحكم أقرب ما يكون للعدل . وللأسف باستقراء الواقع نجد أن أغلب المحامين– إلا من رحم ربى - استحال عليهم تحقيق هذا المعنى . لقد تصارعت على المحامى ثلاثة مصالح ، مصلحته ومصلحة موكله ومصلحة المجتمع ، فأيهم يغلّب ؟ . لقد غلّب المحامى مصلحة موكله لا لنصرته ولكن لأن صاحبها هو وحده من سيمد يده إليه ، فلا شك أن المحامى لا يتلقى نفعًا إلا من موكله ، فبات عليه من أجله وحده أن يعمل ولو خالف فى سبيل ذلك رسالته وضميره والقانون .

# لابد أن يكون عمل المحامى لصالح المجتمع بمقابل :

ليس من المنطق أو العدل أن نطالب المحامى بالعمل لصالح المجتمع بلا مقابل ، فلا بد حتى يكون للصالح العام نصيبًا فى عمل المحامى مقابلاً يتقاضاه المحامى عينًا أو نقدًا ، ومعلنًا حتى يعلم الجميع فيراقبوه ، ويعلم الموكل أن محاميه لا يعمل لمصلحته فقط وإنما يعمل للصالح العام كذلك ، هذا هو المفهوم الصحيح الذى يجب أن تقوم عليه مهنة المحاماة ، وهو مفهوم المصلحة المزدوجة أو التمثيل المشترك .

وهنا أقول أنه يجب على الدولة والمجتمع أن تعين المحامى على موكله ، فلا تتركه ضعيفًا تجاه اغراءات موكليه وأهواء نفسه ، فلابد أن نضعه فى مكانة تمكّنه فعلاً من نصرة الحق ودفع الظلم بقوة وأمانة .

# التزامات الدولة تجاه المحامين ( المقابل ) :

الدعم الأدبى :

وهذا يكون من خلال إعادة طرح مهنة المحاماة والمحامى بمفهومهما الجديد وأن المحامى مشارك حقيقة وفعلاً فى تحقيق العدالة ، للحد الذى نستنكر عليه أي خطأ أو تجاوز ولو كان يسيرًا . فهذا ما يجب أن يستشعره الجميع ويفعّلوه .

الدعم الفنى : على الدولة أن تراعى المحامين فنيًا كما تراعى القضاة والنيابات ، وذلك من خلال كفالتها لمعهد المحاماة ومجلة المحاماة والدورات والندوات والأبحاث ، فلابد أن تنشغل الدولة بالارتقاء بالمهنة لما فيه من مصلحة مباشرة لها .

الدعم المالى :

على الدولة أن تعمل قدر المستطاع على توفير حياة كريمة للمحامين ، ومصلحتها فى ذلك متحققة حتمًا ، هذا الذى يجب أن يستشعره المحامى حتى يقبل التزامه فى عمله تجاه الصالح العام ، ومن هذا الدعم :

1- الاعفاء من الضرائب العامة ، اكتفاءً بما يتم تحصيله عند رفع الدعوى .

2- كفالة الدولة لمعاشات المحامين مقابل ما تحصله الخزانة العامة من أتعاب المحاماة .

#المفهوم الجديد :

المحاماة مهنة ذات طابع وظيفى : لذلك بات تعريف المحاماة بأنها ( مهنة ) فحسب تعريف قاصر ومُحِلاً للمحامى من أية التزامات تجاه المجتمع ، كما أنه يجعل القول بأن المحامى شريك فى تحقيق العدالة أو أنه صاحب رسالة نبيلة قول صوري غير فاعل ، بينما تعريف المحاماة بأنها : ( مهنة ذات طابع وظيفي ) هو الذى يحقق المقصود الصحيح لشراكة المحامى فى تحقيق العدل . ولابد أن تفهم الدولة أن العائد عليها من عمل القضاء والنيابات وأقسام الشرطة هو نفسه أو يزيد من عمل المحامين عندما يكونوا أقوياء وأمناء ، فتقوم حساباتها لانجاز وتحسين العملية القضائية على عدد المحامين وأوحوالهم كما تقوم بالنسبة للقضاء والنيابة . فالدولة لم ولن تحقق أية إنجاز حقيقى حينما تغفل عن المحامين فى ميزانيتها وحساباتها .

المصدر: بقلم / عصام الدفراوى

ساحة النقاش

عصام عبدالعزيز الدفراوى

EsamAldefrawy
للعلم فوائد تَعْظٌم كلما عالج مشاكل الواقع . ولابد من قراءة جيدة للواقع لتحديد المشكلة والأسباب المؤدية لها ، ثم البحث عن سُبل التصدى لها ... إن الله عز وجل لم يفرض علينا العلم لنكنزه أو نتباهى به وإنما لنعمل به . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

147,328