بقلم : عصام الدفراوى

لقد نجح النظام السابق فى وضع حواجز مادية ونفسية بين كل فئات المجتمع ، ليحول دون التقائها وتوحدها فيما تتفق عليه وتحاورها فيما تختلف فيه . فمثلاً نجده منح الحزب الوطنى امتيازات تفوق الحد المعقول ، الأمر الذى جعل هذا الحزب يتعالى ويتكبَّر على غيره ، كما جعل غيره كارهًا له حاقدًا عليه ، فوالله كنت أعلم أناس لا يفضلون المرور من أمام مبنى الحزب الوطنى كراهية له . وأيضًا نجح النظام فى وصف جماعة الإخوان المسلمين بـ ( المحظورة ) ، الأمر الذى جعل كثيرًا منا حريصًا على عدم مخالتطهم أو القرب منهم ، إما اعتقادًا بأنهم خارجين على القانون وإما اعتناقًا لمبدأ السلامة . وأيضًا نجح النظام فى عزل أقباط مصر عن مسلميها ، وذلك بتخويفهم منهم وتعهده لهم بحمايتهم ، زاعمًا أنه لا أمان لهم إلا بولائهم له . وهكذا مع الأحزاب الأخرى كالوفد والتجمع وغيرهم ، حيث همّشهم وزرع فتيل الخلاف بينهم ، فأبطل كل تأثير حقيقي لهم فى الشارع المصرى ، حتى يئس الناس منهم وفرغوا من حولهم بعد أن اقتنعوا بأنه لا جدوى لهم . وكذلك السلفيون حيث ارتضوا بما رضي لهم به النظام ، خاصة بعد أن وجدوا فيه قدرًا كافيًا لنشر العلم الدينى دون التطرق لجوانبه السياسية أو النظامية ، وبذلك تم عزلهم عن الشأن العام السياسى وعن الاختلاط والتفاعل مع غيرهم ، وكأن اعتكافهم كان عامًا لا عشرًا . إن النظام السابق كان يفهم جيدًا أن مصلحته فى تطبيق سياسة ( فرق تسد ) ، وقد فعل وأحسن ونجح ودام ما دام قادرًا على تطبيق هذه السياسة ، والدليل أنه بمجرد أن انهارت تلك الحواجز وزالت هذه الفُرقة وتحاورت الآراء وتوحدت الكلمة واصطف الجميع شعبًا واحدًا فر النظام فرارًا لا مثيل له ، فر النظام بكلمة لا بصاروخ ولا دبابة ، بقوة الجماعة والوحدة وليس دونهما ، ولما لا : فلننظر إلى المنهج القرآني والهدي النبوي ، وهو يحذو بالأمة ويسوقها إلى الوحدة التي لا تكون إلا بالأخوة والألفة ، ويدعوهم إلى الاجتماع ، وينهاهم عن الافتراق ، ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا صفت النوايا ، وانغرست المحبة في القلوب ، وانزرعت المودة في النفوس . استمع إلى أمر الله جل وعلا : ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاًوَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾ من الآية 103 سورة آل عمران ، إنها دعوة وأمر وحثّ على الاجتماع وعدم الفرقة ، إنه الأمر بالوحدة الجامعة التي لا انفصام لها بإذن الله سبحانه وتعالى . قال القرطبي في تفسير هذه الآية : " إن الله يأمر بالألفة ، وينهى عن الفرقة ، لأن الفرقة هلكة والجماعة نجاة ". وروى عن ابن مسعود أنه قال : ( حبل الله هو الجماعة ) . ويقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره - في مقالة اضافية جليلة عظيمة – يقول: " أمرهم الله بالجماعة ، ونهاهم عن الفرقة ، وقد وردت الأحاديث المتعددة في النهي عن الفرقة والأمر بالاجتماع والائتلاف - ثم قال - وقد ضمن الله لهم - أي للمسلمين - العصمة من الخطأ عند اتفاقهم واجتماعهم، وخيف عليهم الخطأ عند الافتراق والاختلاف ". فليكن كل منا مع الجماعة ويتمسك بها ، وينضم إليها ويكن من أفرادها ، ولا يكن شاذاً يدعو إلى الفرقة ، ولا يكن مخالفاً مختلفاً يشق الصفوف ، فيكون سبباً لرفع النعمة وحلول النقمة ، إن العود محمى بحزمته ضعيف حين ينفرد فلماذا الفرقة الحمقاء تحكمنا .... نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة .

ساحة النقاش

عصام عبدالعزيز الدفراوى

EsamAldefrawy
للعلم فوائد تَعْظٌم كلما عالج مشاكل الواقع . ولابد من قراءة جيدة للواقع لتحديد المشكلة والأسباب المؤدية لها ، ثم البحث عن سُبل التصدى لها ... إن الله عز وجل لم يفرض علينا العلم لنكنزه أو نتباهى به وإنما لنعمل به . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

147,305