لا شك فى أن المجتمع الاسلامى فى حاجة لتوافق السلف والإخوان ، إلى كليهما معًا ، فكلاهما حدد هدفًا وتمسك به وعضد عليه بالنواجز . فلولا الإخوان المسلمون لصرنا بغالاً – أكرمكم الله – يمتطيها الحكام الفاسدون ، فهم - دائمًا – يذكّروهم بأننا آدميون كرّمنا الله سبحانه وتعالى ومنحنا حقوقًا لا يمكن أن يسلبها أحد . وكذلك لولا السلفيون لضاعت هويتنا ولاندثرت سنن كثيرة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولغاب عنّا الكثير من مسائل العلم ، خاصة علم الحديث وعلوم الفقه المختلفة . ولكن فى في ظل غياب المشروع العام الذى يضم طاقات الأمة الفاعلة ويجمع الجهود الإصلاحية ويستوعبها داخل إطار حضارى شامل ويقوم بتنظيمها وتوجيهها بأدوات الحشد والتعبئة والتنسيق والتكامل وتوزيع الأدوار بشكل تكاملي يصنع إصلاح وتغيير للواقع المأزوم ، ومع تفتت الجهود الإصلاحية بدلاً من تضافرها ، والانشغال بالمعارك والصراعات الداخلية ( الطاحنة أو الناعمة على حد سواء ) التي تستنزف مقدرات الأمة وتهدرها فى الميدان الخطأ ، وبالتزامن مع دخول أمتنا مرحلة ( القصعة ) المتداعى عليها ، أضحت الحاجة ملحة لإستراتيجية إصلاحية جديدة تعتمد على التكامل الفطري والمنظم للجهود الإصلاحية المبعثرة وتوجيهها في الميدان الصحيح . إن مبدأ الشمولية خصيصة من خصائص الإسلام ، فشريعة الله تمثّل منهجًا شاملاً متكاملاً للحياة البشرية ، يتناول بالتنظيم والتوجيه والتطوير كل جوانب الحياة ( شمولية الزمان والمكان والموضوع ) ، كما أن شمولية الفهم لا تنافى تخصصية الممارسة ، ففهم الإسلام فهمًا صحيحًا كدين يستوعب جميع جوانب الحياة سياسية واقتصادية وأخلاقية وغيرها لا يلزم منه بالضرورة أن يكون التطبيق شاملاً لكل هذه الميادين ، فهناك فرق بين : ( شمول الفهم ) و ( شمول العمل ) . لذلك فإننى أنادى – كما نادى غيرى – بتفعيل مبدأ التخصص فى الأمة الإسلامية ، فهذا الواقع المعقد والمركب والمتشابك يفرض على العاملين فى النهضة والإصلاح ضرورة التخصص على مستوى الممارسة ، لتحقيق الإبداع والكفاءة والكفاية . والتخصص التكاملي منهج نبوي أصيل ، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع علو هممهم وقوة إيمانهم وحماسهم تخصصوا فى أدوار وفنون متكاملة منفصلة عن بعضها في أغلب الأحيان ، بحيث أبدع كلُ منهم - رضي الله عنهم جميعًا - في مجاله الذى تميز فيه ( حسان بن ثابت شعر وفصاحة بيان مع غياب المهارة الجهادية والقتالية وبالعكس خالد بن الوليد ) ، حتى اكتملت الصورة النهائية بالتخصص التكاملي فكانت تجسيداً واقعياً لشمولية الإسلام ، ﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَة ٌ ﴾ من الآية 122 سورة التوبة  . لذا يصير لزاماً على كل فرد أو جماعة التخصص بجانب من جوانب الدعوة المختلفة ، فلا بد أن يضع كل نبيل حجراً في هذا البناء الشامخ بشكل تكاملي ، فالتركيز على العلوم الشرعية لا يغني عن الممارسة السياسية المنطلقة من المرجعية الحضارية للأمة ( الأيديولجيا الإسلامية ) ، وإعطاء الأولوية للتربية وبناء الفرد المسلم المتوازن يسير بالتوازى والتتمة مع تقديم رؤية إسلامية لحل مشاكل الأمة وأزمتها الحضارية المركبة ، فيصير الاختلاف - في أوجه العطاء التخصصية - مصدر تكامل وشمول وانسجام وتآلف ، لا مصدر فرقة وتناحر داخلي حول ترتيب الأولويات أو الإمكانيات أو رؤى التشخيص والعلاج .

المصدر: راجع : عمار البلتاجي – يقظة فكر، وسلسة مقالاته بعنوان فوضى منظمة على الموقع : http://feker.net/.
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 204 مشاهدة
نشرت فى 2 إبريل 2011 بواسطة EsamAldefrawy

ساحة النقاش

عصام عبدالعزيز الدفراوى

EsamAldefrawy
للعلم فوائد تَعْظٌم كلما عالج مشاكل الواقع . ولابد من قراءة جيدة للواقع لتحديد المشكلة والأسباب المؤدية لها ، ثم البحث عن سُبل التصدى لها ... إن الله عز وجل لم يفرض علينا العلم لنكنزه أو نتباهى به وإنما لنعمل به . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

146,855