بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} آل عمران
صدق الله العظيم
البطل الشهيد عميد أركان حرب إبراهيم الرفاعى
قائد مجموعة العمليات الخاصة 39 قتال
ولد إبراهيم السيد الرفاعى فى 27 يونيو من عام 1931 بشارع البوستة القديمة بحى العباسية بالقاهرة ً. كان أبيه السيد الرفاعى رجل الادارة بوزارة الداخلية من قرية الخلالة مركز بلقاس محافظة الدقهلية رجل يقدس الواجب والنظام وعكس ذلك على حياته الاسرية .فى حين أن والدته هى إبنة المرحوم القائمقام ( عقيد) عبد الوهاب لبيب من رجال الجيش الأوفياء . وقد نشأ الصبى شأنه شأن باقى أبناء مصر فى فترة متأججة بالثورة ضد الحكم الأجنبى المتمثل فى الانجليز . ومالبثت أن إندلعت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) . وإلتحق الصبى بالمدرسة الثانوية العسكرية وخلال تلك الفترة إندلعت حرب 48 التى كان يتابع بحماس مجرياتها وأتخذ من البطل أحمد عبد العزيز قدوة ومثلاً يحتذى .
بمجرد إنهاء دراسته الثانوية إلتحق بالكلية الحربية عام 1951 وتخرج منها فى السابع والعشرين من يوليو عام 1954 . فألحق بسلاح المشاة , ولكن همة الضابط الشاب دفعته للأنضمام إلى سلاح الصاعقة الذى كان قد انشئ حديثا بالجيش المصرى وحصل على فرقته بمنطقة أبو عجيلة بسيناء وكان ترتيبه الأول على تلك الفرقة عام 1955.
ولم يمهله الوقت ليثبت مدى ما تعلمه فى هذا السلاح حيث أنه كان من أوائل المجموعات من شباب الصاعقة التى دفعتها القيادة المصرية إلى داخل بور سعيد ليقود حركة المقاومة ضد العدوان الغاشم عام 1956 وقاد الرفاعى هناك عدد من عمليات الكمائن الناجحة ضد الجيش الانجليزى توجها بواحدة من أقوى وأجرأ العمليات ألا وهى الهجوم على مدرعات العدو بمعسكرها أمام مبنى المحافظة.حيث تمكن الرفاعى مع مجموعته من على بعد 50 متر فقط محتمين ببعض البراميل الخاصه برصف الطرق من توجيه قصفتين متتاليتين بقذائفهم المضاده للدبابات دمروا فى كل مره ثلاث دبابات وفى دقائق معدوده دمر للعدو 6 من دباباته الضخمه التى كان يتباهى بها وراتجت المدينه على صوت الانفجار .
وعبثا حاول العدو تطويق المكان للقبض على الفدائيين الذين لم يجد لهم اثرا عندما دخلت هذه المجموعه الى قسم شرطه قريب فتحول افرادها الى رجال شرطه ومساجين بالحجز .
وفى اليمن فيما يعرف بالعمليه 9000 الداعمه للثوره اليمنيه التى اتخذت من ثورة مصر نموذج لها , وقاد الرفاعى كتيبة صاعقه كانت له ادوار بارزه فى المعارك والاغارات وذكرة تقارير القياده المصريه عنه فى تلك الفتره :( انه ضابط مقاتل من الطراز الاول ,جرئ وشجاع, يعتمد عليه , يميل الى التشبث برأيه , محارب ينتظره مستقبل ممتاز).
وفى احدى الايام عندما كان بمقر قيادة القوات بصنعاء عرف ان كتيبة صاعقه مصريه محاصره فى منطقة صرواح وان ذخيرتها وشكت على النفاذ وان العدو قد علم بذلك الامر فبدأ هجومه عليها وانهم استعدوا لقتال العدو بالسلاح الابيض ولما كان الجو فى ذلك اليوم مكفهرا والامطار غزيره ويتعذر استخدام الطيران خرج الرفاعى من مقر القياده الى إسنراحة الطيارين وشرح لهم موقف كتيبة الصاعقه وما يمكن ان يتعرضوا له وطلب متطوعين لانقاذ هذه الكتيبه بامدادها بالسلاح والذخائر فتقدم للمهة اكثر من طيار , وفى دقائق كانت الطائرات تقلع وتحوم حول الموقع وتنهال عليها اسلحة القوات المعاديه من كل اتجاه وكان من الصعب القاء الذخيره بالمظلات كى لا تقع فى ايدى الاعداء وامام تعذر الرؤيه يطلب الرفاعى من الطيار الانخفاض الى ارتفاع اقل مع فى ذلك من خطورة الاصطدام باحد قمم الجبال ويستجيب الطيار البطل و يتمكنوا من رؤية افراد الكتيبه و يبدأوا فى القاء صناديق الذخيره والرجال يتلقفونها فى فرحه وصوتهم يعلوا عن صوت المحرك وفى عمليه اخرى شهيره فى اليمن عام 65 كان للرفاعى دورا مؤثرا فيها وهى العمليه التى عريفة بـ (عملية الجبل الاحمر )
حيث اوكلت الى الرفاعى قيادة مجموعه من رجال الصاعقه للتسلل الى داخل مخابئ العدو بين الجبال وتدمير مخازن ذخيرته واسلحته والاشتباك معه وتحت تاثير هذه الصدمه تقوم القوات المصريه بالهجوم للاستيلاء على هذا الموقع الهام وقد رقى بعد هذه العمليه ترقيه استثنائيه الى رتبة العقيد .
وفى عام 67 عندما تعرض الجيش المصرى لمؤامرة دنيئه استهدفت تدميره من اجل اضعاف قيادته السياسيه او الاطاحه بها كلف الرفاعى اثناء انسحاب الجيش المصرى بمهمه استطلاع قتاليه مع مجموعه قليله من المقاتلين على المحور الشمالى وذلك بعمل ستاره دفاعيه للتصدى لقوات العدو المدرعه لتعطيلها عن التقدم تجاه الضفه الشرقيه للقناة حتى يعطى الفرصه للمزيد من قواتنا من الإنسحاب غربا ولاستكمال تحصين مدينة بورسعيد بالقوات اللازمه للدفاع عنها ولم تكن بالمهمه السهله للرفاعى وهو يتقدم شرقا وسط الامواج الهادره من الجنود المنسحبه وخلال الغارات الجويه للعدو ولكنه وصل للنقطه المحدده بالقرب من رمانه واحسن الانتشار بقواته ونجح فى التصدى لمقدمة لواء مدرع للعدو اجبره على التوقف عندما خشي العدو انه يصطدم بمقدمة قوة مصريه كبيره مما اتاح الوقت المطلوب وعاد الرافعى بعدد من المصابين من رجاله .
ولم تمضى أيام قليلة من نكسة يونيو المريرة إلا وكلف الرفاعى بعملية هامة وهى تلغيم قطار حربى محمل بالجنود الأسرائيلين وبعض الصواريخ المصرية التى تركت أثناء الانسحاب من طراز القاهر والظافر لعرضها داخل إسرائيل , ولم يعد الرجل ومعاونيه إلا بعد التأكد من تدمير القطار بمن عليه تدميراً تاماً.
وعندما إستقر رأى القيادة السياسية والعسكرية ضرورة القيام بعمليات عسكرية محدودة ضد العدو فى سيناء حتى يكتمل إعداد القوات المسلحة لحرب شاملة لأستعادة سيناء لم يجدوا أفضل من العقيد إبراهيم الرفاعى لقيادة مجموعة عمليات خاصة للعمل خلف خطوط العدو وكان إختياراً موفقاً حيث قام الرفاعى بنفسه بأختيار أفضل العناصر من الضباط وصف الضباط والجنود بسلاح الصاعقة والصاعقة البحرية لأعدادهم للقيام بمهامهم المرتقبة وقام الرفاعى ورجاله الذين عملوا فى البداية تحت ستار إسم منظمة سيناء العربية ثم تعددت أسمائها فقد أطلق عليها من قبل المخابرات الحربية التى كانت تشرف عليها إسم العصابة أو عصابة الرفاعى , وأطلقوا على أنفسهم إسم المجموعة 39 لأنه عند إكتمال عددهم بلغوا 39 مقاتلاً مابين ضابط وصف ضابط وجندى حسب رواية أحد كبار ضباط المجموعة ، فى حين يوجد ترجيح آخر وهو أنه عندما تعددت العمليات القتالية للمجموعة تحت أسماء مختلفة لأتسام عملياتها بالسرية وحتى لا تقع القيادة السياسية المصرية فى حرج بالخروج على الأتفاقيات الدولية بوقف إطلاق النار عقب حرب يونيو 1967 وطلب منهم إختيار إسم خاص بالمجموعة كانوا فى ذلك الوقت قد أتموا 39 عملية ضد العدوفأتخذوا إسم المجموعة 39- قتال لهم . وعندما تعددت عملياتهم ضد مواقع العدو وأحدثوا بها دمراً كبيراً دون أن يتركوا أى أثر لهم أطلق عليهم وزير الدفاع الاسرائيلى موشيه ديان إسم الأشباح . وقد قامت المجموعة 39 خلال حرب الاستنزاف بـ 55 عملية إغارة وكمين وإستطلاع داخل سيناء ضد مواقعه ودشمه الحصينة , ومطاراته ومخازن ذخائره وتشويناته وعادوا بأول أسير إسرائيلى وكانت سيناء بأكملها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب مسرحاً لعملياتهم ..
فى عمليات تلغيم مدقات وطرق مرور مدرعات العدو بسيناء يذكر جنوده أنه بعد بعد أن ينتهى هو ومن معه من عملية التلغيم يستبقى لغمين و يختار أحد الموجودين من رجال مجموعته ليصاحبه لبث اللغمين فى العمق ، ويسيرا كثيراً للداخل وكلما يشير إليه الجندى المرافق بمكان مناسب يطلب منه الرفاعى أن يستمر معه إلى مكان أبعد حتى وصلا إلى مكان قريب جداً من أحد مواقع العدوكما يروى المقاتل محمد شاكر حتى ظن شاكر أن الجندى ببرج المراقبة قد رآهما لا سيما وقد سمع سحب كتلة الترباس لسلاح الجندى الاسرائيلى فأنبطح شاكر أرضاً وطلب من قائده أن ينخفض
فيأبى الرفاعى قائلاً :
لا أنبطح فوق أرضى أبداً .. قم يارجل
وفى حرب أكتوبر المجيدة قاد الرفاعى رجاله الأشداء فى هجمات ضد مصافى بترول العدو لحرمانه من الوقود اللازم لمدرعاته , كما نصبوا الأكمنة لأحتياطياته من القوات القادمة من الداخل , وشنوا الهجمات على مخازن ذخائره وعتاده , وقطعوا طرق إمداداته .. وعندما حدثت ثغرة الدفرسوار كلف الرفاعى مع مجموعته بمنع إنتشار قوات العدو وتكبيده أكبر خسائر حتى يكتمل تشكيل القوات المكلفة بتصفية الثغرة .
وفى فجر يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وبعد أن تناول بطلنا طعام سحوره خرج الرفاعى فى مهمة إستطلاعية لقوات العدو فى قطاعه، نسلحين بأسلحة مضلدة للدبابات للأشتباك مع العجو إذ إستلزم الأمر وخرج معه ثلاثة من مقاتلى المجموعة هم الرقيب أول مصطفى إبراهيم و العريف محمد الصادق عويس , والجندى شريف ..
إنطلقت هذه المجموعة الصغيرة فى حوالى الخامسة والنصف صباحاً .. العقيد الرفاعى يتقدم المجموعة برشاقة بأفروله المموه ، وبيده اليمنى جهاز إتصال لاسلكى , ومعلقا بعنقه نظارة ميدان , وفى جانبه الأيسر مسدسه 9 مم فى جرابه المثبت بالقايش حول وسطه .. خلفه بحوالى خطوتين يسير مصطفى بقوامه الممشوق حاملاً على كتفه الأيمن قاذفه الصاروخى السويسرى الصنع عيار 75 مم يسير به برشاقة وخفة وكأنه لايحمل شيئاً علماً بأن هذا المدفع كان تسليح سيارة مجنزرة للعدو ، وليس تسليح أفراد .. وخلفهما العريف عويس يحمل عدداً لابأس به من مقذوفات ذلك المدفع داخل صندوق والتى أمكن تدبيرها من إحدى الدول العربية التى كان لديها مثل هذا السلاح بالأضافة إلى قاذفه الآر بى جيه .. ثم الجندى شريف يسير فى الخلف لتأمين ظهر الجماعة ببندقيته الآلية فى وضع إستعداد للضرب ، ومعه عدد كبير من خزائن الطلقات ، وعلى كتفه بندقية زميله الصادق عويس ..
كانت الشبورة تغطى المكان حولهم وتحجب عنهم الرؤية فى ذلك الوقت من الصباح الباكر .. ولكن ذلك لم يعوق الرفاعى وجماعته من أداء مهمتهم رغم ما فى ذلك من خطورة عليهم لما يمكن أن يؤديه من دخولهم بين إحدى وحدات العدو دون أن يشعروا .. لكنهم رجالٌ كانوا قد عقدوا العزم على وضع أرواحهم على أكفهم وتقديمها عن طيب خاطر فى سبيل كرامة مصر وفداءاً لحرية ترابها ..
شقت المجموعة طريقها وسط حقول قرية السساتر المزروعة بالذرة والتى يبلغ طول عيدانها حوالى المتر .. وآخر حدود الزراعة سار الرجال فى خط عرضى يراقبون إنتشار قوات العدو وتجهيزاته , وكانت الشمس قد بدأت فى الشروق فبددت حرارتها الشبورة الكثيفة وأوضحت لهم الرؤية .. فحدد الرفاعى بدقة أماكن تجمعات دبابات ومدفعية ومجنزرات العدو ليتم إبلاغ قوات المجموعة بالخلف بها ليتسنى التعامل معها ..
وأثناء تحرك أبطال جماعة الإستطلاع وقع نظر العقيد الرفاعى على موقع صواريخ مصرية مضادة للطائرات من طراز سام 6 المحمولة ، وبالرغم من قربها من قوات العدو إلا أنها كانت مختفية جيداً بين الأشجار .. توجه الرفاعى مع رجاله نحو تلك القاعدة التى بدت وكأنها مهجورة ، وتأكد من سلامة الصاروخين المحمولين وصلاحيتهما للأستعمال .. فأتصل بجهاز اللاسلكى وطلب من معاونه العقيد عالى نصر سرعة إرسال سائقين من سائقى المجموعة على وجه السرعة ، وحدد له موقعه ..
وما لبثت أن أتت سيارة جيب مسرعة تحمل السائقين وعادت أدراجها مسرعة .. ولم يستغرق السائقين وقتاً طويلا فى إدارة السيارة الضخمة المحملة بالصاروخين , وحدد الرفاعى لهما أفضل طريق يسلكانه للوصول إلى قواتنا فى الخلف، وسيقوم هو ورفاقه بحماية إنسحابهم .. وبالفعل تقدمت السيارة بأقصى ماتستطيعه من سرعة ، ولكن عندما وصلت لأعلى نقطة فى الهضبة الرملية التى تفصل القوات المصرية عن قوات العدو أمكن للعدو رصد هذه الصواريخ وهى تتحرك فجن جنونه لما لهذه الصواريخ من تأثير مدمر على طائراته.. فارسل على أثرها إحدى فصائله المدرعة والمكونة من دبابتين وسيارة مجنزرة محملة بالجنود المزودين بالرشاشات والهاونات الصغيرة ، وبدأوا فى إطلاق نيرانهم على الصاروخين المصريين , وهنا بدأ بطلنا مصطفى فى إطلاق قذيفته الأولى بكل ثبات نحو الدبابة الأمامية فأحدثت بها إنفجاراً كبيراً وتوقفت عن الحركة .. دارت البابة الثانية حولها وواصلت تقدمها حامية العربة المجنزرة خلفها .. وفى تلك الأ ثناء كان البطلان مصطفى والرفاعى قد تنحيا عدة أمتار عن موقع الإطلاق الأول تحسباً لما حدث بالفعل من تركيز العدو طلقاته نحوه
وحينذِ كان الدور قد حان على الرفاعى ليشتبك مع الدبابة الثانية , وبكل شجاعة حمل القاذف على كتفه ومن خلفه مصطفى يعمره له ويربت على ظهره أن القاذف جاهز للإطلاق .. كانت الطلقات والدانات تغطى المنطقة حولهم والإنفجارات تصم الآذان .. وإستطاع الرفاعى برباطة جأشه أن يدمر الدبابة الثانية .. فتقدم مصطفى إلى موقع ثالث تبادلى , وتناول القاذف من قائده وحمله على كتفه , والرفاعى خلفه يربت على ظهره ويشير له بأصبعه فى إتجاه المجنزرة المقتربة بسرعة جنونية فى إتجاههم , وعلى البعد كانت هناك أيضاً تحركات أخرى للعدو .. وفى اللحظة التى أطلق فيها مصطفى قذيفته نحو مجنزرة العدو بينما الجندى شريف منبطحا أرضاً خلف المجموعة يؤمن ظهرها من أى إلتفاف للعدو , والعريف الصادق عويس جاثياً على ركبتيه منهمكاً فى إستخراج بعض القذائف من حقيبة الذخيرة إنفجرت بينهم وخلف الرفاعى مباشرة إحدى دانات هاونات العدو .. إنفجرت قذيفة مصطفى أمام سيارة العدو المدرعة مباشرة محدثة حفرة كبيرة , وأثارت كماً كبيراً من الأتربة والغبار ، فدارت السيارة دورة كاملة على جنزيرها وفرت مذعورة بعد أن إعتقدت إنها أمام موقع مصرى منيع وسط وابل من أسلحة جنودها لتغطية إنسحابهم .. كان كل تركيز مصطفى منصباً على قوات العدو أمامه , ولم يبالى بعنف الإنفجار الذى حدث خلفه وكاد يطيح بقاذفه من فوق كتفه و وهزّ الأرض أسفل قدميه هزاً .. ولكنه فوجئ بثقل جسم قائده الذى كان واقفاً خلفه عليه .. وضع مصطفى مدفعه جانباً , وإلتفت نحو قائده فوجده فاقد الوعى ساكن الحراك .. لم يلحظ مصطفى على قائده أثراً لأية إصابة أوبقع دماء بل على العكس وجد مصطفى فى جانبى أفروله هو الواسع و وكذلك جانب ياقته العريضة ثقوباً محترقة من اثر إختراق قطع الشظايا لها .. لم يضع مصطفى الوقت فحمل قائده على كتفه ممسكاً بيمينه جهاز اللاسلكى بهوائيه البراق , وبيساره البندقية الآلية الخاصة بالعريف عويس الذى قام هو بحمل المدفع وذخيرته .. بينما الجندى شريف يجرى خلفهم إلى أعلى تلك الهضبة فى إتجاه قواتنا وهو يطلق دفعات من بندقيته الآلية فى إتجاه مصادر نيران العدو .
وفى تلك الأثناء أتت طائرة إسرائيلية هليوكوبتر مسرعة تلاحق مصطفى ورفاقه بعد أن تأكدت من جهاز الأتصال بيده و ونظارة الميدان التى تتأرجح من عنق الرفاعى , ومسدسه بالقايش ان هذا المصاب قائد مصرى كبير .. فأقتربت من مصطفى وهى تطلق نيران رشاشاتها فى خطين مستقيمين متوازيين عن يمين ويسار مصطفى ، ثم أمامه لوقف تقدمه .. حينئذٍ جثا مصطفى على ركبة ونصف وهو لايزال يحمل قائده , وصوب طلقات بندقيته التى بيده اليسرى نحو الهليوكوبتر ، وفعل مثله الجندى شريف مما منع الطائرة من الهبوط أمامهم لأسر القائد ، وأرتفعت عالية بعيداً عن تأثير الطلقات الكثيفة ..
فى تلك الأثناء كان العقيد على نصر الرتبة الأقدم فى المجموعة يدقق النظر بمنظاره الميدانى فتأكد أن ما بدا يلوح لهم على خط الأفق هو مصطفى حاملاً الرفاعى فأعطى أمراً لأحدى السيارات الجيب بالإنطلاق بأقصى سرعة نحوهم، وبالفعل وصلت الجيب إلى مصطفى فوضع فيها قائده على عجل ، وقفز هو وزملائه بالخلف يبادلون الهليوكوبتر إطلاق النيران التى أصابت إحدى عجلات السيارة .. وهنا فتحت جميع الأسلحة بالمواقع المصرية القريبة نيرانها نحو الهليوكوبتر التى فرت مصابة تنبعث غلالة من الدخان خلفها ..
وماأن وصلت الجيب التى تحمل الرفاعى إلى مقر المجموعة وهى مائلة على جانبها الأيمن لأصابة إحدى إطارتها الخلفية حتى أمر العقيد على نصر مصطفى بالذهاب مع العقيد الرفاعى على وجه السرعة إلى مستشفى الجلاء فى سيارة اخرى سليمة .. وهناك أُدخل لحظة وصوله إلى غرفة العمليات .. فجلس مصطفى شارداً على مقعد قريب من باب الغرفة لايدرى شيئاً عما يدور حوله .. وأخذت الأفكار تدور فى رأسه كشريط سينيمائى متلاحق المشاهد .. لم يكن مصطفى يتخيل مدى جسامة إصابة قائده .. فهو منذ إرتمى بجسده فوق ظهره أثناء الإشتباك مع مجنزرات العدو وحتى وصوله إلى المستشفى لم يرى بقعة دم تغطى إى جزء من جسده .. كما أنه كان يشعر بدفء جسده أثناء حمله على كتفه .. وكثيراً ما تعرض الرفاعى لمواقف اشد خطورة أثناء إقتحام مواقع العدو سواء فى حرب الإستنزاف أو فى العمليات العسكرية العديدة التى خاضها خلال حرب أكتوبر ونجاه الله منها .. وكانت الإصابات شئ روتينى وعادى بالنسبة لمقاتلى المجموعة ، وهل يقاس ما حدث له اليوم بإنفجار لغم فى سيارته من قبل اطاح بالسيارة ودمرها , وظل هو حياً إلا من إصابات فى جانب الرأس واليد اليمنى , ولم تمنعه تلك الإصابات من حضور حفل عقد قران مصطفى وتهنئته , وهو يلف يده اليمنى برباط شاش , وتغطى الضمادات جانباً من رأسه .. لابد وإنه الإرهاق هو الذى أفقده وعيه .. نعم فهو لم ينل ولو قدراً ضئيلاً من النوم أو الراحة خلال اليومين السابقين خلال مقاومة العدو فى الثغرة .. كما أنه أيضاً كان صائماً مع جواز الإفطار أثناء المعارك , إلا أنه كان حريصاً على واجبه تجاه خالقه جلّ وعلا .. نعم .. نعم .. لابد إنها إغماءة بسيطة سيتمكن الأطباء من إفاقته ويعود معى إلى المجموعة يقودها من جديد فى عمليات جريئة حتى تطهر الأرض من العدو .. لم يدرى مصطفى كم مضى عليه من الوقت وهذه الأفكار تدور فى رأسه ولم يخرجه منها إلا صوت المؤذن فى المسجد الملحق بالمستشفى يرفع آذان الجمعة " الله أكبّر .. الله أكبّر .. الله أكبّر.. الله أكبّر .. أشهد ألا إله إلا الله .. أشهد ألا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله .. أشهد أنّ محمداً رسول الله " ..
حينئذٍ خرج الطبيب من غرفة العمليات منكس الراس .. فهّب مصطفى واقفاً يستفسر منه بنظرات حائرة .. فبادره الطبيب قائلاً :
• البقاء لله ياإبنى .. قائدك أستشهد ..
ألجمت المفاجأة مصطفى وشلت حركته .. وبصعوبة بالغة نطق قائلاً:
• إزاى
• ياإبنى فيه شاظيتين إخترقتا الرئتين من الخلف أحدثتا بهما تهتكاً ونزيفاً داخليا حاداً .. حاولنا قدر الإمكان إنقاذ حياته لكن الحالة كانت خطيرة .. وإرادة الله نفذت .. إحتسبه شهيداً عند الله ..
فقد قام الرفاعى ورجاله بوقف تقدم العدو نحو الاسماعيلية حتى أصيب ولاقى ربه .. وتحققت نبؤة قائده ومعلمه جلال هريدى مؤسس سلاح الصاعقة بمصر والذى كان شاهداً على نبوغه وتفوقه عندما قال له : يا إبنى إنت حا تموت شهيد .
أحبه كل من عمل إلى جواره فكان لهم بمثابة الأخ الأكبر ، الذى جمع بين حنان وعطف الوالد وخوفه وقسوته أحياناً على أبنائه فكان من نمط القادة الذى يبدو هادئ الملامح ، دائم الابتسام ، ضاحك العينين ، سمح القسمات وهى صورة لاتعبر عن حقيقة الغليان والغضب المتفجر فى أعماقه والتى تظهر جلية فى ميدان القتال عندما يصب حمم نيرانه على مواقع العدو بضراوة وشراسة وعنف .. ومع كل هذا العنف فإنه كان يحمل فى قلبه حباً لكل الرجال الذين يعملون معه يهتم بكل أمورهم ، يتابع حياتهم الخاصة وييسر لهم كل مشاكلهم الخاصة التى يتعرضون لها ، مجاملاً لهم إلى أبعد الحدود ، وعندما يضطر يكون قاسياً معهم لا يقبل الخطأ ولا يتسامح فيه .. فالخطأ فى الميدان ثمنه حياة فرد أو أفراد .. ثمنه فشل الخطة .
كان مريضاً بقرحة فى المعدة ، وكان هناك إلحاحاً ليسافر للعلاج ليبرأ من آلامه .. وكان يرفض وكانت إجابته الوحيدة :
• مصر جريحة ، وتحتاج إلى العلاج ، وخير من يعالجها هم أبناؤها .. وبعدها يمكنهم أن يبحثوا عن علاج لأنفسهم .
وأثناء العمليات عندما تشتد آلامه أثناء الجو العاصف كان يتم حقنه بحقنة مسكنة يحتفظ بها لهذا الغرض .
كان زاهداً فى الدنيا غير ساعياً لمتاعها ، وعندما كان يسأله أحد المقربين: منه ألست بشراُ مثلنا !!؟
كان جوابه قول الله تعالى : " قل متاع الدنيا قليل" .
وما من أحد مما تعاملوا معه ، أو تحدثوا معه حديثاُ عابراً إلا وترك لديه إنطباعاً لم تمحه الأيام سواء فى حياته أو بعد إستشهاده .
فتحية إعزاز وتقدير لهذا البطل الشجاع الذى تعجز الكلمات عن إعطاءه ما يستحق من تقدير .
ما حصل عليه الرفاعى من أنواط ونياشين:-
1-نوط الشجاعة العسكرى فى 9/3/1960 .
2- نوط الشجاعة العسكرى فى 27/1/1968.
3- ميدالية الترقية الاستثنائية فى 1/6/1965 .
4- وسام النجمة العسكرية فى 5/10/1968 .
5-وسام النجمة العسكرية فى 23/10/1969.
6-وسام النجمة العسكرية فى 18/12/1969 .
7-نوط الواجب العسكرى فى 17/4/1971 .
8-وسام نجمة الشرف العسكرية فى 18/8/1971 .
9-وسام نجمة سيناء فى 19/2/1974
10-وسام الشجاعة الليبى فى 19/2/1974 .
ويعد ما حصل عليه الرفاعى من النياشين والأنواط والأوسمة لهو أكبر عدد يحصل عليه ضابط مصري.
المصدر: من كتاب " الأشباح" للكاتب أحمد على عطية الله
نشرت فى 30 أكتوبر 2010
بواسطة Eng-fatma
عدد زيارات الموقع
476,569
ساحة النقاش