يعرف "عبد الستار ابراهيم " الاكتئاب بانه ليس هو الحزن المؤقت على وفاة عزيز او ذلك الهبوط فى المزاج الذى يتملكنا بين الحين والاخر وليس هو مجرد احساس بالوحدة تنتهى بزيارة صديق او مبادلة الحديث مع احد الاصدقاء فعندما يذكر الاكتئاب تذكر معه الكثير من خصائص الاضطراب النفسى بما فيها المزاج السيء والتشاؤم والشعور بالهبوط وبطء عمليات التفكير وان كل ماكان يسرنا بالامس القريب لم يعد اليوم يحمل الا مشاعر الاسى والحزن بعبارة اخرى يعبر الاكتئاب عن كل تلك الآلام النفسية والجسمية . 

 

ويعرف "فرويد"  الاكتئاب العصابى بأنه حاله عصابية مؤقتة يثيرها فقدان عزيز وتتسم بالقلق وانتقاد الذات والحط من شأنها واستنكارها , ويعرف الدليل التشخيصى والاحصائى الرابع للاضطرابات العقلية والاكتئاب : بانه حالة مزاجية مكررة تعبر عن فقدان الاهتمام والمتعة فى معظم الاحوال , حيث يشعر المريض بالذنب وصعوبة التركيز وفقدان الشهية للطعام وتغير الوزن , وتراوده افكار حول الموت والانتحار . 

 

كما يعرف "أحمد عبد الخالق" بانه حالة انفعالية من الغم , والهم المداوم التى تتراوح بين تثبيط الهمة البسيط نسبيا والكأبه الى مشاعر القنوط والجزع واليأس ويصاحب هذه المشاعر عادة الافتقار الى المبادأة , وفتور الهمة والكسل والارق وفقدان الشهية وضعف التركيز وصعوبة اتخاذ القرارات .

 

 

 والاكتئاب حالة انفعالية يشعر فيها الفرد بالحزن وفقدان السعادة والانسحاب الاجتماعى , وفقدان الاحساس بالامن والاحساس بعدم القيمة وفقدان الامل فى المستقبل , هذا بالاضافة الى عدم القدرة على الانجاز وزيادة الحاسية الانفعالية , والشعور بالوحدة النفسية , الاحساس بالذنب نحو الذات والاخرين , كما يتسم بوجود بعض الاعراض الجسمية مثل التوهم المرضى , واضطراب الشهية والشعور بالاجهاد ونقص الوزن .

-         النظريات المفسرة للاكتئاب : -  

 

الاكتئاب مثل بقية الاضطرابات النفسية الاخرى , ويصعب ايجاد سبب دقيق له وكل ماهو متوافر عبارة عن نظريات تختلف فيما بينها فى تفسير الاكتئاب وتتناقض فى ايجاد سبب معين يتفق عليه وهناك اربعة نظريات اساسية  تقدم تفسيرات  لتطور الاكتئاب ونشأته عند الفرد . وهذه النظريات هى النظرية البيولوجية , النظرية السلوكية , النظرية المعرفية , ونظرية التحليل النفسى . ويشير كل من "انجرام " و "ماكرين" Ingram, Makarene الى انه بالرغم من ان كل نظرية قدمت اسهاما ملحوظا فى فهم جوانب متعددة من الاضطراب الاكتئابى الاانه يبقى واضحا انه ليس هناك نظرية واحدة تسطيع القول بأنها شاملة .

 

نظرية التحليل النفسى :-

 

تعد نظرية التحليل النفسى من أوائل النظريات النفسية التى شغلت بتفسير الاكتئاب والبحث عن اسبابه وتقرر نظرية التحليل النفسى ان الخرات الضاغطة الصدمية التى يواجها الفرد فى السنوات المبكرة من عمره , مثل الانفصال عن احد الوالدين أو فقده قد تجعل الاطفال مستهدفين بشكل أساسى للاكتئاب ومن ثم اذا واجه الفردبعد ذلك ضغوطا مشابهه لضغوط الطفولة فانه ينهار وتظهر عليه أعراض الاكتئاب .

 

-         كما يرى " فرويد" و " كارل أبراهام" ان الحزن يتسرب نتيجة فقدان شخص عزيز أما ما يتسم به الفرق بين الحزن العادى عن الاضطراب الاكتئابى فهو الغضب الذى يتحول الى الذات وضد الذات , ففى حين يشعر الشخص العادى بحزن شديد ازاء الفقدان , فان الشخص المكتئب لايستطيع ان يعبر عن هذا الغضب بصراحة ومن ثم يحوله بدلا من ذلك الى داخله ونتيجة لذلك يبدأ الشخص المكتئب بان يتطور لديه الاحساس بالذنب والعجز وعدم القيمة .

وبالرغم من ان علماء التحليل النفسى يتفقون بشكل عام فى نظرتهم للاكتئاب بصفته خنقا وغضبا موجها نحو الذات فأنهم يختلفون فى تحديد نوع الدوافع المحيطة والمثيرة للغضب حيث يرى " ابراهام " متأثرا بالنظرية الفرويدية المبكرة وأنه مرتبطا بالحاجة للارضاء او بالاحرى الفشل فى الارضاء الجنسى والحصول على الحب . 

 

ويرى " رادو" Rado والذى يعتبر أيضا من العلماء التحليلين الذين أهتموا بدراسة الاكتئاب ,ان الاكتئاب ماهو الاصرخة بحث عن الحب متأثرا فى ذلك بالاتجاه الفرويدى , ويصف " فرانكل " Fenichel المكتئب بأنه أنسان مدمن للحب ولكن "ببرينج" Bibring ينظر له بنظره أشمل وأكثر عصرية فيرى ان الخاصية الاساسية للاكتئاب تتمثل فى العجز عن تحقيق الحاجات أو الطموحات فيرى ان الحاجة للحب والتقدير ماهى الا واحدة من ثلاث احتياجات رئيسية تشمل ( الحاجة للقوة , الحاجة للحب , الحاجة للتقدير ) ويحدث الاكتئاب نتيجة للفشل فى الارضاء أو نتيجة للاحباط .( عبد الستار ابراهيم , 1998, ص97-98). 

 

النظرية السلوكية :- 

 

تقدم النظرية السلوكية نموذجين أساسيتين فى تفسير الاكتئاب , يذهب النموذج الاول الى ان الاكتئاب ينشأ عن مستويات منخفضة للاثابة أو مستويات مرتفعة للعقاب أو عن كليهما . أما النموذج الثانى فيفسر الاكتئاب على انه انماط سلوكية متعلمه , وتظل هذه الانماط قائمة لانها تؤدى الى اثابة للفرد مثل التعاطف والدعم من الاخرين , والاثابة غير الكافية والعقاب الزائد وتفترض بعض النظريات السلوكية ان تلقى الفرد لمستويات منخفضة من الاثابة أو لمستويات مرتفعة من العقاب أو لكلا هذين المستويين سوف يؤدى الى الاكتئاب , وتكشف الدلائل أيضا الى ان الاشخاص المكتئبين يتلقون فى الدائم اثابة أقل وعقابا أكثر من الاخرين ويتوفر دلائل ايضا تشير الى ان الاشخاص المكتئبين ينجذبون نحو الاشخاص الذين ينظرون اليهم بطريقة غير ودية أو غير مستحبة ويلتمسون الحصول على تغذية راجعية غير سارة من الاشخاص الاخرين . ومن ناحية اخرى يؤكد الباحثون أهمية دور الاثابة الذاتية والعقاب الذاتى فى الاكتئاب كما يظهر ذلك من الاشخاص المكتئبين الذين يعطون انفسهم اثابات اقل وعقابات اكثر لما يصدر عنهم من سلوك .

فالفكرة الرئيسية عند أصحاب النظرية السلوكية عن الاكتئاب هى ان الاكتئاب حدث نتيجة لتوافر مجموعة من العوامل تتضمن انخفاض تفاعلات الفرد مع البيئة المؤدية الى نتائج ايجابية له او زيادة فى معدلات الخبرات السيئة والتى تكون بمثابة عقاب للفرد .

 

 

النظرية البيولوجية الكيميائية :-

 

هناك بعض المشتبكات فى الجهاز العصى المركزى تعمل من خلال الموصولات العصبية من فصيلة الاحماض الامينية الاحادية مثل النورابنفرين NE والدوبامين DA والسيروتونين 5-HTويتم ايقاف نشاط هذة الامينات عند المتشبكات العصبية من خلال تعاطيها بشكل نشط فى النهايات العصبية ثم تكسيرها بواسطة الانزيم المؤكد للاحماض الامينية الاحادية حيث تتحول الى مادة غير فعالة فسيولوجيا وهناك وجهة نظر تشير الى ان كلا من احماض الكاتيكول الامينية واحماض الاندول الامينية لهما دورهما فى الاساس الكيميائى العصبى للاضطرابات الوجدانية , وهذا الغرض يفسر العديد من الملاحظات الاكلينيكية والتجريبية وهناك دراسات تشير الى ان بعض صور الاكتئاب ان لم يكن جميعها تكون مصحوبة بقصور نسبى أو مطلق فى الاحماض الامينية الاحادية وبخاصة النورابنفرين وانه على العكس من ذلك تكون هناك زيادة فى هذة الامينات فى حالات الهوس كما اوضحت الملاحظات بأن مستوى تركيز نواتج تمثيل الاحماض الامينية الاحادية فى الدم والسائل النخاعى الشوكى عند بعض مرضى الاكتئاب كان منخفضا مما يعنى انخفاضا فى عمليات تمثيل النورابنفرين والسيروتونين كما ان بعض المرضى يكشفون عن مستوى عالى من نواتج تمثيل هذه الامينات مما يشير الى زيادة فى تمثيل الاحماض الامينية الاحادية .

 

وتشير الدراسات الاكلينكية البيوكيميائية لعمليات تمثيل الاحماض الامينية الاحادية عند مرضى الاكتئا الى انه يمكن اقامة نمطين من الاكتئاب احدهما يمكن ان نطلق عليه النورابنفرين والاخر نمط السيروتونين .

 

النظرية المعرفية :-

 

ترى النظرية المعرفية ان الاكتئاب ينتج بشكل اساسى من ميل الفرد الى النظر لنفسه والمستقبل والعالم بنظره تشاؤمية غير معقولة وهذه النظره المشوهة للنفس والعالم والمستقبل يطلق عليها الثالوث السلبى , وينظر الشخص المتشاؤم الى نفسه على انه ليس كفئا وغير قادر وغير مرغوب فيه وهو يتوقع الفشل والنبذ وعدم الرضا وعلى هذا الاساس يدرك كل خبراته على انها تؤكد توقعاته السلبيه تلك .

 

ولهذا فان كل اعراض الاكتئاب من وجدان وسلوك وحاله جسمية ودافعية كلها ينظر لها هلى انها نتيجة مباشرة لذلك التنظيم المعرفى السلبى , وتتلخص الفكرة الاساسية لدى اصحاب النظرية المعرفية على ان نظرة الشخص المكتئب التشاؤمية فيها تشويه لواقعة وعليه ان يفترض ان لدى المكتئب تنظيم معرفى يعمل على تثبيت تفكيره التشائمى السلبى وتأكيده على الرغم من الادله التى قد تثبت العكس ويعمل ذلك التنظيم المعرفى على ترشيح الاحداث التى تواجهه الشخص ويتضمن ذلك عمليات العزل والتصنيف وتقويم المثيرات والاحداث المختلفة .  

 

Eng-fatma

Eng.fatma

  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 1393 مشاهدة
نشرت فى 16 أكتوبر 2010 بواسطة Eng-fatma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

476,562