اسم الكتاب : تعريف مفهوم الفن
المؤلف : هربرت ريد
سلسلة تصدر برعاية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي
مركز الشارقة للإبداع الفكري( مكتبة الفنون التشكيلية )
______________________________________________
لقد شغل موضوع تعريف الفن الفلاسفة منذ فجر التفكير الإنساني غير أن هذا التفكير كان يتسم عادة بالصبغة الميتافيزيقية ولكننا وجدنا أن مؤلف الكتاب قد عالج الموضوع من زاوية علمية جعلته رائدا في هذا المضمار اذ أضاف جديدا إلى منهج التفكير الجمالي .
يقول المؤلف ( أبدأ بتعريفي للفن من نقطة قد تبدو بعيدة لأول وهلة إذ أنها تحتل مكانا في نطاق العلم أكثر مما تحتله في نطاق الفن . غير أن نقطة البدء هذه جوهرية بالنسبة لهدفي وهو تكوين مدرك للفن كجزء من العملية العضوية للتطور البشري وعلى ذلك فهو شيء مختلف تمام الإختلاف عن ذلك النشاط التنميقي الذي ينسبه علماء الحياة وعلماء النفس والمؤرخون عادة إلى الفن إذ يعتبرونه وظيفة الفن الوحيدة .
إن السؤال عن ماهية الفن لهو من الأسئلة التي حاول كثير من العلماء والحكماء الإجابة عنه غير أن هذه الإجابة لم تكن مرضية للجميع فمثل الفن كمثل الأشياء الموجودة من حولنا في كل مكان كالهواء والتربة لأن الفن ليس مجرد أشياء توجد في المتاحف ومعارض الفن والمدن القديمة مثل فلورنسا وروما وباريس ومهما يكن تعريفنا للفن فهو كائن في كل ما نصنعه لإمتاع حواسنا .
تذهب أحدى مدارس علم النفس إلى أن هناك عنصرا جماليا في عملية الإدراك ذاتها . أن الحواس عامة بين البشر وقابلة لشتى أنواع التأثيرات , كما أنها متشابكة بعضها مع البعض الآخر فنقول أن الثلج يتشكل فوق البحيرة وان قطرات الندى تتشكل فوق غصن الشجرة وهكذا نجد أن المعنى الحقيقي لكلمة شكل أو هيئة هو اتخاذ شكل أو هيئة معينة .
وهذا هو معنى الشكل في الفن ولا فرق بين البناء المعماري أو التمثال أو الصورة أو القصيدة أو المعزوفة فجميع هذه الأشياء تتخذ شكلا معينا خاصة . وهذا هو شكل أو هيئة العمل الفني .
إن الشكل - في حقيقة الأمر - لا يمكن إدراكه إلا باعتباره لونا ولا يمكن الفصل بين ما نراه كشكل وما نراه كلون لأن اللون هو تفاعل يحدث بين شكل من الأشكال وبين الأشعة الضوئية الساقطة عليه . والتي بها نرى الشكل وما اللون إلا المظهر الخارجي للشكل, ومع ذلك فإن للون دورا هاما يلعبه في الفن لأن له تأثيرمباشر على حواسنا والحق أن التنوع في المجال اللوني يتمشى مع التنوع في انفعالاتنا فاللون الأحمر يتمشى مع انفعال الغضب , واللون الأزرق يتمشى مع انفعال الشوق وهكذا .. وقد يكون هناك تفسير فسيولوجي لهذا التمشي أو التوازن بين الألوان والإنفعالات . إذ أن عدد الموجات أو الأشعة الضوئية الساقطة على شبكة العين هو الذي يقرر ما نحس به من متعة أو ضيق وهذا هو الجانب الفسيولوجي للون , إلا أن للون جوانبه السيكولوجية أيضا . وثمة من يفضل الوانا على ألوان أخرى, لأنه يربطها بما يجب أو بما لا يجب بوجه عام فمن الناس من يحب اللونالأخضر لارتباطه بفصل الربيع ومنهم من يحب اللون الأزرق لأنه يذكرهم بزرقة السماء في منطقة معينة ومنهم من يكره اللون الأحمر لأنه مرتبط في أذهانهم بالخطر أو الثيران المجنونه. وقد يكون الإحساس بالسرور أو الضيق جذور في اللاشعور وهي جزء من التكوين المزاجي لكل فرد .
وينبغي في دراستنا للالوان في العمل الفني أن نتذكر حقيقتين ألولى أن أداة التسجيل أعني العين البشرية وما يتصل بها من جهاز عصبي تختلف من حيث الكفاية من شخص إلى آخر بنفس الطريقة التي تختلف بها أجهزة الاستقبال اللاسلكية من حيث الكفاية فيما بينها والحقيقة الثانية عي انه عندما نستخدم اللون لتصوير شيء ما أي لإعطاء محاكاة تصويرية له يجد الفنان أن للون خصائص بصرية معينة يمكن استخدامها للتعبير عن الفراغ وبذلك يمكن التعبير عن الشكل ذي الأبعاد الثلاثة فاللون الأحمر مثلا يبدو بارزا عن سطح اللوحة ,كما يبدو اللون الأزرق وكأنه غائر فيها . ولكن هذه جميعا حيل فنية تفصيلية يحسن تركها جانبا في الوقت الحاضر لأننا نعالج الخصائص العامة للعمل الفني .
هناك مبدأين أساسيين هما : مبدأ الشكل, وهو مشتق في رأينا من العالم العضوي ومن الجانب الموضوعي العام لجميع الأعمال الفنية . أما المبدأ الثاني فهو مبدأ الإبداع الذي يختص به عقل الإنسان ويدفعه إلى ابتكار وتذوق ابتكار الرموز والأخيلة والأساطير التي تتخذ لنفسها وجودا عاما . أما الإبتكار فهو وظيفة من وظائف التخيل .
ويصل هذان النوعان من النشاط العقلي في تفاعلهما معا إلى ما هو ابعد بكثير من جميع الجوانب النفسية للخبرة الجمالية , غير أن للفن جوانب اخرى بيولوجية واجتماعية لا يمكن لنا أن نقلل من أهميتها . وأني اعتقد أن الحياة ذاتها جمالية في منابعها الجوهرية والخفية اذ أنها ناتجة عن تجسيد الطاقة في شكل لا يكون ماديا فحسب , بل جماليا أيضا. وهذا هو المبدأ الشكلي الذي نلحظه في تطور الكون ذاته. ويبدو أنه كلما استطاع عالم الطبيعة أن يميط اللثام عن البناء الطبيعي للعالم كلما اعتمد على توافق عددي له جوانبه الجمالية الممتعة. ولا يقل عالم الطبيعة عن عالم الجمال استعدادا في تقبل نظرة إلى الكون ترى أن التباعد بين الخبرة الجمالية وما وراء الجمالية وبين الخبرة العلمية وما وراء العملية هو اساسا تباعد بين ما هو قابل للقياس وما هو غير قابل له .وما بين الملموس وغير الملموس .

المصدر : شبكة ومنتديات النافذة

  • Currently 157/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
53 تصويتات / 1595 مشاهدة
نشرت فى 7 أغسطس 2009 بواسطة EmYrOsE

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

26,297