حقُّ أنهم دفنوا عليَّا |
وحطُّوا في الثرى المرءَ الزكيّا؟ |
فما تركوا من الأَخلاق سَمْحاً |
على وجه التراب، ولا رضيَّا؟ |
مضوا بالضاحك الماضي وألقوا |
إلى الحُفَر الخَفيفَ السَّمْهَرِيَّا |
فَمَنْ عَوْنُ اللغاتِ على مُلِمٍّ |
أصاب فصيحها والأعجميَّا؟ |
لقد فقدتْ مصرفها حنيناً |
وبات مكانُه منها خَلِيَّا |
ومن ينظرْ يرَ الفسطاطَ تبكي |
بفائضة ٍ من العَبَرَاتِ رِيَّا |
أَلم يَمْشِ الثرى قِحَة ً عليها |
وكان رِكابُها نحوَ الثُّرَيّا؟ |
فنَقَّبَ عن مواضعها عَلِيٌّ |
فجَدَّدَ دارساً، وجَلا خَفِيّا |
ولولا جُهْدُهُ احتجَبَتْ رُسوماً |
فلا دمناً تريكَ لا نؤيَّا |
تلفَّتَتِ الفنونُ وقد تَوَلَّى |
فلم تجد النصيرَ ولا الوليّا |
سَلوا الآثارَ: مَنْ يَغدو يُغالي |
بها، ويروحُ مُحتفِظاً حَفِيَّا؟ |
ويُنْزِلُها الرُّفوفَ كجوهريٍّ |
يصففُ في خزائنها الحليَّا؟ |
وما جهلَ العتيقَ الحرَّ منها |
ولا غَبِيَ المُقَلّدَ والدَّعِيَّا |
فتى ً عاف المشاربَ من دنايا |
وصان عن القَذَى ماءَ المُحَيَّا |
أبيُّ النفسِ في زمنٍ إذا ما |
عَجَمْتَ بنيهِ لم تجِدِ الأَبِيَّا |
تعوّدَ أن يراه الناس رأساً |
وليس يرونه الذنبَ الدنيَّا |
وَجَدْتُ العلمَ لا يبني نُفُوساً |
ولا يغني عن الأخلاقِ شيَّا |
ولم أَر في السلاح أَضلَّ حَدّاً |
مِنَ الأَخلاق إنْ صَحِبَتْ غَوِيَّا |
همَا كالسيف، لا تنصفهُ يفسدْ |
عليكَ، وخُذْهُ مُكتمِلاً سَوِيَّا |
غديرٌ أَترعَ الأَوطانَ خيراً |
وإن لم تمتلىء منه دويَّا |
وقد تأتي الجداولُ في خشوعٍ |
بما قد يعجزُ السَّيلَ الأتيَّا |
حياة ُ مُعَلِّمٍ طفِئَتْ، وكانتْ |
سراجاً يعجبُ الساري وضيَّا |
سبقتُ القابسين إلى سَناها |
ورحتُ بنورها أحبو صبيَّا |
أخذتُ على أريبٍ ألمعيٍّ |
ومَنْ لكَ بالمعلِّم أَلْمَعِيَّا؟ |
ورب معلِّمٍ تلقاه فظَّا |
غليظ القلبِ أَو فَدْماً غَبيّا |
إذا انتدب البنون لها سيوفاً |
من الميلاد ردَّهُمُ عِصيَّا |
إذا رشد المعلمُ خلوا وفاقوا |
إلى الحرية کنساقُوا هديَّا |
أناروا ظلمة َ الدنيا، وكانوا |
وإن هو ضَلَّ كان السامِريَّا |
أرقتُ وما نسيتُ بناتِ يومٍ |
على «المطريّة » کندَفعَتْ بُكيّا |
بكَتْ وتأَوَّهَتْ، فَوَهِمْتُ شَرّاً |
وقبلي داخل الوهمُ الذَّكيا |
قلبتُ لها الحذيَّ، وكان مني |
ضلالاً أَن قلبتُ لها الحذيَّا |
زعمتُ الغيبَ خلفَ لسانِ طيرٍ |
جَهِلْتُ لسانَه فزعَمْتُ غيّا |
أصاب الغيبَ عند الطير قومٌ |
وصار البومُ بينهم نَبيّا |
إذا غَنّاهمُ وجدوا سَطِيحاً |
على فمه، وأفعى الجرهميَّا |
رمى الغربانُ شيخَ تَنُوخَ قبلي |
وراش من الطويل لها دَوِيَّا |
نجا من ناجذيْهِ كلُّ لحمٍ |
وغُودِرَ لحمهُنَّ به شَقِيَّا |
نَعَسْتُ فما وجدتُ الغَمْضَ حتى |
نَفَضْتُ على المَنَاحَة ِ مُقْلَتَيّا |
فقلتُ: نذيرة ٌ وبلاغُ صدق |
وحقٌّ لم يفاجىء مسمعيَّا |
ولكنَّ الذي بكتِ البواكي |
خليلٌ عزَّ مصرعه عليَّا |
ومَن يُفجَعْ بِحُرٍّ عبقريٍّ |
يجدْ ظلمَ المنيّة ِ عبقريَّا |
ومن تَتراخَ مُدَّتُه فيُكثِرْ |
من الأَحبابِ لا يُحْصِي النَّعِيَّا |
أخي، أقبلْ عليَّ من المنايا |
وهاتِ حديثك العذبَ الشهيَّا |
فلم أَعدِم إذا ما الدُّورُ نامت |
سميراً بالمقابر أَو نَجِيّا |
يُذكِّرني الدُّجَى لِدَة ً حَمِيماً |
هنالكَ باتَ، أو خلاًّ وفيَّا |
نَشَدْتُكَ بالمنيّة وهْيَ حقٌّ |
أَلم يَكُ زُخْرُفُ الدنيا فَرِيَّا |
عَرفْتَ الموتَ معنى ً بعد لفظٍ |
تكَّلمْ، وأكشفِ المعنى الخبيَّا |
أتاك من الحياة الموتُ فانظرْ |
أَكنتَ تموت لو لم تُلْفَ حَيَّا؟ |
وللأشياءِ أضدادٌ إليها |
تصير إذا صَبَرْتَ لها مَليَّا |
ومنقلبُ النجومِ إلى سكونِ |
من الدَّوَرانِ يَطويهنّ طيَّا |
فخبِّرني عن الماضين؛ إني |
شددتُ الرحلَ أنتظرُ المضيَّا |
وصفْ لي منزلاً حملوا إليه |
وما لمحوا الطريقَ ولا المُطِيّا |
وكيف أَتى الغنيُّ له فقيراً |
وكيف ثوى الفقير به غنيَّا؟ |
لقد لَبِسوا له الأَزياءَ شتَّى |
فلم يقبل سوى التَّجريدِ زِيَّا |
سواءٌ فيه مَنْ وافى نهاراً |
ومنْ قذف اليهودُ به عشيَّا |
ومنْ قطع الحياة صداً وجوعاً |
ومنْ مرتْ به شبعاً وريَّا |
ومَيْتٌ ضَجَّتِ الدنيا عليه |
وآخرُ ما تحسنُّ له نعيَّا |
ساحة النقاش