تحديد العلم لنوع الجنين ليس كشفاً للغيب
".. ويعلم ما في الأرحام" آخر تحديث:الجمعة ,03/04/2009

 


من الأمور الغيبية التي استأثر الله سبحانه وتعالى بها علم ما في الأرحام، مصداقا لقوله سبحانه في سورة لقمان: “إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير”، فعلم ما في الأرحام من المغيبات الخمسة التي اختص الله سبحانه وتعالى بها نفسه، ولم يطلع عليها أحدا من خلقه.


لكن بعض الناس يعتقدون أن بعض هذه المغيبات قد انكشف للإنسان خاصة علم ما في الأرحام بعد أن توصل العلم الطبي الحديث إلى معرفة نوع الجنين عن طريق الأجهزة الحديثة قبل أن يولد بعدة أشهر.


وقد تصدى للرد على هؤلاء العديد من علماء الإسلام الذين أكدوا أن معرفة نوع الجنين في بطن أمه ليس هو كل العلم الذي اختص الله نفسه به، وأن علم ما في الأرحام لم ينكشف لأحد.


يقول الداعية الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن قوله تعالى: “ويعلم ما في الأرحام” حيث زعم البعض أن العلم الحديث قد كشف ما في الأرحام لأن الأشعة تستطيع الآن أن تكشف ما في بطن المرأة وهي حامل قبل أن تلد، وتحدد نوع الجنين إن كان ذكرا أو أنثى، والعجيب أن كثيرا من المسلمين قد صدقوا هذا الكلام الذي يراد به تشكيكهم في دينهم، وأنهم بدأوا يرددونه مدعين أن العلم قد كشف فعلا ما في الأرحام.


ونحن نقول لهؤلاء وغيرهم ممن يعتقدون الآن أو قد يعتقدون مستقبلا أن أمرا غيبيا من الأمور التي اختص الله نفسه بها قد انكشف، وأصبح له شركاء في هذه المعرفة أو تلك الخصوصية: إن علم ما في الأرحام لم ينكشف لأحد، وإن مجرد معرفة نوع الجنين عن طريق الأجهزة الحديثة ليس هو علم الله العليم الخبير بكل خلقه.


دعاء زكريا


ويضيف الشيخ الشعراوي: إن الله سبحانه وتعالى قد أعطانا في القرآن الكريم لمحة لعدد من معاني كلمة “ما في الأرحام” ولنقرأ ما جاء في سورة آل عمران حيث يقول الله تبارك وتعالى: “هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء”.


زكريا نبي الله عليه السلام، لم يرزق ذرية، وتقدمت به السن، وخاف على رسالته ومنهجه من بعده، فدعا الله تبارك وتعالى أن يهبه ولدا، وكان هذا الدعاء في محراب مريم عليها السلام حينما وجد زكريا عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء.


فزكريا عليه السلام وجد طلاقة قدرة الله في رزقه، فطلب أن يهبه ولدا، وبمجرد الدعاء، أنزل الله ملائكته، فبشرت زكريا بأن الله استجاب له، مصداقا لقوله تبارك وتعالى “فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى”.


ويجب أن نتوقف هنا لنسأل: أكان دعاء زكريا وامرأته حامل في شهورها الأولى؟


الجواب طبعا: لا.


لقد كان الدعاء قبل أن تحمل زوجة زكريا، كان هذا أحد معاني كلمة “ما” التي وردت في قوله تعالى “ويعلم ما في الأرحام”.


إذن العلم هنا  كما يوضح لنا الشيخ الشعراوي  كان قبل أن يتم الحمل، وليس بعد أن تم، ونحن نريد من الذين يقولون إن العلم قد وصل إلى معرفة نوع الجنين أن يأتوا لنا بأكبر أطباء العالم ليقول لنا قبل أن يتم الحمل أن هذه المرأة ستحمل وستلد مولودا ذكرا أو أنثى.


معان أخرى


وفي قصة يحيى ابن زكريا عليهما السلام معان أخرى تكشف حقيقة الغيب الإلهي، فقول الحق سبحانه “إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين” فيه إخبار لزكريا أن امرأته ستحمل، وستضع ولدا، وسيكون سيدا ونبيا وصالحا، وسيموت شهيدا.


ولذلك نحن نطالب الذين يقولون إن أحد الغيبيات الخمسة قد انكشف أن يأتوا لنا بأكبر علماء الدنيا، وأن يسألوهم: هل في استطاعتهم أن يقولوا لنا قبل أن تحمل المرأة أنها ستحمل، وستلد مولودا ذكرا وأن هذا المولود سيكون مهندسا، أو طبيبا أو أي عمل آخر، وأن يحددوا لنا كيف سيموت ومتى؟


واستئثار الله بعلم الغيب وخاصة علم ما في الأرحام يزداد يقينا كلما قرأنا الآيات الكريمة، فزكريا يعلم أن الأسباب لا تعطيه “قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء”.


فزكريا هنا شيخ كبير وامرأته عاقر، وهكذا نرى أن الأسباب منعدمة، ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى رغم انعدام الأسباب أخبر أن امرأته ستحمل، وستلد ويكون المولود ولدا، ثم أخبره عن حياة الابن ومماته.


ومرة أخرى نحن نتحدى  والكلام على لسان الشيخ الشعراوي رحمه الله  بأن نأتي له برجل عجوز، وامرأة عجوز وعاقر، ثم يكشف لنا أحد بعلمه كل هذه الحقائق كما حدث بالنسبة لزكريا.


شريط حياة كامل


من هنا يتفق الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر مع الشيخ الشعراوي وغيره من العلماء أن علم “ما في الأرحام” ليس المقصود منه معرفة نوعية المولود: “ذكر أم أنثى” بل معناه أوسع من ذلك بكثير، لأن الله يعلم من هو أبو المولود، ومن هي أمه، قبل أن يتزوجا، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: “أويزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير”.


لقد أوضح العديد من علماء الإسلام أن كلمة “ما” في قوله عز وجل “ما في الأرحام” تعني حياة المولود من لحظة ولادته إلى لحظة وفاته: هل هو شقي أم سعيد؟ طويل أم قصير؟ ما هو لونه؟ هل هو صحيح أم مريض؟ ما هو عمره؟ وماذا سيفعل؟ ما هي الأحداث التي ستقع له؟ والتي ستقع منه؟ ماذا سيعمل؟ وأي مهنة سيحترفها؟ وأي البلاد سيسافر إليها؟ ومن سيتزوج؟ وما هو رزقه؟ وهل سيرزق بأولاد أم لا؟


إننا نستطيع أن نمضي في هذه الأسئلة بلا نهاية، فكلمة “ما” تعني شريط حياة ذلك الذي لم يخلق بعد في رحم أمه، فأين هذا كله من نوع الجنين ذكرا أم أنثى؟


علم الله.. وعلم البشر


لكن: هل معرفة نوع الجنين جزء من علم اطلع عليه خلقه لحكمة يريدها؟


يقول الشيخ الشعراوي في توضيحه لهذه النقطة: إن العلم توصل إلى نوع المولود، بعد أن خرج من علم الله إلى العلم الدنيوي بكلمة “كن” أي بعد أن بدأ خلقه وتكوينه، وأصبح له كيان مادي.


ولكن هل يستطيع العلم أن يقول لنا قبل أن تحمل الأم أي شيء عن الجنين قبل أن يبدأ تخلقه في رحم أمه؟


العلم عاجز تماما عن أن يخبرنا عن شيء، فأين علم الإنسان من علم الله سبحانه وتعالى؟!


الذين يروجون لانكشاف أحد المغيبات الخمسة، نقول لهم: تدبروا القرآن، إن الله وحده هو الذي يعلم ما في الأرحام، ويعلمه منذ الأزل، ويعلم ما ستضع كل أنثى من لحظة خلق آدم إلى يوم القيامة، بل يعلمه جل جلاله، قبل خلق آدم وحواء.

  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 194 مشاهدة
نشرت فى 3 إبريل 2009 بواسطة ElAbNoDy2000

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

51,633