تقديم للكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

اياك نعبد واياك نستعين                        [الفاتحة:5]

صدق الله العظيم

ان دراسات علم النفس ومعارفه في أوطاننا العربية مازالن لا تجد تطبيقًا في حياتنا الانسانية، رغم أن لعلم النفس كلمة نافعة ومؤثرة في مجالات الحياة المتعددة ، وربما يعود ذلك إلى أن النفس العربية بحكم ثقافتها وتربيتها مازالت تخشى مواجهة النفس على النحو الذي يكوّن لديها مقاومة للمعارف النفسية، لذلك أهملنا النفس كجزء من التكوين الإنساني على المستوى الرسمي والشعبي فالاتجاه إلى الطبيب النفسي أو الإخصائي النفسي مازال صنفا من صنوف "العيب" الذي يجب أن نستره، ذلك على الرغم من تزايد ضغوط إنسان اليوم بصفة عامة، حيث وَقع الحياة المتسارع والمسئوليات المتشابكة.

والإنسان العربي بصفة خاصة هو أوّلى شعوب الأرض اليوم بمواجهة ذاته وهو في أمَس الحاجة لكلمة سيكولوجية واستشارة نفسية ، حيث  تزايدت عليه مصادر الضغوط الناتجة عن الأحوال الاقتصادية المتدهورة والنظم السياسية المتخبطة ونقص إشباعات حاجاته النفسية الضرورية، ورغم ذلك فإن أقصى ما يفعله الإنسان العربي حين تتحول الإضطرابات النفسية عنده إلى أعراض جسمية عضوية مبرحة أن يتجه إلى قارئي الكف والدجالين، وعلى أحسن حال وربما إلى المسكنات والعلاجات الكيميائية ، حتى يجد مسمار الضغوط الحلزوني لنفسه عمقاً يتزايد شيئًا فشيئًا في نفس هذا الانسان.

والكتاب الحالي محاولة لتقديم المعرفة النفسية البسيطة عن حياة الانسان العربي المعاصر ، ماهى حاجاته النفسية الملحة وكيف يشبعها ؟ وما هو الانفعال السائد لديه في الوقت الحاضر؟

 وقد اتخذت من التنظيم الهرمي للحاجات عند "إبراهام ماسلو" سبيلاً للتعرف على الحاجات النفسية الضرورية ، وكيف يتفاعل معها الانسان العربي ، ثم قدمت تشخيصا علميا لواقع انفعالي يعاني منه هذا الانسان العربي متمثلا فيمأطلقت عليه الشعور بالقرف ، وهو انفعال عصري مركب ، فقد يكون هذا الانفعال بمثابة رد فعل لعدم استطاعة الانسان العربي المعاصر اشباع هذه الحاجات....

من هنا عرضت للقارئ  في البداية ماهية الدافع، والحاجة، وتنظيم "ماسلو" ومبادئه المفسرة لإشباع الحاجات الإنسانية، ثم عرضت نماذج لتوظيفه في الحياة المعاصرة للانسان العربي عبر موضوعات مهمة في حياته ، كالشخصية والمواطنة ومفاهيم "الرجولة" والأصالة والعولمة وحياتنا الزوجية والتربية والإبداع والتطرف والتعصب.

واذا كان من مهام المتخصص والباحث في علم النفس بصفة خاصة ومجال الدراسات الإنسانية بصفة عامة, أن يستشعر الظواهر الإنسانية والنفسية المستجدة والتي تصيب المجتمع سواء على النحو الموجب أو السالب, فيتواصل معها دراسة وتأملا, وينسج لها تنظيراً ومن ثم تفسيراً علميا ،فاني رأيت أن الانسان العربي يعاني اليوم انفعالا من نوع جديد هو الشعور بالقرف .

وقد يكون استخدام لفظ مثل "القرف" في ظاهره  يبدو خروجا على المألوف, ولكني أعتقد أن هذا الرأي يمكن تغييره إذا عرفنا أن اللفظ ذو أصول لغوية, وأن الدراسة الحالية للشعور بالقرف قد سارت طبقا للمنهج الأكاديمي, ولأن الشعور بالقرف كانفعال أصبح يتحسسه المواطن العربي وينطق به أكثر من أي وقت مضي, لذا أعتقد أن القارئ والمتخصص سوف يتجاوب ويتواصل مع اللفظ ومضمونه, إن شاء الله.

وبالطبع فإن الساحة البحثية والأكاديمية, عربية كانت أم أجنبية قد خلت من أي دراسة تتعلق بانفعال الشعور بالقرف أو حتى استخدام أي مفهوم يتعلق بهذا الانفعال ، إلا أن الدكتور حسن حنفي عام 1988 قد تناول قضية بعنوان " القرف.. تحليل لبعض التجارب الشعورية" وذلك ضمن عدة قضايا في كتابه الرائع المعنون "قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر" المنشور في دار الفكر العربي ، وقد زاد هذا التناول من دافعيتي للبحث في هذا الانفعال والتنظير له والعمل على أن يحتل مكانا ضمن دراسات تتعلق بانفعالات الإنسان المعاصر بصفة خاصة ودراسات علم النفس بصفة عامة..

إن مفاهيم مثل الاشمئزاز أو التقزز أو التبرم أو الشعور بالضيق, وغيرها قد وجدت أنها لا تستطيع أن تفي بمركب الشعور بالقرف كانفعال حاد, ومن ثم يعتبر تناول هذا الموضوع هو المحاولة الأولي للتنظير لهذا الانفعال ، ولذلك بدأت بالتعريف بهذا الانفعال على المستوي النظري والتحديد الاصطلاحي واللغوي له, ثم التنظير للشعور بالقرف كانفعال مركب, ومن ثم مناقشة زواياه المختلفة من خلال افتراضات نظرية في علاقته بأبعاد نفسية عديدة, ثم تم مناقشة الشعور بالقرف كانفعال وكجزء في البنية النفسية للإنسان.. وكان من الضروري أن تتناول الدراسة بعض المحاور السلوكية المعاصرة تلك التي رأيتها مسببة للشعور بالقرف للانسان العربي. . وبعد.. أتضرع إلى ربي سبحانه وتعالي أن يكون هذا العمل المتواضع في خدمة العلم ومريديه ، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم.....

المؤلف

 أ.د حمدي على الفرماوي

 

عمان – الأردن في 2009

 

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1004 مشاهدة
نشرت فى 3 مايو 2011 بواسطة Educpsychology

ساحة النقاش

أ.د حمدي علي الفرماوي

Educpsychology
موقع علمي سيكولوجي وثقافي يهدف الى: * نشر ماتيسر من انتاجي وانتاج تلاميذي العلمي والثقافي ( الكتب - الأبحاث - المقاييس النفسية - المقالات ) * مناقشة الظوامر السلوكية المستجدة في المجتمع والتواصل معها * مناقشة المغلوط في الثقافة النفسية * التواصل مع الجمهور من المثقفين والباحثين والمتخصصين من »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

101,697