صدر هذا الكتاب قبل الثورة وفيه تنبؤ- قي سياق موضوعي - عن الثورة وضرورتها..

وهذا جزء من تقدمة الكتاب :

من المهام المنوطة بالباحث في علم النفس بصفة خاصة ومجال الدراسات الإنسانية بصفة عامة, أن يستشعر الظواهر الإنسانية والنفسية المستجدة في المجتمع سواء أكانت موجبة أم سالبة , ويتواصل معها دراسةً وتأملاً, فينسج لها تنظيراً ومن ثم تفسيراً علمياً.

       ولقد راودني موضوع العنف وشغلني كثيراً منذ فترة غير قصيرة , فتابعت سلوكيات العنف في تدرجها وتطورها في مصر والعالم حتى أصبحت ظاهرة في المجتمع المصري, وكان الدافع الأساسي للكتاب الحالي هو عدم قناعتي بأى تفسير للعنف في بلدي صدرفي الآونة الأخيرة .. فكل التفسيرات للعنف لم تفرق بين ما’يعد سبباً وما يمثل النتيجة في الأحداث ، فالطائفية – ان كان لها وجود حقيقي – فهى نتيجة ولا تعد سبباً، والفتنة تعتبرنتيجة، والاضرابات نتيجة، والتطرف نتيجة، أما السبب فيتمثل في انفعال حاد قد تخلل البناء النفسي للمواطن المصري ، ذلك الذي أطلقت عليه الشعور بالاستئصال أوانفعال القرْف (بسكون الراء) والذي تكون عبر سنوات وسنوات حلم فيها الشعب بالعدل والديمقراطية، دون طائل..

       وقد يكون استخدام لفظ مثل "القرْف" في ظاهره  يبدو خروجاً على المألوف , ولكني أعتقد أن هذا الرأي يمكن تغييره إذا عرفنا أن اللفظ ذو أصول لغوية, وأن الدراسة الحالية للعنف ، ومن ثم الشعور بالقرْف أو الاستئصال قد سارت طبقاً للمنهج الأكاديمي, فضلاً عن أن الشعور بالقرْف كانفعال قد أصبح المواطن المصري يعبر عنه وينطق به أكثر من أي وقت مضي .

       وبالطبع فإن الساحة البحثية والأكاديمية, عربية كانت أم أجنبية قد خلت من أي دراسة تتعلق بانفعال الشعور بالقرْف أو حتى استخدام أي مفهوم يتعلق بهذا الانفعال، إلا أن الدكتور حسن حنفي عام 1988 قد تناول قضية بعنوان " القرف.. تحليل لبعض التجارب الشعورية" وذلك ضمن عدة قضايا في كتابه الرائع المعنون "قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر" المنشور في دار الفكر العربي، وقد زاد هذا التناول من دافعيتي للبحث في هذا الانفعال والتنظير له والعمل على أن يحتل مكاناً ضمن دراسات تتعلق بانفعالات الإنسان المعاصر بصفة خاصة ودراسات علم النفس بصفة عامة..

       إن مفاهيم مثل الاشمئزاز أو التقزز أو التبرم أو الشعور بالضيق, وغيرها لا تستطيع أن تفي بالمعنى المتضمن في الشعور بالقرْف كانفعال حاد, ومن ثم تعتبر الدراسة الحالية هي المحاولة الأولي للتنظير لهذا الانفعال الذي أصبح انفعالاً جديداً مساهما في انفعالات الإنسان المعاصر..

       ولقد تم التنظير للشعور بالقرْف كانفعال مركب, ومن ثم مناقشة زواياه المختلفة من خلال افتراضات نظرية في علاقته بأبعاد نفسية عديدة , ثم مناقشة الشعور بالقرْف كانفعال في علاقته ببعض أبعادالبنية النفسية للإنسان..ومن ثم يكتمل وضوحه كمحور أساسي في تفسيرالعنف المتزايد في مصر الحبيبة .. وحيث تتضح علاقة الشعور بالقرْف بدائرة العنف وتداعياته ، والتي تمثلت في الأحداث الشاذة والحوادث المريبة التي يرتكبها أبطالها في زماننا الحالي.

       وقد عرضت للمواجهة بين الإنسان والشعور بالقرْف، تلك المواجهة التي تتم بطريقة تلقائية، فوجدت أن المواجهة في جانبها الإيجابي تكون مواجهة بين الذات والذات، فيحدث مزيد من التماسك والتوافق والتعايش للإنسان .. أما على مستوي المواجهة السلبية، فإن الإنسان يصبح طرفاً في دائرة من العنف مع المجتمع, ولهذا أوضحت مدى الخطورة التي يتعرض لها السلام الاجتماعي في مصر الآن..

     وكان من الضروري أن تتناول الدراسة بعض المحاور السلوكية المعاصرة في صورة أنماط سلوكية لا منطقية، تلك التي رأيتها تمثل نماذج لهذه الأنماط المسببة للشعور بالقرْف أو الاستئصال ..

      

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 703 مشاهدة
نشرت فى 26 إبريل 2011 بواسطة Educpsychology

ساحة النقاش

أ.د حمدي علي الفرماوي

Educpsychology
موقع علمي سيكولوجي وثقافي يهدف الى: * نشر ماتيسر من انتاجي وانتاج تلاميذي العلمي والثقافي ( الكتب - الأبحاث - المقاييس النفسية - المقالات ) * مناقشة الظوامر السلوكية المستجدة في المجتمع والتواصل معها * مناقشة المغلوط في الثقافة النفسية * التواصل مع الجمهور من المثقفين والباحثين والمتخصصين من »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

101,784