ثالثا: كيف نتعاون مع المعالج في أثناء العلاج؟
الحقيقة أن تعاون الأسرة مع المعالج في أثناء العلاج يفيد فائدة كبيرة في التعجيل بعملية الشفاء و في المحافظة على التحسن الذي يتم الوصول بفضل الله تعالى إليه، و إن كان هناك في بلادنا كثير من المرضى النفسيين بوجه عام يقبلون على الطبيب النفسي دون علم أفراد أسرهم و يطلبون من الطبيب ألا يجبرهم على إعلام الأهل بأنه يعالج نفسيا، وهو ما يجعل الطبيب و المريض وحدهما في العملية العلاجية، و يجعل العلاج أصعب و أطول ولا حول ولا قوة إلا بالله. و يحتاج الأمر بالطبع إلى فهم أعضاء الأسرة كلهم لطبيعة اضطراب الوسواس القهري و نوعية الأدوية المستخدمة في علاجه و طول المدة التي يقرر الطبيب النفسي احتياج المريض إلى الاستمرار على العلاج خلالها كما أن من واجب الطبيب النفسي أن يوضح للمريض و للمتوافرين من أعضاء الأسرة احتياج المريض إلى الصبر على الدواء الذي لا يعمل إلا بعد فترة قد تصل إلى ثلاثة شهور، مع أن المريض يستخدمه كل يوم، فهذه هي النقطة التي يحتاج المريض و الأهل فيها إلى تعلم الصبر، و في الحالات التي يكون فيها الأهل متفتحون و مستعدون للتعاون يستطيع الطبيب النفسي أن يشرح لهم مفاهيم العلاج السلوكي و المعرفي، و يستطيع أن يتخذ منهم معاونين له في برنامج العلاج السلوكي الذي يتفق عليه مع المريض، و من الممكن الاستعانة بأخ المريض أو أخته، كما يمكن الاستعانة بالأبناء، بشرط أن يكونوا على قدر من الفهم و الوعي اللازمين لإدراك الفرق بين دورهم كمساعدين للمعالج و دورهم كأبناء، و أن يفرقوا بين ما تجب عليهم فيه طاعة الأم أو الأب، و بين ما هو جزء من المرض تجب عليهم إعانة الأب أو الأم عليه.
رابعا: كيف نتعاون مع المريض و المعالج في مرحلة العلاج الوقائي ؟
و لعل من أهم المفاهيم التي يجب إيصالها للناس هنا هو أن الوقاية خير من العلاج، بمعنى أن الاستمرار، على العقار بعد حدوث التحسن أفضل من تركه و إعادة المحاولة كلها بعد رجوع الأعراض، خاصة أن الدواء قد لا ينجح في كل مرة!
و من النقاط المهمة هنا في مجتمعاتنا أن يوضح الطبيب النفسي أن الدواء المستخدم في العلاج سواء كان من مجموعة الماس أو الماسا، هو دواء آمن إلى حد كبير في حدود العلم و الدراسات المتاحة منذ أكثر من عشرين عاما و حتى يومنا هذا و أن الاستمرار عليه لفترات طويلة آمن أيضا، و أن تركه في أغلب الحالات يعني أن تعود أعراض الوسواس القهري إلى الظهور.
ثم إن هناك نقطة مهمة أيضا، و هي أن نتيجة العلاج إنما تقيم بابتعاد المريض على السلوكيات القهرية التي كان يضيع أيامه في ممارستها، و بقدرته على فعل ومواجهة الأشياء التي كان يخاف من مواجهتها، و كذلك بقدرته على التغلب على الأفكار التسلطية إذا حدث أن هاجمته في لحظة ما و هو على العلاج ، لكن الغريب أن المرضى في بلادنا يريدون معنى آخر لنجاح العلاج و هو أن ينسوا أعرض المرض و فترة المرض بكل تداعياتها و تأثيراتها فيهم و في أسرهم، و من هذه التداعيات مثلا أنهم لا يزالون يتناولون الدواء الذي يشكل في الكثير من الأحيان عبئا اقتصاديا على الأسرة، أو أنهم ما زالوا يتذكرون الأفكار التي كانت تقتحم وعيهم و لا ينجحون في التخلص منها، و لا يكفيهم أنهم يستطيعون بعد العلاج التغلب عليها و التخلص منها، فهم يريدون نسيانها تماما. و الواقع أن ما يطمح إليه العلاج هو أن تكون لدى المريض القدرة على التحكم في أفكاره و أن يستطيع التناسي، لا أن ينسى ما كان، أقول هذا القول لأنني لاحظت نوعا من التعاون المستتر مع المريض ضد حالته في أثناء مرحلة العلاج الوقائي، فترى أعضاء الأسرة يوافقون بصمتهم على ترك المريض للدواء و انقطاعه عن المتابعة مع طبيبه لأنهم يرون أنه تحسن و لم يعد بحاجة إلى علاج و لا إلى طبيب، و هم في الحقيقة، فضلا عن مخالفتهم لنصائح الطبيب، إنما يعبرون عن رغبتهم في التخلص من العبء المادي و المعنوي لاستمرار المريض على العلاج، مع أن هذا هو السبيل الوحيد إذا أراد الله تعالى لمريضهم أن يبقى قادرا على التحكم في وسواسه القهري.
نشرت فى 20 أغسطس 2010
بواسطة Education-Commerce
عدد زيارات الموقع
895,369
ساحة النقاش