الشهيد مصطفى الصاوي.. عاشق الأقصى
03-08-2011
حوار: محمد يحيى
"متدين، واسع الصدر، يحب كل الناس"، ليست هذه الكلمات كافيةً لوصف البطل الشهيد مصطفى الصاوي، فالذي عرفناه عنه وما زلنا نعرفه يجعلنا نتأكد من أنه بطل تاريخي بكل المقاييس، ولن ينسى التاريخ هذا الاسم أبدًا من ذاكرته، فقد قدم روحه فداءً لهذا البلد، وآثر أن تموت روحه؛ كي تعيش أرواحنا نحن.
مصطفى الصاوي الذي استشهد عن 26 عامًا، تخرج في كلية التجارة جامعة القاهرة، وينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، كان يقطن بالعقار رقم 18 بشارع الجامع بالحوتية، وهو أحد جنود الصفوف الأولى التي تقدمت الثورة المصرية، فانتقلت روحه إلى الله واستشهد برصاص الداخلية.
كان يقوم على خدمة كتاب الله بجمال صوته، الذي أحبه كثيرون، فكان يتغنى بالقرآن، كما كان منشدًا جميل الصوت، للحد الذي دفع إمام "مسجد الحصري" أن يقف خلفه في الصلاة تاركًا له "الإمامة"؛ ليستمتع بصوته الجميل كما كان يصفه الشيخ "حسن" إمام مسجد الحصري بالعجوزة.
ثبات حتى الممات
(إخوان أون لاين) التقى عائلة الشهيد واستمع إلى رواية أقرب العيون له– أمه وإخوته ورفاقه- حيث كان قريبًا من أمه مساعدًا لها، يقضي لها ما استطاع مما تحتاج، لم يكن عاصيًا، بل كان بارًّا بها، وقريبًا منها يحكي لها كصديق مقرَّب، وقال لها في حواره الأخير معها ليلة الأربعاء 26 يناير، حينما طلبت منه الانتهاء من الجيش؛ ليتفرغ للخطوبة والارتباط، فرد عليها قائلاً: "أنا سأتزوج من خارج البلاد"، وكان صادقًا في ظنه بالله، وخصوصًا عندما قال لها: "أنا ذاهب لأستشهد".
وتقول لنا أمه ودموع عينيها لا تتوقف: أتلمس في كل شاب على أرض مصر مصطفى، فأنت مصطفى، وشباب مصر كلهم ابني مصطفى، وتصف مصطفى بأنه "كان راجل كويس وحنين"، فكان قريبًا منها يحكي لها دائمًا عما يحدث له، حتى وهو في عمله كان يتصل بها ويطمئنها أنه يتناول طعامه وأنه بخير.
صدقت نية مصطفى مع الله، فبلغه الله ما أراد، حتى إن المقربين له ذكروا أنه عند تكفين جسده الطاهر كان أصبعه ما زال مرفوعًا في وضع الشهادة، ودمه ما زال يسيل كأنه حي.
وبنبرة صوت أم مليئة بالحنين والشوق لابنها الشهيد حكت لنا أنه كان لا ينام الليل في رمضان، وكان يسهر؛ ليتلو القرآن طوال الليل حتى الفجر؛ ليقيم الليل ويصلي الفجر ولا ينام إلا عند الساعة السابعة صباحًا، منوهة إلى أن الحاجة ياسمين الحصري تكنُّ لمصطفى كل الحب حتى الآن، وكثيرًا ما تتكلم عنه في أحاديثها، وكانت تعطيه شرائط لأبيها الشيخ محمود خليل الحصري هدية له، وما زالت أمه تحتفظ بها حتى الآن.
وحكت لنا عن المشهد المتكرر له عندما كان "يقبض" راتبه آخر كل شهر ويقول لها: "خدي يا أمي"، وكان يقوم باقتطاع أجزاء من راتبه؛ كي يجهز شقته التي اشتراها له أبوه ولم يدخلها بعد، وما زالت أم مصطفى حتى الآن تنسى أنه استشهد، فتنادي عليه أو تطرق عليه الباب وكأنه ما زال موجودًا.
جدول الشهيد في رمضان
شقيقه الأكبر "إيهاب الصاوي" تحدث عن برنامج الشهيد في رمضان، فلم يكن مصطفى كسولاً، بل كان له الكثير من الأعمال في رمضان، فكان يعمل بإحدى شركات التكييف نهارًا لينتهي منها قبيل الإفطار، وبعد الإفطار كان يذهب إلى المسجد؛ ليؤم المصلين في العشاء والتراويح، والتهجد في العشر الأواخر، فكان حسن الصوت، حافظًا كتاب الله كاملاً، وكان له الكثير من أعمال البر، منها ما يعرفها الناس عنه، وما زال بعضها سرًّا بينه وبين ربه، كان طيب السمت لا يغضب من أحد ولا يغضب منه أحد لحسن خلقه.
وبصوت مخنوق غلبته الدموع أبدى محمد علي، المسئول التربوي لمصطفى، رفضه للحديث عنه؛ نتيجة تأثره الشديد بفراقه، ورشَّح محمد علي صديق مصطفى المقرب حسين عبد الرازق ليتحدث عنه قائلاً: كان يوم مصطفى ممتلئًا في رمضان، فكان يبدأ يومه قبل الفجر بصلاة قيام الليل ومن ثم صلاة الفجر في جماعة؛ ليذهب إلى عمله في مدينة 6 أكتوبر، وينتهي من عمله بعد العصر ليصل إلى منزله قبل المغرب.
وكان إفطاره على شيء يسير جدًّا، ربما بعض التمرات مع الماء أو العصير؛ ليستطيع الصلاة بالناس في صلاتي التراويح والتهجد، ثم يقوم مصطفى بمراجعة الجزء اليومي الذي سيقرأ به في الصلاة في مسجد "عمر بن عبد العزيز" بشارع عبد المنعم رياض، المتفرع من شارع البطل أحمد عبد العزيز.
ويلخِّص حسين يوم مصطفى بأنه مقسمًا ما بين القرآن والمساجد والمذاكرة؛ لأنه كان ملتحقًا بدورة في اللغة الإنجليزية.
حلمه وهدفه الصادقان
وفي إحدى الفيديوهات المنشورة له على المواقع الإليكترونية، تمنت طفلة بريئة تعلمت على يد الشهيد القرآن وحفظت أجزاء منه، بالإضافة إلى أنه كان يعلمها اللغة الانجليزية أن تنال الشهادة مثله، وأن يرزقها الله ميتة كميتته، ولكن خلال فتح فلسطين؛ لتنال الشهادة مثله كما علمهم، وأنشدت تقول وهي تبكي: "يا مصطفى اتهنى اتهنى واستنانا على باب الجنة، يا شهيد نام وارتاح واحنا نكمل الكفاح".
دموع الطفلة الصغيرة لم تكن وحدها تحمل تجسيدًا لوصف شخصية الشهيد، فإحدى عضوات جروب "الشهيد مصطفى الصاوي شهيد ثورة 25 يناير" كتبت لتؤكد أنها رأت في منامها رؤية لمصطفى ووجهه كالقمر، وتقول: "رأيت مصطفى وكأنه يمشي على وجه القمر، فقالت له: أنت مصطفى؟ مش أنت مت؟، قال لها وهو يبتسم: لا لم أمت، قلت له: هل أنت سعيد؟،قال: نعم، قلت له: لماذا؟ قال: لقد حررت الأقصى، فسألته: كيف؟، قال: نعم حررته؛ فاندهشت وابتسم لها ثم انصرف، فقالت له انتظر، قال لها وهو يمشي: أنا عارف كل حاجة، وشايف".
لم يعش مصطفى بلا حلم أو هدف، بل عاش لتحقيق هدف سامٍ ونبيل، كان حلمه تحرير المسجد الأقصى، فلم يتوان عن تحقيق ذلك حتى بعد استشهاده، وكل ذلك يفسر لِمَن يريد التعرف على حياة مصطفى: لماذا يتمسك الأطفال الذين كان يربيهم مصطفى بنفسه على تحرير القدس؟، كانت البذرة التي يزرعها البطل ويرعاها؛ كي يستريح في قبره ويطمئن أن هناك من سيكمل المسيرة من بعده
ساحة النقاش