إن مسألة الحضانة في حال الفراق بين الزوج وزوجته من المسائل الشائكة خاصة في هذا العصر الذي تتعدد فيه المشكلات والقضايا بالنسبة لتنشئة الأطفال وتربيتهم وحمايتهم من المخاطر. وتزداد المسألة تعقيدا عندما يكون الفراق بين زوجين مختلفي الديانة وما يصاحب قضايا حضانة أطفالهم من تعقيدات .

هذا في ذات الوقت الذي تتداخل فيه العواطف بين نقيضين فهناك أم حملت ولدها كرها ووضعته كرها تنتظر بره بها  وحمايته لها فتبذل كل وسيلة لصد أبيه عن نزعه منها ، وهناك أب يخشى على ولده من أم قد تحوله إلى ديانتها فيفرط منه  وهو يراه  وعندئذ يلومه من يلومه ويشمت به من يشمت .

وقد تعرض فقهاؤنا رحمهم الله  لهذه المسألة من وجهتي نظر مختلفتين ففي مذهب الإمام أبي حنيفة أهل الذمة في الحضانة بمنزلة أهل الإسلام ، لأن هذا الحق إنما يثبت نظرا للصغير وأنه لا يختلف بالإسلام والكفر وكذا اتحاد الدين ليس بشرط لثبوت هذا الحق حتى لو كانت الحاضنة كتابية  والولد مسلم كانت في الحضانة كالمسلمة 1. والحجة في ذلك أن الأنظر للصغير أن يكون عند أمه وذلك لقوة شفقتها عليه وزيادة قدرتها على التبتل بملاحظته ومصالحه وما فيه من احتمال الضرر الديني يرتفع بما ذكر وليس ثمة فرق في حضانة الأم غير المسلمة سواء كانت كتابية أو مجوسية .

ويستثنى  من حق الحضانة الأم المرتدة أو الفاجرة فجورا يضيع به الولد  سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة  كما يستثنى من هذا الحق إذا خيف على الولد أن يألف ملة أمه 2.

وفي المشهور من مذهب الإمام مالك لا يشترط في حضانة الأم أن تكون مسلمة لخبر :  لا توله والدة عن ولدها  3. وخبر :  من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة  4.

فإن خيف أن الأم تغذيهم بخمر أو خنزير ضمت إلى ناس من المسلمين ولا ينتزعون منها إلا أن تبلغ البنت وتكون عندها في غير حرز ، وشذ ابن وهب عن القول بحضانة الأم غير المسلمة ؛ لأن المسلمة إذا أثنى عليها بشر فلا حضانة لها فغير المسلمة أولى ، وقال اللخمي وهو أحسن وأحوط للولد 5.

وفي مذهب الإمام الشافعي لا حضانة لغير المسلم على المسلم ؛ لأنه لا ولاية له عليه ، ولأنه قد يفتنه عن دينه فيحضنه أقاربه المسلمون على الترتيب ، فإن لم يوجد أحد منهم فيحضنه المسلمون ومؤنته في ماله ، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته فإن لم يكن فهو من محاويج المسلمين . وقال أبو سعيد الأصطخري تثبت الولاية لغير المسلم على المسلم ؛ واستدل على ذلك بما رواه عبد المجيد بن سلمة عن أبيه قال أسلم أبي وأبت أمي أن تسلم وأنا غلام فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :  "يا غلام اذهب إلى أيهما شئت إن شئت إلى أبيك وإن شئت إلى أمك  فتوجهت إلى أمي فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول : اللهم اهده فملت إلى أبي فقعدت في حجره" 6.

وفي مذهب الإمام أحمد لا تثبت الحضانة لغير المسلم على مسلم كولاية النكاح والمال ، ولأنها إذا لم تثبت للفاسق فغير المسلم أولى ؛ لأن ضرره أكثر فإنه مجتهد في إخراجه عن دينه فيخرجه عن الإسلام بتعليمه غير الإسلام وتربيته عليه وهذا أعظم الضرر . والحضانة إنما تثبت لحفظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه 7.

ومما سبق ذكره يتبين جواز حضانة الأم غير المسلمة لولدها في مذهبي الإمامين أبي حنيفة ومالك وعدم جواز هذه الحضانة في مذهبي الإمامين الشافعي وأحمد للأدلة والأسباب التي ذكرت آنفا باختصار.

ولعل الصواب – والله أعلم – ما ورد في مذهبي الإمامين أبي حنيفة ومالك من جواز حضانة الأم غير المسلمة لولدها من زوجها المسلم ، وذلك أنه لا يماري أحد في أن شفقة الأم ورعايتها للولد في مرحلة صغره أهم من رعاية الأب له . والأدلة  على هذا كثيرة في الكتاب والسنة ؛  أما الكتاب فقد بين الله عز وجل مدى معاناة الأم في الحمل والوضع فقال:      {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن}  8. وقال عز وجل :{ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها} 9.

فمع أن الله عز وجل أمر الولد بأن يبر والديه ذكر صراحة معاناة الأم وضعفها في أثناء الحمل والولادة وتخصيصها بذلك مدعاة لتأكيد برها أكثر من الأب . وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله السائل من يبر؟ قال :" أمك قالها ثلاثا ثم قال : أبوك"10.

وفي موضع آخر روي أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :  استهما عليه  فقال زوجها من يحاقني في ولدي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :  "هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت  فأخذ بيد أمه فانطلقت به"11.

ولما حكم أبو بكر الصديق على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعاصم لأمه أم عاصم قال أبو بكر : ريحها وشمها ولطفها خير له منك حتى يشب أو تتزوج  12 ، فدلت هذه الآثار على طبيعة الأم  مسلمة وغير مسلمة  في الشفقة على ولدها وحقها في حضانته بحكم هذه الشفقة.

ولكن هذا لا يعني – بأي حال – إغفال حق الأب في ولده فإذا كانت الأم  مسلمة أو غير مسلمة  أقدر على تربية الولد في حال صغره فليست أكثر قدرة من أبيه عندما يتعدى مرحلة الصغر ؛  وذلك أن الولد عندما يبلغ هذه المرحلة يحتاج إلى تربية وتعليم ولا يقدر على ذلك سوي أبيه ؛  لأن الصبي في هذه المرحلة يدرك الأشياء ويميزها فإن كانت أمه مسلمة وجب أن يكون عند أبيه لتربيته وتعليمه وحفظه ، ولهذا يرى الأحناف عدم تخييره بعد بلوغه هذه المرحلة  ؛  لأنه إذا خير فسيختار من عنده الدعة لتخليته بينه وبين اللعب فلا يتحقق النظر 13. وإن كانت أمه غير مسلمة  وهذا هو أساس المسألة  فيخشى عليه بعد بلوغ هذه السن أن يألف دينها فوجب أن يكون عند أبيه .

وقد يقول القائل : إن الأم غير المسلمة ستعمل على تحويل الولد إلى دينها خلال الحضانة أيا كانت مدتها ، فالأولى عدم حقها في حضانته أصلا ، ويجاب عن ذلك أن الذين قالوا بحقها في الحضانة جعلوا للأب حق مراقبة ولده فإذا تحقق له خطر أمه على دينه  حق له المطالبة بنزعه منها وهذا الحق ثابت له سواء كانت الأم الحاضنة  مسلمة أو غير مسلمة فمن شروط الحضانة أمانة الحاضنة فإذا كانت فاسقة لا يؤمن مقام الولد معها سقط حقها في حضانته .

وخلاصة المسألة: أن الفقهاء تعرضوا لهذه المسألة من وجهتي نظر مختلفتين ففي مذهب  الإمام أبي حنيفة ومذهب الإمام مالك تجوز حضانة الأم غير المسلمة كتابية أو مجوسية  ما لم يخش عليه كتغذيته بمحرمات أو تأليفه لغير الإسلام . أما مذهب الإمام الشافعي وأحمد فالمشهور عدم جواز حضانتها ، لأنها ستعمل على إخراجه من دينه والحضانة إنما تثبت لحفظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه ضرر على دينه .

ولعل الصواب – والله أعلم – ما ورد في مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك من جواز حضانة الأم غير المسلمة ؛ لأن الآثار التي وردت دلت على أن طبيعة الأم  مسلمة  أو غير مسلمة  في الشفقة على ولدها ورعايته في صغره تفوق رعاية أبيه . ولكن هذا لا يعني بأي حال إغفال حق الأب في ولده ، فالأم ليست أكثر قدرة منه عندما يتجاوز مرحلة الصغر فعندما يتجاوز هذه المرحلة يدرك الأشياء ويميزها فإن كانت أمه مسلمة وجب أن يكون عند أبيه لتربيته وتعليمه وإن كانت أمه غير مسلمة وهذا هو أساس المسألة  فيخشى عليه بعد بلوغ هذه السن أن يألف دينها فوجب أن يكون عند أبيه ، والذين قالوا بحق الأم غير المسلمة في حضانة ولدها جعلوا للأب حق مراقبة ولده ، فإذا تحقق له وجود خطر على دينه حق له المطالبة بنزعه منها وهذا الحق ثابت له سواء كانت الحاضنة   مسلمة أو غير مسلمة  فمن شروط الحضانة الأمانة فإذا كانت الحاضنة فاسقة لا يؤمن مقام الولد معها سقط حقها في حضانته .محمد السطيحه المحامى 

المصدر: .محمد السطيحه المحامى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 296 مشاهدة
نشرت فى 28 إبريل 2016 بواسطة ELstehaAveocato

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,898,468