بحثاً أعده 8 من القيادات الإسلامية للرد على مزاعم «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» بتطبيق الشريعة فى مصر.. فريضة الأمر بالمعروف عانت الكثير من الغلو
الأحد، 1 يناير 2012 - 07:46
ناجح إبراهيم
نقلاً عن العدد اليومى
<!-- AddThis Button BEGIN --><!-- AddThis Button END -->
لم تصل حالة الخوف بالمجتمع المصرى من وصول التيارات الإسلامية للحكم، بعد تقدمها فى نتائج الانتخابات البرلمانية بمرحلتيها الأولى والثانية، مثل حالة الخوف فى اليومين السابقين، وتحديدا بعد إعلان تيار إسلامى - لم يعلن عن نفسه - البدء فى تأسيس هيئة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لتطبيق شرع الله فى مصر، كما ينبغى التطبيق.
وصول عدد المشتركين على الصفحة إلى 10 آلاف عضو بعد ساعات قليلة من تأسيسها، وإصدار القائمين عليها عدة بيانات عن شروط الانضمام، وتحول المناقشات فيها من على الشبكة العنكبوتية إلى أرض الواقع، وتحديدا مدينة بورسعيد، حيث قيام بعض الشباب الملتحى بتحذير أصحاب صالونات الحلاقة من حرمانية حلق اللحية للمسلمين، تحت دعوى مخالفة الشريعة الإسلامية وإلا التعرض لأذى، يقتضى منا الاحتكام إلى أشد تيار إسلامى - الجماعة الإسلامية - والقراءة فى أفكاره، ومعتقداته حول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من الجوانب كافة.
«اليوم السابع» تقدم ردا قاطعا للجماعة الإسلامية على فزّاعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، عبر بحث قيم أعده 2 من قيادات الجماعة الإسلامية، وهما على محمد على الشريف، وأسامة إبراهيم حافظ، وراجعه 6 آخرون من قيادات الجماعة، وهم كرم محمد زهدى، ومحمد عصام دربالة، وناجح إبراهيم، وفؤاد الدواليبى، وحمدى عبدالرحمن عبدالعظيم، وعاصم عبدالماجد.
البحث حمل عنوان «النصح والتبيين فى تصحيح مفاهيم المحتسبين»، وجاء فى 177 صفحة، متضمنا نموذجا فريدا لإعادة ترتيب القواعد الإسلامية، وتطبيق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بداية من تعريفها وحدودها، وكيف تتحول من فضيلة يجنى الفرد المسلم من ورائها الحسنات، إلى نقمة تنعكس عليه بالسيئات، فضلا عن رسمهم الخط الفاصل فى المسافة الشائكة بين حدود «الفرد» فى تطبيق الحسبة، وحدود «الدولة»، وكذلك فإن البحث الذى تم إعداده من قبل قادة الجماعة خلف أسوار السجون، شدد على أن الكثيرين أخطأوا عندما حولوا مسألة تغيير المنكر إلى وسيلة إيذاء، وقدمت الجماعة فى البحث 9 نماذج حقيقية على فرائضهم النظرية، مشيرين إلى أنها تشكل صدمة للبعض، لكثرة ما ألفوها فى المجتمع على أنها تتناقض مع أحكام الدين فى حين أنها صحيح الدين.
المثال الأول: اعتراض رجل وامرأة يمشيان فى الطريق بحجة أنها أجنبية
المثال الأول الذى تطرحه الجماعة هو قيام أحد الأشخاص باعتراض رجل وامرأة، يمشيان فى الطريق ليسأل الرجل عمن تصحبه وقرابته بها، وأسباب سيرهما سويا، وهل ما إذا كان بينهما نسب أم لا.
مع تبرير الجماعة للنية الصادقة لمن يعترض الرجل والمرأة أثناء سيرهما سويا، بخوفه من أن يكون مصطحبا امرأة أجنبية، يرتبط بها بوسيلة غير شرعية، إلا أن الجماعة أكدت تأكيدا قاطعا عدم جواز اعتراضهما، وقالت بالنص «هذا الكلام غير جائز لا للمحتسبب المتطوع، ولا حتى للمحتسب المعين، ما داما ليسا فى موضع ريبة، إذ أن السير فى الطريق ليس تهمة للناس، ولا يجوز أخذ الناس بسوء الظن والريبة، وافتراض التهمة فيهم، بينما ظاهرهم البراءة، واستندوا على رأيهم بما قاله الماوردى، «وإذا رأى وقفة رجل مع امرأة فى طريق، لم تظهر منها أمارات الريب لم يعترض عليها بزجر ولا إنكار».
المثال الثانى: هو اعتراض سبيل الفنانين
تقول الجماعة «اعتاد البعض أن يعترض سبيل الفنانين وفرقهم أثناء عودتهم من الأفراح، فيحطم ما معهم من آلات، ويضربهم ضرباً مبرحاً، عقاباً لهم على منكر فعلوه فى هذا الفرح كما يظنون». ويحلل قيادات الجماعة ذلك الفعل باحتوائه على عدة أوجه من المخالفات، وتقول الجماعة، هنا توجد مخالفات فى أكثر من جهة، أولاً: الحسبة لا تكون إلا فى منكر قائم، أما بعد زوال المنكر – هذا لو تيقنا حتى أنه كان هناك منكر – فإنه ليس على المحتسب حسبة بعد زواله، وثانياً: إن الضرب بعد زوال المنكر من التعزير لا من الحسبة، والتعزير من العقوبات الشرعية، وليس للمحتسب أن يفعله، وإنما يفعل ذلك القاضى، وبعد التحقيق والحكم، وثالثا: إن آلات اللهو، وإن كان أكثر الفقهاء يعتبرونها ليست من المال المتقوم، إلا أن ذلك لا يعنى ضرب حامليها دون مسوغ شرعى، لمجرد حملهم لهذا الآلات، ورابعا: إن هذا الضرب المبرح غير مشروع لا فى تغيير المنكر القائم ولا غيره، إذ إن الضرب فى تغيير المنكر، ضرب ضرورة له شروط دقيقة، أما الضرب المبرح فغير مشروع، وخامسا: إنه لا يجوز ترصد أصحاب المنكرات والتلصص والتجسس لضبطهم، بل الاحتساب يكون فى المنكر الظاهر القائم.
المثال الثالث: الشك فى ارتكاب جريمة الزنى بأحد البيوت
تقول الجماعة.. إن كثيراً ما يجىء البعض زاعماً وجود منكر فى أحد البيوت، كواقعة زنى مثلاً، فيذهب بعض الشباب بناء على هذا الخبر ،فيختبئون حتى يدخل رجل أو غيره هذا البيت، ثم يقتحمون البيت، ويشهرون بمن فيه بعد ضربهم ضربا مبرحا.
قيادات الجماعة رفضوا ذلك النهج، واعتبروه من المخالفات الشرعية، مستندين فى ذلك إلى عدة أسباب، أولها: لا يجوز تصديق شخص منفرد مجهول فى دعواه، إذ كثيراً ما يكون كاذباً يريد إيذاء برىء. وثانيا، لا يجوز البحث عن المنكر والتجسس لضبطه، إذ إن التجسس محظور، وفيه يقول الأمام الغزالى: فكل من ستر معصية فى داره وأغلق بابه لا يجوز أن يُتجسس عليه، وقد نهى عن ذلك، وثالثا فلا يجوز اقتحام البيوت على منكر مستور، وحتى فى حال ثبوت المنكر بالفعل، فإن التشهير بصاحب المنكر خطأ، ويلزم الستر عليه. خامس الأسباب التى استند إليها قيادات الجماعة أنه لا يجوز ضرب صاحب المنكر، إن كان ذلك المنكر صحيحاً، فالضرب هنا تعزير لا يجوز للأفراد، وإنما تقوم به السلطات المختصة.
المثال الرابع: رجل سكران فى الطريق
لم تترك الجماعة «شرب الخمر» من تحليلاتها وأمثلتها عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فضربت مثالا على ذلك، وقالت إنه كثيراً ما يرى البعض سكراناً فى الطريق، فينهالون عليه ضرباً، ورغم أن الخمر مرفوض تماما فى الشرع، فإن الجماعة اعتبرت ضرب «السكران» مخالفة للضوابط، وعللت ذلك بأن السكران ليس قائماً على منكر، فقد شرب وانتهى، ولا يجوز ضربه خاصة بعد زوال المنكر، فضلا عن أن الضرب فى هذه الحالة تعزير لا يقوم به المحتسب، وإنما هى عقوبة مقتصرة على القاضى فقط، مالم يكن فى سكره قد تعدى تعديا يوجب دفعه.
المثال الخامس: حرق محلات شرائط الفيديو
تضرب الجماعة مثلا آخر بقيام البعض بحرق محلات الشرائط، بدعوى وجود بعض الشرائط المخلة المخالفة للشريعة الإسلامية.. حتى تلك الفرضية ترفضها الجماعة، كتطبيق للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مستندة فى ذلك إلى وجود عدة مخالفات، أولها أن المحل به شرائط بها أشياء مشروعة وأخرى غير مشروعة، فلا يجوز أن يتعدى إزالة المنكر إلى الإضرار بما هو ليس بمنكر، وثانيا فإن من أشعل النيران فى المحل، لم يتدرج فى درجات التغيير من تعريف فضلا عن أن ضرر الحرق قد يتجاوز المحل، ويعمم على جيرانه وغيرهم وهو ما لا يجوز.
المثال السادس: رش ماء نار على المتبرجات
تقول الجماعة إن رش ماء النار على المتبرجات بدعوى أنهن قائمات على منكر، هو من أبشع المخالفات، ولا يمت بأى صلة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ودللت بأن ذلك لم يكن أبدا من وظيفة المحتسب، فالمحتسب ليس وظيفته عقوبة صاحب المنكر، وإنما ذلك دور المؤسسات المعنية من قبل السلطات، فضلا عن أن هذا التصرف البشع لا يتناسب أبداً مع حجم الخطأ المرتكب، فالمنكر هنا قوبل بمنكر أبشع منه.
المثال السابع: تحطيم الأفراح بسبب الموسيقى
تقول الجماعة إن البعض يقومون باقتحام الأفراح بسبب تشغيل الموسيقى، بل يصل الأمر إلى تحطيمها، وضرب المدعوين، بدعوى أن الموسيقى منكر، فيفسد العرس، الجماعة رصدت هنا عددا من المخالفات الشرعية، تلزم عدم القيام بذلك، أولها أن تحطيم العرس منكر عظيم، وآثاره عظيمة أشد من أى منكر آخر متوهم يبرر ذلك، وثانيا أن أثر تلك الدعوى على الناس والمجتمع منفر، وضار ينبغى تجنبه، وثالثا إن تحطيم الأشياء المباحة مع المحظورة غير جائز، ورابعا إن الضرب هنا غير مشروع للقائم على المنكر، خاصة أن المحتسب لم يلتزم الدرجات فى الحسبة، فقد تعدى بالضرب على صاحب المنكر وغيره – إن كان ثمة منكر – فضرب المذنب والبرىء، وشددت الجماعة على أنه لابد أن يضع المحتسب فى تقديره أن ذلك يشكل استفزازاً أمنياً خطيراً، يمثل تعديا على سلطات الدولة، مما يوقع صاحب هذا الفعل وغيره فى إيذاءات لا يجوز أن يعرض لها الغير.
المثال الثامن: تحطيم التليفزيون
ذكرت الجماعة أن البعض يحطم التلفاز بدعوى تقديمه منكرات، وهو الأمر الذى يتضمن مخالفات أولها، التليفزيون كآلة تحمل الحسن والقبيح، لا يجوز وصفها بالمنكر، إذ إن فيها من الخير الشىء الكثير، وثانيا أن مثل هذا التصرف–مع عدم مشروعيته -من شأنه استعداء الوالدين والأهل – دون مبرر شرعى على فاعله وعلى الدين ككل.
المثال التاسع : تغيير المنكر فى الأسواق
تقول الجماعة إنه كثيرا ما يخرج الشباب فى مجموعات إلى تجمعات المواطنين فى الحدائق العامة، للبحث عن المنكرات لتغييرها، والتنقيب عن الغش فى الميزان فى الأسواق، وما شابه ذلك، وهو الأمر الذى اعتبرته الجماعة مخالفا، لأنه لا يجب التنقيب عما غاب عنك من المنكر، وإنما المتطوع يغير المنكر الحالى القائم، فضلا عن أن جمع الأعوان وإشهار السلاح لتغيير المنكر، يرفضه جمهور الفقهاء. الأمثلة السابقة وإضافة عليها من يسكب ماء النار على وجوه المسلمات المتبرجات بدعوى الحسبة - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - فيثير الذعر بين النساء، ويهيج المجتمع على المحجبات، فيتعرضن للمضايقات، ومن يحطم ضريحا مجهولا من الخشب والطين، متصورا أنه يزيل منكرا، فبناه الناس من رخام فاخر، وصار وثنا يحج الناس إليه من أطراف البلاد، ومن يسعى للإيقاع بشبكة دعارة، ولكن بأسلوب فوضوى، لا يراعى ثوابت المجتمع وظروف البلدة.. كلها أمثلة تعكس فقدان أصحابها فقه الحسبة، وكيف أنهم أساؤوا فى عمل كان يرجى منه الإصلاح، وكم أفسدوا من حيث أرادوا الإحسان.
القاعدة والفريضة
تلك العبارة السابقة هى الأرضية التى انطلقت من خلالها الجماعة الإسلامية خلف أسوار السجون قبل 10 سنوات، لإعادة التفكير بشأن المفهوم الحقيقى للحسبة، وقاعدة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، للإجابة عن 3 أسئلة، وهى: متى وأين وكيف تطبق «الحسبة»؟. الوقوف على تعريف واضح للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، هو خير كاشف لأى لبس يقع فيه مسلم حول ذلك المفهوم، فمصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لدى الجماعة الإسلامية، يمثل تعريفين أولهما لغوى، فالمعروف هو ما يستحسن من الأفعال، وكلّ ماتعرفه النفس من الخير، وتطمئن إليه، أما المنكر فهو كل ما قبّحه الشرع، وحرّمه وكرّهه، وفى تعريفات مجمع البيان، فكلمة المعروف تعنى الطاعة، والمنكر تعنى المعصية، أما من يقوم بتطبيق قاعدة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر متطوعا، فيطلق عليه محتسب، ومن هنا جاءت كلمة «الحسبة».
أما التعريف الثانى للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، يتعلق بالتعريف العلمى، فهى القاعدة أو الفريضة التى شُرعت من الأساس لحماية المجتمع من الداخل من أبنائه، إذا حادوا عن تعاليمه.. فيحمى العقيدة والفكر من الابتداع ليحفظ صفاءها ونقاءها، ويحمى الشرائع من التحريف والتزييف، ويحمى تعاليمها من أن يتسرب إليها التهاون والتقصير فى حقها، ولذلك كان طبيعيا أن يكون لتلك الفريضة أهميتها العظيمة على صعيدى تربية الفرد والمجتمع المسلم.
إدراك الجماعة لحالة الانحدار التى أصابت عددا من المسلمين فى فهم المعانى الحقيقية لقاعدة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والمتمثل فى عدة مواقف مثل اقتحام الأفراح وتحطيم العرس لاستخدام أصوات موسيقية بصوت عال، بدعوى مخالفة الشريعة، وحرق محلات الفيديو بدعوى مخالفتها الشريعة، دفع الجماعة فى نفس الصفحة التى وضعت فيها تعريف «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، إلى الاعتراف بكل شفافية، أن تلك القاعدة عانت الكثير من الغلو فى تنفيذها، لدرجة تصرف البعض وكأنه كل الدين، ومعيار الإيمان الذى يقاس به الناس، متجاهلين تماما أنه فرض ضمن فرائض، فضلا عن أنه فرض أقل لأنه فرض وقتى يرتبط بلحظة المنكر ثم يزول، بالتناقض مع فرض مثلا كالدعوة، يُبنى على أساسه المجتمع ويبصر بها الناس، وشددت الجماعة فى اعترافها بأنه على الرغم من كون «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» أمرا ربانيا، فإنه بعض الدين لا كله، أما قمة الاعتراف، فكانت فى الصفحة 29 حيث قالت الجماعة «إن تطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، شهد فى مراحل سابقة تجاوزات ومخالفات، أدت إلى تفريغ تنفيذ هذه الفريضة من مضمونها وفاعليتها». بعد كثرة التجاوزات وتفريغ الحسبة من مضونها لسقوط الضوابط، وانتشار المفاهيم الخاطئة استلزم الأمر من الجماعة الإسلامية وقفة ومراجعة، وتصحيحا وبحسب ما قالوا فى الصفحة 171: وقفة لمحو الصورة السلبية عن «الأمر بالمعروفة والنهى عن المنكر»، ووضع صورة صحيحة أمام الناس، صورة تبين المحتسب داعية مشفق، حريص على الأخذ بأيدى الناس إلى الحق والدين، يعيش مع مجتمعه باعتباره فردا منهم، يحبونه ويحبهم، يجعل من الحسبة نبراس هداية، وليس سيفا مسلطا على رقابهم. ووضعت الجماعة الإسلامية 4 ضوابط صحيحة لتحقيق المصلحة، ودفع المفسدة، أو ما يعرف بالوسائل التى تحمى إيجابية المجتمع تجاه المنكرات والانحرافات، وتحدد العلاقة الشائكة بين الدولة والأفراد، والمنعكسة على أرض الواقع فى المحتسب المعين، والمحتسب المتطوع، فالمعين هو مكلف من قبل الدولة، أما المتطوع فهو لا يمثل إلا نفسه «فرد». الضابط الأول لتحقيق المصلحة ودفع المفسدة، هو الاستقرار على أن المحتسب المعين، هو المكلف أساساً لإيقاف المنكر، بمعنى إنه إن وجد المحتسب المعين، أو أمكن حضوره قبل حدوث الجريمة للتصدى لها، فلا مجال للإفراد فى الدخول لهذا الأمر، إلا لمساعدته على تحقيق مهمته، إن احتاج للمساعدة، سواء فى إزالة المنكر أو فى ضبط المجرمين، أو إثبات جريمتهم، وليس للمحتسب المتطوع أن يقوم عنهم بهذا الأمر، ما داموا سيتصدون هم له.
غياب المحتسب
الضابط الثانى وهو فى حال غياب المحتسب المعين ولم يتمكن من الاتصال به فى وقت يسمح له بمنع الجريمة، ولم يكن هناك مفر من وقوع الجريمة أو تدخل الأفراد لمنعها من الوقوع، هنا يأتى دور الفرد، فإن كان المنكر جريمة اصطلح المجتمع والقانون على التصدى لها، ورفضها المجتمع وكذا القانون، كجرائم المخدرات والغصب والنشل، وما شابه ذلك، فهنا تحتم الشريعة أولا ثم المروءة، أن يسارع بالتصدى للجريمة وإجهاضها، والمشاركة فى ضبط المجرمين، أما إذا كان التصدى للمنكر يوجد صداما مع المجتمع لإلفهم له، واعتيادهم عليه، أو يشكل هذا التصدى خرقاً للقانون، يوقع بصاحبه فى الأذى والمضرة، إلى جانب خرقه لأعراف الناس فيما قد يشكل صدمة لهم، أو فتنة فى المجتمع تصبح هذه المفسدة الناتجة عن هذا التصدى من فتنة المجتمع وإيذاء المحتسب المتطوع، وإيذاء أهله وجيرانه، قيداً على هذه الحسبة، وتصبح المصلحة فى تجنب ذلك، طالما سيترتب عليه منكر أشد منه، ومفسدة أكبر من مصلحة إزالة ذلك المنكر، وقد كانت التجارب فى ذلك مريرة، وهى مشكلة تتفاوت بتفاوت الأعراف والمجتمعات، وهنا قاعدة هامة يرسخها أعضاء الجماعة الإسلامية، لابد من تطبيقها فى أيامنا الحالية. أما الضابط الثالث فيتعلق بشروط استعمال الشدة مع مرتكب المنكر، وتقول الجماعة إنه ينبغى أن يفهم أن المقصود باستعمال الشدة مع مرتكب المنكر ليس ضربه بعد زوال المنكر أو قبله، فهذا من التعزير الذى لا يجوز للأفراد، وإنما هو فى محاولة دفعه عن المنكر الحالى، فيدفعه إن قاومه، بمعنى أن صاحب المنكر السارق مثلاً أو المغتصب، إن كف عن جريمته، فلا يجوز إيذاؤه بحال، إذ إن الإيذاء فى هذه الحالة يكون عقوبة ليس من سلطته إيقاعها، وإنما هى للقاضى وحده، وإنما يقتصر دور المحتسب هنا على تسليمه إلى حيث يلقى جزاءه الشرعى، إن اعتبرنا أن إفلات المجرم من العقاب، منكر ينبغى السعى فى إزالته. أما الضابط الرابع فمفاده أن التصدى لأى انحراف داخل المجتمع، ينبغى أن يكون متدرجا ولا يجوز تخطى الدرجات الأولى للوصول للأخيرة، وحددت الجماعة 5 درجات لتطبيق الحسبة - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - وهى التعريف، النصح والتخويف من الله، السب والتعنيف بالقول الغليظ والخشن، التغيير باليد، شهر السلاح وجمع الأعوان.
أول تلك الدرجات وهو التعريف، وتكون هذه بداية التحرك الإيجابى تجاه الجريمة، بعد إنكار القلب، وهنا يفترض الفقهاء جهل الشخص بأن ما يرتكبه جريمة ومعصية، ومن ثم ينبغى على المحتسب أن يبين له بأفضل الطرق الممكنة، رفقاً وإيضاحاً ولطفاً – أن ما يرتكبه منكر، وأن يدعوه إلى تركه واجتنابه، متمثلين قوله تعالى: «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أسحن»، وثانى الدرجات هو النهى بالوعظ والنصح والتخويف بالله، وهنا يفترض الفقهاء علم المواطن بأنه على منكر، حيث ننتقل فى الحوار معه إلى التخويف بالله، ومن عاقبة انحرافه فى الدنيا والآخرة، وأن يحكى له سير الصالحين والمتقين، وكل ذلك كما يقول الغزالى: «بشفقة ولطف من غير عنف وغضب بل ينظر إليه نظرة الترحم عليه، ويرى أن إقدامه على المعصية مصيبة على نفسه، إذ المسلمون كالنفس الواحدة»، وذلك لأن فى هذه النصيحة عونا للمنصوح على الشيطان، وإعذارا للناصح عند الله: «قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون»، ويشترط هنا أن تكون النصيحة فى إطار من التواضع. الفشل فى الوعظ وعدم الوصول إلى نتائج إيجابية من اللين، فى كف المجرم عن السير فى مشروعه الإجرامى هو باب الدرجة الثالثة من درجات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهى درجة «السب والتعنيف بالقول الغليظ الخشن»، غير أن الكلام هنا له ضوابطه، حتى لا يتحول إلى مشاتمة، وخروج عن روح الشريعة فى حفظ اللسان عن المنكر، فينبغى أن يكون الكلام صدقاً، فلا يجوز أن يوصف بما ليس فيه، وكذا ينغبى ألا يكون فحشاً، ويلزم أيضاً ألا يصل إلى القذف والرمى بالزنى وإنما يقال له ألفاظ، تنم عن الزجر مثل «يا أحمق أو يا جاهل» أو ما شابه ذلك، وقد قدم لنا القرآن نموذجا راقياً فى رد إبراهيم عليه السلام على قومه لما رفضوا الاستجابة لحجته الناصعة فأجابهم: «أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون». وأوضح قيادات الجماعة أدبين هامين عند تنفيذ تلك المرحلة، أولهما أنه لا يلجأ إليه إلا بعد استنفاد المرحلتين اللتين تسبقه، ويكون ذلك عند الضرورة، وبقدر الضرورة لا يجاوزها، والثانى هو الالتزام بالآداب الشرعية، فلا فحش ولا قذف ولا تجاوز، إذ ينبغى عدم الاسترسال إلا بالقدر الذى يظهر الغضب والاستنكار والازدراء بسبب معصيته.
التغيير باليد
مرحلة التغيير باليد، وهى المرحلة الرابعة، قسمتها قيادات الجماعة الإسلامية إلى 3 مراحل، تتدرج فى الاستعمال، الأولى: هى قصد المنكر بالعنف دون صاحبه، فمن وجد يشرب خمراً انتزعت منه الزجاجة دون التعرض له، ومن وجد يستعمل المخدرات اتلفت من يده المخدرات، وغير ذلك، والثانى هو التهديد بالضرب، وذلك كأن يقول له لتدعن هذا أو لأكسرن رأسك، أو ما شابه ذلك، والثالث هو مباشرة الضرب إن فشلت كل الوسائل السابقة باليد والرجل مما ليس فيه شهر سلاح، أو جمع أعوان والدرجات الثلاث تحمل قاسماً مشتركاً، يتمثل فى الانتقال من استخدام الوعظ والتخويف إلى استخدام العنف والشدة، ويلزم ضبطها كما يقول الفقهاء بالضرورة وجوداً وقدراً، فلا يجوز الانتقال إليها إلا للضرورة، ولا تستخدم إلا بالقدر الذى يحقق الهدف فقط، هذا فضلاً عن ضرورة موافقة هذا التحرك للأساليب الشرعية المعهودة، فلا يجوز التهديد بالمحرم كالتهديد بالنهب والسرقة وأشباهه، أو التهديد بما لا يمكن تحقيقه لسبب شرعى أو عملى.
المرحلة الخامسة والأخيرة هى مرحلة شهر السلاح وجمع الأعوان، وقالت الجماعة فى ذلك الصدد، أن الفقهاء استقروا إلى عدم جواز جمع الأعوان وشهر الأسلحة لإزالة المنكر، دون الرجوع للسلطان والحصول على إذن.
وشددت الجماعة فى نهاية البحث عن أن الالتزام بالدرجات واجب على المحتسب، ولا يجوز بأى حال تجاوزها وتخطيها، فالأصل فى الاحتساب هو الدعوة والموعظة، وأن السعى لمشاركة المجتمع فى تنقيته من الانحراف، مشيرة إلى أنه أخطأ الكثيرون فى حق أنفسهم أولاً، وفى حق مجتمعهم ثانياً، عندما حولوا مسألة تغيير المنكر إلى وسيلة للإيذاء، فتجاوزوا هذه المراحل الشرعية واجبة التنفيذ، وانطلقوا بدعوى التصدى للمنكرات فى ممارسة أشكال من المخالفات، عانى منها الجميع، أضرت بهم وأساءت لفرض شرعى فى مفهوم الناس والمجتمع، وبدلا من أن يكون عملهم هذا وسيلة لجذب القلوب إلى الحق، وتشجيعا للمجتمع على أن يكون إيجابيا تجاه الخلل، مشاركاً بصدق فى تصحيحه، تحولت الحسبة إلى فتن وتجاوزات وصدامات، أفسدت فى كثير من الأحيان أكثر مما أصلحت.
15محظورا للجماعة الإسلامية حول تطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
وضع قيادات الجماعة الإسلامية محاذير أساسية، لا تنطبق عليها فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى حال تطبيقها، وفقا للضوابط الشرعية وتتمثل تلك المحاذير فى.
1 - سير رجل وامرأة فى الطريق ليس تهمة، واعتراضها بدعوى مخالفة الشرع لا يجوز، ما لم تظهر علامات الريبة.
2 - اعتراض طريق الفنانين وفرقهم أثناء عودتهم من الأفراح، وتحطيم ما معهم من آلات لا يجوز، لأن الحسبة لا تكون إلا فى منكر قائم « الفرح».
3 - الضرب بعد زوال المنكر من التعزيرات، والتعزيرات من العقوبات الشرعية، وهو محظور على المحتسب أن يفعله، فهو من حق القاضى الشرعى فقط.
4 - لا يجوز ضرب صاحب المنكر، حتى إن كان المنكر صحيحاً، فالضرب هنا تعزير لا يجوز للأفراد، وإنما تقوم به السلطات المختصة.
5 - لا يجوز ترصد أصحاب المنكرات والتلصص لضبطهم، بل الاحتساب يكون فى المنكر الظاهر القائم.
6 - لا يجوز البحث عن المنكر، والتجسس لضبطه، إذ إن التجسس محظور وحسبما يقول الإمام الغزالى: «فكل من ستر معصية فى داره، وأغلق بابه، لا يجوز أن يُتجسس عليه».
7 - لا يجوز اقتحام البيوت على منكر مستور، وحتى فى حال ثبوت المنكر بالفعل، فيجب الستر عليه، لأن التشهير بصاحب المنكر خطأ أكبر.
8 - على الرغم من أن الخمر حرام شرعا، فإن ضرب السكران مخالفة للضوابط، لأن السكران ليس قائما على منكر فهو شرب وانتهى.
9 - لا يجوز الاعتداء بإزالة المنكر إلى الإضرار بما هو ليس منكر، كمن يشعل النيران فى محل لبيع شرائط فيديو.
10 - إشعال النيران فى محال لبيع شرائط فيديو غير جائز، لأنه لم يتدرج درجات التغيير.
11 - رش ماء النار على المتبرجات بدعوى أنهن قائمات على منكر، هو من أبشع المخالفات، ولا يمت بأى صلة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
12 - وظيفة المحتسب ليست معاقبة صاحب المنكر، وإنما تلك وظيفة المؤسسات المعنية.
13 - تحطيم الأشياء المباحة مع المحظورة غير جائز.
14 - لا يجب التنقيب عما غاب عنك من المنكر، وإنما المتطوع يغير المنكر الحالى القائم.
15 - جمع الأعوان، وإشهار السلاح لتغيير المنكر، يرفضه جمهور الفقهاء
ساحة النقاش