كانت الفكرة فى سن قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952 ثم تعديله بالقانون 173 لسنة 1953 هى أن تتم محاسبة قانونية لجرائم لم يكن المشرع قد تصورها عندما وضع القوانين السابقة.. وعلى سبيل المثال نتحدث عما حدث فى 2010 ومدى الحاجة إلى قانون للغدر نبدأ بما حدث فى تعديل الدوائر الانتخابية بقصد إقصاء نواب معارضين عن طريق إلغاء دوائرهم.. يضع مسئول حزبى قصير النظر عديم البصيرة مشروعه هذا ثم يفرضه على مجلس الشعب باعتباره ضامناً للأغلبية ويصدر هذا القانون المعيب وهنا لابد أن نتعلم من التاريخ فننبه نواب المجلس البرلمانى القادمين إلى أنهم سيعاقبون على مجرد سماحهم بمثل هذا العبث الذى مارسه أسلافهم تحت دعوى إنه كان هناك تصويت وكان هناك التزام حزبى.. وهذا التلاعب بفكرة التصويت وبفكرة الأغلبية لابد أن يكون عليه عقاب.. وهذا التلاعب بفكرة الالتزام الحزبى لابد أن يكون عليه عقاب ولابد أن يمتد هذا العقاب إلى كل من ساهم فى الجرم حتى يخشى الناس من الإجرام المقنن.

سيقول بعض القراء: وهل تنتظر من أعضاء حزب أغلبية أن يساعدوا الأقلية على الوجود؟ سأرد على هؤلاء بأن الديمقراطية فى جوهرها ليست إلا تمكينا للأقلية ورأيها. وسأعود بهؤلاء إلى عشرين عاماً من الزمان حين كان نظام مبارك نفسه فى عنفوانه، وعرض على مجلس الشعب قانون النقابات المهنية الذى أوقف حال هذه النقابات، عرض هذا القانون للتصويت نداء بالاسم.. وهنا كانت المفاجأة فقد كان من المعارضين لهذا القانون اثنان من أكبر أقطاب النظام الحاكم لكنهما كانا يعرفان حقيقة أن الأغلبية لن تمنع عنهما العقاب المعنوى ولا عقاب التاريخ ولا عقاب الضمير ولم يقل أى منهما لنفسه إن الأغلبية كافية تماماً لتمرير التعديل المشبوه الذى قدمته الحكومة والذى حظى بدعمها وتخديمها وتربيطها ودفاعها بالباطل.. لم يقل الذين عارضوا القانون لأنفسهم إنه لا جدوى من تصويتهم ضد القانون لكن هؤلاء العشرة الذين صوتوا ضد القانون كانوا يدركون أنهم لابد لهم من احترام أنفسهم، وكان بين هؤلاء العشرة اثنان لم يكن وضعهما البروتوكولى فى النظام يسمح لهما بالمعارضة لكنهما عارضا.. وكانت معارضتهما كفيلة لهما بأن ينجوا من تطبيق أحكام القانون كقانون الغدر عليهما.

من هما هذان القطبان أولهما رئيس اللجنة التشريعية فى مجلس الشعب وكانت أستاذة قانون هى الدكتورة فوزية عبدالستار، أما ثانيهما فكان عضواً معينا فى المجلس ولم يكن منتخبا وكان فى ذلك الوقت نائباً لرئيس الوزراء وهو الدكتور بطرس بطرس غالى.

لك أن تقارن هذا الموقف الواضح بموقف الذين شاركوا فى التدليس الأخير لتكتشف أنه لابد من سن قانون للغدر على نحو ذلك القانون 173 لسنة 1953 مع الإفادة من كل نصوص القانون القديم وفكره.

هل يتطلب سن هذا القانون أن نجرى عليه استفتاء شعبياً لا أظن أن أحداً يعارض فى مثل هذه الفكرة، ولنا فى سويسرا أسوة حسنة التى لا تعارض فى إجراء استفتاءات فى أمور كثيرة كى يكون توجهها التشريعى متثبتا من شعبيته ومبرأً من نخبويته.

لقد قال لى أحد رؤساء المجلس الأعلى للقضاة السابقين الذين لايزالون يشتغلون بالعلم والتشريع والتأليف إن القوانين الحالية لن تنتهى من القضايا المعروضة عليها أبداً لأنها لم توضع لمثل هذه المخالفات السافرة، وحقاً قال.. بل إن إحدى أساتذتنا من عمداء الكليات العلمية اللائى مارسن السياسة فى مستويات مختلفة لا تكاد تصدق أن يرتكب يوسف بطرس غالى تلك المخالفة الجسيمة التى عاقبته المحكمة عليها، فكيف به يركب سيارة مواطن جهاراً نهاراً ويذهب بها هنا وهناك وهنالك طيلة شهور، وهو وزير مسئول عن المال وعن الأمانة، والمواطن يشكو كل يوم.. ويتكرر هذا فى أكثر من مائة سيارة.

كان الرومانسيون يتعذبون حين يسمعون بمن يدافع عن النظم التى نفذت الإعدام فى لصوص المال العام.. فهل لايزال الرومانسيون على عقيدتهم بعد كل هذا الذى ارتكبه يوسف بطرس غالى؟

نحن فى حاجة إلى استفتاء سريع على إعادة العمل بقانون الغدر وإلا فسوف يظل الضمير نائما.. ومن العجيب أننى رأيت ضمير بعض الوزراء الحاليين نائماً ونبهت إلى هذا على صفحات الصحف لكنهم سخروا كما كان يفعل أقاربهم السابقون ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر: محمد السطيحه المحامى
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 327 مشاهدة
نشرت فى 11 يوليو 2011 بواسطة ELstehaAveocato

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,901,155