( الجزء الخامس)
الإعلام و قطع الاتصالات
الإعلام
    لم تكن أحداث ثورة 25 يناير وتفجر طاقات الغضب المصري هى المسيطر الوحيد فى المجال العام المصري ، وإنما وضح جلياً أن ظاهرة الانفلات الأمني وما ارتبط بها من تداعيات ودلالات قد أحدث واقعاً مخيفاً بافتقار الأمن والأمان للأسرة المصرية بخاصة ، والوطن بعامة.
•    وازداد الإحساس العام بالخوف وعدم الأمان – سواء للمصرى المقيم على أرض الوطن                أو المغترب عندما تقطعت سبل معرفة أخبار البلاد والأهل ، وبخاصة حين تم عزل مصر من 28 يناير إلى 1 فبراير ، بقطع خدمات الاتصالات الهاتفية الخلوية (الهواتف المحمولة) ، بالإضافة إلى خدمات الانترنت.
•    وقد نتج عن منع الاتصالات وقطعها عن مصر والمصريين ، اندفاع الكافة نحو الإعلام ووسائله الجماهيرية كفاعل أساسي يعكس أحداث الثورة وأحوال البلاد.
هذا بدوره دفعنا إلى تحليل موقف الإعلام المصرى ممثلاً فى : الإعلام الجماهيري (صحافة وتليفزيون) ، والإعلام البديل (باستخدام شبكة الانترنت ) ، وتحديد دوره السلبى والإيجابى دون إغفال أو مواربة ، من خلال التركيز على محورين رئيسيين ، هما:
•    المحور الأول: مدى اهتمام الإعلام المصرى بأحداث الثورة والانفلات الأمنى الذى صاحبها.
•    المحور الثاني: الأدوار الإعلامية التي مارسها الإعلام المصري.
أولاً: مدى الاهتمام بظاهرة الانفلات الأمنى خلال ثورة 25 يناير
 يأتي اهتمام الإعلام بظاهرة الانفلات الأمني مرتبطاً بأهمية الحدث من ناحية ، وأهمية الدور الإعلامي فى المجتمع من ناحية أخرى. وقد تقاربت معدلات الاهتمام بطرح ظاهرة الانفلات الأمني وأسبابها ، والآثار المترتبة عليها ، وطرح مجموعة من الحلول لها ، ما بين الإعلام الرسمي ، والإعلام المصري الخاص ممثلاً فى القنوات الفضائية. كما تقاربت معدلات الاهتمام بطرح الظاهرة بين برامج القنوات الفضائية محل الرصد.
وقد ساد التنوع والتعدد فى الأبعاد التي طرحت من خلال المعالجة الإعلامية الصحفية والتليفزيونية ، وتم رصدها على النحو التالي:
البعد الأمني : ممثلاً فى تركيز المعالجات الإعلامية على غياب الأمن فى ظل اختفاء الشرطة من مواقعهم ، وهروب العديد من المساجين ، وترويع المواطنين ، وانتشار الشغب والجرائم والبلطجة ، إضافة إلى بعض الحلول التى تم تفعيلها والمقترحة لإعادة الأمن بالشوارع المصرية.
الأبعاد السياسية: ممثلة فى حالات الصدام والبلطجة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس السابق ، وعلاقة فلول النظام الحاكم ورموز الفساد بالتدبير لحالة الانفلات الأمني.
البعد الاجتماعي : والذي ارتبط بالآثار المجتمعية لظاهرة الانفلات الأمني ، وبعض الحلول التى تم تنفيذها لمواجهة الانفلات الأمني ، ومنها على سبيل المثال : تكوين اللجان الشعبية.
البعد الاقتصادي: ممثلاً فى التركيز على رصد الخسائر الاقتصادية التى وقعت جراء أحداث الانفلات الأمني.
البعد الإعلامي: من خلال استعراض صور العنف ضد الإعلاميين الذين حاولوا تغطية أحداث العنف والشغب فى المظاهرات.
وبالمثل برز اهتمام صحافة المواطن بظاهرة الانفلات الأمنى ، ممثلاً فى تناول الظاهرة بأبعادها وتداعياتها عبر أطروحات حركات الاحتجاج الاجتماعى "جماعة كلنا خالد سعيد" ، "حركة 25 يناير" ،إضافة إلى أطروحات الشبكات الإخبارية على موقعFace book مثل : أطروحات "شبكة رصد الإخبارية" ، وأطروحات "وكالة أنباء تحركات الشارع المصرى" ، إضافة إلى أطروحات أعضاء صفحة "ضباط الشرطة المصرية" . كما ظهر الاهتمام برصد الظاهرة وتتبعها ونشرها على مستوى عالمى عبر مواد الفيديو التى سجلها المواطنون ، وانهالت على مواقع الفيديو التشاركى على شبكة الانترنت ، وأبرزها موقعYoutube  ، إضافة إلى مواقع الصحف المصرية التى استضافت أقسام خاصة لصحافة المواطن ، إلا أن مراكز الاهتمام بظاهرة الانفلات الأمنى تنوعت فى صحافة المواطن ما بين التركيز على طرح أحداث ووقائع محددة ترصد حالة الإنفلات الأمنى ومظاهرها ، وتصدرت هذه الفئة المركز المتقدم فى خريطة اهتمام صحافة المواطن بالانفلات الأمنى ، تلاها الاهتمام  بطرح أفكار ورؤى معينة بشأن ظاهرة الانفلات الأمنى ، وظهر ذلك بشكل رئيسى فى تبنى منطق تدبير  خطة الإنفلات الأمنى لإجهاض الثورة المصرية، أما المركز الثالث فكان للاهتمام بالتركيز على شخصيات بعينها أو جهات محددة رأت الأطروحات تورطها فى ظاهرة الانفلات الأمنى.
ثانياً: الأدوار الإعلامية التى مارسها الإعلام المصرى فى تناوله لظاهرة الإنفلات الأمنى:
أظهرت نتائج الرصد الإعلامي لظاهرة الإنفلات الأمني فى الإعلام المصري – الجماهيرى والبديل - تنوع الأدوار الإعلامية التي مارسها الإعلام المصري فى طرحه للظاهرة. وتمثلت هذه الأدوار
فيما يلى:
-    الدور الراصد والواصف للظاهرة.
-    الدور الشارح والمفسر للظاهرة.
-    الدور التعبـوى.
وهنا تجدر الإشارة إلى أمرين على قدر كبير من الأهمية عند استعراض مستويات الأدوار الإعلامية التي مارسها الإعلام المصري.
 أولهما: أن تنوع هذه الأدوار الإعلامية حقق نوعاً من التكامل فى طرح ظاهرة الإنفلات الأمنى على الجمهور العام، وهو ما يعبر حالة اللهاث الإعلامي فى محاولة التواكب مع أحداث الثورة المتلاحقة وما ارتبط بها من ظاهرة الإنفلات الأمني وغيرها من الظواهر الإجتماعية والسياسية التى مثلت عناصر جذب إعلامي بدرجة كبيرة جداً.
 ثانيهما: أن تنوع الأدوار الإعلامية لا يشير بالضرورة إلى إيجابية أداء الإعلام المصرى لهذه الأدوار. ذلك أن رصد المعالجة الإعلامية لظاهرة الإنفلات الأمنى كشف عن وجود أوجه سلبيات مختلفة فى الأداء الإعلامي أثناء الثورة جنباً إلى جنب مع أوجه التميز والكفاءة التى نجح الإعلام المصري فيها.
قطع الاتصالات
كان لافتا قطع خدمة الاتصالات من شركات المحمول الثلاثة في وقت واحد ، مما ينم عن وجود تنسيق سابق ومتفق عليه مع الجهات الأمنية . وقد لعب قطع الاتصالات دورا مهما في الأحداث فهو من ناحية دفع الكثيرين إلى النزول للشارع  ، ورفع أعداد المتظاهرين لافتقاد وسيلة التواصل مع غيرهم ، ومن ناحية أخرى قد يقال بأن هذا القطع أثر على الاتصالات بين رجال الشرطة             و القيادات و أدى ذلك إلى انفرادية القرارات و عشوائية التصرفات ، و كثرة  الانسحابات ، فحدث الفراغ الامنى و شاعت الفوضى ،  إلا أن ذلك ليس مؤكدا:
•    بسؤال الدكتور عمرو بدوى محمود الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات قرر أن يوم 23/1/2011 دعاه ممثلو الجهات الأمنية  لاجتماع ضم ممثلي شركات المحمول الثلاثة و تم تشكيل غرفه طوارئ لإعطاء الأوامر الخاصة بتشغيل وقطع خدمات الاتصالات تطبيقا للمادة 67 من قانون الاتصالات لوجود حالة ضرورة قصوى تمس الأمن القومي ، و أصدرت الغرفة أمرا بقطع خدمات الاتصال يوم 27 يناير في الساعة العاشرة صباحا و إعادتها يوم 29 يناير 2011 في حوالي الساعة 9.30 صباحا أما خدمة الانترنت فتم وقفها يوم الجمعة 28/1 وعادت صباح يوم 5/2 /2011 و أوضح أن هذا القطع لا يؤثر على الاتصالات الخاصة بالشرطة لان لها تردد  و نظام مستقل خاص بها ، و أضاف انه تحت الضغط الشعبي أعيدت الخدمات إلى وضعها الطبيعي و مؤكدا أن هذا القطع لم يسبق حدوثه في أية دولة  في العالم وكان له تأثير سلبي على سمعه مصر الدولية ، و أضيرت شركات المحمول من جراء ذلك.

وورد للجنة خطاب رئيس مجلس إدارة شركة اتصالات للتليفون المحمول ثابت به:
  أن خدمة الاتصالات بالشركة قد تأثرت بعاملين خارج سيطرتها خلال الفترة من 25 يناير                             و حتى 9 فبراير 2011 هما:
1-صدور تعليمات للشركة من غرفة الطوارئ( لجنة الأمن القومي) بالاستعداد لتنفيذ خطة الطوارئ بقطع الخدمة بحسب تعليمات غرفة الطوارئ وذلك لدواعي أمنية و قد كان ذلك في الاجتماع الذي عقد بتاريخ 23 يناير 2011 في مقر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات و قد صدرت التعليمات المذكورة بحضور ممثلي شركات المحمول الثلاثة و الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات و ممثل وزارة الاتصالات و تقنية المعلومات  و ممثلي الجهات السيادية و ممثلي الجهات الأمنية و قد صدرت التعليمات للشركة من غرفة الطوارئ بتنفيذ تلك الخطة بقطع خدمة الاتصالات في بعض محافظات الجمهورية و قد انصاعت الشركة لتلك التعليمات بموجب التزاماتها بموجب أحكام الباب السادس عشر و خاصة المادة (67 )من القانون رقم 10 لسنة 2003             و الترخيص رقم (3 ) لسنة 2006 الصادر لها من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
2- تعرض العديد من محطات شبكة التليفون المحمول الخاصة بالشركة للتحطيم و السرقة           و  الحريق أثناء الأحداث في تلك الفترة.
كما ورد خطاب العضو المنتدب و المدير التنفيذي لشركة فودافون مصر ثابت به:
أ‌-    الفترة من 25/1 و حتى 31/1/2011
فان خدمة الاتصالات بالشبكة كانت تعمل بشكل متوسط بسبب انقطاع الخدمة جزئيا عن بعض مناطق الجمهورية تنفيذا للتعليمات و الأوامر المتعددة و المتعاقبة التي صدرت إلى إدارة الشركة من غرفة العمليات المكلفة بإدارة الأزمة استنادا لنص المادة 67 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بتنظيم الاتصالات بأن "للسلطة المختصة في الدولة أن تخضع لإدارتها جميع خدمات           و شبكات اتصالات أي مشغل أو مقدم خدمه و أن تستدعى العاملين لديه القائمين على تشغيل         و صيانة تلك الخدمات  و الشبكات وذلك في حالة حدوث كارثة طبيعيه أو بيئية أو في الحالات التي تعلن فيها التعبئة العامة طبقا لأحكام القانون رقم 87  لسنة 1960 المشار إليه وأيه حالات أخرى تتعلق بالأمن القومي" .وكذلك بسبب أعطال ناتجة عن أعمال السلب و الحريق و عدم توافر الوقود لتزويد المولدات في بعض المحطات.
 
ب‌-    الفترة من 1/2/2011 حتي يوم 9/2/2011
يمكن القول أن خدمة الاتصالات بالشركة كانت تعمل خلال هذه الفترة بكفاءة عالية تقترب من التشغيل في الظروف العادية.
و نوه الخطاب إلى أن غرفة العمليات بما توافر لديها من معلومات كانت قد استبقت  الأحداث ووجهت الدعوة لاجتماع على مستوى عال عقد بتاريخ 23/1/2011 بمبنى الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات برئاسة السيد الدكتور رئيس الجهاز المذكور و بحضور السادة ممثلي أجهزة الأمن القومي المشار إليهم في المادة الأولى من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 ، كما حضر أيضا ممثلون لجميع شركات التليفون الثابت و المحمول و شركات الانترنت العاملة في مصر. و في هذا الاجتماع قام السادة ممثلوا أجهزة الأمن القومي باستعراض الظروف التي تمر بها البلاد في ذلك الوقت ، وركزوا على الدور الذي يتعين على شركات الاتصالات و الانترنت أن تضطلع بها خلال تلك الأزمة وفقا لأحكام الباب السادس من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003.
كما ورد بالخطاب انه قبل انتهاء الاجتماع حرص السادة ممثلو الأمن القومي على التأكيد على الأمور الآتية:
1-    أن الأجهزة و الهيئات الممثلة في الاجتماع هي الأجهزة المكلفة بإدارة ما أسموه بـ " الأزمة "   و إنها لهذا الغرض قد شكلت من بين أعضائها غرفة عمليات اتخذت من مبنى وزارة الاتصالات مقرا لها ، وشددت على أن كافة الأوامر و التعليمات سوف تصدر للشركات من هذه الغرفة دون غيرها من خلال آليات ووسائل محددة.
2-    ضرورة التزام جميع الشركات العاملة في مجال الاتصالات و الانترنت بتنفيذ كل ما قد يصدر عن غرفة العمليات من تعليمات و أوامر بكل دقة و بطريقة فورية تطبيقا لأحكام الباب السادس من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003.
3-    أن الأجهزة الممثلة في الاجتماع ، إذ تضطلع بمهمة إدارة " الأزمة " فأنها تستمد سلطاتها من قانون الطوارئ  ومن قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 و على الأخص أحكام الباب السادس من ذلك القانون الأخير " الأمن القومي و التعبئة العامة".
4-    حرص السادة ممثلو أجهزة الأمن القومي على التأكيد على أن أي مخالفة لأي من الأوامر                أو التعليمات التي قد تصدر من غرفة العمليات في شأن إدارة الأزمة سوف يعد مخالفة قانونية جسيمة من شأنها أن توقع من يرتكبها تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003.
و ورد إلى اللجنة كتاب  رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول  ( موبينيل) ثابت به:
انه بالنسبة لأسباب انقطاع الخدمة عن أربعة محافظات بعض الفترات من المدة 28/1  و حتى 31/1/2011 فإن ذلك يرجع إلى سببين هما:-
1- صدور تعليمات و أوامر من غرفة العمليات " لجنة الأمن القومي" بقطع الخدمة لحوالي 24 ساعة عن بعض محافظات الجمهورية ، و قد قامت الشركة شأنها شأن الشركات الأخرى بقطع الخدمة بناء على التعليمات المذكورة ، و في إطار الترخيص الممنوح للشركة و التزامها بالمادة 67 من القانون 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات.
2- تعطيل العديد من المحطات بسبب أعمال الحرق أو التخريب بدء من يوم 28/1 و تعذر سرعة إصلاحها.
ويبدو للجنة أن قطع الاتصال عن طريق المحمول و الانترنت ، و التشويش على القنوات التي  كانت تبث  من قلب الأحداث أنباء و أقوالاً تشجع الثائرين  و تحفز المتابعين، كان مقصودا لحجب الأخبار عن المواطنين و عن العالم ، و لإعاقة التواصل بين المتظاهرين حتى يحد من توافدهم على أماكن التجمهر ويقلص التنسيق فيما بينهم.
 
( الجزء السادس)
التوصيـــات
بعد نجاح الشعب المصري في تغيير نظام الحكم الذي استمر أكثر من ثلاثين عاماً و بعد قيام لجنة التحقيق وتقصى الحقائق بإتمام أعمالها ،تجيء لحظات الحساب مع النفس ، لمعرفة ، كيف يمكن لمصرنا الحبيبة أن تسمو فوق جراحها و أن تجنى من تضحيات أبنائها ، مستقبلا عريضا مليئا بالآمال و الطموحات . و هناك سؤالان أساسيان ستدور إجابة و توصيات لجنة تقصى الحقائق حولهما وهما ، لماذا حدث ما حدث ، و ما هي التوصيات المقترحة.
و قبل سرد مرئيات اللجنة القومية لتقصى الحقائق تود اللجنة التنويه إلى أن ثورة 25 يناير أعطت الأمل لكافة المصريين في المستقبل و بأن الآتي أفضل من الفائت و أن بإمكان شباب مصر النهوض بها إلى أعلي عليين. ولقد تبدى ذلك في السلوك المتحضر للمتظاهرين في ميدان التحرير ، من شباب و شيوخ و رجال و نساء ، في تحمل الصعاب و الإصرار على تحقيق مطالبهم و إسقاط النظام وذلك بعزم لا يكل وبشكل سلمى وفى تلاحم الجميع مسلمين و مسيحيين وكذلك في تنظيم المعيشة و تنظيف المكان و العمل على إزالة المخلفات و في علاج المصابين و إنشاء المستشفيات الميدانية التي تطوع لها خيرة أطباء مصر أكد كل ذلك على أننا قادرون على فعل الأفضل.  لقد كانت ثورة 25 يناير في ميدان التحرير وطنا مصغرا يسير إلى الأمام حاملا تراث هذه الأمة الحضاري و الثقافي           و الروحي  و مداعبا آمال المصريين في النهوض مرة ثانية كما فعلوها في السابق.
لقد أكد هؤلاء الثائرون تلاحم عنصري الأمة و أرسوا المواطنة فكرة و تطبيقاً في أرقي درجاتها بحيث يكون الولاء مؤسسا على الوطن. ولقد ابرز من تواجدوا مع الثوار في ميدان التحرير كيف كان الأقباط المسيحيون يشكلون سياجا حول المسلمين ، ليتمكنوا من تأدية الصلاة في هدوء نظرا لشدة الزحام وروى البعض أنهم رأوا شابا يصب الماء على ذراع آخر يتوضأ، و تكون المصادفة التي لم تكن مفاجأة للراوي أن يلاحظ صليبا طبع على رسغ الشاب الذي يصب الماء.
و لقد جاءت ثورة الشباب في لحظة استرخاء كانت الدولة تتحسب إلى أن بعض الممانعة من الممكن أن تعلن عن نفسها لو أن النظام طبق التوريث كما كان متوقعا في شهر نوفمبر القادم ، ورغم ذلك فلم يكن احد يتوقع هذه المساحة من الغضب الشعبى الكامن في قلوب الجماهير . و لا شك أن القراءة الخاطئة للرأي العام و عدم الاستجابة له في الوقت الملائم من  الأسباب الهامة لثورة 25 يناير 2011 ومن هنا تبرز أهمية الرأي العام في إرشاد القيادة السياسية إلى مطالب الجماهير المشروعة.
إن من أبرز الأسباب المتراكمة التي أدت  لثورة 25 يناير ، إهمال الحكومات المصرية المتعاقبة الرأي العام و قراءة منحنياته وقياسه و اتخاذه هاديا و مرشدا لها في وضع سياساتها العامة         و تحديد القواعد الدستورية التي تتسم و الروح السائدة للنظام السياسي، وكيفية مشاركة الجماهير في العملية السياسية ، إذ أن نتائج تلك المشاركة تعكس - عادة - آراء  شرائح المواطنين الذين لديهم الرغبة و القدرة على المشاركة الفعلية ، ويكون الرأي العام مرشداً للقيادة السياسية ، ومؤشراً للتأييد الشعبي أو الرفض الشعبي ، وهاديا للساسة نحو الطريق الذي يحقق للشعب السعادة و الرفاه. ولذلك تعمل الأنظمة الديمقراطية  المعاصرة على تمكين الجمهور من الاطلاع على الوثائق و المستندات الحكومية  و قواعد البيانات و المعلومات المتاحة لديها، ما لم تكن في ذلك خطورة على الأمن القومي للدولة . و يعانى النظام المصري من حجب المعلومات بدون سبب واضح ، مما أدى إلى عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية ، و تعرض الدولة لحركات سياسية مفاجئة كالذي حدث في 25 يناير.
ومع ارتفاع الأسعار و ضعف الأجور زادت الوقفات الاجتماعية و المطالبة بزيادة الأجور لمواجهه المتطلبات الضرورية للحياة ، فكانت مؤشرا صادقا لسخط الجماهير التي سارعت إلى المشاركة في الثورة حتى و أن كانت قد بدأت لأسباب سياسية  .
و يمكن تقسيم الأسباب الدافعة إلى ثورة 25 يناير 2011 - حسبما تداولته وسائل الإعلام المرئية                و المقروءة و المسموعة  - إلى أسباب اجتماعية / اقتصادية و أخرى سياسية / إعلامية.
أولا : الأسباب الاجتماعية- الاقتصادية لثورة 25 يناير
لا شك أن الجماهير المصرية لم تتحرك بوحي من مطالب التغيير السياسي فقط ولكن بإلحاح من ظروفها المعيشية ووضعها الاقتصادي الصعب أيضا . و يرجع الاقتصاديون أسباب تنامي الفجوة بين الأغنياء و الفقراء إلى  التوزيع غير العادل للناتج القومي  فقد توسع دور القطاع الخاص كبديل عن القطاع العام ، لكن الملاحظ أن القطاع الخاص أهمل تماما البعد الاجتماعي للتنمية و قصر نشاطه على القطاعات الخدمية و التسويقية و أنشطة الاستيراد  و ظهرت طبقة اجتماعية مصالحها تتعارض مع وجود صناعات وطنية ، ولقد حصل القطاع الخاص على ما يعادل  75 % من إجمالي إقراض البنوك المصرية علاوة على الاستثناءات و الإعفاءات الضريبية . و انحسر دور القطاع الحكومي في أن يكون دورا تكميليا أو تسهيليا أو تخديمياً للقطاع الخاص، إذ لم يزد الإنفاق الاستثماري الحكومي عن 10 % من إنفاق الموازنة.
بخصوص هذه الطائفة من الأسباب يلاحظ أن الاقتصاد المصري نما بشكل جيد إلا أن أغلب المصريين لم يشعروا بأنهم قد نالوا حصتهم العادلة من نتيجة هذه النمو. بدلا من ذلك رأوا رجال أعمال أثرياء لهم علاقات بالحزب الحاكم  تخولهم اغتراف ثروات البلاد وساد الفساد الحياة المصرية فقضى على كل بارقة أمل. و لا ينكر  منصف انه في عهد الرئيس الأسبق اتسعت الهوة  أو الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون اتساعا مهولا. و لو أن أموال الأثرياء صرفت  في داخل مصر لخلق وظائف جديدة أو منتجات جديدة لهان الأمر. لكنها للأسف كانت تنفق على المظاهر            و الأبهة في الوقت الذي يقف المواطن الشريف في طابور الخبز ، و في الوقت الذي يجنى فيه عدد كبير  من النخبة الرأسمالية دخولاً ضخمة دون عنت ، لا يجد الموظف العام أو العامل العادي قوت يومه أو قوت عياله فهل هناك ما يبعث على الثورة أكثر من ذلك؟ فضلا عن أن معظم هذه الأموال قد هربت إلى بنوك أوروبا و الشرق الأوسط ، فحرمت الجماهير من فرصة عمل تقيم أودهم ، بإعادة استثمار هذه الأموال داخل الدولة.
و قد ساعد على اتساع الهوة بين من يملكون و من لا يملكون عدة عوامل أهمها:
1- سوء توزيع الناتج القومي.
2-انتشار الفساد الاقتصادي و الادارى.
3- بيع القطاع العام وما صاحبه من إهدار المال العام.
4-البطالة التي تزايدت بتزايد عدد السكان و ضعف الاستثمار.
5-ضعف التعليم و انخفاض إعداد العمالة المهنية المدربة و استبدال عماله مدربة غير مصرية بالمصريين.
و في تقدير اللجنة أن ثورة 25 يناير لها أسباب ترتبط بمظالم حقيقية يعيشها قطاع عريض من الشباب بسبب البطالة و الفساد و التفاوت الحاد في الدخول و الثروات و لم تكن تلك الأسباب بحاجة إلى سبب مباشر و هو أن يعرف الشعب أن النظام – أي  نظام - لن يستطيع قتل كل مواطنيه و انه ليس مجديا في شئ قتل معارض أو أكثر لأن خلفهم الآلاف من المتظاهرين الذين سيزدادون شراسة لو قتل أحد منهم ، و هذه القاعدة البسيطة هي جوهر انتصار أي حركة شعبية تسعى للتغيير على أرض ٍالواقع( لأنها تحمل عدة دلالات ): فالعنف له حدود و لم يعد يصلح أداة لقهر الشعوب.
ثانيا : الأسباب السياسية - الإعلامية لثورة 25 يناير
أما عن المجموعة الثانية  من الأسباب و هي الأسباب السياسية والإعلامية  لثورة 25 يناير ، فأبرزها:
1-    قانون الطوارئ و انتهاك حقوق  الإنسان و المواطن
دأبت الحكومة على مد العمل بقانون الطوارئ . فكل عامين يأتي الموعد السنوي المحدد بتمديد حالة الطوارئ و تخرج مصر إلى الشوارع لتقول لا لمد حاله الطوارئ ومع ذلك يصر الرئيس             و نظامه و مجلس  شعبه على مخالفة رأى الشعب و تمديد حالة الطوارئ و كأن شعبا بأكمله لم يعترض  أو لا وجود له. و ربما يكون قانون الطوارئ هو السبب الأكبر لسخط  الناس . فعلى أساسه تتم الاعتقالات و يشعر المواطن المصري دائما بأنه تحت رحمة ضباط أمن الدولة ،              و أباطرة الحكم وحملة مباخره. فلقد عاشت مصر تحت قانون الطوارئ رقم 162 لعام 1958 منذ 1967 ، باستثناء فترة انقطاع لمدة 18 شهرا في أوائل الثمانينات . و بموجب هذا القانون توسعت سلطة الشرطة، و علقت الحقوق الدستورية، و فرضت الرقابة . وقيد القانون بشدة أي نشاط سياسي غير حكومي مثل: تنظيم المظاهرات و التجمعات السياسية (غير المرخص بها)،           و حظر رسميا أي تبرعات غير مسجلة . و بموجب هذا القانون احتجز كثير من المواطنين و لفترة غير محددة لسبب أو بدون سبب واضح ، و بمقتضى هذا القانون أيضا  لا يمكن للمواطن الدفاع عن نفسه و تستطيع الحكومة أن تبقيه في السجن دون محاكمة .و تعمل الحكومة على بقاء قانون الطوارئ بحجة الأمن القومي ، و تستمر الحكومة في ادعائها بأنه بدون قانون الطوارئ فإن جماعات المعارضة يمكن أن يصلوا إلى السلطة في مصر . ويرى مؤيدو الديمقراطية في مصر أن هذا يتعارض مع مبادئ  و أسس الديمقراطية و التي تشمل حق المواطنين في محاكمة عادلة            و حقهم في التصويت لصالح أي مرشح أو الطرف الذي يرونه مناسبا لخدمة بلدهم.
2-    ضعف الأحزاب السياسية و النقابات و منظمات المجتمع المدني و سيطرة الدولة عليها
 تعد الأحزاب السياسية الحقيقية – لا الورقية- خير معبر عن اتجاهات  الرأي العام فالأحزاب السياسية تعمل جاهدة على تكوين قاعدة للمعلومات الصحيحة عن القضايا الجماهيرية المثارة .          و لا شك أن تنافس الأحزاب السياسية ، يؤدى إلى كشف الحقائق ، حتى و لو حاول المسئولون إخفائها . و من ثم فان النظم السياسية التي لا تسمح بتكوين الأحزاب السياسية –أو تسمح بتكوين أحزاب صورية - تفقد كثيراً من حيويات و فعاليات المنافسة ، و بذلك يتكون فيها رأى عام مضلل ، أو مغرر به ، يكون في المحصلة النهائية و بالا على النظام السياسي نفسه . و إذا كان للأحزاب السياسية هذا الدور المؤثر في تكوين الرأي العام و تحديد اتجاهاته فلا شك أن هناك منظمات أخرى لها تأثير كبير أيضا في تشكيل الرأي العام من بينها النقابات على شتى أنواعها و قد نالها الوهن هي الأخرى فالنقابات العمالية سيطرت عليها الحكومة و الحزب الحاكم بكافة الوسائل ،           و النقابات المهنية أضعفها القانون رقم 100 لسنة 2000- الذى قضى بعدم دستوريته مؤخراً-              كما أضعفها التشاحن بين قياداتها فتقلص أداء بعضها ووضع البعض الآخر تحت الحراسة ،             و أصبحنا لا نسمع إلا صوت الحزب الوطني . و بعد الانتخابات الأخيرة لمجلسي الشعب                    و الشورى و استبعاد القوى المعارضة - مهما كانت شكلية أو رمزية -  تحولت مصر- واقعيا- إلى نظام الحزب الواحد كما أصاب الضعف أيضا منظمات المجتمع المدني بالتضييق عليها ووصمها بالعمالة  للخارج  و الحيلولة بينها و بين رصد الحقائق عن النظام السياسي المصري.
لقد قامت هذه الثورة بسبب انسداد القنوات الشرعية للتعبير عن الرأي الأمر الذي يعنى ببساطة أن أي غضب على أوضاع مصر لا مجال أمامه إلا أن تخرج الناس إلى الشارع للتعبير عن غضبها لان جميع آليات التعبير السياسي الفاعلة الأخرى لم تعد مجدية ، كل ذلك في ظل ثورة المعلومات ووسائل الاتصال التي أصبح بإمكان هذه الجماهير الغفيرة أن تجيش أعدادا هائلة من الشباب عن طريق" الفيس بوك" شبكة التواصل الاجتماعي  و من ثم أصبحت هي البديل عن الأحزاب السياسية وهى المكون الفاعل فى تكوين الرأي العام خاصة المنصف منهم . وهو ما قاد إلى التقاء الرؤى و توحدها في ثورة 25 يناير.
3-    التوريث
يعد هذا السبب من أهم أسباب ثورة 25 يناير 2011 فلقد قامت هذه  الثورة في وقت كان التحضير فيه لتوريث منصب رئاسة الجمهورية على قدم وساق و الظروف كانت تنبئ بتمرير تلك الخطة ببساطة و يسر لكون مفاتيح التشريع مضمونة وكلها تدين بالولاء لأسرة الرئيس . فالأغلبية الكاسحة لمجلسى الشعب و الشورى بتكوينيهما قبل الانتخابات بيد  الحزب الوطني .                       و الرأي العام العالمي يبدو انه لا يعارضه، إذن فقضية التوريث محسومة إلى حد كبير و لم يكن يبقى عليها سوى الخطوة الأخيرة و هي تعيين الابن رئيسا الجمهورية خلفا لوالده في انتخابات شكلية كتلك التي دأبت عليها مصر في الحقب الفائتة.  
و المشكلة الأساسية كانت هي أن مشروع التوريث مرفوض جماهيريا ومن النخبة المثقفة                 و المهتمة بالشأن العام  بالإضافة إلى أن مشروع التوريث لا يلق  ترحيبا من المؤسسة العسكرية لعلمها اليقيني بحالة الفساد المذهلة التي استشرت في جميع أوصال الوطن كناتج لزواج السلطة مع الثروة و هو إفراز طبيعي لوزارة غالبية وزرائها من رجال الأعمال قام رئيس لجنة السياسات بنفسه باختيارهم ووضع كل منهم في منصبه المناسب، فدانت له الحكومة باعتباره صاحب الفضل في اختيار معظم أعضائها.
و الملفت للنظر أن النظام المصري الحاكم بدأ يفقد توازنه ورشده حينما تم تفويض الكثير  من صلاحيات الرئيس إلى أمانة السياسات بالحزب الوطني التي يقف على قمتها نجل الرئيس .ثم بدأت مقولات الفكر الجديد تزدهر ليدير شئون مصر أشخاص عاشوا حياتهم كرجال أعمال ، طبيعتهم           و طريقة تفكيرهم وليدة السوق وليست وليدة إرضاء الجماهير . ولقد وفر ذلك  المناخ فرصة واعدة  للاحتكار الاقتصادي إلى جانب الاحتكار السياسي فى انتخابات مجلس الشعب الماضية فضلا عن احتكار اتحاد الطلبة و لم يكن هناك بد من كسر هذه الحلقة الجهنمية بالقوة لأنها كانت الخيار الوحيد و الأخير أمام شعب محبط ، لم يقدر رجال الحكم نتائج غضبه ورد الفعل لأهانته بتوريث الحكم من رئيس اقسم أمام شعبه على الحفاظ على النظام الجمهوري.
وزاد الأمر سوءً، تنامي خطة  توريث الحكم وما تطلبه من تعديل دستور 1971 مرتين الأولى في سنة 2005 بتعديل المادة 76 و وضع شروط  تعجيزية ، تحول دون منافسة  احد لأبن الرئيس في تولى رئاسة الجمهورية ، و الثانية في سنة 2007 لإلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات بما يمكن النظام من التحكم في الانتخابات التشريعية و هو ما أدى إلى تزوير الانتخابات التشريعية الأخيرة بشكل فاضح افقد المواطنين  الثقة في جدوى إبداء رأيهم في الانتخابات و قاد المجتمع إلى مجالس نيابية لا تمثل إرادة المواطنين و إنما تحقق رغبة النظام و تضعف رقابته على الحكومة.
4-    السلطة التي لا تقابلها مسئولية
يعطى دستور 1971 رئيس الجمهورية سلطات واسعة و فضفاضة أدت إلى ضعف سائر سلطات الدولة أمام الرئيس ، بل  و ألقت عليه أمام الرأي العام عبأ مضاعفا بحيث بدا كأنه الأمر الناهي ، المعز المذل المانح المانع بيده وحده حل المشاكل التي عجزت الحكومة عن حلها فاختزلت مؤسسات الدولة فى  شخصه ، و أصبح اللجوء إلى شخصه لدى الجمهور يمثل الملاذ  الأخير لتحقيق طلباتهم . كل ذلك بغير أن يكون الرئيس مسئولا أمام احد . فإذا كان الرئيس الأمريكي يمارس صلاحيات دستورية واسعة ، فأنه مقيد بالانتخابات التي تجرى كل أربع سنوات و برأي عام              و بقضاء لا يتدخل فيه  احد، و بمجلس نواب و مجلس شيوخ قد لا يكون من حزبه ، فان الرئيس المصري قد اختزل نظام الحكم في شخصه . فهو يسود و يحكم على عكس نظرائه فى العالم المتقدم و الرئيس المصري ذاته مصونة لا تمس ، ولا يجوز محاكمته ألا بإجراءات خاصة  أمام محكمة خاصة لم ينظمها القانون حتى تاريخه فمن ذا الذي يقاوم كل هذه السلطات لكي لا يكون دكتاتورا ؟ إن دستورنا المصري يدفع رؤساء مصر دفعا نحو الاستبداد . و إذا كانت السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فيجب  مراعاة هذه المبادئ عند  وضع الدستور الجديد  ليأخذ  بمبدأ لا سلطة بدون مسئولية ولا حصانة لأحد ارتكب جرما ما ، مهما كانت صفته أو وظيفته.
 
5- تزوير الانتخابات وإهدار  كل من أحكام القضاء و رأى محكمة النقض.
أجريت انتخابات مجلس الشعب قبل شهرين من اندلاع الاحتجاجات و حصل الحزب الوطني الحاكم على 97 % من مقاعد المجلس أي أن المجلس خلا من أي معارضة تذكر ، مما أصاب المواطنين بالإحباط . و تم وصف تلك الانتخابات بالمزورة نظراً لأنها تناقض الواقع في الشارع المصري. بالإضافة إلى انتهاك حقوق القضاء المصري في بسط الرقابة على إجراءات  الانتخابات من خلال الدعاوى إلا أن  النظام أطاح بأحكام القضاء في عدم شرعية  الانتخابات فى بعض الدوائر الانتخابية و منعت القوى السياسية المختلفة بأطيافها المتنوعة من المشاركة في هذه الانتخابات بشكل غير قانوني و لم ينجح مرشح لها.
و لم تتم هذه الانتخابات تحت الإشراف القضائي الكامل على عكس ما حدث في انتخابات عام 2005 كما رفض الحزب الحاكم  و الحكومة فكرة الإشراف الدولي على الانتخابات بحجة أنها مهينة للدولة ذات السيادة و بأن الدول التي تسمح بذلك بها دول غير مستقرة و ناقصة السيادة          و نظامها الدستوري و الأمني قلق و أن بلدا مثل مصر لها سيادتها التي لا تسمح أبدا بالرقابة الدولية على الانتخابات.
و قبل إجراء الانتخابات أبدت المنظمات الحقوقية التي تتولى مراقبة الانتخابات قلقها من عدم وجود نوايا لدى الحزب الوطني لإجراء انتخابات نزيهة و أشارت إلى وجود مؤشرات تؤكد أن الحزب الحاكم يعد العدة لتزويرها وقد صدق ظنهم . فقد أصبح تزوير الانتخابات واقعا تدركه الأبصار             و بالرغم من ذلك دأب الإعلام الرسمي وقادة الحزب الوطني على الترويج لنزاهة الانتخابات.
أن تزوير الانتخابات و إهدار أحكام القضاء الخاصة ببطلان الترشيح لبعض الدوائر أدى إلى أن يتولى المؤسسة التشريعية أشخاص مطعون في عضويتهم بغير أن يكون هناك أمل في تصحيح هذه الأوضاع . لقد أغلقت الاستهانة بأحكام القضاء الأمل الوحيد للإصلاح السياسي في مصر خلال تلك الفترة مما جعل المواطن يفقد الثقة في إقدام قيادات الحزب الوطني الحاكم على إصلاح سياسي من أي نوع و من ثم فقد تلاشت فرص التطور السلمي في مصر. في الوقت الذي كان فيه الشعب يتطلع إلى نقله ديمقراطية حقيقية. و تعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة القشة التي قصمت ظهر البعير .فقد بينت أن الحزب الحاكم يستأثر بـ أكثر من 97 %  من مقاعد مجلس الشعب الأمر الذي قضى على ما تبقى من أمل لدى المعارضين للنظام في أن يتم هذا الإصلاح تدريجيا و بطريقة سلمية من خلال انتخابات نزيهة . و لقد ترتب على خروج المعارضة من اللعبة السياسية أن انتفى عن البرلمان أي صفة سياسية شعبية وحوله إلى مجرد منتدى يلتقي فيه أعضاء الحزب الوطني . و من ثم لم يعد أمام الشعب إلا اللجوء إلى العمل السري أو مناشدة الجيش للتدخل أو النزول إلى الشارع وهو ما حدث بالفعل و أصبح ميدان التحرير بديلا عن مجلسي الشعب  و الشورى.
6- الفساد السياسي و المـــالي:
أعلنت منظمة  الشفافية الدولية و هي منظمة  دولية لرصد جميع أنواع الفساد بما في ذلك الفساد السياسي مؤشر الفساد لسنة 2010و تبين أن مصر  تحتل المرتبة 98 من أصل 178 بلدا مدرجا في التقرير. وبحلول أواخر 2010 كان حوالي 40 % من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر أي يعتمدون على دخل قومي يعادل حوالي 2 دولار في اليوم لكل فرد ويعتمد جزء كبير من السكان على السلع المدعومة.
كما أثير في وسائل الإعلام قضايا أثارت الرأي العام مثل قضية الانحرافات التي شابت قرارات العلاج على نفقة الدولة و المبيدات الزراعية المسرطنة و ما نشر في خلال نظر قضية مقتل إحدى الفنانات وما نشر عن بزخ في الإنفاق عليها تجاوز عدة ملايين ، من رجل أعمال شهير و أخيرا قضية " مدينتي" التي فجرت هي و غيرها استيلاء رجال الأعمال على أراضى الدولة بدون وجه حق و بالتواطؤ مع الحكومة  في كثير من الأحيان.
و بخصوص اغتصاب أراضى الدولة و إحساس المصريين بأن أراضيهم قد تناهبها الانتهازيون            و المحيطون بالنظام  فحدث عنها ولا حرج ، إذ لم يحدث في تاريخ الدول الحديثة من يشترى أراضى الدولة بأبخس الأثمان ليعيد تدويرها و بيعها بعد ذلك بأسبوع أو بشهر بثمن يعادل ألف ضعف ؟ لم يحدث ذلك إلا في مصر . و من ثم فان سرقة أراضى الدولة باعتبارها أحد أسباب ثورة 25 يناير في حاجة إلى تشكيل لجنة لتقصى الحقائق لتضع الأمور في نصابها و تقترح الحلول التي تضمن حق الدولة و حق المواطن حسن النية و لتضع حدا فاصلا بين زواج السلطة و المال . ففي النظم المقارنة، حينما يتولى رجل أعمال منصبا سياسيا ، فان عليه أن يترك أعماله الخاصة تماماً ، لشركة أخرى تديرها ، و في كل الأحوال لا تتعامل شركات هذا السياسي مع الدولة طوال بقاء رجل الأعمال في السلطة  ويا حبذا لو أخذت مصر بهذا الحل ، مع تفعيل مواد الدستور التي تمنع أعضاء الحكومة أو مجلسي الشعب أو الشورى خلال مدة عضويتهم أن يشترى أو يستأجر شيئا من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو أن يقايضها عليه أو أن يبرم مع الدولة عقداً بوصفه ملتزما أو موردا أو مقاولا.
7- التضليل الاعلامى
      ظل الإعلام الرسمي يروج لديمقراطية النظام الحاكم ، و انحيازه إلى الفقراء ومحدودي الدخل ، على الرغم مما يشهد به الواقع من مظاهر وإجراءات تقييد الحياة السياسية ، و تدهور في الحياة الاجتماعية .يضاف إلى ذلك ضعفه في الأداء المهني ، وإقصاء الكفاءات وذوى الرأي من العمل           أو الظهور فيه لأسباب  سياسية قد يكون أهمها أنهم لا يمالئون النظام و اختارت من يغالون في الثناء عليه و تمجيده ، مما افقده مصداقية ، و اصبح عاجزا عن تكوين رأي عام صحيح ، و انقلب إلى بوق للنظام . كما كان للإعلام الرسمي اثر في إذكاء الانفلات الأمني ببث رسائل الفزع                  و التخويف ونشر حالة الذعر خاصة مع التعتيم الاعلامى على الأحداث وقطع الاتصالات ، لذلك يمكن القول أن أداء الإعلام القومي  كان احد  العوامل التي ساعدت في إشعال نار السخط في صدور المصريين ضد نظام مبارك . فقد تقدم عدد من أعضاء نقابة الصحفيين المصريين ببلاغ إلى النائب العام مطالبين بفتح ملف الفساد في المؤسسات الصحفية المصرية و خاصة الصحافة القومية بجانب الدعوة لعقد جمعية عامة لنقابة الصحفيين لإسقاط المجلس الحالي للنقابة و طالب البيان النائب العام  بفتح ملف الفساد و إهدار المال العام في الصحافة المصرية وخصوصا القومية منها  و التي يتولى أعضاء الحزب الوطني الحاكم غالبية المواقع القيادية فيها وتابع البيان أن  الصحفيين الذين تقدموا في البلاغ لاحظوا مخالفة هذه الصحف نص القانون بالامتناع عن نشر ميزانيات الصحف                    و المؤسسات الصحفية خلال ستة أشهر من انتهاء السنة المالية.
كما تعرض المسئولون بالتليفزيون المصري لانتقادات مريرة بسبب تغطيته المنحازة للنظام خلال ثورة 25 يناير و التي  دفعت المتظاهرين لمحاصرة مبنى التليفزيون المصري في ماسبيرو           و شجعت عددا كبيراً من العاملين فيه على إعلان التمرد،  و أدى ذلك في النهاية إلى إقالة وزير الإعلام بينما استمرت الدعوات لتطهير الإعلام المصري من كل العناصر التي تتهمها الجماهير المصرية بالنفاق و الفساد.
وقد كشفت الأيام القليلة التي أعقبت تنحى رئيس الجمهورية عن الكثير من أوجه التردي و الانهيار في الإعلام الحكومي المصري.
التوصيـــات
وإذا كان الأمر كذلك فما هي معالم الطريق وما هي توصيات اللجنة؟
ترى لجنة التحقيق وتقصى الحقائق أن المشكلات التي يعانى منها الشباب المصري و المجتمع بصفة عامة لن تحل بالأساليب الأمنية وحدها فالعنف لا يولد إلا عنفا، ولا يجوز استخدام صلاحيات الشرطة إلا في حماية الأمن العام و السكينة العامة و الصحة العامة.
و السبيل الواضح  لحل هذه المشكلات يعلمه الجميع . فهناك الكثير من وثائق الإصلاح التي وضعتها النخبة المصرية في السنوات الأخيرة بدءاً من وثيقة الإسكندرية حتى تقارير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في المنطقة العربية . و أهم مفرداتها:
1- وضع دستور جديد يقيم بنيان حكم ديمقراطي عن طريق لجنة تأسيسية.
 2- إعادة النظر في كافة القوانين المقيدة للحريات في مصر بما يشمل
قانون مباشرة الحقوق السياسية لضمان انتخابات نزيهة و حقيقية يشرف عليها
القضاء إشرافا فعليا، كما يعاد النظر في قانون الأحزاب و جميع القوانين
المنظمة للحقوق و الحريات العامة.
3- إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية المقررة لرجال الأعمال مع فرض ضرائب
تصاعدية على الدخل تلزم الأغنياء أن يؤدوا ما عليهم من فروض لصالح تنمية الوطن.
4- أن يعاد النظر في النظام التعليمي لصالح نظام كفء يخرج أجيالا يطلبها
سوق العمل و جديرة بالنهوض بالوطن.
5- أن يصدر قانون لمكافحة جميع صور التمييز الديني أو العرقي أو الاقتصادي
أو الاجتماعي بين المواطنين.
6- تأمين استقلال القضاء استقلالا حقيقيا و إلغاء جميع صور تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء و إلغاء جميع صور القضاء الاستثنائي ، و تيسير وصول العدالة الناجزة الفعالة إلى مستحقيها.
7- تحديث الجهاز الامنى بما يضمن كفاءته المهنية و احترامه للقانون و حقوق الإنسان . كما يجب ألا يترك الأمر بيد الأمن وحده لحل مشاكل المواطنين و يجب تأهيله مهنيا و نفسيا.
8-  تحديث الجهاز الادارى للدولة لزيادة كفاءته و القضاء على الفساد فيه و فتح منافذ الشفافية للحفاظ على المال العام.
9- وضع نظام التامين الصحي بمد الرعاية الصحية المجانية لكل أبناء الوطن ، و ربط السياسة التنموية بالعدالة الاجتماعية.
10- أن تتسع مؤسسات المشاركة بجميع أشكالها و صورها لاستيعاب الشباب.
11-أن يتم الفصل بين منصب رئيس الجمهورية  وقيادة الأحزاب السياسية.
12- إنشاء جهاز قومي لمكافحة الفساد يتمتع بالحصانة.
13- تأكيد مبدأ احترام القانون و إخضاع كل المواطنين لأحكامه و احترام أحكام القضاء خصوصا من الحكومة.
14-إطلاق حرية تكوين الأحزاب و فتح الأبواب على مصراعيها أمام هذا الحق. و الحكم في النهاية للمواطنين أمام صناديق الاقتراع. فالأحزاب تستمد قوتها و شرعيتها منهم بالأصوات التي تحصل عليها تلك الأحزاب.
و تنوه اللجنة إلى ضرورة الاهتمام بالمسائل الآتية على وجه الخصوص:-

1- تطوير علاقة الشرطة والشعب: -
 من المسلم به أنه لا توجد دولة بدون شعب ولا يتصور دولة بدون شرطة ، فالعلاقة متلازمة بين الاثنين . وقد تمر هذه  العلاقة بفترة جفاء تصل إلى العداء أحياناً ، ومع ذلك فلا يمكن الاستغناء عن وجود الشرطة كمؤسسة من مؤسسات الدولة . و ينبغي التفرقة في هذا المقام بين الشرطة كمؤسسة والشرطة كأفراد : فالشرطة كمؤسسة لا غنى عنها وهي ركن أصيل من أركان الدولة أما الشرطة كأفراد ففيها الصالح والطالح ، فالصالح نأخذ بيده والطالح نأخذ على يده ونبعده عن شرف الانتساب إليها  ،  فلا يؤخذ أحد بجريرة الآخر.
وإذا كانت هناك خطايا وأخطاء من بعض رجال الشرطة في الحقبة الماضية فهذا يحتم مجازاتهم ، وأن يقول القضاء فيهم قولته ، إلا أنه لا يجوز تعميم الانطباع السلبي الذي خلفه سلوك هؤلاء على جميع رجال الشرطة ، فمنهم قطاع كبير من الشرفاء الذين أحسنوا العمل والمعاملة مع المواطنين.
وينتظر من الشرطة المصرية في العهد الجديد تطبيق شعار ( الشرطة في خدمة الشعب )  تطبيقاً واقعياً ملموساً تعيشه الجماهير العريضة من الشعب المصري ،  و إعادة هيكلة أجهزتها لملء الفراغ الأمني الذي حدث أثناء ثورة 25 يناير ، والتطلع إلى تحديث أساليب العمل
البشرية والتقنية.
ومطلوب من الشرطة المصرية أيضاً إدراك التفرقة بين حماية النظام وحماية الدولة أو أمن النظام وأمن الدولة إذ ما زال الكثير لا يميز بين الدولة والحكومة ، ويستخدم مصطلحات كثيرة
على غير مقتضاها . فأمن الدولة في عهده السابق لم يكن أمن دولة بل أمن نظام
حكم ،  وينبغي دائماً على الأجهزة الرسمية أن تتحرى مشروعية السلوك وألا تبرر التجاوزات بدعوى لزوميتها للمهمة الموكولة إليها.
 وهذا يتطلب إعادة تأهيل رجال الشرطة وزيادة معلوماتهم الثقافية والقانونية و الاجتماعية وأن تتفرغ لعملها الأصيل وهو الأمن  بمعنى منع ارتكاب الجريمة وكشف الجرائم وملاحقة المجرمين وكذلك  الحفاظ على السكينة العامة والصحة العامة ، والعناية بالتدريب والتحديث ومن ثم يجب أن تتصدى الشرطة أولاً قبل أي جهة أخرى لمحاولات إقحامها في أعمال ليست من صميم اختصاصها حتى لا تتحمل أوزار غيرها.
 ومن ناحية أخرى ينبغي أن تعود الثقة لتحكم العلاقة بين الشرطة والشعب . فالشرطة لن  تستطيع أن تقوم بمهامها في صيانة أمن المجتمع إلا إذا سادت الثقة في العلاقة بينهما وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا بإعادة النظر في الممارسات غير المشروعة التي كانت ترتكب في بعض مقار وأقسام ومراكز الشرطة قبل المواطنين من تعذيب واعتقال بدون سند قانوني.
صحيح أن القانون يجرم استعمال القسوة والتعذيب في المادتين 126 ، 129
 من قانون العقوبات فقد نصت المادة 126 على عقوبة السجن المشدد أو السجن ثلاث سنوات إلى عشر سنوات لكل موظف  أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك لحمله على الاعتراف فإذا
مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد . ونصت المادة 129 على معاقبة كل موظف استعمل القسوة مع الناس اعتمادا على وظيفته " بحيث اخل بشرفهم أو احدث إيلاما بأبدانهم وذلك " بالحبس مدة ل

المصدر: محمد السطيحه المحامى
  • Currently 31/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 657 مشاهدة
نشرت فى 21 إبريل 2011 بواسطة ELstehaAveocato

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,857,497