هل ماتت السيدة فاطمة الزهراء مقتولة؟

 6


بقايابيت الرسول الذى ولدت فية السيدة فاطمة
 

علي طول وعرض كتاب ابن قرناس "أحسن القصص ..تاريخ الإسلام كما ورد من المصدر ، مع ترتيب الصور"، وهو يستند إلي آيات القرآن الكريم، مغيرا ومبدلا ومحورا في أحداث تاريخية، كنا نعتقد أنها صحيحة، فإذا به يأتي ليقول إن القرآن الكريم لا يراها كذلك.

كانت رؤية ابن قرناس أكثر من مزعجة، لكن استوقفني في الكتاب ما ذكره عن سير الأحداث بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم، وبالمعني الأدق والأصوب بعد انقطاع الوحي، وعليه فالأحداث التي يتعرض لها ابن قرناس هنا لم يسجلها القرآن، ولم ترد به أي إشارة لها.

لكنه يضع يده في حقيقة الأمر علي أمر أعتقد أنه خطير للغاية، لأنه يقترب من وضعية الإمام علي رضي الله عنه في التاريخ الإسلامي.

يقذف ابن قرناس في وجوهنا بمن اسماهم "مسلمي قريش"..وهؤلاء فئة أسلمت وآمنت بالرسول صلي الله عليه وسلم، لكن في نفس الوقت ظل ولاؤهم وانتماؤهم وإخلاصهم الأول لقريش، ولذلك عندما مات الرسول صلي الله عليه وسلم حاول هؤلاء أن يستعيدوا مجد قريش مرة أخري.

يقول ابن قرناس:"يمكن القول إنه بمجرد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم أطلت الفتنة برأسها، وسعت قريش بقيادة أبي سفيان والعباس إلي الاستيلاء علي الحكم بالقوة منذ أن تولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه قيادة المسلمين، وذلك عندما أشار أبو سفيان علي الإمام علي بإعلان نفسه حاكما والخروج عن طاعة أبي بكر، وسيضمن له الخيل والرجال، كما روت كتب الأخبار، لكن مساعيهم لم تنجح لأن المؤمنين كانوا حاضرين، والمنافقون لا يستطيعون المجاهرة بالعداء بعد، واستمرت قريش تسعي للوصول لحكم دولة المسلمين ولو بشكل غير مباشر، وأحد هذه الطرق هو تنصيب أحد مسلمي قريش الموالين للمشركين حاكما، يمكنهم بواسطته توجيه إدارة الدولة كما يريدون".

لقد كانت هناك محاولات للانقضاض علي دولة المسلمين منذ اللحظة الأولي لوفاة الرسول صلي الله عليه وسلم، يقول ابن قرناس:"عندما انتفضت الشعوب والقبائل في كل جزيرة العرب علي المسلمين، بمجرد سماعهم خبر وفاة الرسول، استطاع المسلمون بصرامة أبي بكر استرداد السيطرة علي أرض الجزيرة، بل والاستمرار بمعاقبة من عاون علي حرب المسلمين من الفرس والروم، التي بدأت في عصر الرسول، وهو ما عرف تاريخيا بالفتوح".

ويطعن ابن قرناس في الكتب التي تشير إلي وجود تجاوزات في حروب أبي بكر علي المرتدين، فهي بالنسبة له الكتب التي كتبتها قريش، ولذلك فهي محل شك وريبة، فالأقرب أن جيوش ما سمي بالفتوح في عصر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كانت تسير حسبما أمر الله دون تجاوزات، ولم تسع جيوش المسلمين للحرب، ولكنها فرضت من قبل المعتدين من مشركين عرب، وخلفهم بني إسرائيل والفرس والروم، فكان علي المسلمين أن يحاربوهم بكل قسوة لا رحمة فيها لمن يسعي للقضاء عليهم وعلي الإسلام".

لم تكن في حروب أبي بكر وعمر سبي أو استرقاق، ويستحيل أن تكون جيوش المسلمين زمن أبوبكر وعمر اقترفت المخالفات اللا إنسانية التي نقلتها كتب قريش التاريخية، والذي حدث هو أن جيوش قريش التي استولت علي دولة الإسلام بعد ذلك هي التي اقترفت تلك المخالفات في حق الشعوب المغلوبة علي أمرها، ولأن حروب التوسع التي قامت بها حكومات قريش باسم الإسلام، استمرت طوال قرون، فقد نسي الناس تلك الفترة القصيرة التي لم تتجاوز عشر سنوات من الحروب الإسلامية الإنسانية زمن أبو بكر وعمر، وحكموا علي كل حروب المسلمين بما رأوه من حروب قريش باسم الإسلام، سواء في شرق المتوسط أو شمال إفريقيا أو في الهند والسند والأندلس".

لكن ما علاقة الإمام علي بكل هذا؟

وما الذي جعل ابن قرناس يعتقد أن السيدة فاطمة الزهراء زوجته وابنة الرسول صلي الله عليه وسلم ماتت مقتولة، ولم تمت ميتة طبيعية؟

يقول ابن قرناس: "بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، ذكرت لنا كتب التاريخ أن علي بن أبي طالب بويع بالخلافة من قبل بعض المسلمين دون البعض الآخر، وتقول تلك الكتب إن ممن بايعه وفد الثوار القادم من الكوفة، ضمن من ثاروا علي عثمان، وسواء كان هذا صحيحا أم لا، فالوقائع تشهد أن علي بن ابي طالب كان أول من أعلن إسلامه، وأنه أيضا كان يقاتل المسلمين".

هنا لابد أن أفتح قوسين لأضع بينهما ملاحظة ابن قرناس علي كتب التاريخ، يقول:(نحن هنا نستمد معلوماتنا من كتب التاريخ التي لا نصدق ما جاء فيها، لأننا لا نملك مصادر غيرها).

لكن السؤال هو:لماذا ينظر ابن قرناس إلي الإمام علي رضي الله عنه علي أنه كان يقاتل المسلمين؟

يقول في تفصيل ذلك: "لو كان قتال علي انحصر ضد معاوية القرشي لأمكن أن يقال إن معاوية بلغت به الجرأة أن يحاول الاستيلاء علي دولة الإسلام أو جزء منها(الشام)، فقام علي بالتصدي له ولقريش، لكن علي وقبل قتال معاوية، لاحق أم المؤمنين عائشة واثنين من أتقياء الصحابة هما طلحة والزبير، إلي مكة حتي خرجوا إليها هربا منه للاحتماء ببيت الله الحرام، ثم طاردهم للعراق بعدما خرجوا إليها من مكة، واشتبك مع جيش من البصرة حاول حماية أم المؤمنين ومن معها في قتال، قتل فيه طلحة والزبير وعشرات الآلاف ممن يحسبون علي المسلمين، قبل أن يتصارع مع معاوية، كما لاحق حفظة القرآن الذين أطلق هو عليهم الخوارج، وكأنهم خرجوا عن الإسلام لأنهم خالفوا طاعته، وسحقهم حربا وصبرا، وهذه الوقائع تظهر علي كطالب للحكم، وأول من قام بالتصفية الجسدية لمعارضيه، وأول من قاتل المسلمين، وأول من أطلق ألقاب الكفر والتخريب علي من يخرج عن طاعته كحاكم، وكأن طاعة الحكام طاعة لله".

أعرف أن هذا كلام غريب جدا، خاصة أنه يقال عن الإمام علي رضي الله عنه، وهو ما يبعث علي الريبة في مقاصد ابن قرناس، فهو يهجم هذه الهجمة الشرسة علي الإمام علي خصما من رصيد الشيعة، للأسف الشديد فإن ندرة المعلومات عنه وعن انتمائه وتكوينه يحول دون أن نربط بين ما يقوله وما يسعي إلي تنفيذه، فقد يكون أحد أدوات مواج هة المد الشيعي في السعودية، لكن حتي هذا لا نستطيع أن نجزم به، لأننا لا نملك ما نرتكن عليه لإثباته.

لكن ابن قرناس يعود ويتدارك ما قاله من خلال سؤال يطرحه، وهو:هل كان الإمام علي ضحية من المسلمين الأتقياء انقاد لدسائس قريش؟

أم أنه أول من وصل لحكم دولة الإسلام من مسلمي قريش؟

والسؤال تلزمه إجابة، يقول ابن قرناس:"لو نظرنا إلي المستفيد من سياسة علي ابن أبي طالب لما وجدناه الإسلام ولا المسلمين، ولكنها قريش، فهي المستفيد من تلك المذابح لأنها أضعفت المسلمين الأتقياء، وجعلت استيلاء قريش علي حكم دولة الإسلام ممكنا".

ويكشف ابن قرناس عن وجهه، ساعيا إلي إدانة الشيعة، فهو يري أن لو كان أحد غير الإمام علي من اقترف هذه الحرب لصب عليه التاريخ غضبه ولعناته، لكن ما حدث علي أرض الواقع هو أن الحقائق عكست تماما، وتحول ما فعله في حروبه إلي فضائل، كما تحول سعيه للحكم إلي حق إلهي أعطاه الله إياه، وقد اقترنت نسبة الفضائل لعلي وأحقيته بتولي الحكم بتشويه تاريخ أم المؤمنين عائشة، مما يعني أن هذا التشويه جاء متعمدا، لطمس حقيقة أن قريش استطاعت الوصول إلي تصريف حكم دولة الإسلام، وإخفاء حقيقة أن السيدة عائشة كانت من أنشط المؤمنين الأتقياء الذين قاوموا محاولات قريش للسيطرة علي الحكم، فجاء القضاء عليها ومن معها من خلال الإمام علي، سواء كان ذلك بعلمه ورضاه أو باستغلال قريش لغفلته.

لقد كانت السيدة عائشة تتمتع بشخصية قوية جعلت منها سدا منيعا مع المؤمنين المخلصين ضد محاولات قريش للسيطرة علي حكم دولة الإسلام بعد وفاة الرسول، ولأن قتل أم المؤمنين سيجعل الناس يتمسكون بمبادئها، فقد قررت قريش سلب قوتها في التأثير علي الناس بطريقة أخري تمثلت بتشويه سمعتها، والقضاء عليها وهي حية، وعلي سمعتها بعد وفاتها، فتم تشويه ومسخ تاريخها، وتم ترسيخ هذا المسخ وتوارثناه علي أنه الحقيقة.

ويذهب ابن قرناس إلي حقيقة أن من تسموا بالشيعة لم يختلقوا التهجم علي أم المؤمنين، لأنه بدأ قبل ظهور عقائدهم، ولكنهم عملوا علي ترسيخه فيما بعد، لأنهم وجدوا في القصص المختلقة علي أم المؤمنين ما يمجد علي بن أبي طالب، الذي ترتكز عقائدهم علي تقديسه.

لقد بالغ الشيعة في تقديس الإمام علي، حيث نجد أنه لم يكتب لأحد في تاريخ الإسلام ما كتب لعلي من فضائل بما في ذلك الرسول صلي الله عليه وسلم نفسه، فوصف بأنه ولي الله، ووصل الأمر ببعض الناس القول إنه لولا علي لما خلق الله الكون، وغير ذلك الكثير.

ويرجع ابن قرناس إلي فرضيته الأولي، يقول:"إن كان هذا الاستنتاج صحيحا فهذا يجعلنا نعيد التساؤل:هل كان علي بن أبي طالب ضحية لقريش وقام بما قام من حروب تصفية وهو يظن أنه يخدم الحق وليس قريش؟ أم أنه كان أحد مسلمي قريش، وعمل علي الاستيلاء علي حكم دولة الإسلام؟".

والإجابة التي يطمئن إليها ابن قرناس أنه في كلتا الحالتين، فقد قامت أم المؤمنين عائشة بحملة تحذيرية لمن بقي من المؤمنين الأتقياء من المخطط الذي يسعي له علي بعد قتل عثمان، وكان معها طلحة والزبير، وقد غادروا المدينة إلي مكة، ظنا منهم أن الاحتماء ببيت الله الحرام كفيل لتوقف علي عن ملاحقتهم، لكن شيئا من هذا لم يحدث.

هربت أم المؤمنين وطلحة والزبير من مكهةباتجاه العراق، أملا في الاحتماء بالبصرة التي تبعد عن مكة بما يزيد علي 1200 كيلو متر، والتي لم تقبل بتولي علي للسلطة، فلحق بهم إلي هناك، مما جعل أهل البصرة يخرجون لملاقاة جيش علي حماية ودفاعا عن أم المؤمنين، فوقعت المعركة علي مشارف البصرة من جهة الغرب، وفي مكان قريب من بلدة الزبير الحالية، التي سميت باسم الزبير بن العوام الذي قتل بالقرب منها ودفن هناك، وقد قتل طلحة معه في المعركة أيضا، إضافة إلي الآلاف غيرهم، وكانت أم المؤمنين معرضة للقتل لولا أن عليا منع ذلك لئلا يثور عليه مناصروه، لمكانة أم المؤمنين في قلوب الناس، وقد شوهت هذه الحقائق وقلبت فأصبحت أم المؤمنين وطلحة والزبير هم الأشرار، بينما أسبغ علي الإمام علي ثوب القداسة، وصورت حملات التطهير التي قادها للتخلص ممن يعارض توليه سلطة الدولة المسلمة لعلمهم بميوله إلي حملات لخدمة الإسلام.

إن الدور الذي قام به الإمام علي من وجهة نظر ابن قرناس جعله يضع مجموعة من الأسئلة أعتقد أن الإجابة عنها مهمة للغاية، وهي:

أولا: لو حقق التاريخ بتجرد فسيكون بالإمكان التساؤل إن كانت السيدة فاطمة الزهراء قد قتلت أم أنها ماتت ميتة طبيعية؟ وهل كان قتلها إسكاتا لصوتها لئلا تفصح بما قد تكون اكتشفته مما كان يدور بين زوجها الإمام علي وكبراء قريش وعلي رأسهم العباس وأبو سفيان أثناء اجتماعاتهم في بيتها بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم؟

ثانيا: ويكون بالإمكان التوقف عند تواجد الإمام علي في المدينة أثناء حصار عثمان دون أن يحرك ساكنا للدفاع عنه، خاصة أن من بايعه بالخلافة هم من اشترك في قتل عثمان؟

ثالثا: لماذا قام الإمام علي بتصفية كل معارضيه، وهل معارضوه كانوا بالفعل يحاولون وقف اجتياح قريش لسلطة دولة الإسلام؟

رابعا: لماذا تجاسر علي وترك عاصمة الإسلام بالمدينة واستبدالها بالكوفة؟

خامسا: لماذا لم يحسب الإمام علي من بين الخلفاء الراشدين حتي جاء أحمد بن حنبل ، الذي كان أول من طالب بأن يعتبر رابعهم، بعد موته بأكثر من 200 عام؟

إنني أمام محاولة من ابن قرناس لكتابة تاريخ الإمام علي من جديد، لكنها محاولة لم تكتمل، فلا توجد لديه مصادر، ولذلك فإنه يكتفي بأن يطرح تساؤلات، قد تكون تساؤلات منطقية جدا، لكنها تساؤلات، البحث عن إجابة لها أمر ضروري.

ما أحب أن أثبته هنا أن محاولة ابن قرناس التي عرضت لها، كانت محاولة للدفاع عن الإسلام، وليست محاولة للخصم منه، كما فهم البعض علي طريق الخطأ، إنه يبحث في التاريخ، ولا يبحث في العقيدة، وحتي الذين يمكن أن يعترضوا علي ما قاله ابن قرناس عن علي ابن أبي طالب سيقعون في فخ، فهم يتعاملون مع البشر علي أنهم آلهة لا تخطئ ولا يأيتها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، أما التاريخ فهو لا يري ذلك مطلقا.
 

بقلم


محمد البا
المصدر: محمد السطيحه المحامى 0127105575 عن جريدة الفجر
  • Currently 91/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 1654 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,896,269