يظن الكثير من الناس أن الإدمان هو ذلك "العدو" الخفي الذي يصوب كل أسلحته المحرمة تجاه عقول الرجال فقط .. والحقيقة أن الفتيات أكثر عرضه للسقوط في فخ المخدرات، الذي قد ينصبه لهن أصدقاء السوء بغرض إجبارهن على ممارسة البغاء، الذي تنجرف إليه معظم المدمنات للحصول على المال اللازم لشراء المزاج ، يساعدهم على تنفيذ ذلك المخطط غياب رقابة الأهل وتفكك الأسرة، وإذا كان تعاطي المخدرات عمومًا  خطرا داهما ومدمرا، فإن ادمان الجنس الناعم أشد خطرا وأكثر فتكا .. لأنه  يهدد الشرف والسمعة ، لذا وجب علينا مواجهته  ومعرفة أهم الاسباب التي تقود الفتيات إلى دخول هذا النفق المظلم الذي قلما تخرج منه دون إصابة قوية تهدد باقي حياتها وحياة أسرتها .

 الملاك العابث


هي صاحبة الوجه الرقيق والملامح الملائكية .. وصف يطلقه عليها من يراها للوهلة الأولى .. الا أنه سرعان ما يتبدد بمجرد سماع قصتها .. فهي فتاة لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها تنتمي لأسرة ثرية تحتل مركز مرموق في المجتمع .. سقطت في فخ الإدمان سعيا وراء حلم "الروشنة" و"الدماغ العالية" و"التوهان".


بدأت رحلتها "السوداء" منذ أربعة سنوات بتعاطي الخمور والحشيش.. تحدت كل العادات والتقاليد فاعتادت على السهر ومرافقة الشباب في صالات الديسكو بأحد أحياء القاهرة الراقية، دون أدنى عتاب من أسرتها التي تفرق شملها بسفر الأب والأخ الأكبر إلى إحدى الدول العربية ، وزواج الأخت الكبرى وانشغال الأم بعملها كطبيبه معظم الوقت. 


تقول الفتاة التي بدأت حديثها  بإشعال سيجارة وقد بدت عليها ملامح الاضطراب : تعرفت على شاب من نفس بيئتي وأحببته بشدة ، قررت الهروب معه بعد أن سرقت عشرة آلاف جنيها من دولاب والدتي واستأجرت شقة ، عاشرته فيها معاشرة الأزواج ، وفي يوم تلقيت اتصال من أحد اصدقائه أكد لي أنه مدمن هيروين ، فبحثت في ملابسه فإذا بي أجد تذكرتين بودرة .. حاولت إخفاءهما لمساعدته على الإقلاع عن هذا النوع القاتل من المخدرات 
 لكني فشلت، وبدلا من أن أخرجه من هذه الدائرة الملعونه نجح هو في إدخالى اليها ، وألح على أن أشاركه تجربته عن طريق الحقن للتعرف على أحاسيسه .. وبالفعل بدأت معه أولى خطواتي على طريق الإدمان، واستمر هذا الحال أكثر من سنة ونصف ، نستيقظ من النوم في الخامسة مساءًا لنذهب سويا إلى الصحراء طلبا للمخدرات النقية "اللى بتعمل دماغ عالية".

 ولكن إستطاعت أسرتي معرفة طريقي ، وتم أخذي بالقوة إلى منزلنا ، وعاد حبيبي إلى منزله فساعده شقيقه الأكبر على دخول إحدى المصحات،  فأصابني اكتئاب شديد وحاولت الانتحار أكثر من مرة لكني فشلت وهربت من المنزل للمرة الثانية، مارست كل أنواع المحرمات .. سرقت واحترفت الدعارة ووصل بي الأمر الى بيع نفسي لأصدقائي كل ليلة مقابل
حقنة هيروين.


واستكملت حديثها بعد أن أشعلت سيجارة ثانية وقد بدا الحزن على وجهها :" ذات يوم وأنا أحاول أخذ جرعة مخدر ، إذا بدورية شرطة تلقي القبض علي وأنا في حالة إعياء شديد ، فقاموا بالاتصال بشقيقي لكنه رفض استلامي وقضيت ليلتي مع المجرمين ، وفي اليوم التالي جاء لاخراجي من الزنزانة وبعدها طردني من المنزل لأجد نفسي وحيدة في الدنيا .. لا أملك مأوى ..ولامال .. ولا حتى ثياب، اتصلت بالشاب الذي كنت أحبه ،  فقالت لي والدته أنه لا يريد الحديث معي وأنه تعافى تماما ولا يريد أن يتذكر تلك المرحلة من حياته .. شعرت أني أتمزق .. وداهمني شعور قوي بالاشمئزاز من نفسي .. وصممت على استعادة براءتي التي اغتالها الإدمان .. فقررت العلاج ومصرة عليه واسأل الله أن يوفقتي ويعافني مما ابتليت به  ويجعل عقابي في الدنيا حتى أنجو من عذاب الآخرة" .. وتساقطت الدموع من عينيها ..ولا أعلم إن كانت ندمًا على الشرف الضائع أم على ارتكاب كل هذه الكبائر في سنوات قليلة من العمر؟


بتاع كله


(س. ن ) بدأت فصول قصتها مع الإدمان عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها، بعد أن تعرفت على مجموعة من الأصدقاء كانت تذهب معهم إلى صالات الديسكو لشرب الخمور
"شراب الشباب الروش" من وجهة نظرهم .. تقدم إلى خطبتها شاب ظن الجميع أنه الزوج المناسب الذي سيكسر شوكة هذه "المتمردة" .. ولأن الطيور على أشكالها تقع كان العريس المنتظر ليس فقط مدمنا للكحوليات ولكن لحبوب الهلوسة والهيروين أيضا.. وشكلا معا فريقا متميزا للبحث والتنقيب عن طريقة مبتكرة يتناولوا بها البودرة بخلاف الشم أو الحقن ..ففكرا سويا  بحرق المخدر على النار واستنشاق رائحته، وبدلا من أن يجتمعا على المودة والرحمة والسكن كانت المخدرات هي الرابط الوحيد بينهما .

ظل الزوجان ثلاث سنوات على حالهما ينفقان كل الدخل على المخدرات ، فشك الأهل في تصرفاتهما وعندما علموا بالحقيقة طالبوهما بضرورة الانفصال ووقع الطلاق..


تقول بطلة قصتنا: حاولت أمي منعي من التعاطي بشتى الطرق خاصة بعد طلاقي، لكني عدت إلى السهر وشرب الخمر والحشيش إلى جانب البودرة.


وبعد شهور طويلة من الضياع قررت الذهاب إلى مصحة، وبالفعل اجتزت أول ست شهور من العلاج ، الا أنني عدت للمخدر مرة أخرى ..لكني شعرت بضعف وعجز شديدين .. وكرهت ما أنا عليه من ضياع وفراغ فقررت العودة للعلاج، واستعنت بقراءة القرآن وأسأل الله ان يعفو عني ويتم شفائي هذه المرة . 


بئر الرذيلة


وفي أحد الأركان اقتربت من هذه الصغيرة، والفضول يملأني لمعرفة  قصتها مع الإدمان، في البداية رفضت الحديث حتى رأت جميع من حولها يتسابقن لرواية قصصهن، فانحلت عقدة لسانها قائله : أبي المسئول عن دخولي دائرة الإدمان، فكان كثيرًا ما يجلب أصدقائه إلى المنزل لشرب الحشيش, وفي أحد الأيام بعد أن ترك والدي المجلس، وجدت بقايا سجائر محشوة وأخذني الفضول لأجربه, وبالطبع كانت المرة الأولى لكنها لم تكن الأخيرة، عرفت طرق جلب هذا المخدر عن طريق إحدى صديقاتي، وتطور بي الأمر إلى شرب الخمور حتى وصلت إلى المحطة الأكثر خطورة وهي البودرة ".


وتابعت :" اعتدت على شراء المخدر من شاب يقطن في شارع قريب من مسكني ، أنفقت كل مدخراتي التي تركتها لي المرحومة أمي .. سرقت أموال من زوجة أبي .. إلى أن جاء يوم احتجت فيه إلى المخدر ولم يكن معي مال فساومني على شرفي الذي لم أبخل عليه به مقابل حقنة".


واسترسلت : قررت الهروب من المنزل حتى لا ينكشف أمري، واكتشفت أني حامل فجلب هذا الشاب "الشيطان" نوع من الأدوية يجهض الجنين، ودفعني إلى ممارسة الجنس مع زبائنه مقابل حصولي على المخدر، وكنت أوافق تحت تأثير هذا الشبح الذي ينهش في جسدي حتى تحولت الى محترفة في غضون شهور قليلة.


و ذات يوم كانت إحدى صديقاتي تنتاول المخدرات معي، وإذا بها تأخذ جرعة زيادة فماتت على الفور، دارت الدنيا بي .. وشعرت بقرب النهاية .. وقررت الهروب من ملاحقة الشاب الذي تحول الى قواد محترف، وذهبت إلى إحدى محافظات مصر الساحلية ودخلت مصحة وحاولت الخروج من هذه الدوامة التي صنعتها لنفسي ، وبالفعل اجتزت حتى الآن أصعب مراحل العلاج وأسأل الله الثبات.


تفكك أسرى


يرى الدكتور هشام أبو المكارم أخصائي الطب النفسي أن التفكك الأسري يعد سببًا رئيسيًا في لجوء الفتيات إلى المخدرات، وذلك بسبب غياب أحد الوالدين وانشغال الآخر أو لانفصالهما بالطلاق ، وأن امتناع الأم عن المشاركة في حل مشاكل بناتها يجعل الابنة تلجأ إلي أصدقاء السوء الذين يحرضونها علي شرب السجائر والخمور لتنتهي بالادمان .


ويضيف أبو المكارم أن بعض الأسر باتت تطبق مبدأ "الحرية المطلقة" للفتيات ، فلو وجدت الفتاة رقابه من الأهل لما وقعت بالانحراف.. فمنحهم الحرية لها دون ضوابط  ينتج عنه انتشار ظواهر مثل الإدمان والدعارة والزواج العرفي والأطفال اللقطاء، وسلسلة لاتنتهى من الظواهر السلبيه التي انتشرت مؤخرا في المجتمعات العربية والاسلاميه.


فهناك من يعتقد أن عودة الفتاه إلى المنزل مبكرًا يعني عدم انتهاج أي سلوك اجتماعي خاطئ, وهذا الأمر يلغي الرقابة العائلية التي يجب تواجدها بصفة دائمة خاصة في هذا العصر.


وشدد على أن الفراغ وعدم الانشغال بشئ مفيد يعد بيئة خصبة تشجع الفتاة وتدفعها إلى الإدمان ، فيما تجد أخريات في المخدرات متنفس للتعبير عن الإحباط الناتج عن شعورها بأنها غير مرغوب فيها، سواء من ناحية الشكل أو من الناحية الاجتماعية أو الثقافية أو المادية أو التعليمية، فتحاول أن تخرج من حالتها النفسية إلى الإدمان، سواء كان إدمان السجائر أو إدمان المواد الكحولية أو المخدرات.

  

خوف من الفضيحة


ويؤكد وليد عوني أخصائي علاج الإدمان أنه لا يوجد فرق جوهري بين المدمن والمدمنة في الكمية المتعاطاة أو نوع المخدر ، إلا أن غالبية المدمنات يتعاطين الكحوليات والحشيش والهيروين ، فيما تقبل الكثيرات وخاصة ذوات الدخول المحدودة على العقاقير الطبية ، التي تساعد على النوم والاسترخاء .


وتكمن مشكلة إدمان الفتيات الحقيقية في صعوبة ملاحظة الأهل أنهن سقطن في فخ الإدمان ، فقد يتمكن الوالدين من اكتشاف إدمان ابنهم ، لتصرفات غريبة تطرأ على شخصيته ، فيما يستبعدون تماما فكرة أن تكون ابنتهم تتعاطى المخدرات، حتى وإن تمت ملاحظة عوارض غير طبيعية  عليها ، إلا أنهم يعزونها الى أنها مريضة نفسية أو الى أنها تعاني من ضغوطات في العمل أو مع صديقاتها ، مما يقلل رغبتها الداخلية في العلاج .

ادمان الكحوليات خطر مثل المخدرات

ويشير إلى أن عدم تصرف الأهل بحكمة مع أزمة إدمان بناتهم يهدد بتفاقم المشكلة ، فاستخدام سلاح الضرب أو الحبس في المنزل يقود الفتاة إلى مزيد من التعاطي ، ويظل الجميع يدور في دائرة مغلقة تسمى "الخوف من الفضيحة".


ويضيف أن المشكلة  تكمن في كم الأزمات النفسية التي تلاحق المدمنات بعد إنتهاء مرحلة إنسحاب المخدر من الجسم"الديتوكس" ، حيث يبدأ العقل باليقظة مرة أخرى ويستحضر كل المواقف التي حدثت أيام التعاطي ويبدأ في تقييم الخسائر الفعلية، وتكون أكثرها ألما تنازلها عن شرفها إما بوعي أو بغير وعي وهي مخدرة، وكيف أنها بعد ذلك تقوم بعملية استغلال جسدها مقابل الحصول على جرعة مخدر ، إلا انها اذا استطاعت الثبات وأدركت انها تنقذ نفسها من المزيد من الأخطاء ستستطيع مواصلة العلاج.


وفي النهاية ندعو الأهل إلى مراقبة بناتهم وعدم اللجوء إلى التدليل الزائد، وإغداق المال عليهن بدون حساب وتركهن فريسة سهلة إلى صديقات السوء، ونؤكد أن الفتاة العاقلة هي من تسهر على إصلاح نفسها  ولا تنساق وراء أهوائها للحصول على لذة مزعومة ، وأن من تضعف مقاومتها وتقع في المحظور هى بحق إنسانة افتقدت لكل مقومات الإنسانية ولا تستحق إلا كل رثاء.

 

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 354 مشاهدة
نشرت فى 21 إبريل 2008 بواسطة ELMOSLEMA

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

11,004