"شارون أصيب بجلطة دماغية. شارون في العناية الفائقة. شارون في حالة موت سريري. ماذا نقول نحن الفلسطينيين عن ذلك؟ كيف نتعامل مع مرض الرجل؟ كيف نتعامل مع مواجهته للموت؟ علمتنا ثقافتنا وحضارتنا أن نقول في مواجهة الموت، وأيا كان الرجل الذي يواجه الموت، «اللهم لا شماتة». فحتى شارون، يقف إلى جانب غرفة مرضه الآن، ابناؤه وأفراد عائلته، ويشعرون جميعهم بالحزن، وتدمع عيونهم. ولأن الوضع في مواجهة الموت هو دائما كذلك، علمتنا ثقافتنا وحضارتنا أن نقول «اللهم لا شماتة». هذا عن شارون الفرد، شارون رب العائلة، شارون المزارع الذي يحنو على الخراف. ولكن شارون هو أيضا رجل دولة، وككل رجل دولة هو قضية عامة، ولا بد من نظرة أخرى عليه كقائد وكسياسي.."
جاء ذلك في مقالة نشرتها جريدة الشرق الأوسط.(*)
يتابع الكاتب فيقول:
"لقد آمن شارون بأن القتل هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام يهود إسرائيل لبناء دولتهم. وهو باشر ذلك منذ أن كان ضابطا صغيرا. نظم مذابح في السموع وقبية ونحالين في الخمسينات، ونفذ مذابح في غزة في السبعينات، ونفذ مذبحة صبرا وشاتيلا في الثمانينات، ونفذ المذبحة الشاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة طوال السنوات الخمس الماضية (2000 ــ 2005). ويكفي أن نلقي نظرة على الضباط الذين اختارهم ليكونوا مساعدين له، لنرى كيف أنهم جميعا اختصاصيون في القتل، من الجنرال دان إلى وزير الدفاع شاؤول موفاز مرورا برجل المخابرات آفي دختر، كلهم، وآخرون أيضا، يتباهون بأنهم رجال قتل. وهم مستعدون للتصريح أمام الصحافة كيف صاغوا شعارات القتل والاغتيال، وكيف شكلوا وجربوا الوحدات التي تولت عمليات التنفيذ، وحدات «شيري» و«دوفدوفان» و«وحدات المستعربين». قال أحدهم مؤخرا: لقد قتلت من الفلسطينيين أكثر مما قتلت حركة حماس من الإسرائيليين، معتبرا ذلك أمرا طبيعيا، وكأن هذا التصريح هو مجرد تقرير عن حصيلة عمل شركة أو مشروع تجاري ناجح."
ثم يتابع فيقول في فقرة أخرى: "لقد مارس شارون ومساعدوه القتل المنظم، الجماعي والفردي، وهدفهم كسر إرادة الفلسطينيين، كسر إرادة الانتفاضة الفلسطينية، ودفع الفلسطينيين نحو الاستسلام السياسي، نحو «الركوع» كما يقول الضباط الكبار في تصريحاتهم، وكلما يئسوا من الوصول إلى لحظة كسر الإرادة هذه، ازدادوا شراسة وقتلا.."
==================
يتحدث الكاتب عن شارون رب العائلة والمزارع الذي يحنو على الخراف والذي لا تجوز الشماتة به وهو على فراش المرض، ثم ينتقل ـ كما رأينا ـ إلى الحديث عن شارون رجل الدولة والسياسي، ليعبّر عن شماتته به دون أن ينطق بكلمة "شماتة!..
*******
سبعة وعشرون سنة مضت على وجودي بعيداً عن الأمة العربية كدتُ أنسى معها ما تعنيه كلمة "شماتة". أتذكّرها فقط عندما أقرأ أخبار العرب. تذكّرتها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ حين قرأت عن خروج الفلسطينيين إلى الشوارع للرقص، احتفالاً بمصرع ما يزيد عن ثلاثة ألف إنسان بريء على يد الإرهابيين المسلمين في نيويورك يوم الحادي عشر من أيلول. تذكرتها حين قرأت وسمعت تعليقات العرب على إعصار كاترينا. تذكرتها مؤخراً حين خرج الفلسطينيون مرة اخرى يوزعون الحلوى في الشوارع بعد سماعهم بمرض شارون. وها أنا اليوم أراها في هذه المقالة، التي وضع لها كاتبها عنواناً ينضح شماتةً: "القاتل في مواجه الموت"، ليقول لنا بعد ذلك إنه ينتمي إلى أمة وحضارة وثقافة تعلمه أن يقول: "اللهمّ لا شماتة"!!!
*******
لن أنصّب نفسي محامي دفاعٍ عن شارون. لا بل سأتفق مع هذا الكاتب جدلاً، بأن شارون ارتكب المجازر ونفذ المذابح وفعل "السبعة وذمّتها". لكنّ شارون، كان على الأقل، وباعتراف أعدائه، جندياً محارباً لم يقم بما قام به لمصلحته الشخصية إنما لمصلحة أمته. لا يمكن لأحدٍ أن ينكر ذلك حتى هذا الكاتب نفسه حيث قال بأنّ "شارون آمن بأن القتل هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام يهود إسرائيل لبناء دولتهم".
إذا آمن شارون حقاً "بأن القتل هو الوسيلة المتاحة أمام اليهود لبناء دولتهم"، فماذا يقول لنا الكاتب عن القادة العرب ـ نذكر منهم على سبيل المثال ـ صدام حسين والأسد والبشير؟
لكلٍّ من هؤلاءِ، سجلٌّ حافلٌ في القتل والإرهاب يندى له جبين الإنسانية خجلاً. والسؤال هو: هل آمن هؤلاء بأن المجازر التي ارتكبوها كانت وسيلة لبناء دولة حرة ديموقراطية لشعوبهم، أم أنها لم تكن إلا الوسيلة المثلى لهم لبناء دولهم العائلية العشائرية ولنهب خيرات بلادهم.
ليس هناك أمٌّ إسرائيلية تقول، بأنّ شارون أو موشي دايان أو غولدا مائير أو بن غوريون أو مناحيم بيغن أو غيرهم من قادة إسرائيل، قد بعثوا بأبنائها إلى حروب تخدم مصالحهم الشخصية. لكن ماذا يمكن للأم العراقية أن تقول عن فلذات أكبادها الذين فقدتهم في حربٍ مع إيران لم تكن غايتها إلا إشباع طموحات فرد مجرم مثل صدام حسين؟.. ماذا يمكن أن يقال عن حالة الحرب التي ابقاها حكام العرب قائمة، لا لتحرير فلسطين ولا لإعادة كرامةٍ لشعب فلسطين، إنما لاستخدامها كقميص عثمان للحفاظ على أنظمتهم الفاسدة؟.. هل مات جندي عربي على الجبهة العربية الإسرائيلية إلا لإطالة عمر هذه الأنظمة؟
لم نرَ العرب يقفون موقف الشماتة من حافظ الأسد حين كان في نزاعه الأخير. لماذا؟.. ألا يستحق السوريون منهم ما يولونه للفلسطينيين من تعاطف؟.. أم أن أرواح السوريين التي زهقت لا تستحق الاهتمام!.. ماذا عن صدام حسين؟.. لقد قامت قيامة العرب لمرآهُ في زنزازنته شبهَ عارٍ وهو يغسل ثيابه!.. أصبحت إهانتُه آنذاك إهانةً لكرامة الأمة العربية!!
متى يعي العرب أن بقاءهم في مؤخرة أمم العالم هو بسبب قادتهم الذين يعظمونهم مهما كانوا ظالمين، وبسبب دينهم الذي هو العائق الأكبر أمام لحاقهم بالعالم المتحضر.
إذا كان هناك من كلمة حق يمكن أن تُقال في شارون وهو على فراش مرضه، فإنها كلمةٌ آملُ من كل قلبي أن يسمعها لعلّها تعجّل في شفائه:
قادةٌ مثل شارون وبن غوريون وبيغن ودايان ومائير هو ما تحتاجه الشعوب العربية!
لكن هذه الشعوب، لن تجد طريقها إلى المستقبل، إلا حين تضع حياة قادةٍ كهؤلاء في مناهج خاصة لطلاب العلم كي يدرسوها بتجرّد مطلق.
**************
في النهاية، لا أستطيع إلا أن أتساءل، كيف يمكن لأيّ كاتب مسلمٍ، أن يتحدث عن جرائمَ لعدوٍّ فيخصّه بأوصافٍ كتلك التي خصّها هذا الكاتب لشارون، وينسى ما فعله "نبيه" و "قائده" و"مؤسس دولته" محمد؟!!
أفَلَمْ يؤمن محمد ايضاً بأن القتل هو الوسيلة المثلى لبناء دولته؟..
شارون اقترح الصلحَ على أعدائه فرفضوا، فحاربهم وقاتلهم حتى أقرّوا أخيراً بعجزهم عن الاستمرار في عدائه، فوافقوا على الجلوس معه للتفاوض. لم يأتوه راكعين أو منبطحين ولم يطلب هو منهم ان يأتوه راكعين منبطحين.
أما محمد، فقد قاتل وقتل ولم يكتفِ بالنصر ـ على من هم لم يكونوا اساساً أعداء له ـ بل أراد أن يذلّ الذين انتصر عليهم فأمر بأن يدفعوا له ضريبة الهزيمة طوال حياتهم هم صاغرون:
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق (أي الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام.. حسب تفسير الجلالين) من الذين أوتوا الكتاب (أي المسيحيين واليهود حسب المصدر نفسه) حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون." (أي أذلاء منقادون لحكم الإسلام. حسب المصدر نفسه) (التوبة 9 : 29)
شارون لم يقتل للتشفّي، لكن محمداً كان يقتل ويعذّب ويسمل العيون ويأمر أتباعه بالقتل إلى حدّ التشفّي:
"قاتلوهم يُعَذِّبْهم الله بأيديكم ويُخْزِهِمْ وينصرْكُمْ عليهم ويَشْفِ صدورَ قومٍ مؤمنين" (التوبة 9 : 14)
شارون قاتل المحاربين من أعدائه واغتال رؤساءهم الذين يدبّرون العمليات الانتحارية التي تقتل الأبرياء من مواطنيه. لم يذهب وراء الذين ينتقدونه في الصحف والإذاعات وعلى شاشات التلفزيون!..
أما محمد فلم يقبل أن يوجه له النقد أحد. "نبيّ الرحمة" هذا، لم يرحم أبا عفك الذي يزيد عمره على مائة وعشر سنين. بعث له من يغتاله ويحرق بيته لا لشيء إلا لأنه انتقده بأبيات شعر. ولم يرحم الأم المرضعة عصماء بنت مروان إذ بعث إليها من يقتلها وهي ترضع أطفالها ليلاً لأنها انتقدته كذلك ببضعة ابيات شعر. لا بل تفاخر وشمت بمقتلها وقال إنه "لن ينتطح فيها عنزان"!..
شارون لم يأمر بقتل الذين يستسلمون ويرفعون الرايات البيضاء. أما محمد فقد أمر بقتل قبيلة بني قريظة اليهودية وإبادتها عن بكر ابيها بعد ان استسلمت ورفعت الرايات البيضاء. قعد يتفرّج على جنوده وهم يقطعون رؤوس رجالها واحدا واحدا أمام أعين أولادهم ونسائهم، ثم قام ببيع النساء في سوق النخاسة ليشتري بثمنهنّ أسلحة يقتل بها أبرياء آخرين؟..
كلمة أخرى أقولها لشارون: أرجو المعذرة لهذه المقارنة!!!
* جريدة الشرق الأوسط ـ بلال الحسن ـ 8 يناير 2006
Go Back ><!--<div id="article_line"><img src="images/709_gline.jpg" /></div> <div id="article_footer"><!DOCTYPE html PUBLIC "-//W3C//DTD XHTML 1.0 Transitional//EN" "http://www.w3.org/TR/xhtml1/DTD/xhtml1-transitional.dtd"> <html xmlns="http://www.w3.org/1999/xhtml"> <body> <center> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> <a href="http://www.annaqed.com/index.aspx"> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> Home</font></a> | <a href="http://www.annaqed.com/about.aspx"> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> About Us</font></a> | <a href="http://www.annaqed.com/contact.aspx"> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> Contact Us</font></a> | <a href="http://www.annaqed.com/english/index.aspx"> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> English</font></a> | <a href="http://www.annaqed.com/whats_new.aspx"> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> New Articles</font></a> | <a href="http://www.annaqed.com/support.aspx"> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> Support</font></a> <!--| <a href="http://www.annaqed.com/search.aspx"> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> Search</font></a> | <a href="http://www.annaqed.com/sitemap.aspx"> <font face="Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif" size="1" color="#666699"> Site Map</font></a>--> -->مجتمع |
سياسة |
المرأة |
دين |
تاريخ |
قصص |
الناقد والأخبار |
خواطر |
من وإلى المحرر |
مواضيع منوّعة |
كاريكاتور و صور |
الحضارة والإرهاب |
تحت المجهر |
منبر عام |
منابر الكتّاب |
كتب |
ساحة النقاش