من بين أكثر المغالطات غرابة في قاموس السياسة الدولية, ذلك الزعم الذي تردده إسرائيل بأنها مضطرة للتصرف بمفردها بشأن مستقبل الضفة الغربية وغزة, نظرا لعدم وجود شريك فلسطيني قادر علي التفاوض معها, بشأن ما تعتبره ـ من وجهة نظرها ـ أراضي متنازعا عليها وليست أراضي محتلة, وبالتالي فإن إسرائيل لا تشكك بقدرة الفلسطينيين علي أن يكونوا شركاء في المفاوضات وإنما هي تريد أن يدخل الفلسطينيون إلي التفاوض وهم مجردون من أهم سلاح في أيديهم, وهو مرجعية التفاوض الممثلة في مقررات الشرعية الدولية, التي تعتبر أن ما جري الاستيلاء عليه في يونيو1967 أراض محتلة طبقا للمبدأ الأساسي في القانون الدولي القائل بعدم جواز الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة.
ولعل ما يبعث علي الأسف أن هذه المغالطة الإسرائيلية الفجة حول مسألة الشريك, وجدت من يدعمها دعما مطلقا داخل إدارة الرئيس بوش في واشنطن, ووجدت أيضا من بدأ يصدقها داخل دول الاتحاد الأوروبي, الذي يتراجع موقفه يوما بعد يوم لمصلحة إسرائيل, خصوصا بعد فوز حركة حماس بأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني وتأهلها لتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة.
والحقيقة أن التسليم بحق إسرائيل في أن تحدد ما إذا كان في الجانب الفلسطيني شريك تفاوضي ـ أم لا ـإنما مثل ارتدادا عن كل ما تحقق ـ علي مدي أكثر من عقدين ـ لنشر أجواء السلام وبناء روح الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أريد أن أقول إن حكومة إسرائيل, التي لا تخفي رفضها الشديد لنهج السلام, تحركت في اتجاهين متوازيين.. الاتجاه الأول يتمثل في دفن اتفاقيات أوسلو بطرح بدائل تعجيزية من نوع خطة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة, مع مواصلة توسيع المستوطنات وبناء الجدار العنصري الفاصل, والاتجاه الثاني يتمثل في عدم الاعتراف بحركة حماس, كممثل للشعب الفلسطيني, بالادعاء بأنها حركة إرهابية وعدم الاعتداد بانتخاب الشعب الفلسطيني لها والسعي لإنتاج قيادة فلسطينية بديلة تكون جاهزة ومستعدة للتوقيع علي التسوية التي تريدها إسرائيل.
ومن المؤكد أنه لم يكن بإمكان إسرائيل أن تمضي في خطتها ذات الاتجاهين المتوازيين, لولا شعورها بأن الأوضاع الدولية والإقليمية الراهنة أصبحت مواتية وملائمة لإسرائيل, لكي تنفذ كل ما يحلو لها تحت ظلال عصر القوة الأمريكية المطلقة, وهي ظلال سمحت لها علي مدي السنوات الأخيرة بأن تتجاهل تقرير ميتشيل وتوصيات تينيت في بداية الأمر, برفض العودة إلي خطوط28 سبتمبر2000, ثم القفز من ذلك مباشرة إلي مغامرة محاصرة الرئيس عرفات في مقره برام الله, وتقييد حركته لأكثر من عامين دون أن يصدر أي رد فعل دولي أو عربي يجبرها علي التراجع عما يمكن اعتباره سابقة دولية خطيرة تجاه زعيم وطني منتخب بإرادة حرة من شعبه, الباحث عن الاستقلال والحرية وحق تقرير المصير إلي أن وافت الرجل المنية في ظروف مريبة لم تتضح تفاصيلها بعد!.
ولكي تغطي حكومة إسرائيل فعلتها, وتحصل علي غطاء لأفعالها غير المشروعة, فإنها تخلت عن منهجها الدائم في تنحية الأمم المتحدة عن أي دور مباشر يتعلق بعملية السلام, وارتضت بدور لما يسمي باللجنة الرباعية الدولية, التي تضم أمريكا, وأوروبا, وروسيا, والأمم المتحدة, مقابل أن يصمت الجميع عن مراحل السيناريو الذي شمل عرفات, ووصل الآن إلي الزعم بعدم وجود شريك علي الجانب الفلسطيني بتكرار نفس الدعاوي السابقة ضد عرفات حول تهم العنف والإرهاب!.
إن خطورة ما تصر عليه إسرائيل بشأن تشويه حركة حماس ويلقي دعما أمريكيا وقدرا من القبول والفهم الأوروبي, هو أن ذلك يمثل ردة إسرائيلية ودولية عن خيار السلام, الذي مازال يمثل خيارا استراتيجيا للفلسطينيين والأمة العربية بأكملها.
إن ما يقوله الإسرائيليون الآن عن عدم وجود شريك تفاوضي في الجانب الفلسطيني, لا يختلف عن الذي كانوا يقولونه قبل اتفاقيات أوسلو, من أن إسرائيل لن تتفاوض مع منظمة التحرير, ولن تعترف بها.. ومثلما كان شامير يلوح بعصا التهديد للدول الأوروبية قائلا: عليكم أن تختاورا بين الصداقة مع إسرائيل أومواصلة الاتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية, نسمع اليوم إيهود أولمرت وهو يهدد أي مسئول أوروبي بأن إسرائيل سوف تقطع أي اتصالات معه, إذا عامر وذهب للقاء أي مسئول في حركة حماس.. ثم إن إسرائيل سبق لها أن اعتبرت عرفات شخصا غير مرغوب فيه كشريك تفاوضي رغم كل ما قدمه الرجل علي طريق السلام ورغم شجاعته في الاعتراف بإسرائيل وتغيير الميثاق الفلسطيني!.
ومن الغريب أن أوروبا التي لم تعر اهتماما لتهديدات شامير في مطلع التسعينيات من القرن الماضي, هي التي يرضخ أغلب المسئولين فيها ـ الآن ـ لتهديدات أولمرت!.
وربما يقول قائل ـ والقول في ظاهرة صحيح ـ إن بعض مظاهر الغياب للوحدة الفلسطينية حاليا ورفض حركة حماس الاعتراف بإسرائيل, هي التي ساعدت إسرائيل علي تكثيف ضغوطها في الساحة الدولية لتشويه النضال الفلسطيني وتصويره علي أنه مجرد عمليات إرهابية, بينما هاجس الرعب من الإرهاب شبح يطارد الجميع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, ولكن مثل هذا القول لا يمثل سوي جزء بسيط من الحقيقة, التي تقول إن وطأة الضغوط الأمريكية لمصلحة إسرائيل في أوروبا, وسائر دول العالم, أصبحت فوق قدرة الاحتمال لكثيرين!.
باختصار شديد أقول إن ما تتعرض له حركة حماس اليوم لا يختلف كثيرا عما تعرض له ياسر عرفات بعد انتفاضة الأقصي في28 سبتمبر عام2000, وحتي رحيله المفاجئ والغامض في نوفمبر2004.
*** ** بعيدا عن السياسة: ** عليك بالتصدي لكل أزمة وكأنك سيدها.. ولا تدعها تسيطر عليك وتكون سيدتك!.
|
ساحة النقاش