محمــد عــلي كــلاي
     

كلاي يضـع ضوابط صارمة لنفسه استعدادا لتسلـق مجـد الشهــــرة

بطل العالم في الملاكمة: بدأت اتعلم من جماعة الياجا محمد

لم تكن الرحلة الايمانية التي قادت محمد علي، اشهر رياضي في العالم واعظم ملاكم في القرن العشرين ـ تعالى الاسلام ـ سهلة، بل على العكس من ذلك كانت رحلة صعبة. وكانت هذه الرحلة بمثابة خطى كتبت عليه ليمشيها في درب الحياة، بحثا عن الخلاص الروحي وتخلصا من الخواء الروحي وتلمسا للسعادة الحقيقية ووصولا الى بر الامان والنجاة. وقد عبر محمد علي في اكثر من مناسبة ان اسعد لحظات حياته عندما اعلن اعتناقه للاسلام وذاق حلاوة الايمان.
وكان كاسيوس كلاي (محمد علي) قبل اعلانه الاسلام في الستينات مرشحا لان يكون مقبولا لدى البيض ويلتزم قيمهم، فهو ليس بأبيض ولكنه في نظر البيض احسن السود، حيث كانت التفرقة العنصرية وقتذاك تسود في معظم الولايات المتحدة. وكان كلاي شابا طويلا ووسيما ورياضيا محبوبا. وكانت طموحاته كبيرة في الحياة. كما كانت الثروة وبطولة العالم في الوزن الثقيل في انتظاره. وكان الاميركيون البيض يعتبرون كلاي بمثابة لعبة سوداء ينبذونها بعد ان تنتهي قيمتها الترفيهية. ولكن الامر لم يكن كذلك، بل اصبح اكثر تعقيدا. ففي اول مؤتمر صحافي عقده في ميامي عقب فوزه على سوني ليستون، كانت اجابته عن المباراة مقتضبة، ولكنه استفاض في الحديث عن القيم التي يؤمن بها والمبادئ التي اختطها لنفسه.

لم يكن انتصار كلاي على ليستون مفاجئا للبطل الجديد كلاي، وانه هزم ليستون لانه كان الملاكم الاحسن في تلك المباراة. وبدأ صوت كلاي لاول مرة يخفت ويكون لطيفا في الرد على اسئلة الصحافيين، اذ بدأ يحدثهم عن نفسه وعن قيمه قائلا: انني ولد وحيد. لم ارتكب خطأ في حياتي ولم ادخل السجن ولم اقدم لمحكمة، ولم انضم الى جماعات متطرفة. ولا اعير النساء البيض اللاتي يحاولن اغوائي اي اهتمام. ولا افرض نفسي على الناس الذين لا يريدونني. واذا ذهبت الى منزل احد الاشخاص ولم يكن مرحبا بي اشعر بعدم الارتياح وانصرف. واحب الناس البيض واحب ناسي ايضا (اي الناس السود)، واعتقد انهم يمكن ان يعيشوا معا دون ان يتحرشوا ببعضهم بعضا. ولا يمكن ان تدين شخصا لانه يريد السلام، واذا فعلت ذلك، فانك تدين السلام نفسه. فالديك يصيح عندما يرى ضوء الفجر، فانا الان اصيح مناديا بالسلام.
وقال الصحافي الاميركي روبرت ليبسي: لقد امضيت معظم حياتي العملية في الرياضة وفي العمل الاعلامي، فكان ذلك المؤتمر الصحافي الذي عقده كلاي في عام 1964 واحداً من اعظم المؤتمرات الصحافية التي شهدتها. واعجبت بالطريقة التي تعامل بها كلاي مع الصحافة منذ البداية، حيث جعلنا جميعا شركاء في حملته الدعائية في ادراكه التام لما يعمل وانجز مهمته بأحسن ما يكون.
واضاف ليبستي انه بعد هزيمة كلاي لليستون، ما كان للصحافة الا ان تتابع القصة الى النهاية. ولم يكن من السهل للصحافة ان تتجاهل حديث كلاي في مؤتمره الصحافي عقب انتصاره على ليستون. ولم يكن للصحافة خيار في تعاملها مع كلاي، فالقصة فيها ملتزمات الاثارة الصحافية التي يركض وراءها الصحافيون. وان معظم النقاد الرياضيين، خاصة القدامى منهم، كانوا يشعرون بارتياح من مجموعة الغوغائيين الملتفين حول ليستون اكثر من مجموعة المسلمين الملتفين حول كلاي. وذهب بعضهم يصف هزيمة ليستون بانها اسوأ ما حدث في تاريخ الملاكمة. وبدأ نجم كلاي في الصعود بعد تلك المباراة، بل انه اصبح بطلا للشباب الاميركي وقتذاك. وكان الحديث قبل ظهور كلاي في حلبات الملاكمة ان بطل الملاكمة في الوزن الثقيل في الولايات المتحدة الاميركية دائما اسود وغالبا ما يكون فقيرا، وبذلك يكون النموذج المثالي للطبقات الدينية في المجتمع الاميركي. وكانت الملاكمة هي الطريقة التي يدعو البيض من خلالها السود الى استغلال هذه القناة في التنفيس عن طاقتهم بالملاكمة للترفيه عنهم وللحصول على بطولات ومجد وشهرة لانفسهم. وكان البيض يهدفون الى صرف السود عن الجريمة والاتجاه الى حلبات الملاكمة للتنفيس عن غلهم وغضبهم. وفي الوقت نفسه يعتبر البيض هذه وسيلة من وسائل الترفيه والتسلية بالنسبة لهم عندما يشاهدونهم يتلاكمون بأقسى ما تكون الملاكمة. في المقابل يحصل هؤلاء الملاكمون على ملايين الدولارات ويرفعون من اوضاعهم الاجتماعية بشراء السيارات الفاخرة واصطحاب النساء الجميلات وشرب الخمر، وفي النهاية يدمرون انفسهم بأنفسهم. ولكن فجأة كل هذا قد تغير عندما اعلن كلاي في مؤتمر صحافي "انني لا يجب ان اكون كما تريدونني ان اكون، فانا حر لأكون انا".

اختيار الإسلام

ويذهب ليبستي الى ان كاسيوس كلاي اختار ان ينضم الى منظمة تعرف باسم "امة الاسلام" والى رجل اسمه الياجا محمد. فالياجا محمد ولد في جورجيا في عام 1898، وكان والده قد سماه الياجا بول. ولكن في عام 1923 اتجه الى ديترويت واستقر فيها، وبعد ثماني سنوات من استقراره في ديترويت زاره تاجر من الشرق اسمه دبليو دي فراد (W.D.Frad)، وهو نصفه اسود ونصفه ابيض، اي انه هجين من اسرة مختلطة سوداء وبيضاء، واستطاع ان يكون مقبولا لدى السود في الولايات المتحدة ويصبح قائدا لهم. وعلم فراد الياجا محمد مبادئ الدين الاسلامي.
وهناك قصص واساطير تروى عن اصل فراد وعن اسلامه، وانه تلقى اسلامه من رجل اسود في مكة المكرمة اسمه يعقوب، ونحن في غنى عن ذكر تفاصيل هذه الاساطير العجيبة. ونخلص الى ان كلاي بدأ يتردد سرا الى الياجا محمد ويحضر دروسه الدينية في مطلع الستينات.

الميدالية الذهبية

وقال محمد علي: انني سمعت لاول مرة بالياجا محمد خلال مسابقة رياضية عقدت في شيكاغو في عام 1959. وقبل ان اذهب الى الملعب الرياضي نظرت الى نسخة من صحيفة "امة الاسلام". ولكن لم اعرها اهتماما كبيرا، اذ كانت هناك اشياء كثيرة تدور في عقلي. وتذكرت انني عندما كنت صغيرا قُتل صبي ملون اسمه ايمت تيل سيسبي لانه اطلق صفيرا تجاه امرأء بيضاء. وكان ايمت تيل في نفس سني، وعلى الرغم من ان القتلة تم القبض عليهم، ولكن لم يحدث لهم شيء. اشياء مثل هذه تدور في عقلي طوال الوقت. وفي حياتي الشخصية هناك اماكن يمكنني ان اذهب اليها وهناك اماكن لا يمكنني ان اتناول الطعام فيها. وقد حصلت على ميدالية ذهبية في الالعاب الاولمبية ممثلا للولايات المتحدة الاميركية في هذه الالعاب الاولمبية. وعندما رجعت الى بلدتي وجدتهم ما زالوا يعاملونني كمعاملتهم للزنوج. فهناك مطاعم لا يمكن ان تقدم لي خدماتها. والبعض ما زال يناديني بالصبي. وفي ميامي عام 1961 كنت اتدرب استعدادا لمباراة في الملاكمة، فقابلت احد اتباع الياجا محمد اسمه كابتن سام، فدعاني الى اجتماع، وبعد ذلك تغيرت حياتي.
وما دام لقاء محمد علي بكابتن سام هو نقطة البداية في تغيير مسار حياته، فلنلق بعض الضوء على سيرة كابتن سام، فهو عبد الرحمن سام، وكان يعرف من قبل بسام ساكسون، يقول عن نفسه: ولدت في اتلانتا في عام 1931، واول مرة سمعت بتعاليم الياجا محمد في عام 1955. كان هناك اخ اسمه جيمس ارسله الياجا محمد الى اتلانتا لتعليم الناس الدين الاسلامي، فقد علمني مبادئ الاسلام. وكنت رجلا رياضيا، يمارس الرياضة ويحضر المناسبات الرياضية. هذه كانت الحياة التي كنت اعيشها في ذلك الوقت. ولكن اول ما سمعت كلمات الياجا محمد ادركت انها الحقيقة. واقتنع ان الله ارسل لنا الياجا محمد لينتشلنا من الضياع. وبعد ذلك سافرت من اتلانتا الى لوس انجليس، وحصلت زوجتي على عمل في التدريس مع الياجا محمد في شيكاغو. فمكثنا هناك لمدة ثلاث سنوات. وفي عام 1961، قال لي الياجا محمد ان هناك عددا كبيرا من الناس الجيدين في شيكاغو، ولكنه يريد مساعدتي في مكان آخر. ولما كنت احد الذين يعرفون تعاليمه، ارسلني الى ميامي. وكان الشخص المسؤول عن الجماعة في ميامي اسمه اسماعيل ساباخان فأخبره الياجا محمد ان يجعلني مساعدا له. وكان عملي ان ادرب الجماعة على بعض التدريبات الرياضية لكسب اللياقة البدنية وتعليمهم كيف يكونون اناسا جيدين لاسرهم وتعليمهم كيف يعيشون عيشة مستقيمة. وانه عندما تصبح مسلما، فعليك ان تدرس، فكنت مسؤولا عن مساعدة اي شخص يريد ان يدرس في المسجد. ولم يكن هناك عدد كبير يحضرون الدروس بانتظام. وفي الحقيقة كنا في ميامي اكثر من ثلاثين شخصا اعتنقوا الاسلام، ولكن لا يحضر الى الدروس في المسجد سوى ثلاثين شخصا فقط، هذا كان في عام 1961.
واضاف سام: التقيت بمحمد علي في ما اعتقد في مارس (آذار) عام 1961، عندما كنت ابيع صحيفة "محمد يتحدث" في الشارع. لقد شاهدني وقال لي مرحبا اخي، وبدأ يتكلم معي. وقال لي انت من اتباع الياجا محمد. فأجبته بنعم، وأضفت انني لا اذهب الى مقر الجماعة ولكني اعرف عماذا تتحدث. ثم قدم لي نفسه قائلا انا كاسيوس كلاي. وسأصبح بطل العالم في الوزن الثقيل عما قريب. فقلت له انني اعرفك ايها الرجل. لقد قابلتك في الاولمبياد. ثم سألني قائلا اتريد ان تأتي اليّ في الفندق لترى بعض كتبي القديمة؟ فذهبت الى حجرته في الفندق. فوجدته يشترك في الحجرة مع ملاكم آخر. فوجدت ان الكتب مليئة بمقالات عن نفسه والقيت نظرة عليها فوجدتها جيدة بالفعل. فقد كان مهتما بنفسه وكذلك وجدته مهتما بالاسلام، وتحدثنا عن الاثنين معا في نفس الوقت. ووجدته عارفا ببعض تعاليمنا، على الرغم من انه لم يدرسها او يتعلمها من قبل. ورأيت فيه استعدادا لتلقي المزيد من هذه التعاليم. وادركت انني لو وضحت له الحقيقة فسيتبعها ويصبح عظيما، فلذلك سارعت الى دعوته لاجتماعنا المقبل في المسجد.

 

2

 
   

كلاي يبدأ رحلة الإيمان بحضور دروس جماعة أليجا محمد

بطل العالم في الملاكمة: إنني أحببت ما سمعت عن الإسلام ورغبت في تعلم المزيد

كان كاسيوس كلاي على موعد مع جماعة اليجا محمد بالمسجد في ميامي حتى يقف عن قرب على تعاليم هذه الجماعة الدينية. ويمثل لقاء كلاي بهذه الجماعة نقطة تحول كبيرة في حياته، بل يعتبر من اهم محطات رحلته الايمانية التي قادته الى الاسلام الذي بدأ يتعرف على تعاليمه من خلال لقاءاته بهذه الجماعة.
ويعترف كلاي انه بدأ يشعر بشعور روحاني لاول مرة في حياته، عندما دخل المسجد في ميامي. ووجد رجلا اسمه الاخ جون يخطب في الحاضرين واعظا. وكانت اولى الكلمات التي سمعها منه هي "لماذا ينادوننا بالزنوج او السود؟" ويجيب على هذا السؤال قائلا: هذه طريقة الرجل الابيض ليأخذ منا هويتنا. فاذا شاهدت رجلا صينيا قادما اليك، فتعرف انه قادم من الصين، واذا رأيت شخصا كوبيا، فتعرف انه كوبيا. وكذلك الحال اذا رأيت كنديا، فتعرف انه من كندا. فما هو البلد الذي يدعى الزنج؟
وهكذا شكلت هذه الاسئلة التي سمعها كلاي في مسجد ميامي هزة نفسية ووعيا جديدا ونقلة كبرى في مسار حياته. كما واصل سماع بقية هذا الدرس الوعظي بشيء من الاهتمام، الذي سنكتشف في ما بعد كيف تشكلت قناعاته بالانضمام الى جماعة اليجا محمد لتعلم مبادئ الاسلام فيها.

يروي كاسيوس كلاي تأثره البالغ بخطة جون الوعظية في مسجد ميامي الذي ذهب اليه حسب موعد سابق مع سام الذي التقاه في ميامي وتعرف عليه وعرف منه انه من جماعة اليجا محمد، وان هذا الاخير ارسله شخصيا من شيكاغو الى ميامي في سبيل مساعدة الجماعة على نشر تعاليمها في هذه المدينة. وكان سام فخورا بهذه المهمة الجديدة التي اسندت اليه فوجد كلاي جون يتحدث للجماعة في المسجد عن قضية الهوية بالنسبة للاميركيين السود. وبعد ان استرسل جون في التعريف بان من يأتي من الصين يعرف بأنه صيني ومن يأتي من كوبا يعرف بانه كوبي ومن يأتي من كندا يعرف بأنه كندي، يقول جون مستنكرا انه ليست لنا اسماء نُعرف بها فننادى بالزنوج او السود.

الهوية الضائعة

وقال كلاي: قلت في نفسي عماذا يتحدث هذا الشخص؟ فأنا عندي اسمي، ولكن واصلت سماع حديثه باصغاء كامل وهو يشرح مسألة الهوية، قائلا انه اذا جاء شخص اسمه جانج فاننا نعرف انه رجل من الصين، واذا جاء شخص اسمه جولدبيرج فاننا نعرف انه يهودي، واذا جاء شخص اسمه اوريلي فاننا نعرف انه ايرلندي. وكذلك رولينج ثندر وسيلفر مون من الهنود. ولكن اذا قال شخص يا مستر جونز او مستر واشنطن فانك لا تعرف من اين جاء؟ فاننا سُمينا من قِبل اسيادنا البيض. فاذا كان مستر جونز عنده خمسون رقيقا، فهم الزنوج جونز، فكلهم يطلق عليهم اسم سيدهم جونز، اذ سُموا باسمه. واذا اشترى مستر واشنطن هؤلاء العبيد سيصبح اسمهم زنوج واشنطن فكلهم سيتغير اسمهم الى اسمه.
وقال كلاي: كان هذا واضحا لي، فيمكنني ان اشعر وألمس ما يقوله الاخ جون. ولم يكن حديثه مثل احاديث ومواعظ الكنيسة التي هي بمثابة تعاليم تتلقاها ولا بد ان تكون مؤمنا حتى تعتبر هذه التعاليم صحيحة. وبدأت اقول في نفسي بعد حديث الاخ جون مرددا اسمي في سر، قائلا كاسيوس مارسيلوس كلاي، انه اسم رجل ابيض في كينيكي كان يملك جدي الاكبر وقد سمى جدي الاكبر باسمه، ثم اصبح لجدي اسم ومن ثم لوالدي والآن انا.
واضاف كلاي: انني احببت ما سمعت ورغبت في تعلم المزيد. وبدأت اقرأ صحيفة "محمد يتحدث" اسبوعيا. كما بدأت اتردد على مثل هذه الاجتماعات واستمع الى احاديث مسجلة، منها حديث مسجل باسم "جنة الرجل الابيض هي جحيم الرجل الاسود". وكنت احترم مارتن لوثر كينج وجميع دعاة الحقوق المدنية. ولكني اتخذت طريقا مختلفا.

المعلم مالكوم إكس

وبعد ان انتظم كلاي في حضور اجتماعات جماعة اليجا محمد بفترة قصيرة، قُدم كلاي لمعلمه الثاني وهو رجل اسمه جيرميه شاباز.
ويقول شاباز عن نفسه انه ولد في فيلادلفيا ونشأ في حضن كنيسة. وسمع لاول مرة بتعاليم الاسلام من حلاق كان سجينا مع بعض المسلمين في فيرجينيا، حيث تعلم منه بعض التعاليم الاسلامية وبدأ يشرحها لشاباز. وقال شاباز: لم اكن سمعت بالاسلام من قبل. ولكني سمعت عن جماعة المحمدية، ولكن الطريقة التي حدثني بها هذا الاخ الحلاق، على الرغم من انها كانت غريبة بالنسبة لي، فانني شعرت بانها الحقيقة. وبنهاية عام 1961اصبحت معلما في جماعة "امة الاسلام" في مدن جنوب الولايات المتحدة الاميركية وهي مدن جورجيا وساوث كارولاينا والاباما ومسيسيبي ولويزيانا وفلوريدا. فأصبحت هذه المناطق تقع تحت دائرة مسؤولياتي التي كلفني بها قائدي اليجا محمد. كما كان لي قصر مركزي للدعوة في اتلانتا. وبدأت اتجول في حلقة دائرية من مدينة الى اخرى.
واضاف شاباز: انني لم اكن هناك في مسجد مسيسيي حين قدم كاسيوس كلاي لأول مرة.
فمن هنا يتضح لنا جليا عكس ما يقدم في الافلام وفي بعض الكتب، ان مالكوم اكس لم يكن معلمه الاول. وان اول شخص علم كلاي تعاليم جماعة اليجا محمد كان مسؤول الجماعة في ميامي وقتذاك اسماعيل سباخان. وكان رد فعل كلاي لما تعلمه جيدا. وفي النهاية دعي شاباز لمقابة كلاي في اتلانتا. وذهب شاباز الى هناك لمقابلته بعد اسبوع من ذلك الاتصال، حيث اجتمع به واخبره كلاي بانه يحب ما سمع عن تعاليم اليجا محمد، وانه لم يسمع من قبل شيئا مثله. وقال انه شيء جديد وشيء غريب، لكنه الحقيقة. وقال كلاي لشاباز في ذلك اللقاء انه يفكر جديا في ان يصبح مسلما.

بين الكراهية والاحترام

وقال شاباز: بعد سماعنا رغبة كلاي في انه يفكر جديا ليصبح مسلما بدأنا نتحدث اليه باستمرار، ونشجعه على الحضور لاجتماعاتنا واستجاب هو لذلك. لم يكن يحضر كل الاجتماعات، ولكنه يحضر اجتماعا واحدا في الاسبوع. ونحن تعاليمنا تختلف عن تعاليم مارن لوثركينج. نحن نتعامل مع واقع الحال كما هو وليس بالطريقة التي يريدها كل واحد ان تكون عليه. وبدأنا نعلمه تعاليمنا عن الله والاسلام.
واضاف شاباز: بدأنا نعلم كاسيوس ولم تكن عنده اي مشكلة مع تعاليمنا بان الرجل الابيض شرير، استعبدنا واستعبد اجدادنا فمآله جهنم وبئس المصير. وبدأ كلاي يسأل اثناء الدرس عن مصير الاطفال البيض، حيث سأل قائلا: ما مصير الاطفال؟ وهل الطفل الذي ولد ابيض شيطان مثل الرجل الابيض؟ وبدأت اوضح له الامور بالاجابة على اسئلته، حيث قلت له اذا انجب الاسد فلا يكون انجابه سوى اسد، فلا يمكن للبؤة (انثى الاسد) ان تلد حملا. هذا كان في عام 1961، حيث كثرت المظالم وغابت العدالة. ويمكنك ان تقرأ اي صحيفة كل يوم آنذاك فتجد رجال الشرطة البيض يضربون جماجم السود ويطلقون عليهم الكلاب لتنهش لحومهم. وان الشيء الذي اثر كثيرا على كاسيوس هو عندما شرحنا له ان الشخص الذي يفعل ذلك إنسان آخر، فانه ليس كما يعتقد بانه انسان. ولا يمكن لمثل هؤلاء الاشخاص ان يدعوا انهم أناس الله، وفي الوقت نفسه يسيئون الى الآخرين كما يفعل البيض بالسود في اميركا. وكان كلاي آنذاك شابا لكنه كان عاقلا، وكان يستطيع ان يميز ويرى في التعاليم التي ندرسها للناس الحقيقة. وكانت تواجهه مشكلة في العبادة، اذ انه وجد صعوبة بادئ الامر في التخلي عن الذهاب الى الكنيسة، اذ انه نشأ وتربى في حضنها. فوجد هذا الامر يشكل له مشكلة، لكن سرعان ما ساعدناه على تخطي هذه المشكلة. وبدأنا نعمق فيه صور الظلم التي قاسى منها السود في الولايات المتحدة الاميركية ونزرع فيه كراهية البيض بوصفهم ظلمة وطغاة وجبابرة. وشاهد كاسيوس كيف ان الرجل الابيض يعامل السود معاملة سيئة للغاية، وهكذا وجد في تعاليمنا الحقيقة.
كما ان كاسيوس تخلص من اكبر عقدة كانت مسيطرة على الاميركيين السود في الخمسينات والستينات وهي الخوف. فلم يكن خائفا من ان يُقتل من قبل البيض رميا بالرصاص او شنقا، ولكنه يكن احتراما كبيرا لقوة الرجل الابيض من الرئيس فنازلا. وبدأ كاسيوس يسأل كيف يمكن مواجهة قوة الرجل الابيض؟ وكيف يمكن ان يهزم هذا الرجل؟ وبدأنا نجيبه على هذه الاسئلة بان الرجل الابيض يمكن ان يهزم ليس بالتحذيرات الزائفة ولا بالعنف، ولكن بقوة الله. وبدأنا نقرأ له آيات من القرآن الكريم توضح انه رغم ان اتباع الله في بعض الاوقات يكونون قلة وبمنطق القوة المادية يفترض ان يهزموا امام اعدائهم، لكن الله يغير مجريات المعركة فيحققون النصر بفضله تعالى، "ألا ان حزب الله هم الغالبون". ومثل هذه الاحاديث هي التي قوت ايمانه بالله وجعلته يصبح مسلما مؤمنا بنصر الله. هذه كانت هي الرسالة التي حرص عليها اليجا محمد في دعوته للسود لاعتناق الاسلام. لان الاسلام يمثل لهم قوة يستطيعون ان يقهروا بها القوة المادية للبيض. وكان السود نتيجة لغسيل الدماغ الذي مارسه عليهم البيض لا يعتقدون ان هناك قوة اكبر من قوة البيض، حتى بدأت تعاليم اليجا محمد ودعوته لهم للاسلام تزيح عنهم هذه الغشاوة وتجعلهم مؤمنين بأن قوة الله تعالى فوق قوة البيض. وبالتالي عليهم بالاسلام لتحدي قوة الرجل الابيض ونزع الخوف من قلوبهم واستبداله بالخوف من الله تعالى. وان الله اذا صدقوا معه واخلصوا في ايمانهم به لن يتخلى عنهم وينصرهم على اعدائهم.. وان الله سيكون معهم، ولذلك اقبلوا على الاسلام زمرا وفرادى.

  الجـزء 14

1999/12/23

 
     

كلاي بعد سـلـســلة الاجتماعات والدروس ينضم الى "أمة الاسلام" سرا

كاسيوس: لم أكن أريد أن يعرف الناس انضمامي لجماعة أليجا محمد خشية ضياع فرصة بطل العالم في الملاكمة

يعتقد كاسيوس كلاي قبل انضمامه الى جماعة "أمة الاسلام" انه لا يوجد احد يدخل "أمة الاسلام" عبثا ولهوا، لذلك لم يسارع الى الاعلان عن انضمامه لهذه الجماعة، بل كان يموه عن اظهار اهتمامه بدراسة مبادئ هذه الجماعة وتعاليمها، حتى يصل الى قناعة تامة مع نفسه انه آن الاوان للانضمام اليها. ولهذا كان كلاي يواصل حضور اجتماعات جماعة اليجا محمد في مسيسبي لفترة من الزمن، مستمعا الى خطبائها ومنتظما في دروسها قبل الالتزام تنظيميا بهذه الجماعة، كل ذلك استعدادا منه لتعلم مبادئ الاسلام وتعاليمه ليتسنى له اعتناق الدين الاسلامي عن عقيدة وايمان، اذ ان الاسلام بالنسبة له في بادئ الامر كان يمثل دين الحرية والسلام. وبعد ان ذاق حلاوة الايمان ونطق بالشهادتين وتلقى تعاليم الاسلام في العبادات والمعاملات، اقر بانه دين يشمل مناحي الحياة كافة.
كانت تعاليم اليجا محمد تركز على ان الله سبحانه وتعالى يدافع عن السود وسينصرهم على البيض، باعتبارهم مظلومين، وان البيض ظالمون "وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون": فكهذا عمقت هذه التعاليم في السود روح الخلاص المرتقب وعدم اليأس من الغد. وانهم اذا اقبلوا على الله مؤمنين به وبرسالة الاسلام فانه لن يتخلى عنهم، بل سيجدونه عندما يحتاجون اليه. فمن هنا اندفع كلاي الى تعلم هذه المبادئ ودراسة هذه التعاليم والتفكير في معانيها اثناء رحلته الايمانية التي قادته الى اعتناق الاسلام.

كان كاسيوس كلاي يعلم ان الانضمام الى جماعة اليجا محمد يعني الالتزام الكامل بتعاليمها والانتظام في دروسها. فلم يكن يريد ان يلتزم بهذه الامور قبل التفكير فيها والتعمق في دراستها، وصولا الى الاقتناع بتعاليمها، ومن ثم الانضباط بضوابطها. وكان على علم وادراك بان التزام الجماعة يفرض عليه واجبات لا بد من تأديتها، فلهذا كان يموه عن اظهار اهتمامه بالانضمام اليها قبل ان يقذف الله في قلبه نور الايمان.

صعود نجم كلاي

وفي تلك الفترة بدأ نجم كلاي في صعود مستمر في الملاكمة، حيث اصبح محط انظار وسائل الاعلام الاميركية المختلفة، وفي ذلك يقول الصحافي الاميركي هوستون هورن: كان كلاي يعتقد ان الانضمام الى جماعة "أمة الاسلام" ليس امرا سهلا أو لهوا، لذا حرص على اخفاء هذا الاهتمام في بادئ امره عن وسائل الاعلام المختلفة. وكان يتعمد التمويه عن حقيقة شعوره تجاه جماعة "أمة الاسلام" وقتذاك.
وقال هورن: أتذكر انني التقيت كلاي في عام 1961 عندما ذهبت الى لويسفيل وامضيت بضعة ايام مع كلاي واسرته لاجراء تحقيق صحافي معه. وفي المرة الاخرى التي التقيته كان في طريقه الى ميامي لاجراء تدريبات استعدادا لمباراة في الملاكمة. اذ التقينا في مطار نيو اورليانز وكان هناك متسع للوقت بين موعد اقلاع طائرتنا، فذهبنا سويا الى حانة لشرب كؤوس من البيرة قبل موعد الاقلاع. واتذكر ان البيرة التي قدمت لي كانت في كأس من زجاج، بينما قدمت له في كأس من ورق. وعند تقديمها له قال لي النادل هذه للصبي يقصد كلاي، فاصبت بارتباك وغضب لهذا التصرف ولكنه لم يتأثر بذلك اطلاقا، على الاقل لم يظهر لي ضيقه من هذا التصرف. وقال انه اعتاد على هذا النوع من المعاملة.
واضاف هورن: عندما وصلنا الى ميامي، راجع كلاي الفندق ليتأكد من الحجز الذي نظمه له مدريه انجلو دندي في ميامي فاذا به في الجزء المخصص للسود من المدينة. وكان فندقا بائسا لا يليق بمكانة نجم رياضي مثل كلاي. اما انا فقد وجدت حجزي في فندق على شاطئ ميامي، فاصبت بارتباك للمرة الثانية خلال هذه الرحلة من المعاملة التي عومل بها كلاي في ميامي. وحاولت ان اجامله بالانتقال الى فندقه ولكن الفندق كان عبارة عن نزل وليس فندقا فلم يكن جيدا، فلذا لم استطع مشاركة كلاي في الانتقال الى فندقه، فقررت الذهاب الى الفندق الذي خصص لي على شاطئ المدينة. وكلما اتذكر هذه الحادثة اشعر بالخجل من نفسي، ولكن هذا ما فعلت. وعلى الرغم من هذه الحادثة والحوادث المشابهة لها، فانني عندما علمت بان كلاي انضم الى حركة المسلمين، شعرت بالاستياء والخيانة لانضمامه الى "أمة الاسلام". وفي الحقيقة ان المسيحي الابيض تنظر اليه نظرة ناقدة اذا كنت شخصا اسود. لكن انا متعاطف مع السود من وجهة نظر مارتن لوثر كينج وليس من وجهة نظر اليجا محمد. وكنت اعتقد ان اليجا محمد رجل شرير.

حيل الرجل الابيض

وقال عبد الرحمن الذي ارسله اليجا محمد في شيكاغو الى ميامي لمساعدة جماعة "أمة الاسلام" في تلك المدينة: بدأت اعلم كاسيوس حيل الرجل الابيض، وكيف اننا كسود اصبحنا عبيدا وخدعنا ببراعة من الرجل الابيض في هذه البلاد. وبدأت اخبره عن الممالك الافريقية، وكيف ان هذه الامبراطوريات العظيمة في افريقيا ازدهرت عندما كان البيض في الكهوف. وحدثته عنها مباشرة كأنها كانت حقيقة، بنفس الطريقة التي كنت سأدرس بها اي شخص آخر. وكان الفارق الوحيد بينه وبين بقية الاخوان نتيجة لاحترافه الملاكمة، انه لم يكلف بنفس الواجبات في المسجد، ما عدا ذلك كان يعامل معاملة الاخرين.
واضاف عبد الرحمن: كنا نأكل معا في مطعم مشهور في ميامي. وعندما جلست مع كلاي في المطعم لاول مرة، لاحظت ان احدا لم يعلمه بان لا يأكل لحم الخنزير. ولم يكن الامر صعبا لكي يمتنع عن ذلك. ولم يكن من الذين يشربون الخمر ويدخنون السجائر ويتعاطون المخدرات، مما سهل مهمتي معه. ولم يجد صعوبة في تغيير الاطعمة التي يأكلها وفقا لتعاليم الاسلام. وكان يجلس هناك للاستماع لانه يريد ان يتعلم. وكان كلاي شابا وسيما، كل ما كان يريده هو حصول السود على حقوقهم. وبدا كلاي حريصا على تعلم المزيد من تعاليم جماعة اليجا محمد ومبادئ الاسلام.

دعوة الشقيق

وقال جيرميه شاباز: بعد ان امضى كاسيوس شهرا كاملا مع جماعة "أمة الاسلام" ارسل في دعوة شقيقه رودلف (رمضان)، وقد بدل رودلف اسمه بعد اسلامه الى رمضان. وكان رمضان اكثر حماسة من اخيه كاسيوس. لان كاسيوس في بادئ امره كان حذرا. ولكنه بعد ان دخل الايمان قلبه اصبح مع الجماعة قلبا وقالبا. وكان في البداية متشككا وكثير الاسئلة حول ما يسمع من تعاليم ودروس، ويريد ان يستوعب ما سمع ويناقشها في عقله ليصل الى قرار حولها، وذلك بالنظر اليها بعدة اوجه. بينما رمضان كان سهل الاقناع منذ البداية. ومنذ الوهلة الاولى لسماعه لهذه الدروس اذعن لها وصدقها، على الرغم من ان كاسيوس كان الاسبق من رمضان في الاهتمام بجماعة "أمة الاسلام" لكن رمضان كان نشطا واكثر التزاما وتنظيما في الجماعة. كما ان رمضان انضم الى الجماعة فعليا قبل كاسيوس. وعندما اعلن كاسيوس انضمامه الى جماعة "أمة الاسلام" اخترنا الاحتفال بهذه المناسبة. لاننا شعرنا بان كاسيوس سيكون بطلا في الملاكمة في المستقبل القريب ولانه اصبح نجما مشهورا في الولايات المتحدة الاميركية. وكان كل واحد من الجماعة فرحا بذلك، خاصة اولئك الذين يعيشون في جنوب الولايات المتحدة الاميركية، لان معظم الاخوان (جماعة "أمة الاسلام") في شمال الولايات المتحدة الاميركية لا يعرفون شيئا عنه، عدا قلة من الذين يتابعون اخبار الملاكمة. ولكن في ذلك الوقت كان اليجا محمد اكبر شخص مكروه في اوساط البيض وايضا في اوساط ما يعرف وقتذاك بالقيادة الزنجية. وكنا نعلم ان كاسيوس اذا اعلن انضمامه لجماعة "أمة الاسلام" رسميا عبر اجهزة الاعلام المختلفة، لن يسمح له بخوض مباراة للحصول على بطولة العالم في الملاكمة للوزن الثقيل. لهذا قررنا ان يحتفظ بشعوره وايمانه لنفسه. وهذا كان اكثر ضمانا نفعله للحيلولة دون منعه من خوض مباراة في الملاكمة. وفي الحقيقة ان اليجا محمد نفسه لم يظهر اهتماما بانضمام كاسيوس لجماعة "أمة الاسلام" في بداية الامر. وعندما اتصلت هاتفيا بجون علي سكرتير جماعة "أمة الاسلام" لأخبره بان هذا الملاكم كاسيوس يحضر اجتماعاتنا. فقد وبخت في بادئ الامر على اهتمامي بملاكم. وقال لي اليجا محمد انني ارسلتك الى الجنوب لتدخل الناس في الاسلام وليس اللهو مع ملاكمين.

الخوف من ضياع فرصة اللقب

وقال كاسيوس: لمدة ثلاث سنوات حتى مباراتي مع سوني ليستون كنت احضر اجتماعات جماعة "أمة الاسلام"، وذلك من خلال الباب الخلفي. ولم أكن اريد ان يعرف الناس اني هناك. وكنت اخشى من انهم لو عرفوا لن يُسمح لي بخوض مباراة اللقب وكان يتملكني الخوف من ضياع فرصة اللقب. وبعد ذلك تعلمت الدفاع عن معتقداتي، ومنذ ذلك الحين تغيرت معتقداتي، منها ان القلوب والارواح ليس لها لون. أي ان السود والبيض سيان لا فرق بينهما، وعلى الرغم من ان هذا يخالف تعاليم اليجا محمد الذي كان يركز في غرس كراهية البيض في قلب السود، فان كلاي يقول: كنت اعلم ذلك. لكن اليجا محمد رجل طيب على الرغم من انه ليس رسولا (كما كان يدعي اتباعه) وكما كنا نعتقد. واذا نظرت الى شعبنا (السود) كيف كانوا قبل اليجا محمد؟! معظمنا لم يكن له اعتداد بنفسه. ولم تكن لنا بنوك أو محلات. ولم يكن لدينا اي شيء بعد ان اقمنا في اميركا لمئات السنين. وحاول اليجا محمد رفع شعبنا من الدرك الاسفل، وذلك بأن جعلهم يلبسون لباسا محترما. وعلمهم عادات جيدة في الاكل وشرح لهم مضار الخمر والمخدرات. ولكني اعتقد انه كان مخطئا عندما تحدث عن ان الشياطين هم البيض، ولكن جزءا مما فعله انه جعل الناس يشعرون بانه جيد ان تكون اسود. فأنا لا اعتذر عما كنت معتقدا. فالآن اصبحت عاقلا اكثر بحكم السن والتجربة وكذلك الكثيرين من اخواني السود.

لقاء اليجا محمد في ديترويت

ومع عام 1961 اصبح الكابتن سام ساكسون (عبد الرحمن) اكثر التصاقا بكلاي. فبدأ يسافر معه في رحلات مختلفة خارج مدينة ميامي. ومع بداية عام 1962 بدأ شاباز يقدم طعاما اسلاميا للملاكم كلاي لضمان تناوله وجباته الغذائية وفقا للنظام الغذائي لجماعة "أمة الاسلام". وفي العام نفسه سافر كلاي من ميامي الى ديترويت لسماع خطبة اليجا محمد التي سيلقيها امام حشد كبير من الناس في مدينة ديترويت لأول مرة. كما ان الرحلة اخذت أهمية اضافية، اذ ان كلاي في ديترويت التقى بمالكوم اكس لاول مرة.

  الجـزء 15

1999/12/24

 
   

كلاي كان بداية الخلاف بين اليجا محمد ومالكوم اكس

كاسيوس: كان مالكوم رجلا عاقلا وشخصا ذكيا مرحا يسحرني بأحاديثه المشوقة

لم تكن الرحلة الايمانية التي قادت كاسيوس كلاي الى اعتناق الاسلام سهلة ميسرة بل على العكس من ذلك، واجه كلاي في هذه الرحلة الايمانية الكثير من التحديات الصعاب. ولكن كانت هناك ارادة قوية وعزم اكيد منه على مواصلة هذه الرحلة وصولا الى هدفها المنشود باعتناقه للاسلام.
وكان كلاي يدرك ادراكا تاما انه اذا اعلن انضمامه الى جماعة "امة الاسلام" سيقضي على حلمه بالحصول على لقب بطولة العالم للملاكمة في الوزن الثقيل نتيجة حرمانه من اداء مباراة البطولة، ومن ثم حرمانه من الملاكمة نهائيا، لانه يعلم مدى كراهية البيض لاليجا محمد زعيم جماعة "امة الاسلام" آنذاك. اذ ان الكراهية كانت متبادلة بين البيض واليجا محمد وجماعته. فما كان من جماعة "امة الاسلام" الا ان تنصح كلاي بالتزام فقه التقية في الوقت الراهن، وذلك بعدم الاعلان عن انضمامه اليها. كما شرح له قادة الجماعة بان الايمان مسألة شخصية وخاصة للغاية لا تحتاج الى اعلان رسمي لتأكيدها. ولكنهم كانوا احرص منه على الاعلان عن انضمامه اليهم في الوقت المناسب.
ويقول كاسيوس كلاي ان لقائي بمالكوم اكس في مدينة ويترويت في عام 1962 لاول مرة كان بمثابة نقطة تحول في حياتي. وكان لقاء كلاي بمالكوم اكس يمثل محطة مهمة من محطات الرحلة الايمانية لكلاي، بل ان هذا اللقاء قضى على تردده في الانضمام الى جماعة "امة الاسلام". وتأتي اهمية هذا اللقاء انه عجل بقرار انضمامه لجماعة "امة الاسلام".

تقول بيتي شاباز ارملة مالكوم اكس: ان اول معرفة لي بمحمد علي كانت عن طريق زوجي مالكوم اكس، اذ انه كان كثير الحديث عن محمد علي، اذ انه اخبرني بان هناك ملاكما شابا حضر العديد من اجتماعاتنا في اجزاء متفرقة من البلاد. والشيء الآخر الذي حدثني عنه زوجي انه اعتنق الاسلام، وكنا جميعا فرحين بذلك. وقبل مالكوم اكس انضمام كاسيوس الى جماعة "امة الاسلام" واحبه حبا شديدا واعتبره شقيقه الاصغر. وكان مالكوم اكس يشعر بان واجبه هو ان يجعل هذا الشاب يثقف في نفسه وقدراته ويقف على رجليه. ولم يكن يرغب في ان يستغل الاخرون مهارات هذا الشاب. وكان يشعر انه يمكن لهذا الشاب ان يفعل الكثير والكثير اذا ما احسنت رعايته.
واضافت بيتي شاباز: ان زوجي كان يشعر ان احاديثه معه يجب الا تحدث له تعارضا مع دوره كملاكم. وان كاسيوس كلاي يجب الا يعلن حقيقة انضمامه الى جماعة "امة الاسلام". وكان يشعر بان امر دينه الجديد يجب ان يظل امراً شخصياً وخاصاً الى اطول فترة يختارها، وهذا قد يساعده في كسب قوة ارادة.

تغييرات اجتماعية وسياسية

وقالت عطاء الله شاباز ابنة مالكوم اكس: لا اعتقد ان "أمة الاسلام" منظمة دينية اطلاقا. عندما انضم كاسيوس كلاي، هذا كان اسمه في ذلك الوقت الى "أمة الاسلام" مر بتغييرات اجتماعية وسياسية. ولما كان كلاي بطبعه رجلا روحانيا وكان دائما على علاقته مع الله، اراد ان ينتمي الى منظمة توازن زنجيته وطموحه في المستقبل كانت هناك "أمة الاسلام" جاهزة له. وكانت في بعض الامور قوة ايجابية. قدمت للشباب السود رجالاً ونساءً الذين كانوا ضحايا الظروف، فرصة للحركة الى الامام وفرصة ليثقوا في انفسهم وفي قدراتهم. ولكنها حطمت بعض الاشياء ودمرتها في سبيل البناء وهذا اسلوب لا اجده صحيحاً.
واضافت عطاء الله شاباز: كانت علاقة والدي مع كاسيوس كلاي لم تكن علاقة تجنيد شخص لـ"أمة الاسلام". فعلاقة التجنيد تبدأ دائما بلقاء يطلب فيه من ذلك الشخص الانضمام الى "أمة الاسلام" بالقول لماذا لا تنضم معي في هذه المنظمة لتستطيع ان يكون لك اتجاه معين في هذه الحياة ومجموعة مساعدين للعائلة. ولكنها كانت علاقة صداقة اكثر منها علاقة تجنيد لمنظمة. وكان والدي الأخ الاكبر الممتاز للكثيرين.
وعندما التقى بكاسيوس رأى فيه القوة والعظمة واراد ان يقدم له دافعاً قوياً للمستقبل. واحب والدي كاسيوس كشقيقه، لكن عندما ينضم شخص الى "أمة الاسلام" يصبح جزءا من "أمة الاسلام". كما يصبح الولاء والاخلاص للمنظمة قبل ان يكون لشخص ماعدا عند البعض بالنسبة لاليجا محمد.

أحاديث ساحرة

وقال محمد علي: كان مالكوم ذكيا مع روح مرحة. وكان رجلا عاقلا. وعندما كان يتحدث يسحرني لساعات بحديثه الشيق. وانه قدمني الى زوجته واطفاله. ثم ارسل لي صديقه ارشي روبنسون ليعمل معنا كمدير اداري. وبدأ آرشي ينظر في عقودي ويساعد في ادارة معسكر التدريب. لكن اي شيء له علاقة بالملاكمة كاختيار شركاء التدريبات ما يزال القرار يتم عن طريقي او عن طريق مدربي انجلو دندي.

توقعات مالكوم اكس لكلاي

وقال عثمان كريم الذي كان اسمه قبل اعتناق الاسلام والانضمام الى جماعة "أمة الاسلام" ارشي روبنسون، كنت مع مالكوم في مطعم نتجاذب اطراف الحديث، عندما وصلت سيارة حمراء كبيرة، خرج منها شاب، التفت حوله مجموعة من الناس، وسألت نفسي ماذا يجري هنا؟ فما كان هذا الشاب سوى كاسيوس كلاي يدخل في المطعم. وقال مالكوم اريد ان اقدمك. واعتقد انه يجب ان تلتقيه. فما كان عليّ سوى ان اتجهت اليه وصافحته وغادرت المطعم. وبدأ مالكوم وكاسيوس يتحدثان بينما انا غادرت الى المنزل. وفي اليوم التالي اخبرني مالكوم ان هذا الشاب يحتاج الى بعض المساعدات وربما عليك ان تساعده. فقلت له مازحا انني لا العب مع هواة. واردفت قائلا: انا لا اعرف شيئا عن الملاكمة عدا انني اكرهها. فنظر الي مالكوم نظرة غاضبة. فعلمت منها انه لا يسألني ان اساعد كاسيوس بل يخبرني ان افعل ذلك. وقال: ان المسألة ليست عن الملاكمة، هذا الصبي سيصبح في يوم من الايام بطل العالم للملاكمة في الوزن الثقيل، وانه سينضم الى "أمة الاسلام". هل تفهم ماذا يعني ذلك؟ فقلت: نعم. وبدأت اتحدث مع كاسيوس، وكان الحديث معه كالحديث مع شخص غريب.
واضاف كريم: ان مالكوم اخبر كلاي بانني اخ يجدني بجانبه متى ما حتاج الى النصيحة. وبعد يوم او يومين كان لنا اجتماع مع جوجلازر. واعتقد انه لهذا ارادني مالكوم ان اكون مرتبطا بكلاي. اذ انه يريدني ان اذهب مع كاسيوس الى ذلك الاجتماع. وكان جو جلازر رئيس اتحاد الحجوزات، لم يكن وكيلا موهوبا بالنسبة للفنانين والرياضيين السود فقط رغم انه يهودي بل انه كان اكبر وكيل او متعهد للحفلات والمباريات في ذلك الوقت. وعندما تتحدث عن السود في الفن ومجال الترفيه عن امثال ديوك الينجتون وسارة فوجهان وغيرهما، فانك تتحدث عن جو جلازر وشركات الاسطوانات. فأنا اعرفه لانني كنت مديرا لاحدى الفرق الفنية وكان هو متعهد حفلاتها. واستطيع ان اقول ان جو رجل عند كلمته. وحصل على احترام مجتمع السود. لقد ذهبت الى الاجتماع ووجدت ان الاشياء تتحرك تجاه مصلحة جو جلازر ليكون له السيطرة على كاسيوس كلاي. وكان هناك اربعة اشخاص في الاجتماع جو جلازر وزوجته مارفا وكاسيوس وانا، فلم اضيع الوقت، فنظرت الى جو وقلت هذا الصبي واحد من الذين لا يمكن ان تأخذهم.
وبعد ذلك بدأ يقترب موعد مباراة كاسيوس مع سوني ليستون وبدأ ظهور مالكوم اكس ملحوظا في معسكر كلاي.

الرهان على المستحيل

وقالت بيتي شاباز: ان اليجا محمد اخبر زوجي مالكوم اكس انه لا يجب عليه ان يضع نفسه قريبا جدا من كاسيوس كلاي، لانه في مباراته المقبلة مع ليستون من المرجح ان يخسر، واي شخص شاهد ليستون يمكن ان يقول ان ليستون سيسود وان المباراة كلها ستكون مخيبة لآمال "أمة الاسلام". وكانت الامور في ذلك الوقت ليست جيدة بين زوجي واليجا محمد. واضافت: ان مالكوم قال انه يرغب في الذهاب الى فلوريدا لا لكي يمثل احدا بل ليقدم تشجيعه الشخصي لكاسيوس كلاي كشخص عادي. وقال اليجا محمد لزوجي نعم انك اذا ذهبت سيكون ذهابك كشخص عادي. ولن تكون بأي حال من الاحوال ممثلا لنا، لانه من المستحيل لكاسيوس كلاي ان ينتصر على سوني ليستون في هذه المباراة بفلوريدا.
وقال عبد الرحمن: وعندما حان وقت المباراة بين كاسيوس كلاي وسوني ليستون، جاء مالكوم وسأل اذا كان من الممكن ان يذهب الى الملعب. فقلت له انت تعلم ان كل الاشخاص يعرفون من انت، وانه من الاحسن الا تذهب، لا

  • Currently 79/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 161 مشاهدة
نشرت فى 31 يناير 2006 بواسطة ELKADEY44

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

354,230