يوميات وكيل نيابة : حكاية حُب .
كانت الصدفة البحتة قد أهدته إياها ، لقاء عابر لم يستغرق بضع دقائق ولكنه تعلق بها وخفق لها قلبه ، وهى كذلك .
فى البدء ظن أنه مجرد هاجس أو انطباع لحظى ، ولكن صورتها ودفء مشاعرها ظلا يطاردانه فى صحوه ومنامه ، وشعر بضعفه أمام هذا الغزو المتدفق لعاطفته وحياته ، لقد حاول جاهدا مقاومة رغبته فى لقائها ، واجتهد كى يثنى نفسه عن الانصياع لتلك الرغبة الجامحة فى هذا اللقاء ولكنه لم يستطع المقاومة ، وفى النهاية كان اللقاء .
لقد أحبها حبا كبيرا ، وهى كذلك أحبته وبادلته نفس المشاعر ويزيد ، وبالرغم من وضوح ما كان بينهما من مثل هذا الشوق والحب الكبير ، إلا أن هذه العلاقة انتهت بغير زواج .
لقد آثرها هى وآخرين على نفسه ، وقبِل التضحية راضيا مختارا ، وبكل تعقل وتدبر وجرأة اتخذ قرارا جريئا قاسيا ، ناشدها من بعده أن تعذره وأن تغفر له لا سيما أن من أهم أسباب هذا القرار هو حرصه الشديد عليها ، وما يتمناه لها من خير وفير لا يجد فى نفسه منه سوى الشئ القليل الذى لا يليق بها ، ووجد أن العقل والمنطق والتفكير الهادئ المتروى القويم يفرض مثل هذا القرار ، حتى وإن كان يمثل طعنة له فى مشاعره ، ورأى بكل تعقل أن الحسابات الشخصية أحادية الجانب بالنسبة له سوف تظلمها ، بل اعتبر زواجه منها انطلاقا من ذلك الحب فقط دون مراعاة لتلك الاعتبارات ، يعد أنانية مفرطة لا يحب أن يتصف بها ، ولا يقبل أن تتحمل هى نتائجها ، ولا أن تجنى زوجته وأولاده ثمارها ، أما ما عدا ذلك فلسوف يتحمله ، وأما قلبه فإنما هو كفيل به وسيتجاوز من غير شك محنته .
ثم دعاها ألا تنساه كما أنه لن ينساها ، وأن تتخذه أخا حنونا أو صديقا مخلصا وفيا ، وطمأنها أن حبه لها لن يفتر أبدا ، وسيظل قائما بين جوانحه ، لأنه حين اقتحم عليه قلبه وحياته لم يكن قرارا قد اتخذه بيده ، وإنما كان هبة إلهية شعر من بعد بجلالها وبعظيم حلاوتها وطغيان سلطانها .
وحملت الخطابات المتبادلة بينهما أسمى معانى الحب والإجلال والتقدير ودلت كيف كانت علاقتهما ناصعة جميلة طاهرة ، لم تكن خطابات غرامية كتلك التى يتبادلها الصبية ، وإنما هى أقرب إلى المذكرات ، فقد عرض عليها ذات مرة أن تسجل خواطرها حين تتوارد إليها ، وأن تبث الورق لواعج قلبها ومكنونات نفسها فى حينه ، خاصة أنهما صاحبا فكر ، فضلا عن تجاوزهما مرحلة المراهقة إلى سن النضج بكثير .
وبالفعل فقد وجدَت فى الإفضاء إلى الورق بمشاعرها وأحاسيسها نحوه متعة بالغة ، بل كانت تجد نفسها حين تعبر عنها كتابة أكثر جرأة من أن تقولها فى مواجهته .
وكانت تعرض عليه ما تكتب ، ويبادلها هو ما يسطر ، وبعد أن صارحها بقراره أعادت له ما كتب ، واستأذنها هو فى أن يحتفظ بما سطرت فوافقت .
ولكن ليته ما فعل ، ولا كان قد احتفظ بهذه الأوراق الغالية والذكريات الجميلة فقد وقعت جميها بعد نحو ست سنوات فى يد زوجته ، لم تتفهم الزوجة ما كان بينهما من حب رغم وقوفه عند هذا الحد ، لم تره حتى مجرد ماضٍ أو ذكرى ، وتناست فى غمرة غضبها الشديد المبالغ فيه ما كان منه من إيثار لها ولأبنائه على نفسه ، ومن ثم كانت الدعوى التى أقامتها ابتغاء التطليق للضرر ، فقد اعتبرت ما كان منه منذ سنوات ستة ضررا أدبيا بالغا لحق بمشاعرها وأحاسيسها لا تتحمل معه استمرار الزوجية من بعد .
أقيمت الدعوى أمام محكمة الأحوال الشخصية ، وفى مرحلة من مراحلها كانت بين يدى ، تناولت الملف أطالعه ، إنها حكاية حب طريفة بكل المقاييس ولأشد ما كان لافتا فى أوراقها هو حافظة المستندات التى أعدها محامى الزوجة ، فقد عنونه بعنوان طريف للغاية " الخطابات الغرامية للمدعى عليه " !
وأسرعتُ إلى الحافظة فى لهفة وشوق ربما قبل أن أحيط بكل تفاصيل الواقعة ، ثم أحطت من بعد بجميع ملابساتها ، وجدتها قضية إنسانية بكل المقاييس،وحكاية جديرة بالاستقراء الدقيق وتأمل فكر أصحابها بعمق شديد .
رحتُ أقرأ وأقرأ ، بل وأعيد من جديد قراءة ما قرأته مرات ومرات ، إنها بالفعل حكاية حب ، ولكنه حب من نوع خاص ، حب طاغٍ جارف ، وفى ذات الوقت رقيق عاقل ، أحاطت به فى البداية أجواء التأجج وسرعة التنامى واكتنفته فى النهاية كل حسابات العقل والمنطق وضبط النفس ، فكيف بدأ وإلام صار ، وعند أى حد توقف ، ولماذا !
كانت البداية هو ما كتبه فى أوراقه معبرا عما استشعره حين التقاها مصادفة أول مرة ، كيف أنه لم يستطع مقاومة تلك الرغبة الجامحة التى انتابته فى أن يلقاها مرة أخرى ، حتى بعد قبولها دعوته على الشاى ، ظل يسائل نفسه ، لماذا دعاها وماذا بعد هذا الشاى ، ولِم كانت الدعوة إليه من الأصل ، ولكنه لم يجد لتساؤلاته إجابة .
وتنبئ الأوراق عن أن لقاءاتهما قد تعددت ، وأنها كانت تفكر فى ذات المحاذير التى يفكر فيها ، وبالتالى فقد حاولَت أحيانا الاعتذار عن اللقاء ، حتى أن أحد هذه الاعتذارات ترك أثرا فى نفسه كان واضحا فى كتاب وجهه إليها يقول فيه :
" على قدر انطلاقى وإقبالى على الحياة بشكل منقطع النظير لم أعهده فى نفسى من قبل ، على قدر ما شعرتُ بغصة نالت كثيرا من فرحتى حين اعتذرتِ عن اللقاء .
لم تكن سويعات قد مضت على لقائنا ، ولكنى سرعان ما شعرت بوحشة شديدة إليك ، وبذات الانطلاق والإقبال دعوتك إلى اللقاء مرة أخرى ، أود أن أرتشف من نهرحنانك ، أبغى الأمان فى محيط دفئك ، أسعى إلى نسيان همى ، إلى الابتعاد عن إنشغالى ومشاغلى ، ولكن كانت المفاجأة ، وجدتك تعتذرين .
يا لها من تعاسة ، لم تكتمل فرحتى ، اسودت الدنيا فى عينى ، أظلمت الصورة فى ناظرى ، ولكن كأدبك المعهود ، غلَّفت اعتذارك بثوب جميل رقيق مهذب من عبارات رشيقة رقيقة ، لكن ما هدَّأ من روعى أنى وجدتك بذات البساطة والشياكة والجمال تخاطبيننى ولأول مرة باسمى مجردا ، فنسيت الصدمة وتغاضيت عن جرحى ، إنها المرة الأولى التى أشعر فيها بحلاوة اسمى و"بهاء" حروفه " .
ويبدو أن علاقتهما كانت قد أخذت منحى آخر أكثر عمقا ، وأنه أطلعها على ما كتب ، وفى ذات الوقت لم تجد منه ما تتمنى أن تسمعه فكتبت تقول :
" لست أدرى كيف أصف لك مشاعرى ، ولا كيف أصف لك ذلك الذى يعتمل فى قلبى وعقلى وفى كل جوارحى ، أهو الحب ، أم ماذا ، لقد أثرت انتباهى ، حرَّكت مشاعرى ، دق على يديك قلبى ، أيقظتنى بكل قوة من غفوتى ، زلزلت كيانى ، لماذا اقتحمت علىّ حياتى بكل هذه الجرأة ، ولماذا ملكتها بكل هذه السرعة .
إنك تجيد لعبة الشطرنج بكل مهارة ، تتصدى لكل قطعة أحركها لتجعلها تستقر فى النهاية بين يديك .
إنى أسألك كما تساءلت أنت مع نفسك ، ماذا بعد الشاى ، وماذا بعد كل لمسة أشعر فيها بحبك ، وماذا وأنا أجد نفسى وأجدك وقد صرنا نهيم ببعضٍ بشكل منقطع النظير ، وأرى مؤشر التجاذب بيننا فى ارتفاع جنونى رهيب وفى وقت قياسى غريب .
لقد رحمتك ذات يوم حين قررت إطلاق صراحك ، ولكنك أبيت إلا أن تظل محبوسا بين جدرانى ، إنى أتألم من أجلى ومن أجلك أيضا ، أرجوك أن ترحم نفسك وترحمنى معك ، وإن كنت لا تقدر فدعنى أرحمك وأرحم فى ذات الوقت نفسى فمازلنا نملك القرار ، إبتعد ، أو دعنى أساعدك على الابتعاد " .
وعلى الرغم من تنامى الحب بينهما بصورة واضحة ، إلا أن مشاعر متضاربة قد انتابتها ، فلم تستطع معها تحديد الرؤية الصائبة ، هل يود مشاركتها لحياته ، أم أنها بالنسبة له مجرد واقع جميل ، يبدو أنها إزاء صمته عن البوح بما يطمئنها فقد ركنت إلى الظن الأخير فكتبت هذه السطور :
" لقد اقتحمتَ علىّ حياتى ، وشغلت فكرى وحسى وكل أوقاتى ، أراك فى واقعى وفى أحلامى ، ولكنى كرهت بسببك الواقع والأحلام ، فإنك حين تتركنى بعد كل لقاء ، أو تغادرنى فى الأحلام ، أفقد صوابى وأشعر كأنى فقدت الحياة ، لا تعجب إنْ قلتُ لك إنى أود ألا ألقاك ، وأتمنى ألا تزورنى فى أحلامى ، أتدرى لماذا ، لأنى لا أحب فراقك ، لا فى الواقع ولا فى الأحلام .
أريدك واقعا ملموسا بين يدى وأمام عينى ليل نهار، مستقبلا قائما نصب عينى ، أما أنت فأظنك تهوانى لا تحبنى ، وأحيانا أشعر أنك تحبنى ، تعشقنى ، ولكن يصور لى شيطانى أن هذا الحب وهذا العشق لا من أجل أن أكون فى حياتك واقعا وإنما لأكون فيها ماضيا أو ذكرى ، فأنت يا حبيبى تعشق الماضى وتقدس الذكريات
لا تغضب ، فأنا لا أقلل من حبك لى لأنى أعرفه ، بل أكاد ألمسه بحسى ، بقلبى ، بعقلى ، بكل مشاعرى ، ولكن لأنك تفرط كثيرا فيما تحب أن تحتفظ به لديك فى صندوق الذكريات ، فقد ظننت وحالك معى هكذا أنك تعد حبى لهذا الصندوق لا لحياة دائمة ، أو ليكون بعضا من ماضيك أو بعضا من كتاباتك ، وإنْ كنت فاعلا معى هكذا ، فأراك ستحتاج إلى صندوق آخر جديد لم يشغله شئ ولا أحد من قبل .
إن الذكريات يا حبيبى توحى إلينا برائحة الموت ، فلا تجرينى وأنا أحيا بحبك مجرى الأموات ، لا تجعلنى ذكرى .
أنت طريقى الذى كنت أول خطاه ، أنت وطنى ، سكنى وسكناى ، أمنى وأمانى ، فإن فارقتنى أهيم بلا عنوان " .
وفى لحظة صدق مع النفس ، راح يبوح إلى الورق بما لم يبح به إليها ، معترفا بما يكنه لها من حب رائعٍ عظيم ، وبما يعتمل فى صدره من حيرة وهموم فكتب يناجيها :
" لقد أحببتك بحق ، نعم أحببتك ، أجد راحتى فى قربك ، سعادتى فى وجودك ، أشتاق أنْ أحيا العمر جنبك .
أحببتك قيمة غالية كبيرة ، ملاكا طاهرا شفافا ، فكرا راقيا جميلا ، معنى صادقا للود والصفاء ، للطهر والنقاء ،عطوفة حنونة ، صادقة صدوقة ، بهجة تملأ نفسى وعقلى سعادة وسرورا .
تتوق نفسى ويميل قلبى إلى رؤياك فى كل يوم ، بل وفى كل لحظة وأشعر بعد فراقك أنى افتقدت شيئا غاليا عزيزا ، إنَّ تعلقى بك وشوقى إليك قد فاق كل الحدود ، ولعلك تشعرين بذلك عند كل لقاء ، بل لعلك تلمسينه لمسا صبح مساء .
قلتِ تسألين ذات مرة ، لماذا أهرب من عينيك ، وعندك الحق وكنت دقيقة فى ملاحظتك ، أتدرين لماذا ، لأنى أجد فيهما بريق الحب ، وعمقا وسحرا كبيرين ، يأخذانى إنْ أطلتُ النظر إلى بحرٍ من فقدان الإحساس بالمكان والزمان ، يمدانى بدفء وحنان لم أعهدهما فى أعين أخرى من قبل ، ويحتويانى برقِة بديعة تكاد تسلب منى عقلى ، فيهما شئ يضعف مقاومتى ، يشل تفكيرى ، يهز قلبى ، لذا فإنى أهرب منهما سريعا ، فلا قِبل لى بمقاومتهما " .
واسترسل يمهد لها كيف أن علاقتهما يجب أن تقف عند هذا الحد ، وكيف أنه لن يتزوجها لأنه يحبها ، وأنه بالرغم من مرارة وقسوة هذا القرار إلا أنه فى صالحها وفى صالحه وفى صالح الجميع ، فكتب يقول :
" لقد حدثتك هكذا عن مشاعرى ، وأنت تعلمينها جيدا ، وقلتُ لك كيف أنى أود ألا أفارقك ، وأعلم أنك اعتبرتى ما بيننا ليس حبا ، وإنما مجرد واقع جميل ومن بعد سيكون ذكرى ، لكنى أختلف معك ، فأنا أحبك وأود ما تودين ، وأبغى أن يتحقق المجرى العادى للأمور وأن يجمعنا سقف واحد ، ولكن !
وآهٍ يا حبيبتى من هذه " اللاكن " الملعونة ، إنها إنْ تخللت أمور حياتنا ، فإنها تعوِّق ما يكون قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق ، وتقف به عند حد الحيرة التى ترهق التفكير والعقول ، حتى أنها لتحير المستمع كما تعذب المتحدث ، وتفرض خيارات دائما ما يكون أحلاها مرًّا .
قلتُ لك " ولكن " نعم ، بل إنَّ عندى ألف " لكن " و" لكن " ، منها ما يتعلق بى ، ومنها ما يتعلق بك أنت ، وإنى والله لأقدم ما يخصك على ما يخصنى ، وهو ما يجعلنى أحجم عن الارتباط بك ، ليس عجزا ، ولكن إيثارا لك على نفسى ، ولعلك كنتِ تشعرين بحيرتى فى كل مرة تقولين لى فيها " تكلم " .
وأعود حبيبتى إلى " لكن " فأنا أحبك وليتنا نرتبط بزواج أبدى ، و" لكن " فى ذات الوقت الذى يتملكنى فيه هذا الإحساس الجارف وهذا الدفع الهائل نحوك أقاوم شوقى ، أكبح جماح نفسى وأهدهدها ، بل وأذلها إنْ لزم الأمر ، كى تهدأ وتركن إلى العقل لا إلى الشوق .
وهذا ما كان منى ، ضغطتُ على قلبى ، قسوتُ على مشاعرى ، أعملت عقلى ، وخلصتُ إلى أن الإيثار على النفس من شيم الكرام ، ويحتاج إلى رجال أقوياء ، وقد كنتُ قويا ، واخترتُ أنْ أوثرك على نفسى .
حبيبتى لا أريد أن أظلمك ، لا أريد أن أكون أنانيا ، لقد أحببتنى فعلا ولمستُ حبك بكل كيانى ، فهل أفوز بحبك وأنسى ما عداه دونما تفكير ، لا ، وإنْ حدث فإنما تكون الأنانية بعينها ، لا أريد لك نصف زوج ، ولا نصف وقت ، ولا نصف مشاعر فمن حقك أن تستمتعى بكل وقتك ، وبزوجية طوال الوقت لا بعض الوقت ، أنت فى مقتبل حياتك ، فلم تدفعين الثمن لقاء هذا الحب ، إنَّ مشاعرى نحوك من غير شك ستكون منقوصة ، أو بالأحرى ستكون موزعة بينك وبين زوجتى وأولادى ، لن تكون ملكا خالصا لك وحدك ، حتى إنْ اكتفيتِ على حد قولك لى من قبل " بالكفاف " فأنا لا أحتمل أن أراك نصف الوقت أو بعض الوقت ، وإنما أريدك كما قلتِ أنت أيضا " واقعا ملموسا قائما بين يدى ليل نهار " فإنْ كان الأمر هكذا فلا بد من حصول الظلم .
أما يا صغيرتى فيما يخصنى ، فأنت تعلمين أنى أبُ وزوج ، وتعلمين أيضا كم أحب زوجتى ، ولستُ مبالغا إنْ قلتُ لك أنِّى أحببتك لأنك مثلها ، ولِما فيك من خصال العظمة والروعة والجمال مثلها ، إنها حبيبتى ، أول من خفق لها قلبى وحنَّ لها عقلى ، محل سكينتى ومأوى اطمئنانى وكل دنياى ، بحر الحنان ، وبر الأمان مَرسى همومى وأفراحى ، وحى خيالى ، فِكر عقلى وعقل فكرى ، لم أجد فى نساء العالمين مثلها حتى وجدتك ، ولذا فقد أحببتك ، فهل تعتقدين أنِّى أقدر على حزنها وهل يمكن لها كامرأة بصفة عامة ، وكشرقية على وجه الخصوص ، أن تستوعب ما كان بيننا ، أو أن تصل إلى درجة عالية من التدبر والتسامح لتستوعب أنه ما المانع فى أن يجمع الله حُبَّين فى قلب واحد ، لا أعتقد ، وليس مقبولا أن أطالبها بمستحيل ومن ثم فلأحتمل أنا كل هذا وذاك ، ولن أغضبها ، كما سأحتمله أيضا كى لا أظلمك .
سأظل أذكرك ، ولا أقول سأظل أحبك ، لأن الحب هبة إلهية وليس أمرا بأيدينا ، فأنا لم أتخذ قرارا بحبك ، وإنما وجدته يتغلغل فى كل أوصالى ، لم يكن اختيارا لى ، إنما وجدته واقعا ملموسا أعيشه دون أن أدرى ، لماذا وكيف ومتى لستُ أدرى ، ولكنه ما حدث ، وسيظل على الدوام حتى إنْ غبتِ عنى أو اختفيتِ من حياتى .
ولم أكن عاجزا يا حبيبتى عن مواجهتك بكل هذا وذاك عندما كنت تقولين " تكلم " ولكنى خشيتُ عينيك ، لا أود أن أرى فيهما ما يعذبنى ، لا أحتمل أن تغشاهما لحظة حزن أو لوم أو عتاب ، ولكنى أتساءل معك ، هل هذه السطور التى أكتبها لك ستكون هى الفصل الأخير فى قصتنا هذه وينسدل الستار ، أم سيكون لها يا تُرى بقية " .
تلك كانت أحوال المد والجزر فى " حكاية " هذا الحب الراقى المتعقل الجميل ، وبعد أن عشتُ أحداثها واستحضرتُ بعقلى وبمشاعرى كل معانيها ، وأيقنتُ كم كانت عظمة ذلك الإيثار على النفس وتلك التضحية ، فإنى أتساءل مع أبطالها هل يا ترى أسدل الستار عليها ، أم كان لها من بعد بقية ؟!
وفى النهاية كان رأينا : " لا للتطليق " .
بهاء المرى
الإسكندرية فى 1995 .ِ
المصدر: مستشار / بهاء
نشرت فى 2 يونيو 2014
بواسطة Dsana
عدد زيارات الموقع
11,964
ساحة النقاش