د.عبدالرحمن إبراهيم زنونى

الموقع الإستشارى لإنشاء مزارع الإنتاج الحيوانى

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده ، أما بعد

فكلما سافرت خارج مصر ، وبمجرد أن أغادر طائرة الشركة الوطنية إلى أن أركبها مجدداً – وبالمناسبة طائرات شركتنا الوطنية هى صورة مصغرة من بلدى بكل مافيها  وعندى حكايات ربما أعود إليها يوماً ،  آخرها  حيث قامت المضيفة بسب راكب بلفظ خادش للحياء يعاقب عليه القانون – أقول ما أن أضع قدماى خارج طائرتنا حتى أظل أسيراً لسؤال واحد لا يفارقنى طوال رحلتى : لماذا لا أستطيع أن أعيش فى بلدى هذه النوعية من الحياة ؟ هل كتب على أن أعيش بين خيارين لا ثالث لهما :  إما غربة كريمة أو إقامة أليمة ؟ ترانى يوماً يمكن أن تتاح لى فرصة أن أعيش فى وطنى حياة تليق بالبشر؟ ما أن أضع قدمى خارج وطنى - وأنا هنا لا أتكلم عن أوربا وأمريكا بل أتكلم عن الصين وتركيا ، بلدان بدأت نهضتها منذ أيام قليلة -  أقول ما أن أضع قدماى فى هذه البلدان حتى أقول : ألا يمكن أن أحصل فى بلدى على بعض من هذه الحياة الآدمية ؟ حين أنظر من شرفة الفندق فأجد الشارع مزدحم لكنه يسير،  مزدحم لكن الكل ينتظر ، ليس هناك فهلوية ، وليس هناك مظاهرة الكلاكسات المميتة ، وليس هناك سيارة تقف فى منتصف الشارع لتأخذ راكباً ، ولا هناك سيارة تسير فى عكس الإتجاه ، ليس هناك زجاج أسود ، ولا لوحات مطموسة ولا بادجات هيئات على اللوحات المعدنية ،   سافرت إلى الصين مرات لا أحصيها ، وبالتحديد مدينة كوانزو الرهيبة ، ولا أذكر قط أنى رأيت سيارة تنتظر فى الشارع قط ، أركب التاكسى يبدأ العداد فى العمل ، أصل إلى وجهتى أدفع المبلغ الذى حدده العداد ،  أحصل على الإيصال ، أدخل إلى المطعم ، أجلس إلى المائدة ، أُعامل على أننى أهم زبون فى تاريخ هذا المطعم ، ليس هناك شىء إسمه تكشيرة ، أو ملل الإنتظار ، أو عامل رائحته دخان سيجارة ، أو تجلس فلا يأتيك أحد ، بمجرد أن تشرب كوب الماء تنشق الأرض عن ابتسامة عريضة تعيد ملأ الكوب بالماء ، الطعام طازج دائماً وشهى ( طعام عربى طبعاً ) والإبتسامات متوفرة ومجانية ، والنظام سهل وبسيط  ، هل تصدقوننى إن قلت لكم أننى منذ أن تطأ قدماى خارج وطنى لا يصيبنى شىء من الكدر ولا الضيق حتى أعود إلى الطائرة الوطنية التى لم تقلع قط فى موعدها والإبتسامات فيها بالقطارة ، فما أن أهبط فى مطار وطنى الحبيب إلا وتتلقاك نظرات الشك والريبة من الجميع ، ولأنك صاحب لحية فستنتظر على جنب -  فى كل بلاد العالم يحصل أبناء البلد على معاملة خاصة فى مطارات بلادهم وتخصص لهم نوافذ خاصة لإنهاء الإجراءات أما فى بلدى فهنيئاً لك إن كنت مزدوج الجنسية لأنك بمجرد أن تخرج جواز سفرك الأجنبى فلن تتعرض لأى مضايقة- .

وحين تذهب بحقائبك  إلى موظف الجمارك ، وإذا كنت إبن بلد ، فيجب عليك أن تتوقع أى شكل من أشكال المعاملة ( من النادر جداً فى أى مطار آخر أن تفتح حقيبتك وإذا حدث ذلك فلابد أن هناك سبب ولابد أن ذلك سيتم بشكل آدمى ) ويجب عليك أن تستعد للملمة محتوياتك من على الأرض .

فإذا خرجت إلى صالة الإستقبال فيجب أن تجهز ملابس إحتياطى لأن مندوبى شركات الليموزين سيحصلون على قطع من ملابسك وهم يتقاتلون عليك ويا ويلك لو كانت ملامحك وملابسك تشبه أثرياء العرب .

فى الطريق إلى مدينتى وفى كل رحلة عودة أمر على بقايا السيارات المهشمة والمتفحمة على جانبى الطريق الزراعى بينما السيارة التى أستقلها تتفادى مطبات الموت وحُفر الإعدام فى الطريق .

وأخيراً أصل إلى بيتى وأنا أردد سؤالاً واحداً لماذا لا يمكن أن أعيش فى وطنى حياة كريمة ؟

سؤال آخر : أليس الشعب شريكاً للنظام فى غياب الحياة الآدمية ؟ أعنى أننا كمحكومين شركاء فى الجريمة وشركاء فى هذا الهوان ، وأن كل منا لو فعل ما عليه لحصلنا على جزء كبير من الحياة الكريمة الغائبة .

ملاحظة : تعمدت ألا أذكر تفاصيلاً أخرى : كدقة تفاصيل عقد الصفقات ولو كان مندوب المصنع فى العاشرة من عمره أو كهلاً فوق المائة ، كما تعمدت عدم ذكر سهولة الحصول على الشكل والجودة والسعر والتوقيت المناسب ، وتعمدت عدم ذكر فضائح كثير  من المستوردين الذين لا يبحثون إلا عن الرخيص ولو كان من النفايات ، كما أغفلت ذكر الدقة فى المواعيد والوعود وتفاصيل النظافة والبساطة والتواضع وحسن المعاملة حتى لو لم تقم بالشراء،  كل ذلك تعمدت ألا أذكره حفاظاً على مشاعر إخوانى ، وحتى لا تأكل الحسرة قلوب الخلق الذين يتلفتون حولهم فلا يجدوا سلوى إلا أن يقولوا : لا عيش إلا عيش الآخرة .

المصدر: بقلم الأخ / خالد الشافعى
Drzanouny

د.عبدالرحمن زنونى - استشارى الثروة الحيوانية- استاذ(م) بقسم الإنتاج الحيوانى-كلية الزراعة-جامعة المنيا-جمهورية مصر العربية [email protected](002)01092994085

  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 440 مشاهدة
نشرت فى 1 يناير 2011 بواسطة Drzanouny

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

782,039