د.عبدالرحمن إبراهيم زنونى

الموقع الإستشارى لإنشاء مزارع الإنتاج الحيوانى

أقسام الناس في الإجازة

 

ينقسم الناس في قضاء الإجازة إلى أقسامٍ عِدّة وفق رغباتِ نفوسهم واحتياجاتِهم :

فقسمٌ يقضيها في أداء واجب كـ برّ والدٍ ، أو صلة رحمٍ واجبةٍ ، ونحو ذلك .

وقسمٌ يقضيها في القيام بمسنون كـ زيارة الأقارب ، أو زيارةِ الأصدقاء ، وأداءِ العمرة ، والدعوةِ إلى الله ، والتّفكّرِ في ملكوت السماوات والأرض ، ونحوِ ذلك .

وقسمٌ يقضيها في سفر مباح ، كـ سفرِ النُّزهة المباح ، وطلبِ برودة الجو ، أو البحث عن علاجٍ ، ونحوِ ذلك .

وقسم يقضيها في أمور مكروهه ، كأن يقضيها في اللهو والعبث ، أو في النوم ، أو يقضيها في سفرٍ من الأسفار من غير فائدة مرجوّة ، ولا هدفٍ منشود ، أو ربما مباهاةً للناس ، ولو أدى ذلك إلى تحمل الدَّيْن أو أدى إلى الإسراف أحيانا .

وقسمٌ يقضي إجازته في أمور محرمة ، كالسفر إلى بلاد الكفار أو بلاد العهر والفجور ، أو ما يُصاحب ذلك السفر من تـهتّك وسفور ، أو تضييع لفرائض الله عز وجل .

وقسمٌ ينتظر الإجازة بصبرٍ نافدٍ  ، فهو لها بالأشواق ، فإذا قَدِِمتْ طار مع رُفقته وترك أسرته ، وربما لجؤوا إلى الناس يستجدونهم ويطلبون منهم المساعدة ، وهو في لهو ولعب ، وربما في سفر مُحرّم .

هكذا يَمْضي بعضُ الناس وأسرتُه تتمنّى لو صحِبَهم في نُزهة برية أو رحلة خَلَوية ، أو شاركهم إجازة صيفية . تتمنّى أُسرتُه لو قضى معهم إجازةً واحدةً. ويتمنّى أهلُه لو أعطاهم شيئًا من حقِّهم المشروع . وقد تقدّم  قول المصطفى ^ : (( إن لأهلك حقًّـا )).

 

وتُشير بعضُ الأرقام والإحصاءات إلى أن :

 

63% من السياح يسافرون بصحبة الأصدقاء .

29% فقط مع العائلة .  

8% بمفردهم .

 

ولا شك أن قضاء الإجازة إذا كان في أمرٍ أصله مباحًا وصاحبته نيّـةٌ صالحةٌ فإنها تُؤثّر في قبوله وعلو درجته ،  ويؤجر المسلم عليه.

 

 

الترفيه بين المشروع والممنوع

 

الترفيه عن النفس والأهل والأولاد مطلوبٌ . مطلوبٌ لاستعادةِ النشاط ، وتغييِر الجـو ، وكسرِ الروتين .

والترفيهُ لا يَحرُم لكونه مُجرّد ترفيه ، بل يحرم لما يُصاحبُه ، إما من تضييع فرائض الله ، أو من ارتكاب ما حرّم الله . أو تضييع الأولاد ذكورًا كانوا ، أو إناثًا .

وقد يُنكر بعض الناس على من يُسافر سفرًا مُباحًا لمجرّد الترويح عن النفس . وربما استدلُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام : (( وليس من اللهو إلا ثلاثٌ : مُلاعبةُ  الرجلِ امرأتَه ، وتأديبُه فرسَه ، ورميُه بقوسِه )). [رواه الإمامُ أحمد من حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ t، ورواه النسائي في الكبرى من حديثِ جابر t ].

 

وهذا لا يدلُّ على الحصر ؛ لأنه جاء غيرُ هذه الثلاث كما في رواية النسائي .

ثم إنه ثبت أن النبي ـ ^ ـ كان يُمازِح أصحابه ، لكنه لا يقول إلا حقًا . فقد مازَح ـ ^ ـ زاهراً والتزمه من خلفه وقال : (( من يشتري العبد )). [رواه أحمد: 12187]. والمواقف التي مزح فيها النبي ـ ^ ـ كثيرة ليس هذا مجال موضوعها.

كما ثبت عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يتمازحون، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.

 

 

الأسرة والحياء

 

تظن بعض الأُسر أن الحياءَ يكون في البيوت فحسب ، أو أنه حياءٌ ممن يُعْرَف ، ناسين أن الحياء يجب أن يكون حياءً من الله قبل أن يكون حياءً من الناس . وربما لفَتَ نظرَك تصرّفاتُ بعضِ الأسـر ، في المجمّعات أو التّجمّعات أو المصايف والمتنـزّهات ، حتى شُوهِدت بعض النساء تقود الدراجة النارية في مثل تلك الأماكن . وربما رأيت جلباب الحياء قد خُلِع بحجّة أن هذا ديدن الناس .

فيجب أن تتّصف الأُسر بالحياء في البيوت وخارجها ،  والحياء خُلقٌ كريم ، والنبيُّ ـ ^ ـ كان يُوصف بأنه أشدُّ حياءً من العذراء في خِدرها كما في البخاري ومسلم .

فبأي شيءٍ وُصفَ النبي ^؟ وبأي شيء شُبِّـه ؟

لقد وُصِف بالحياء ، بل بِشِدّةِ الحياء . فلنتأمل هذا الخُلق الكريم ، ولنحرص على المحافظة عليه .

قال ابن حبان : الواجب على العاقل لزوم الحياء ؛ لأنه أصل العقل ، وبذر الخير ، وتركه أصل الجهل ، وبذر الشر . والحياء يدل على العقل ، كما أن عدمه دال على الجهل:

 

                يعيش المرء ما استحيا بخير    

                                    ويبقى العود ما بقي اللحاء

 

قال في روضة العقلاء: الحياء من الإيمان ، والمؤمن في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجافي في النار ، إلا أن يتفضل الله عليه برحمته فيخلصه منه .

 

 

الأسرة والسفر

 

تكثُر الأسفار في الإجازات ، وتتنوّع الوجهات ، وتختلف المقاصد ؛ ومن هُنا تختلف نظرة الناس إلى السفر، وقد قيل :

 

          تغربْ عن الأوطان والتمس الغنى   

                          وسافر ففي الأسفارِ خمسُ  فوائدِ

        تـفـرجُ  هـمٍّ  واكــــتساب  معـــيشـة

                          وعلــمٌ وآدابٌ وصُــحبـةُ ماجــدِ

 

وقال آخر :

          إذا قيل في الأسفارِ خمسُ فوائدِ     

                        أقول وخمسٌ لا تقاسُ بها بلوى

          فتضـييعُ أمـوالٍ وحمـلُ مشــقّـةٍ

                         وهــمٌّ وأنكـادٌ وفرقةُ  من أهوى

وأبلغ منه قوله عليه الصلاة والسلام : (( السفرُ قطعةٌ من العذاب )). [متفق عليه] ؛ ولهذا استعاذ النبي ـ ^ ـ من وعثاء السفر.

وفي الأسفار قد تحصُلُ المشاقّ ، ويقعُ التّعب ، ويحصلُ النّصَب . وعلى الأُسر إذا سافرتْ أن تحرص على أمور منها:

 

أولاً: الحرص على الهداية والكفاية والوقاية :

ثبت عند أبي داود من حديث أنس بن مالك t ، أن النبي ـ.^ ـ قال : (( إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولاقوة إلا بالله )) قال: (( يُقال حينئذ : هُديت وكُفيت ووُقيت ، قال : فيتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخـر :  كيف له برجل قد هُدي وكُفي ووُقي ؟ )). [5095].

 

وعند أبي داود أيضًا عن أم سلمة قالت: ما خرج النبي ـ^ ـ من بيتي قطُّ إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: ((.اللهم إني أعوذ بك أن أَضلَّ أو أُضلَّ ، أو أَزلَّ أو أُزلَّ ، أو أَظلمَ أو أُظلمَ ، أو أَجهلَ أو يُجهل عليَّ )). [5094].

فإذا أرادت الأسرة أن تُغادر البيت فليكن هذا منهم على بال. ففي هذا الدعاء هدايةٌ وكفايةٌ ووِقاية .

 

ثانيًا : الحرص على مُصاحبةِ الخالق :

احرص على مُصاحبةِ الخالق سبحانه وتعالى ؛ لِـتُحفظ بحفظه. هل رأيت تلك السيارات التي تناثرت على جَنَبات الطريق ، فتناثرت تلك الأُسر ، وتطايرت حاجاتُها ، وأصابها ما أصابها . لا شك أن من أسباب ذلك عدم الحرص على الأدعية والأذكار . وقد يُعدُّ هذا ضربًا من المبالغة أو من التهويل ، وليس الأمر كذلك . تأمل هذا القَدْر من دعاء السفر الذي كان يدعو به رسولُ الله ^:

(( اللَّهُم إنا نَسألُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَ والتقوى ، ومِنَ العَمَلِ ما تَرضى . اللهم هَوِّنْ عَلينا سَفَرنا هذا واَطْوِ عنَّا بُعْدَه . اللَّهُم أنتَ الصَّاحبُ في السَّفَر والخليفةُ في الأهلِ . اللَّهُم إني أعُوذُ بكَ من وَعْثَاء السَّفر ، وكآبة المنَظر ، وسُوء المنُقَلب في المالِ والأهلِ )). [رواه مسلم ].

فإذا رأيت أن النفوس قد تغيَّرت في السفر ، فاعلم أن من أسباب ذلك عدم المحافظة على دعاء السفر ونحوه ، فإن دعاء السفر تضَمَّن الاستعاذة بالله من المشقة والهم والحُزن.

وكما أن المحافظةَ على الأذكار المختلفة سببٌ في حفظ اللهِ لِعبدِه ، فإن التفريط فيها قد يكون سببًا في وقوع ما يسوء . جاء رجل إلى النبي ـ ^ ـ فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: (( أَمَا لو قُلتَ حين أمسيتَ: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التاماتِ مِن شَرِ مَا خَلقَ ، لم تضرك )). [رواه مسلم].

وليس هذا من الشـماتة ، فإن المُـذكِّــر قد يُذكِّــر النـاسَ بشيءٍ

وينساه ، فيُصاب هو . ولذا لما حدَّث أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان ـ t ـ أن النبي ـ ^ـ قال : (( من قال : بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُ مع اسمه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهُوَ السميعُ العليمُ . ثلاث مرات حين يُمسي لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح . ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات ، لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي )).

فأصاب أبانَ بنَ عثمان الفالج ، فجعلَ الرجلُ الذي سمع منه الحديث ينظر إليه ، فقال له : مالك تنظر إليّ ؟ فو الله ما كذبتُ على عثمان ، ولا كذب عثمانُ على النبيِّ ^ ، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها. وفي رواية : ولكني لم أقله يومئذ ليُمضيَ اللهُ عليَّ قدرَه .

                   [رواه أبو داود والترمذي ، وهو حديث صحيح ].

 

إذاً فلا يُتعجَّب أن يُقال إن ما يُصيب بعض الأُسر من الحوادث قد يكون بسبب تفريطهم في الأدعية والأذكار. فلتحرص الأسرة على اقتناء شيء من الكتيبات ، مثل كُتيِّب: " حِصْنِ المسلم " ففيه الكثير من الأدعية والأذكار ، وإذا انطلقت الأسرة مسافرة فليقرأ أحدُ أفرادِها دعاءَ السفر ، وليُردد من لم يحفظه من الصغار أو الكبار .

 

ثالثًا: أمور يُقطع بها الطريق:

لِقَطع المسافات الطويلة ، يمكن أن يستثمر الوقت بقراءة القرآن من بعض أفراد الأُسرة ، أو أن يروي أحدُهم قصة، وآخر يُلقي قصيدةً ، و آخر يطرح مسابقة.

ولإذهاب الملل والسآمة عن الصغار تُجلب لهم بعض الألعاب يلهون بها في داخل السيارة يقطعون بها السفر.

 

رابعًا: استثمار أوقات الإجابة:

وبخاصة أن بعض الأسفار توافقُ آخرَ ساعةٍ من يوم الجمعة، حيث فيه ساعةُ إجابة ، فيَحسُن تذكيرُ أفراد الأسرة بهذه الساعة ، وحثِّهم على الدعاء .

 

خامسًا: التفكر في مخلوقات الله:

يمكن أن يُذكِّر أفراد الأسرة بعضهم بعضًا بآيات الله الكونية ليتأملوا ويعتبروا ، فإذا مرّوا بالإبل على الطريق تذكّروا قوله سبحانه: ] أَفَلا يَنْظُرونَ إِلى الإِبلِ كَيْفَ خُلِقَت.[ ، وإذا مرّوا بالجبال ــ مثلاً ــ تذكروا ما يتعلّق بها من آيات ، وكيف أنها على عِظمِها تكون يومَ القيامةِ كالصُّوف . وهكذا .

وإذا أقبل الليل وهُم في سفرهم حَرصوا على أذكار المساء . وهناك بعض الكُتيّبات وبعض البطاقات التي توضع في الجيب يستحب الحصول عليها لحفظ أذكار الصباح والمساء والمحافظة على الإتيان بها.

ولا تُضَيِّق الأسرة على نفسها في سفرها ، ولتترخَّص بِرُخصِ السفر ، فإن الله يحُب أن تُؤتى رخصُه ، كما يكره أن تؤتى معصيتُه ، ومن ذلك الجمع والقصر ، وغيرها من رخص السفر.

 

 

 


المصدر: شعبة توعية الجاليات بالزلفى - من كتاب الإجازة مشروعات وأفكار
Drzanouny

د.عبدالرحمن زنونى - استشارى الثروة الحيوانية- استاذ(م) بقسم الإنتاج الحيوانى-كلية الزراعة-جامعة المنيا-جمهورية مصر العربية [email protected](002)01092994085

  • Currently 164/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
50 تصويتات / 778 مشاهدة
نشرت فى 14 يوليو 2010 بواسطة Drzanouny

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

781,957