أقسام الناس في الإجازة
ينقسم الناس في قضاء الإجازة إلى أقسامٍ عِدّة وفق رغباتِ نفوسهم واحتياجاتِهم :
فقسمٌ يقضيها في أداء واجب كـ برّ والدٍ ، أو صلة رحمٍ واجبةٍ ، ونحو ذلك .
وقسمٌ يقضيها في القيام بمسنون كـ زيارة الأقارب ، أو زيارةِ الأصدقاء ، وأداءِ العمرة ، والدعوةِ إلى الله ، والتّفكّرِ في ملكوت السماوات والأرض ، ونحوِ ذلك .
وقسمٌ يقضيها في سفر مباح ، كـ سفرِ النُّزهة المباح ، وطلبِ برودة الجو ، أو البحث عن علاجٍ ، ونحوِ ذلك .
وقسم يقضيها في أمور مكروهه ، كأن يقضيها في اللهو والعبث ، أو في النوم ، أو يقضيها في سفرٍ من الأسفار من غير فائدة مرجوّة ، ولا هدفٍ منشود ، أو ربما مباهاةً للناس ، ولو أدى ذلك إلى تحمل الدَّيْن أو أدى إلى الإسراف أحيانا .
وقسمٌ يقضي إجازته في أمور محرمة ، كالسفر إلى بلاد الكفار أو بلاد العهر والفجور ، أو ما يُصاحب ذلك السفر من تـهتّك وسفور ، أو تضييع لفرائض الله عز وجل .
وقسمٌ ينتظر الإجازة بصبرٍ نافدٍ ، فهو لها بالأشواق ، فإذا قَدِِمتْ طار مع رُفقته وترك أسرته ، وربما لجؤوا إلى الناس يستجدونهم ويطلبون منهم المساعدة ، وهو في لهو ولعب ، وربما في سفر مُحرّم .
هكذا يَمْضي بعضُ الناس وأسرتُه تتمنّى لو صحِبَهم في نُزهة برية أو رحلة خَلَوية ، أو شاركهم إجازة صيفية . تتمنّى أُسرتُه لو قضى معهم إجازةً واحدةً. ويتمنّى أهلُه لو أعطاهم شيئًا من حقِّهم المشروع . وقد تقدّم قول المصطفى ^ : (( إن لأهلك حقًّـا )).
وتُشير بعضُ الأرقام والإحصاءات إلى أن :
63% من السياح يسافرون بصحبة الأصدقاء .
29% فقط مع العائلة .
8% بمفردهم .
ولا شك أن قضاء الإجازة إذا كان في أمرٍ أصله مباحًا وصاحبته نيّـةٌ صالحةٌ فإنها تُؤثّر في قبوله وعلو درجته ، ويؤجر المسلم عليه.
الترفيه بين المشروع والممنوع
الترفيه عن النفس والأهل والأولاد مطلوبٌ . مطلوبٌ لاستعادةِ النشاط ، وتغييِر الجـو ، وكسرِ الروتين .
والترفيهُ لا يَحرُم لكونه مُجرّد ترفيه ، بل يحرم لما يُصاحبُه ، إما من تضييع فرائض الله ، أو من ارتكاب ما حرّم الله . أو تضييع الأولاد ذكورًا كانوا ، أو إناثًا .
وقد يُنكر بعض الناس على من يُسافر سفرًا مُباحًا لمجرّد الترويح عن النفس . وربما استدلُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام : (( وليس من اللهو إلا ثلاثٌ : مُلاعبةُ الرجلِ امرأتَه ، وتأديبُه فرسَه ، ورميُه بقوسِه )). [رواه الإمامُ أحمد من حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ t، ورواه النسائي في الكبرى من حديثِ جابر t ].
وهذا لا يدلُّ على الحصر ؛ لأنه جاء غيرُ هذه الثلاث كما في رواية النسائي .
ثم إنه ثبت أن النبي ـ ^ ـ كان يُمازِح أصحابه ، لكنه لا يقول إلا حقًا . فقد مازَح ـ ^ ـ زاهراً والتزمه من خلفه وقال : (( من يشتري العبد )). [رواه أحمد: 12187]. والمواقف التي مزح فيها النبي ـ ^ ـ كثيرة ليس هذا مجال موضوعها.
كما ثبت عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يتمازحون، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.
الأسرة والحياء
تظن بعض الأُسر أن الحياءَ يكون في البيوت فحسب ، أو أنه حياءٌ ممن يُعْرَف ، ناسين أن الحياء يجب أن يكون حياءً من الله قبل أن يكون حياءً من الناس . وربما لفَتَ نظرَك تصرّفاتُ بعضِ الأسـر ، في المجمّعات أو التّجمّعات أو المصايف والمتنـزّهات ، حتى شُوهِدت بعض النساء تقود الدراجة النارية في مثل تلك الأماكن . وربما رأيت جلباب الحياء قد خُلِع بحجّة أن هذا ديدن الناس .
فيجب أن تتّصف الأُسر بالحياء في البيوت وخارجها ، والحياء خُلقٌ كريم ، والنبيُّ ـ ^ ـ كان يُوصف بأنه أشدُّ حياءً من العذراء في خِدرها كما في البخاري ومسلم .
فبأي شيءٍ وُصفَ النبي ^؟ وبأي شيء شُبِّـه ؟
لقد وُصِف بالحياء ، بل بِشِدّةِ الحياء . فلنتأمل هذا الخُلق الكريم ، ولنحرص على المحافظة عليه .
قال ابن حبان : الواجب على العاقل لزوم الحياء ؛ لأنه أصل العقل ، وبذر الخير ، وتركه أصل الجهل ، وبذر الشر . والحياء يدل على العقل ، كما أن عدمه دال على الجهل:
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء
قال في روضة العقلاء: الحياء من الإيمان ، والمؤمن في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجافي في النار ، إلا أن يتفضل الله عليه برحمته فيخلصه منه .
الأسرة والسفر
تكثُر الأسفار في الإجازات ، وتتنوّع الوجهات ، وتختلف المقاصد ؛ ومن هُنا تختلف نظرة الناس إلى السفر، وقد قيل :
تغربْ عن الأوطان والتمس الغنى
وسافر ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ
تـفـرجُ هـمٍّ واكــــتساب معـــيشـة
وعلــمٌ وآدابٌ وصُــحبـةُ ماجــدِ
وقال آخر :
إذا قيل في الأسفارِ خمسُ فوائدِ
أقول وخمسٌ لا تقاسُ بها بلوى
فتضـييعُ أمـوالٍ وحمـلُ مشــقّـةٍ
وهــمٌّ وأنكـادٌ وفرقةُ من أهوى
وأبلغ منه قوله عليه الصلاة والسلام : (( السفرُ قطعةٌ من العذاب )). [متفق عليه] ؛ ولهذا استعاذ النبي ـ ^ ـ من وعثاء السفر.
وفي الأسفار قد تحصُلُ المشاقّ ، ويقعُ التّعب ، ويحصلُ النّصَب . وعلى الأُسر إذا سافرتْ أن تحرص على أمور منها:
أولاً: الحرص على الهداية والكفاية والوقاية :
ثبت عند أبي داود من حديث أنس بن مالك t ، أن النبي ـ.^ ـ قال : (( إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولاقوة إلا بالله )) قال: (( يُقال حينئذ : هُديت وكُفيت ووُقيت ، قال : فيتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخـر : كيف له برجل قد هُدي وكُفي ووُقي ؟ )). [5095].
وعند أبي داود أيضًا عن أم سلمة قالت: ما خرج النبي ـ^ ـ من بيتي قطُّ إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: ((.اللهم إني أعوذ بك أن أَضلَّ أو أُضلَّ ، أو أَزلَّ أو أُزلَّ ، أو أَظلمَ أو أُظلمَ ، أو أَجهلَ أو يُجهل عليَّ )). [5094].
فإذا أرادت الأسرة أن تُغادر البيت فليكن هذا منهم على بال. ففي هذا الدعاء هدايةٌ وكفايةٌ ووِقاية .
ثانيًا : الحرص على مُصاحبةِ الخالق :
احرص على مُصاحبةِ الخالق سبحانه وتعالى ؛ لِـتُحفظ بحفظه. هل رأيت تلك السيارات التي تناثرت على جَنَبات الطريق ، فتناثرت تلك الأُسر ، وتطايرت حاجاتُها ، وأصابها ما أصابها . لا شك أن من أسباب ذلك عدم الحرص على الأدعية والأذكار . وقد يُعدُّ هذا ضربًا من المبالغة أو من التهويل ، وليس الأمر كذلك . تأمل هذا القَدْر من دعاء السفر الذي كان يدعو به رسولُ الله ^:
(( اللَّهُم إنا نَسألُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَ والتقوى ، ومِنَ العَمَلِ ما تَرضى . اللهم هَوِّنْ عَلينا سَفَرنا هذا واَطْوِ عنَّا بُعْدَه . اللَّهُم أنتَ الصَّاحبُ في السَّفَر والخليفةُ في الأهلِ . اللَّهُم إني أعُوذُ بكَ من وَعْثَاء السَّفر ، وكآبة المنَظر ، وسُوء المنُقَلب في المالِ والأهلِ )). [رواه مسلم ].
فإذا رأيت أن النفوس قد تغيَّرت في السفر ، فاعلم أن من أسباب ذلك عدم المحافظة على دعاء السفر ونحوه ، فإن دعاء السفر تضَمَّن الاستعاذة بالله من المشقة والهم والحُزن.
وكما أن المحافظةَ على الأذكار المختلفة سببٌ في حفظ اللهِ لِعبدِه ، فإن التفريط فيها قد يكون سببًا في وقوع ما يسوء . جاء رجل إلى النبي ـ ^ ـ فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: (( أَمَا لو قُلتَ حين أمسيتَ: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التاماتِ مِن شَرِ مَا خَلقَ ، لم تضرك )). [رواه مسلم].
وليس هذا من الشـماتة ، فإن المُـذكِّــر قد يُذكِّــر النـاسَ بشيءٍ
وينساه ، فيُصاب هو . ولذا لما حدَّث أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان ـ t ـ أن النبي ـ ^ـ قال : (( من قال : بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُ مع اسمه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهُوَ السميعُ العليمُ . ثلاث مرات حين يُمسي لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح . ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات ، لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي )).
فأصاب أبانَ بنَ عثمان الفالج ، فجعلَ الرجلُ الذي سمع منه الحديث ينظر إليه ، فقال له : مالك تنظر إليّ ؟ فو الله ما كذبتُ على عثمان ، ولا كذب عثمانُ على النبيِّ ^ ، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها. وفي رواية : ولكني لم أقله يومئذ ليُمضيَ اللهُ عليَّ قدرَه .
[رواه أبو داود والترمذي ، وهو حديث صحيح ].
إذاً فلا يُتعجَّب أن يُقال إن ما يُصيب بعض الأُسر من الحوادث قد يكون بسبب تفريطهم في الأدعية والأذكار. فلتحرص الأسرة على اقتناء شيء من الكتيبات ، مثل كُتيِّب: " حِصْنِ المسلم " ففيه الكثير من الأدعية والأذكار ، وإذا انطلقت الأسرة مسافرة فليقرأ أحدُ أفرادِها دعاءَ السفر ، وليُردد من لم يحفظه من الصغار أو الكبار .
ثالثًا: أمور يُقطع بها الطريق:
لِقَطع المسافات الطويلة ، يمكن أن يستثمر الوقت بقراءة القرآن من بعض أفراد الأُسرة ، أو أن يروي أحدُهم قصة، وآخر يُلقي قصيدةً ، و آخر يطرح مسابقة.
ولإذهاب الملل والسآمة عن الصغار تُجلب لهم بعض الألعاب يلهون بها في داخل السيارة يقطعون بها السفر.
رابعًا: استثمار أوقات الإجابة:
وبخاصة أن بعض الأسفار توافقُ آخرَ ساعةٍ من يوم الجمعة، حيث فيه ساعةُ إجابة ، فيَحسُن تذكيرُ أفراد الأسرة بهذه الساعة ، وحثِّهم على الدعاء .
خامسًا: التفكر في مخلوقات الله:
يمكن أن يُذكِّر أفراد الأسرة بعضهم بعضًا بآيات الله الكونية ليتأملوا ويعتبروا ، فإذا مرّوا بالإبل على الطريق تذكّروا قوله سبحانه: ] أَفَلا يَنْظُرونَ إِلى الإِبلِ كَيْفَ خُلِقَت.[ ، وإذا مرّوا بالجبال ــ مثلاً ــ تذكروا ما يتعلّق بها من آيات ، وكيف أنها على عِظمِها تكون يومَ القيامةِ كالصُّوف . وهكذا .
وإذا أقبل الليل وهُم في سفرهم حَرصوا على أذكار المساء . وهناك بعض الكُتيّبات وبعض البطاقات التي توضع في الجيب يستحب الحصول عليها لحفظ أذكار الصباح والمساء والمحافظة على الإتيان بها.
ولا تُضَيِّق الأسرة على نفسها في سفرها ، ولتترخَّص بِرُخصِ السفر ، فإن الله يحُب أن تُؤتى رخصُه ، كما يكره أن تؤتى معصيتُه ، ومن ذلك الجمع والقصر ، وغيرها من رخص السفر.
ساحة النقاش